إسرائيل قصفت بغارة جوية على ما يشتبه بأنه مفاعل نووي في محافظة دير الزور السورية، بعد منتصف الليل مباشرة (التوقيت المحلي) يوم 6 أيلول/سبتمبر 2007، وهو ما اعتبر عملية عسكرية إسرائيلية كبرى أو كما يطلق عليه في إسرائيل “خارج الصندوق”.

وهذه العملية لم تعترف إسرائيل رسميا بها إلا في عام 2018، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها الجيش الإسرائيلي صراحة مسؤوليته عن تدمير المنشأة النووية السورية، بينما تنفي سوريا باستمرار أن يكون الموقع الذي تعرض للقصف، مفاعلا نوويا.

وفي بيان نُشر في ذلك الوقت، وصِفت الضربة الجوية على موقع “الكُبر” شرقي دير الزور بأنها أزالت “تهديدا وجوديا ناشئا ضد إسرائيل والمنطقة بأكملها”، وأشار إلى، أن المفاعل كان على وشك الاكتمال. وكانت الاعتقادات بقيت لزمن طويل بمسؤولية إسرائيل عن تدمير المفاعل النووي السوري في صحراء دير الزور، بيد أنها لم تقرّ بذلك حتى صدور البيان الأخير.

ومن ثم، كشفت وزارة الدفاع الإسرائيلية عبر بيان مقتضب، مطلع شهر أيلول/سبتمبر 2022، بمناسبة مرور 15 عاما على قصف مفاعل نووي في سوريا، وكشف “لأول مرة” وثيقة استخباراتية تعود إلى عام 2002 تدور حول مشروع نووي “سرّي” مشتبه به في سوريا.

يوم الثلاثاء الفائت، كشف قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق، إليعازر شكدي، تفاصيل مثيرة عن عملية تدمير المفاعل النووي شرقي دير الزور في عام 2007، بدءا من التخطيط واتخاذ القرار وانتهاء بتنفيذ العملية.

وجاء ذلك في مقال مطوّل كتبه الصحفي الإسرائيلي البارز، بن كسبيت، نشرته صحيفة “معاريف”، بمناسبة “يوم الغفران” اليهودي، المصادف يوم أمس الأربعاء، خبايا العملية التي تعتبرها إسرائيل “تاريخية ومصيرية” وإحدى أهم العمليات الأمنية العسكرية التي نفذتها في تاريخها.

قد يهمك: استراتيجية إسرائيلية لضرب المطارات السوريّة.. ماذا وراء ذلك؟

من يقفون خلف نشاط المفاعل؟

في عام 2001، حدد الموساد، (جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي)، خصائص الرئيس السوري الجديد بشار الأسد، المنصّب حديثا آنذاك. ولوحظت الزيارات التي قامت بها شخصيات كورية شمالية، التي ركزت على عمليات تسليم الأسلحة المتقدمة.

واقترحت “آمان”، شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، مناقشة الأسلحة النووية، إلا أن الموساد رفض هذه النظرية. وفي ربيع عام 2004، أفادت الاستخبارات الأميركية بوجود اتصالات متعددة بين سوريا وكوريا الشمالية، وتعقبت المكالمات إلى موقع صحراوي يسمى “الكُبر”. وقامت الوحدة 8200، وهي استخبارات إشارات إسرائيل ووحدة لفك الشفرات، بإضافة الموقع إلى قائمة المراقبة.

وفي أواخر نيسان/أبريل 2004، حدث انفجار هائل على قطار بضائع كوري شمالي يتوجه إلى ميناء نامبو. استنادا إلى كاتب المخابرات البريطاني جوردن توماس، علم الموساد، أن العشرات من التقنيين النوويين السوريين كانوا في مقصورة تجاور عربة مغلقة. وحسب توماس، فإن السوريون قد وصلوا إلى كوريا الشمالية لجمع المادة الانشطارية المخزّنة في العربة.

المفاعل النووي السوري عندما كان قيد الإنشاء (اليمين) ومفاعل كوري شمالي (اليسار) “رويترز”

وكل التقنيين، قُتِلوا في انفجار القطار، وقد تم نقل جثثهم جوا إلى سوريا في توابيت مغطاة بالرصاص على متن طائرة عسكرية سورية، وفق صحيفة “التلغراف”.

كذلك، جرى تطويق منطقة واسعة حول موقع الانفجار لأيام حيث كان جنود كوريون شماليون في بدلات ضد التلوث يجمعون حطاما ويرشون المنطقة. ومحللو الموساد شكوا بأنهم كانوا يحاولون استعادة البلوتونيوم الصالح كسلاح. ومنذ الانفجار، قام الموساد بتعقب حوالي اثنتي عشرة رحلة، من قبل ضباط وعلماء عسكريين سوريين إلى بيونغ يانغ، حيث التقوا المسؤولين الكوريين الشماليين الكبار.

صحيفة “التلغراف”، البريطانية، مستشهدة بمصادر مجهولة، ذكرت أنه في كانون الأول/ديسمبر 2006، مسؤول سوري كبير (كان استنادا إلى إحدى المقالات رئيس لجنة الطاقة الذرية السورية، إبراهيم عثمان) وصل إلى لندن تحت اسم مزيف.

وأضافت الصحيفة، أن الموساد قد اكتشف حجز للمسؤول في فندق لندن، وأرسل عشرة وكلاء سريين على الأقل إلى لندن. الوكلاء قسِّموا في ثلاث فرق. مجموعة واحدة أُرسلت إلى مطار هيثرو، لتحديد هوية المسؤول عند وصوله، ثانية للحجز في فندقه، وثالثة لمراقبة حركاته وزواره. بعض العناصر كانوا من قسم “كيدون”، الذي يتخصص في الاغتيالات، وقسم “نفيعوت”، الذي يتخصص في اقتحام البيوت، السفارات، وغرف الفنادق لتركيب أجهزة التنصت.

وفي اليوم الأول من زيارته، زار السفارة السورية ومن ثم ذهب للتسوق. تبعه عناصر “كيدون” بعناية، بينما اقتحم عناصر “نفيعوت” غرفة فندقه ووجدوا حاسوبه النقال. ثم ركّب خبير حاسوب برمجيات سمحت للموساد بمراقبة نشاطاته على الحاسوب.

عندما فُحصت مادة الحاسوب في مقر الموساد، وجد مسؤولون مخططات ومئات من صور منشأة “الكُبر” في المراحل المختلفة من البناء، والمراسلات.

بالإضافة إلى أنه أظهرت صورة واحدة المسؤول النووي الكوري الشمالي تشون تشيبو، يجتمع بإبراهيم عثمان، مدير وكالة الطاقة الذرية السورية. مع ذلك الموساد قد خطط أصلا لقتل المسؤول في لندن، تقرر الحفاظ على حياته بعد الاكتشاف. أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت. وفي الشهر التالي، كون أولمرت لجنة ثلاثية العضوية للإبلاغ عن برنامج سوريا النووي. وكالة المخابرات المركزية أُعلمت، وشبكة المخابرات الأميركية أيضا انضمت إلى المسعى للمزيد من المعلومات. وبعد 6 أشهر، العميد يعقوب عميدرور، أحد أعضاء اللجنة، أخبر أولمرت بأن سوريا كانت تعمل مع كوريا الشمالية وإيران، على منشأة نووية. إيران قد وفرت مليار دولار إلى المشروع، وخططت لاستخدام منشأة “الكُبر” لاستبدال المنشآت الإيرانية إذا لم تستطع إيران إكمال برنامجها لتخصيب يورانيوم، طبقا لـ”التلغراف”.

قد يهمك: تواصل إسرائيلي مع الأسد.. ما نتائجه؟

اعتراف إسرائيلي في 2018

إسرائيل أعلنت، في 2018، للمرة الأولى، إنها قصفت ما يشتبه بأنه مفاعل نووي سوري، عام 2007، معتبرة أن الضربة يجب أن تكون تحذيرا لإيران من أنه لن يُسمح لها بتطوير أسلحة نووية، وفق وكالة “رويترز”.

وجاء الاعتراف الإسرائيلي بعد أن رفعت الرقابة العسكرية الإسرائيلية صفة السرية من مواد تتعلق بالغارة الجوية التي استهدفت منشأة في دير الزور شرقي سوريا عام 2007، التي كانت تمنع المسؤولين الإسرائيليين من التحدث عن هذه العملية.

وكالة الطاقة الذرية الدولية قالت في السابق، إن “من المحتمل جدا” أن يكون الموقع مفاعلا نوويا. مشيرة بأنه قد بُني بمساعدة من كوريا الشمالية، في حين تنفي سوريا، الموقّعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ذلك.

صورة الهدف قبل وبعد العملية نشرتها الولايات المتحدة

وحينها، قال وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، افيغدور ليبرمان، إن على المنطقة بأكملها استيعاب الدرس من الضربة التي نفذتها إسرائيل في عام 2007، ضد ما يشتبه في أنه مفاعل نووي سوري.

وأردف في بيان، إن “الدوافع لدى أعدائنا تنامت في السنوات الأخيرة، ولكن قدرة قوات الدفاع الإسرائيلية تنامت أيضا”، مشددا على إن “الكل في الشرق الأوسط سيعمل جيدا لاستيعاب المعادلة”.

ومن ضمن المواد التي رفعت إسرائيل السرية عنها، لقطات لما تقول إنها ضربة لمنشأة “الكُبر”، في منطقة الصحراء في ريف دير الزور بسوريا، بالإضافة إلى صور للعملية العسكرية “السرية”.

وأشارت إسرائيل، إلى إن أربع طائرات من طراز إف-16 وأربع طائرات مقاتلة من طراز إف-15 قصفت المنشأة. وقال الجيش الإسرائيلي في بيان “في الليلة بين الخامس والسادس من سبتمبر/ أيلول عام 2007، نجحت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي في ضرب وتدمير مفاعل نووي سوري قيد الإنشاء. وعادت بعد أربع ساعات في تمام الساعة 02,30 من فجر اليوم التالي إلى قواعدها سالمة. وقد كان المفاعل على وشك الاكتمال”.

وأضاف البيان، “الرسالة من الهجوم على المفاعل النووي عام 2007 هو أن دولة إسرائيل لن تسمح بتأسيس قدرات تهدد وجودها. هذه كانت رسالتنا في عام 2007، وهذه هي رسالتنا اليوم وسوف تظل رسالتنا في المستقبل القريب والبعيد”. وأطلقت إسرائيل على تلك العملية “عملية البستان”، فيما وصفتها تقارير إسرائيلية بأنها “عملية خارج الصندوق”.

قد يهمك: نفوذ إيراني متغول في قطاع النفط والغاز بسوريا.. ما الاحتمالات؟

كشف تفاصيل أكثر في أيلول 2022

في سياق الاعتراف الإسرائيلي عن مسؤوليتها عن الغارة الجوية التي استهدفت مفاعل نووي في البادية السورية، كشفت وزارة الدفاع الإسرائيلية، مطلع أيلول/سبتمبر الفائت، عبر بيان رسمي عن “وثيقة استخباراتية” جديدة، تتعلق بقصفها للمفاعل النووي في محافظة دير الزور السورية، والذي يعود لعام 2007.

قال البيان: “في تاريخ 6 أيلول/سبتمبر 2007 دمرت مقاتلات الجيش الإسرائيلي المفاعل النووي السوري في دير الزور”، في إشارة إلى الغارة الجوية التي شنّتها على منشأة “الكُبر”، قرب دير الزور، شرقي سوريا.

وأردف البيان: “في الذكرى الـ15 لاستهداف المفاعل، يكشف النقاب، لأول مرة، عن وثيقة استخباراتية تعود إلى عام 2002 تضمنت تقديرا استخباراتيا بأن سوريا تحاول دفع مشروع استراتيجي، لم يتم التعرف على مزاياه بعد، لكنه يثير شكوكا حول اهتمام في مجال إنتاج تهديد نووي، من الجبهة الشمالية”.

وذكر في الوثيقة: “عُرف مؤخرا، أنه في إطار هيئة الطاقة الذرية السورية يتم العمل أو تم العمل على مشاريع سرية غير معروفة لنا. المعلومات لا تشير إلى وجود خطة نووية فعّالة، وإنما تشهد على اهتمام عملي في مجالات قد تؤدي إلى تطوير خطة، وتثير شكوكا على بدء العمل لتطوير خطة كهذه”.

هذا ونشر الجيش، فيديو من ضرب المفاعل النووي، وصورا من لحظات استهداف مفاعل دير الزور النووي عام 2007، منوّها إلى أنه حصل على معلومات ووثيقة استخباراتية قبل 5 أعوام من الاستهداف.

صورة بالأقمار الصناعية تظهر موقع المفاعل قبل وبعد الغارة التي دمرته في 2007

وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، نشر موقع “ناشونال إنترست”، تقريرا تحدث فيه عن البرنامج النووي في سوريا، وجهود الحكومة السورية في تطوير سلاح نووي، وكيف دمرت إسرائيل هذا البرنامج مع بدايات نشوئه.

وأشار الموقع، إلى تدمير مقاتلات إسرائيلية لمفاعل “الكُبر” في دير الزور، في 6 أيلول/سبتمبر من العام 2007، بالقرب من نهر الفرات، وحينئذ لم تتسبب الضربة في أي رد فعل يُذكر من جانب حكومة دمشق.

قد يهمك: كيف سينتهي سيناريو القصف الإسرائيلي للمطارات السورية؟

إسرائيل تكشف تفاصيل أخرى في 2022

كشف قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق، إليعازر شكدي، تفاصيل مثيرة عن عملية تدمير موقع “الكُبر” في ريف دير الزور، في عام 2007، وقال ذلك في مقال مطول كتبه الصحفي الإسرائيلي، بن كسبيت، نشرته صحيفة “معاريف“، يوم الثلاثاء الفائت.

المقال، يتناول حوارا تفصيلا مع شكدي، يستعرض فيه لأول مرة خفايا وتفاصيل عملية تدمير موقع “الكُبر”، بدءا من لحظة تلقي المعلومات وسيرورة التحضيرات وتعقيداتها ووضع الخطط وصولا إلى ساعة الصفر.

الصحفي الإسرائيلي، يستكمل مقاله بإجراء اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود أولمرت، لاستيضاح بعض الجوانب حول العملية.

الصحفي بن كسبيت، يذكر في مقاله أن اجتماعا استثنائيا عقده الفريق الذي خطط ونفذ عملية تدمير موقع “الكُبر”، في 8 أيلول/سبتمبر الماضي، احتفالا بالذكرى السنوية الـ 15 لتنفيذها.

حضر الاجتماع نحو 20 مشاركا، بينهم ثمانية طيارين مقاتلين وثمانية ملّاحين مقاتلين وقائدان سابقان في سلاح الجو الإسرائيلي، هما إليعازر شكدي وعميكام نوركين، ورئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، الذي نُفذت العملية في عهده. وكان من بين الطيارين المشاركين بالاحتفال تومر بار، القائد الحالي لسلاح الجو الإسرائيلي.

هذا ويسترجع قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق، إليعازر شكدي، الساعات التي صدرت بها الأوامر بضرب المفاعل النووي السوري في شهر أيلول/سبتمبر من عام 2007، مبيّنا أن “الحديث يدور عن المفاعل النووي السري، الذي أنشأه الرئيس السوري، بشار الأسد، في صحراء دير الزور”. ويقول إن 8 طائرات مقاتلة، 4 من طراز إف-15 و4 من طراز إف-16، قصفت المفاعل النووي بأكثر من 17 طنا من متفجرات كان الهدف منها هو، “إبادة المفاعل النووي بدون أن يعلم ويعرف السوريين ما الذي جرى وكيف تم ذلك”.

أسقطت الطائرات 17.2 طنا من المتفجرات على المفاعل النووي بحسب الرواية الإسرائيلية “Getty”

شكدي، تحدث عن سيرورة اتخاذ قرار تدمير المفاعل النووي السوري، منذ أن كان رئيسا لقسم العمليات في سلاح الجو الإسرائيلي، مضيفا: “قررت عدم الاكتفاء بالمعلومات الاستخباراتية والتحليلات فقط، وطلبت قراءة كل المواد المتوفرة عن الموضوع نهاية العام 2006، وحين تبوأت منصب قائد سلاح الجو، انتبهت فجأة لمعلومة غريبة نوعا ما، وصلتنا من سوريا. المعلومة لفتت انتباهي وطلبت توضيحا، كيف يمكننا ربط الخيوط التي نتابعها مع بعض. وللتحري أكثر، أقمت طاقما استخباراتيا خاصا مع مختصين من استخبارات سلاح الجو، ومختصين من شعبة الاستخبارات العسكرية، (آمان)، وتلقيت معلومات تؤكد أن دمشق تعمل على إنتاج سلاح نووي بالسر، مما أثار الشكوك حول الموضوع”.

شكدي، أردف بالقول، أنه قد “أنار الضوء الأحمر لدينا، بعدما أكد جهاز الموساد المعلومات بصورة كاملة في آذار/مارس 2007″، وردا على سؤال للصحيفة حول معرفته ما إذا كان الأسد، يمتلك فرنا ذريا، قال شكدي، إنه “بدون أدنى شك، كان الحديث يدور عن حالة استثنائية ومختلفة عما كان متوفر لدينا، ويجب التعامل مع الموضوع بطريقة مختلفة تماما، لقد شعرت بأن هذا الموضوع كبير جدا ويفوق قدرتنا، وكنت أفكر طيلة الوقت كيف بالإمكان نسف هدف بهذا الحجم، وفي المقابل كان الهدف أكبر منا جميعا”.

وأضاف شكدي، أنه في المرحلة الأولى من التخطيط والتحضير، توجه رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، إيهود أولمرت، للولايات المتحدة الأميركية، رغم قناعة أولمرت بأن إسرائيل هي الوحيدة التي يتعين عليها القيام بهذه المهمة، كي لا يتم “كسر” حالة الردع الإسرائيلية في الشرق الأوسط. منوّها: “قررت تجاهل توجه رئيس الحكومة للأميركيين، وبموازاة ذلك بدأنا بتحضير خطة سريعة وقاسية لإبادة المفاعل النووي”. وأشار إلى أن جوابه لرئيس الحكومة الإسرائيلي سيكون إيجابيا في حال سأله عن جهوزية سلاح الجو للعملية.

صور الأقمار الصناعية لموقع المفاعل النووي السوري المفترض قبل وبعد الغارة الإسرائيلية (رويترز-أرشيف)

شكدي، أشار إلى أن الرد الأميركي الذي تلقته إسرائيل في شهر تموز/يوليو بشأن العملية كان سلبيا، “رغم عدم وجود أي تناقض مع موقفنا والمعلومات التي بحوزتنا، ورغم تسليمهم المواد المتوفرة لدينا، قرر الرئيس الأميركي حينها، بوش الابن، عدم ضرب المفاعل النووي السوري”. ويضيف: “من ناحيته، كان على إسرائيل عدم توجيه ضربة للمفاعل السوري، وفضّل أن يتم تسوية القضية بطرق دبلوماسية، حيث أرسل حينها الوزيرة، كوندليزا رايس، وخلال لقائها رئيس حكومتنا أولمرت، أبلغها بصريح العبارة، إذا لم تقوموا أنتم، أميركا، بنسف المفاعل بدير الزور، فسنقوم نحن بالمهمة، ولا حاجة لمسار دبلوماسي”.

قد يهمك: كيف سينتهي سيناريو القصف الإسرائيلي للمطارات السورية؟

كيف دُمر المفاعل النووي السوري؟

في إطار كيفية تدمير المفاعل النووي السوري، قال شكدي: “لقد سخّرنا كل إمكانيات إسرائيل العسكرية لأجل تنفيذ هذه المهمة الجوية والأرضية. طُرح الكثير من المقترحات، ولكن مع مرور الوقت، أدركنا أنه يجب إبادة المفاعل دون التسبب باشتعال حرب في كل المنطقة”. وكي تتفادى إسرائيل تداعيات العملية، قررت ضرب المفاعل بنوعين من المقاتلات، وبثلاثة أنواع من الأسلحة المختلفة، بغية التمويه ولإتمام المهمة على أكمل وجه.

شكدي، نوّه إلى أن إسرائيل حرصت على تنفيذ العملية دون علم “العدو”، وفق قوله، ودون أن يعرف ما جرى وكيف تمت العملية، وأن سلاح الجو أنشأ فريقين من أجل تنفيذ المهمة بإتقان دون أخطاء. ورد شكدي، على سؤال للصحيفة حول إذا ما كانت ستُقدم سوريا على الرد، بأنه و”بعد مرور 15عاما، ورغم معرفة الأسد أننا من ضرب المفاعل النووي، إلا أنه وجميع السوريين لا يعرفون ما جرى بالتحديد”.

شكدي، تطرق في مقابلته لدور رئيس الحكومة السابق وزير الأمن آنذاك، إيهود باراك، قائلا: “مع تولي باراك منصب وزير الأمن في حينه، طرحتُ عليه الفكرة مع شرح مفصل في غرفة جانبية في قاعدة “حتسريم” الجوية، ونجحت بإقناعه بفكرتي، رغم أن الأمر لم يكن سهلا، وكان على رئيس الحكومة ووزير الأمن وقائد هيئة أركان الجيش وقائد سلاح الجو، الإجابة عن ثلاثة احتمالات: إمكانية القضاء على الهدف، مخاطر العملية، وإمكانية تسببها بنشوب حرب”.

كما أن الوقت كان عاملا أساسيا في العملية، وأوضح شكدي: “كلما تأخر الوقت ستكون هنالك تطورات أخرى”. كما ويوضح أن رئيس الحكومة أولمرت، عقد عشية تنفيذ العملية جلسة في مقر إقامته، بمشاركة وزير الأمن، ورئيس هيئة أركان الجيش، ورئيس جهاز المخابرات “الشاباك”، ورئيس الموساد، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، منوّها إلى أنه تم طرح كل المعلومات المتوفرة، “سألنا كل واحد من المتواجدين في الاجتماع ماذا يقترح بالنسبة للخطة الموضوعة، التي تم إقرارها وتنفيذها في نهاية المطاف”.

قد يهمك: “الموساد” في دمشق.. اهتراء في الجيش أم عصر جديد لـ”حزب الله”؟

كيف جرت الاستعدادات؟

الصحيفة الإسرائيلية، أجرت محادثة هاتفية بين الصحافي بن كسبيت، الذي أجرى اللقاء مع شكدي، وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية، آنذاك إيهود أولمرت.

أولمرت، تحدث عن العملية بالقول، إن “القضية أساسا، قضية معقدة، فهي لم تكن قصف المفاعل فقط، إنما كيف يمكننا تدمير المفاعل دون أن يؤدي ذلك لنشوب حرب، لاسيما وأن إصبع الأسد، كانت على الزر، في إشارة لاستعداد سوريا للرد عسكريا على الهجوم الإسرائيلي، وتقديراتنا كانت أنه سيضغط عليه في حال نفذنا العملية”.

في بداية ذلك العام 2007 تلقى السوريون معلومات تفيد بأن إسرائيل والولايات المتحدة، تخططان لشن هجوم في خريف ذلك العام، الولايات المتحدة ستضرب إيران وإسرائيل ستضرب سوريا، وصلت إليهم المعلومات من خلال معلومات استخبارية من دولة ثالثة، كانت على صلة وثيقة بهم.

وبالفعل أخرج الأسد، في نهاية تموز/يوليو 2007، مئات الصواريخ التي تزن أطنانا، والتي يتراوح مدى انحرافها بين 30 إلى 60 مترا، ووضعها على منصات الإطلاق، كان مستعدا لإطلاق النار بضغطة زر على جميع الأهداف الاستراتيجية في إسرائيل، وكنا نعرف معلومات أهدافه، والأسد لم يكن يعرف أننا علمنا بأمر المفاعل النووي، ولكن كان الخوف هو أن يفسر الأسد، الهجوم على المفاعل على أنه بداية الحرب التي تم تحذيره منها، وعندها سيطلق هذه المئات من الصواريخ علينا، وفق أولمرت.

قد يهمك: انسحابات إيرانية من سوريا.. ما حقيقتها؟

لماذا جرت العملية بسرية؟

أولمرت، أشار إلى أن رئيس الأركان غابي أشكنازي، فعل ذلك في ظل هذه الظروف. كان الجيش بأكمله يستعد ويتدرب، ولم يعرف أحد لماذا. وكان التفكير فيما سيحدث في أسوأ السيناريوهات، (اندلاع حرب).

أولمرت، أضاف بالقول: “لهذا السبب قمنا سرّا بإعداد حملة أطلقنا عليها اسم، الدوري الممتاز، مع مجموعات دعاية سرية خاصة تم إعدادها لكل دولة على حدة، مع عدد كبير من المبعوثين الذين كان من المفترض أن ينطلقوا في اليوم التالي إلى جميع الوجهات المهمة في العالم يشرحوا لهم أهداف الضربة وما المستهدف فيها، حتى يفهم الجميع، أن إسرائيل لا تحرض على الحرب، ولكي يعرفوا ماذا ينوي الأسد بناءه في صحراء دير الزور”.

وثيقة استخباراتية تعود لعام 2002

أولمرت، قال إن إسرائيل كانت لديها مخاوف من سيناريوهات حرب محتملة مع سوريا، الأمر الذي دفع المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية لتعجيل عملية قصف المفاعل النووي آنذاك، إذ إن “الوقت كان ضيقا، وكانت إسرائيل خارجة من حرب لبنان الثانية مع نقص بالأسلحة والإمدادات، التي كان لا بد من تجديدها، وكانت لدينا مخاوف من سيناريوهات سيئة وعليه تمت العملية بسرية تامة، وكنا نعلم أن الحرب يجب ألا تندلع في الشتاء، لأن الطقس سيحرمنا من ميزة جوية هائلة. أحضر لي وقتها رئيس الأركان، غابي أشكنازي، قائمة طويلة تشمل عشرات الوسائل القتالية والأشياء اللازمة للحرب، فورا أرسلت وفدا للولايات المتحدة، مساءً، ووصل في الصباح، وجلس مع ستيف هيدلي، مستشار الأمن القومي الأميركي”.

قد يهمك: تصعيد القصف الإسرائيلي على سوريا.. ثمن مصالحة دمشق مع “حماس”؟

كيف ساهمت أميركا في العملية؟

في سياق دعم الولايات المتحدة للعملية الجوية الإسرائيلية على المفاعل النووي السوري، أفاد أولمرت، بأن الولايات المتحدة قدمت الإمدادات العسكرية لإسرائيل، قائلا، إنه في “بداية شهر آب/أغسطس سألنا الأميركان عن كيفية استلام الإمدادات، بسرب من الطائرات أم بالسفينة؟، افترضنا أنه سيتم تسريب الأمر إذا اعتمدنا طائرات جالاكسي، لذا فضلنا السفينة، قلنا للأميركيين إن الأمر عاجل للغاية، لقد جمعوا كل ما طلبناه من أسلحة، من مخازن الطوارئ والمخزون الموجود، من كل مكان وقاموا بتحميل سفينة ضخمة جدا، لا يمكن أن ترسو على شواطئ البلاد، لذا رست في جزيرة كريت، بعدها أغلقنا ميناء أشدود، لمدة يومين، ونقلنا كل شيء في سلسلة سفن من جزيرة كريت إلى هنا، ثم جاءني رئيس الأركان وقال لي: أنا جاهز”.

أما في إطار الخيارات العسكرية التي كانت مطروحة لتدمير المفاعل، قال أولمرت: “كان ذلك يوم الجمعة، 31 آب/ أغسطس، في منزلي في شارع بلفور بالقدس، طلبت منهم تقديم جميع البدائل، لقد قمت بالتنسيق مسبقا مع شكدي، لتقديم البديل الذي أطلقنا عليها اسم “الموسيقى الصامتة”. استندت هذه الخطة إلى حقيقة أنه إضافة للمفاعل، سنقوم أيضا بتدمير منظومة الصواريخ السورية بأكملها، من أجل منع أي ضرر استراتيجي قد يلحق بنا في حالة الحرب، في غضون ذلك، تغير تصورنا، لقد آمن كل من رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية ورئيس الموساد، بأنه يجب تنفيذ العملية بهدوء ودون رد فعل من السوريين. في نفس الاجتماع، قدم شكدي، الخيار الهادئ، مع الحد الأدنى من الضجة، طلبت من شخصين إبداء رأيهما، الأول كان رئيس الأركان، غابي أشكنازي، الذي طلب مني تقديم توصياته في مجلس الوزراء، كما طلبت من وزير الدفاع، باراك، وفضل عدم إبداء رأيه، إلا أن نائب رئيس الأركان، موشيه كابلينسكي، طلب مني فجأة قول شيء ما، وأوصى بشدة بتبني توصية سلاح الجو، هذا هو الإجراء الصحيح والأكثر كفاءة والأفضل”، وفق ما نقله موقع “العربي الجديد”.

أولمرت، قال إن أحد البدائل العسكرية لتدمير المفاعل السوري كان عملية برية، إذ أوضح أنه كانت قد طرحت خطة “لعملية برية، ولكننا فضلنا ميزة العمل الجوي.. أسقطت الطائرات 17.2 طنا من المتفجرات على هذا المفاعل، لا أعتقد أن العملية البرية كانت ستحقق المطلوب، وكانت هناك أيضا مسألة إعادة المقاتلين الطيارين، من مسافة مئات الكيلومترات في عمق العدو إلى منازلهم سالمين”.

حول كلفة العملية الجوية قال أولمرت: “ستندهش، لم يكلفنا ذلك شيئا على الإطلاق. كل هذه الإمدادات تم تحويلها إلى مخازن الطوارئ للولايات المتحدة الموجودة لدينا، بمعنى آخر لم ندفع أي أموال على الإطلاق، لقد خرجت الأموال من البنوك الأميركية. وذهبت إلى البنوك الأميركية”.

قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق، إليعازر شكدي، يستخلص الدروس من عملية تدمير المفاعل في سوريا، فيقول: “درسي الأساسي هو الصمت، أنظر إلى ما يحدث في الشأن الإيراني، وأنظر كيف تم التعامل بهدوء، في صمت، مع المسألة السورية، كان هناك صمت عملي نقي ومطلق، وأعتقد أنه كلما قلّ الحديث، كان ذلك أفضل، أفهم الجيل الحالي من القادة العسكريين والقادة السياسيين، وأنا أدرك حجم المسؤولية الملقاة على أكتافهم. ومع ذلك، أعتقد أنه من الخطأ الإفصاح عن الأشياء في الخارج”. وأكد شكدي، أن إسرائيل كانت على أهبة الاستعداد لاندلاع حرب شاملة مع سوريا، جراء عملية نسف المفاعل النووي، وأخذت بالحسبان جميع السيناريوهات، لكن سوريا لم ترد بأي من هذه السيناريوهات.

قد يهمك: جبهة عسكرية إيرانية في الجنوب السوري.. تصعيد إسرائيلي متزايد؟

هل تملك دمشق مفاعلات نووية؟

بالعودة إلى تقرير “ناشونال إنترست“، فقد أشار إلى أنه كان من الصعب تقييم إلى أي مدى كانت الحكومة السورية ستبتعد عن تطوير سلاح نووي لو لم تُعرقل جهوده، فعلى الرغم من صعوبة الحصول على معلومات كاملة فيما يتعلق باهتمام دمشق ببرنامج نووي، فإنه نشأ عن تلك الضربة فجوة متزايدة في القدرات التقليدية بين دمشق وتل أبيب.

رغم أن الحكومة في دمشق تنفي دائما نيته تثبيت أي جزء من برنامج نووي، فإن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكدت لاحقا أن موقع “الكُبر”، كان على ما يبدو مفاعلا نوويا.

موقع “ناشونال إنترست”، بيّن أنه ليس هناك شك في أن البرنامج السوري كان بدائيا مقارنة ببرامج إيران أو كوريا الشمالية، ومع ذلك فإن دمشق كان بإمكانها الاعتماد على المساعدة الفنية من إحدى الدولتين، ومن المحتمل جدا أن تكون كوريا الشمالية قدمت المساعدة الفنية لتطوير منشأة “الكُبر”، على نهر الفرات.

قد يهمك: القصف الإسرائيلي على حلب ودمشق.. خطوة متقدمة للتصعيد؟

رسالة موجهة لإيران؟

العديد من التقارير، أشارت إلى أن نشر الوثيقة والصور والفيديو في الوقت الحالي، “رسالة واضحة لإيران”، وسط ذروة تهديدات إسرائيل لإيران حال امتلاكها سلاحا نوويا.

كذلك، وقبل نحو عامين، قال وزراء إسرائيليون إن الاعتراف بالهجوم على المفاعل النووي السوري، يأتي بمثابة رسالة في الوقت الحاضر إلى “أعداء إسرائيل وفي مقدمتهم إيران العدو اللدود، الذي تخشى إسرائيل أن يتزايد نفوذه”.

قال وزير الاستخبارات إسرائيل، يسرائيل كاتس، في تغريدة على منصة “تويتر”، في عام 2018، “العملية ونجاحها أوضحتا أن إسرائيل لن تسمح أبدا بأن تكون الأسلحة النووية في أيدي من يهددون وجودها .. سوريا في ذلك الحين وإيران اليوم”.

وتبذل إسرائيل جهودا كبيرة لثني الدول الغربية، عن توقيع اتفاق “متبلور” مع إيران، حيال برنامجها النووي. فمنذ شهور، يتفاوض دبلوماسيون من إيران والدول الغربية في العاصمة النمساوية فيينا، بشأن إبرام اتفاقية ما حول برنامج طهران النووي، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية التي أعاد فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بعد انسحاب بلاده من الاتفاق في أيار/مايو 2018.

قد يهمك: مع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية.. ما أبرز القضايا التي تحسم المشهد السياسي؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.