تزامنا مع أزمة المواصلات الخانقة، وحالة الازدحام على وسائل النقل، والارتفاع الأخير بأسعار البنزين من قبل الحكومة السورية، بدأ عدد كبير من الموظفين بركوب “تاكسي الركاب”، أي أن إيجار الشخص الواحد يتراوح حسب المنطقة ويبدأ من 5 إلى 10 آلاف ليرة سورية.

بالإضافة إلى ذلك، يقوم المغتربون والسياح الذين يزورون سوريا منذ العام الماضي تقريبا بتأجير السيارات بشكل يومي أو شهري حسب حاجتهم، نظرا لأزمة النقل المستمرة في البلاد من جهة، ولأن تكلفتها أصبحت تعادل نفس تكلفة المواصلات العادية، وبالتالي أصبح الطلب على استئجار السيارات هو الخيار الأفضل لهم، واللافت أن أسعار الإيجارات تبدأ بأرقام “خيالية”، فمثلا في اليوم الواحد يكلف نحو 200 ألف ليرة سورية، أي حوالي 25 دولارا.

“السياحة لها ثمنها”

تقرير لموقع “أثر برس” المحلي نُشر يوم أمس الإثنين، أشار إلى أن أسعار إيجارات السيارات في سوريا تكلف أرقاما فلكية. كما أوضح صاحب مكتب لتأجير السيارات في دمشق للموقع المحلي “نؤجر سيارات في الساعة، توصيلة مع سائق، أما في اليوم والأسبوع والشهر فيتم الإيجار مقابل ضمانة وهو مبلغ من المال لنضمن ثمن السيارة إذا حدث أي مكروه أو حادث”، مضيفا “إيجارها باليوم مثلا من الساعة الثامنة صباحا وحتى موعد تسليمها الثامنة مساء يكون 200 ألف ليرة، وبعد أن يعيدها الزبون نعيد له الضمانة التي وضعها بعد فحص السيارة والكشف عنها”.

أحد مكاتب السيارات بسوريا- “فيسبوك”

أمّا التأمين فهناك نوعان من التأمين إلزامي وشامل؛ الإلزامي يتراوح بين 30 إلى 50 ألفا، أما الشامل فهو مرتفع حسب نوع السيارة ويبدأ من 200 ألف، وهناك سيارات تأمينها يصل إلى 400 و500 ألف يدفع هذا الأخير سنويا وتتكفل “شركة التأمين” بإصلاح أي عطل وإعادة السيارة جديدة في حال تعرّضت لحادث، حسبما يوضح صاحب مكتب السيارات.

في إطار الإقبال على استئجار السيارات، وبحسب صاحب المكتب فإن الإقبال نوعا ما مقبول حاليا؛ إلا أنه يزداد في المواسم السياحية أي بعد انتهاء الامتحانات الثانوية “البكالوريا”، حيث يأتي السياح من بلدان مجاورة مثل لبنان والأردن والعراق ودول أجنبية ويستأجرون سيارات حديثة مثل “كامري” التي يصل إيجارها الشهري إلى 5 ملايين ليرة سورية، والطلب على هذه السيارات يكون عادةً من السّياح وليس المغتربين السوريين، لأنهم قادرون على الدفع، على حد قوله.

أما أبناء البلد فيطلبون سيارات موديل 2010 ــ 2011 مثل “الكيا ريو أو سيراتو أو هيونداي أكسنت” وذلك لتلائم أسعارها مع جيوبهم، فإيجار السيارة ذات الموديل القديم يختلف بنسبة 50 بالمئة، وهناك موديلات قديمة إيجارها 150 أو 200 ألف باليوم بينما في الشهر بـ 3 ملايين تقريبا لكن السيارات القديمة يتم تأجيرها بشكل يومي، وهي تناسب فئة كبيرة والإقبال عليها نسبته عالية من أهل البلد أما السّياح فيختارون ما هو جديد وفخم.

إذاً فالسياحة في سوريا لها ثمنها ومتطلباتها، حيث باتت أسعار المنشآت السياحية في سوريا ضربا من الخيال، ويُحتسب تسعيرتها وفقا لسعر صرف الدولار، وهو ما أدى إلى زيادة تكاليفها مقارنة مع بعض الدول المجاورة. فعلى سبيل المثال، يُقدّر قضاء ليلة واحدة في أحد فنادق الساحل السوري بأكثر من نصف مليون ليرة سورية أي نحو 55 دولارا، وفي بعض الفنادق يصل لضعف سعره، هذا عدا عن تكاليف التنقل والمأكل والمشرب وألعاب السباحة.

لذلك يصف السوريون السياحة داخل البلاد بأنها معادلة للسياحة في الخارج، وبالتالي يفضلون السفر للخارج من أجل قضاء إجازتهم السياحية على الساحل السوري، وبالطبع هذا الأمر يشمل الطبقة الغنية والمغتربين، وليس الجميع.

في الواقع ومقارنة بالدول الأخرى، لا سيما دول الجوار، ثمة ارتفاع غير منطقي في الأسعار بسوريا، حيث أن أسعار العديد من السلع، وخاصة المواد الغذائية الأساسية، هي الأغلى في سوريا مقارنة بلبنان أو الأردن أو العراق.

كما جاءت في العديد من التقارير المحلية وعلى لسان مسؤولين حكوميين بدمشق الذين أقرّوا بأن الأسعار في سوريا، مقارنة مع الدول العربية هي الأغلى، وأن الفروق تزيد عن النصف. وهذا أمر مثير للاستغراب ويدعو للتساؤل.

بالنظر إلى هذه الأسعار الملتهبة مقارنة بمستوى الرواتب والأجور لدى المواطنين، فإن السياحة في سوريا والترفيه وارتياد المطاعم والمقاهي بات من نصيب السّياح والمغتربين أو الأغنياء فقط.

الموظفون يستأجرون السيارات!

في المقابل، يوضح التقرير المحلي أن أجار “تاكسي الركاب” للشخص الواحد فيها يتراوح حسب المنطقة فيبدأ من 5 آلاف ليرة للشخص الواحد ضمن المدينة، ومن 8 إلى 10 آلاف ليرة في ريف دمشق كالمعضمية وجديدة عرطوز وصحنايا. ولذلك وجد عدد كبير من أصحاب المِهن أن استئجار سيارة كل أسبوع أوفر لهم من دفع إيجار يومي ذهابا وإيابا والذي قد يصل إلى 15 ألف ليرة في اليوم الواحد.

على إثر المعاناة اليومية فيما يخص أزمة المواصلات، قرر أحد الموظفين مع زميلين له استئجار سيارة من مكتب السيارات مدة 15 يوما كتجربة علّها تكون الحل للتخلص من أزمة النقل وانتظار الباصات واستغلال أصحاب التاكسي، موضحين للموقع المحلي أنهم اختاروا سيارة “هونداي فيرنا” موديل 2007، حيث يبلغ سعر إيجارها مليون ومئتي ألف ليرة سورية أي بتقسيم المبلغ يدفع كل واحد 400 ألف ليرة سورية؛ وهذا مبلغٌ معقول بحسب قولهم من نواحٍ عدة، أولا السيارة معبأة بالبنزين وتاليا يأخذونها معهم إلى المنزل ويمكن أن يلبي فيها أي طلب لمنزله، وفق زعمهم.

بالطبع هذا الخيار ليس متاح للجميع وقد يكون لموظفي القطاع الخاص، فمثلا موظفي القطاع العام، أي الحكومة يبلغ متوسط رواتبهم ما بين 160-180 ألف ليرة سورية شهريا، وبالتالي استحالة دفع 400 ألف كل 15 يوم، إلا إذا كان سيدفع من عمل آخر أو سيتوجه لخيار الفساد والرشاوى، التي باتت خيار نسبة كبيرة من الموظفين، نتيجة الوضع المعيشي المتدهور وفق تبريراتهم.

السيارات في سوريا ثمنها غالي- “إنترنت”

من جهة أخرى، أشار صاحب مكتب السيارات إلى أن أقل مكتب لتأجير السيارات يملك 20 سيارة بالحد الأدنى وتلبي حاجة الناس، مضيفا “قسم كبير منها وضعها أصحابها الأصليين لدينا لتأجيرها والاستفادة منها شهريا بوصف أن حركتهم بها قليلة وتاليا هي مكلفة لجهة تعبئتها بالبنزين؛ فنتفق مع صاحب السيارة على نسبة من الأرباح مقابل تشغيلها لدينا؛ أما بقية السيارات فهي ملك للمكتب”.

خلال السنوات الثلاث الماضية، تفاقم حجم الأزمات في سوريا بشكل دراماتيكي وخانق، من أزمة المواصلات إلى المحروقات والكهرباء والمياه وكل ما يتعلق بجوانب الحياة اليومية. ولعل أصعب هذه الأزمات أزمة المحروقات التي بدونها تتوقف عجلة الحياة كما حدث أواخر العام الماضي في البلاد، عندما فُقِد البنزين والمازوت بشكل شبه تام في محطات الوقود، ونتيجة لذلك عطّلت مؤسسات الحكومة، والناس إما التزموا منازلهم أو كانوا يقضون احتياجاتهم سيرا على الأقدام أو على الدراجات الهوائية. بالتالي فإن أزمة المواصلات تتفاقم يوما بعد يوم، ولا حلول تلوح في الأفق، ويبدو أن التنقل والتجوال صار من الضروريات في البلاد.

أسعار “مريخية” للسيارات

أسعار كل شيء في ارتفاع مستمر في هذا البلد. فبعد ارتفاع أسعار قطع غيار السيارات بنحو 60 بالمئة، لحقتها أسعار زيوت السيارات مثل سوق الأوراق المالية بسبب الارتفاعات الكبيرة المتتالية في ظل عدم الرقابة على أنواعها المتوفرة في الأسواق، حيث اشتكى أصحاب السيارات والآليات في كثير من المناطق السورية من ارتفاع الأسعار بعد أن تجاوزت تكلفة تغيير الزيت للسيارة الواحدة 150 ألف ليرة للزيوت المحلية المنشأ وإلى نحو 250 ألف ليرة للزيوت المستوردة.

بالتالي باتت التكاليف التشغيلية للسيارات حملا ثقيلا على أصحابها في سوريا، بالإضافة إلى غلاء أسعارها. ليس هذا فحسب بل يواجه أصحاب المركبات عقبات أخرى، تتمثل بانتشار زيوت السيارات المغشوشة في الأسواق السورية، ما يتسبب بأعطال متعددة للسيارة.

بعض أصحاب السيارات يرون أنه نتيجة للتكلفة العالية لصيانة السيارات، بالإضافة إلى ندرة الوقود مثل البنزين والمازوت، صار خيار التخلي عن السيارة هو الحل الأفضل والسبيل الوحيد لهم وسط غلاء الحياة المعيشية الذي بات يحاصر ويرهق جميع المواطنين في سوريا اليوم، فلا يُعقل أن يدفع المواطن خمس أضعاف راتبه بغية تصليح عطل في سيارته.

الأمر اللافت أن أسعار السيارات باتت تُقدّر بالملايين السورية، فبحسب تقرير محلي نُشر مؤخرا، فإن سعر “كيا ريو” موديل 2010 – 2011 يصل إلى 130 مليون ليرة سورية، وسعر “هيونداي أفانتي” و”كيا سيراتو” موديل 2007-2008-2009 يتراوح سعرها بين 125 – 150 مليون ليرة، وسعر “لانسر” موديل 83 هو 30 مليون ليرة.

أما سعر “المازدا 926″ موديل 83 يصل سعرها إلى 40 مليون، و”مازدا جوهرة 323” يصل سعرها إلى 50 – 60 مليون، أما سعر السيارة نوع “بيجو 405” هو 50 مليون ليرة، بينما سعر “هوندا سوناتا” و”كيا سيراتو” موديل 2020 وصل إلى 800 مليون، منوّها إلى أن موديلات 2010 – 2008 – 2011 هي الأكثر طلبا.

انخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي يُعدّ سببا لهذا، ويمكن شرحه من خلال معادلة أن سيارة “هيونداي آفانتي” موديل 2009 ثمنها كان 600 ألف ليرة سورية حين كان الدولار يعادل نحو 50 ليرة أي نحو 12 ألف دولار، ولكن قيمة السيارة ذاتها حاليا أصبحت نحو 150 مليون ليرة، أي ما يقارب 17 ألف دولار، وهي معادلة غير منطقية ومخالفة لأي منطق تجاري؛ لأن السيارة أصبحت قديمة ومستعملة طيلة 15 عاما، ومن المفترض أن يكون ثمنها أقل مما كان عليه في سنة 2009.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات