في ظل ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء ومنتجاتها في الأسواق السورية، أخذت أسعار الثروة الحيوانية خلال الأيام الماضية منحى تصاعديا صادما، إذ بات سعر الرأس الواحد من الأبقار يقدر حاليا بنحو 20 مليون ليرة سورية، بينما سقف سعره قبل نحو عامين كان لا يتعدى 5 ملايين ليرة، فضلا عن ارتفاع أسعار المواشي بشكل كبير.

هذه الارتفاعات المفاجئة في أسعار المواشي تأتي بعد وصول شحنة جوية إيرانية تحمل مجموعة من الأبقار إلى سوريا مؤخرا، ما يعني أن أسواق اللحوم السورية قد تشهد زيادات أخرى في الأيام المقبلة، خاصة مع اقتراب عيد الأضحى.

أسباب الارتفاع

بعد أن شهدت أسعار الثروة الحيوانية خلال العامين الماضيين، تراجعا ملحوظا وصل وبحسب تقديرات زراعة محافظة السويداء إلى 50 بالمئة، عاد مؤشر مبيعاتها هذا الموسم يأخذ منحى تصاعديا وصادما للمربّين، إذ وصل سعر الأبقار لأرقام كبيرة، بينما وصل سعر الرأس الواحد من الأغنام لنحو 1.300مليون ليرة سورية، علما بأن سعرها سابقا كان يُقدر بـ 500 ألف ليرة، بينما بلغ سعر الرأس الواحد من الماعز نحو 700 ألف ليرة، بينما سعره فيما مضى كان بحدود 250 ألفا، وفق تقرير لموقع “غلوبال” المحلي، مؤخرا.

ارتفاع اسعار المواشي في سوريا- “إنترنت”

هذا الارتفاع الفلكي في أسعار الثروة الحيوانية بات حجر عثرة أمام المربّين الذين لم يعد بإمكانهم اقتناء أي منها في الوقت الراهن، على اعتبار أن شراءها يحتاج إلى ميزانية مالية كبيرة، وفق التقرير المحلي.

كما ويعتقد الكثير من المربّين أن المسؤول عن ارتفاع أسعار المواشي هو دخول التجار والسماسرة على الخط، والذين سبق وأن اشتروا من المربّين بأسعار زهيدة، ليعودوا ويرموا بها بالسوق بأسعار مرتفعة، بذريعة تكاليف التربية المرتفعة في مزارعهم.

في ضوء ذلك، فإن القسم الأكبر من المربّين في المناطق السورية، وخاصة أولئك الذين سبق لهم ترك وإخلاء حظائرهم خلال العامين الماضيين، بما في ذلك “الأبقار – الأغنام – الماعز”، لم يعودوا قادرين على العودة إلى هذا الكار نتيجة ارتفاع أسعار المواشي بشكل كبير ولا سيما الأبقار.

كان للصراع في سوريا الذي بدأ في عام 2011، تأثيرٌ مدمر على قطاع الثروة الحيوانية، حيث تعرض العديد من المزارعين للتهجير أو القتل، كما أن تدمير البنية التحتية جعل من الصعب نقل الحيوانات والوصول إلى الأسواق.

بالإضافة إلى ذلك، فإن فقدان العمال المَهرة، بما في ذلك الأطباء البيطريين وعلماء الحيوان، جعل من الصعب الحفاظ على جودة الثروة الحيوانية، فضلا عن غلاء الأسعار وفقدان المواد الأولية لتربية الماشية.

إذ كان مربّو الماشية يشتكون من ارتفاع تكلفة الأعلاف وتحكّم التجار بأسعار المنتجات في ظل غياب مصانع لتصنيع المنتجات الحيوانية في المنطقة، بالإضافة إلى عدم وجود دور رقابي ودعم حكومي في هذا القطاع، مما يفاقم مشاكل وعوائق مربّي الثروة الحيوانية.

كل هذه الظروف والمعوقات أثّرت سلبا على مربي الماشية، حيث إن جزءا منهم عزفوا عن مزاولة هذه المهنة.

كما وقام آخرون ببيع أجزاء من مواشيهم من الأبقار والأغنام والجاموس، ليتمكنوا من تربية ما تبقى لهم من ماشيتهم وإعالة أُسرهم ولو بالحدود الدنيا. وهذه الأمور حتما أثّر على المستهلكين أيضا، حيث ارتفعت أسعار اللحوم والمنتجات الحيوانية بين فترة وأخرى دون أي محاسبة أو رقابة.

لارتفاع مشتقات الحليب؟

في حين أشار رئيس دائرة الصحة الحيوانية بـ”مديرية زراعة” السويداء الدكتور كميل مرشد، للموقع المحلي، إلى أنه بعد ازدياد المردودية الإنتاجية للثروة الحيوانية هذا الموسم، من جراء توافر المراعي الخضراء، التي كانت شبه معدومة خلال الموسمين الماضيين، بات شراؤها مرغوبا فيه.

خاصة في ظل ارتفاع أسعار الحليب ومشتقاته بالسوق المحلية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل ملحوظ، بالإضافة إلى عجز العديد من المربّين عن شرائها، من جراء سقف أسعارها الذي أصبح مفتوحا هذه الأيام. ويُذكر أن تعداد الثروة الحيوانية في محافظة السويداء يبلغ 878 ألف رأس، منها 691 ألف رأس من الأغنام، و173 ألفا من الماعز، و14 ألفا من الأبقار.

ارتفاع أسعار الحليب ومشتقاته-“إنترنت”

في سياق الأسعار، فإن كيلو لحم المسوّف بحسب التقارير المحلية، قد وصل إلى 75 ألف، أما سعر لحم العجل فسجّل أيضا 75 ألف ليرة للكيلو الواحد، حيث لم تسجل هذه الأسعار أي انخفاض منذ انتهاء شهر رمضان الفائت، مع وجود اختلافات طفيفة في الأسعار بين محافظة وأخرى.

أما مادة اللبن المصفى “بقري، كثافة خفيفة” والذي يتم تناوله على المائدة مباشرة يُباع في محال أخرى بحوالي 14 إلى 15 ألفا، و”للدعبلة ، كثافة عالية” فوق 25 ألف ليرة. ونتيجة لهذا الغلاء في الأسعار وتراجع القوة الشرائية لدى المواطنين، انتشرت خلال الآونة الأخيرة في الأسواق السورية سلع بأسعار رخيصة لدرجة أنها باتت تثير الريبة حول مكوناتها ومدى جودتها وتاريخ صلاحيتها، حيث تُباع بأقل من الأسعار الرائجة بنحو الثلث أو النصف، ويتم عرضها علانية، خاصة في الأرياف، داخل الأسواق أو على البسطات الشعبية.

من بين هذه السلع المنتشرة بأسعار رخيصة، كانت ثمة بعض أنواع اللحوم الحمراء والفروج التي تُباع بالكيلوغرام وليست الفراريج التي يتم ذبحها حيّا، مما يدل على احتمال أن تكون هذه المواد إما فاسدة أو مغشوشة مع أنواع أخرى من المواد غير الصالحة للاستهلاك البشري، وطبعا هناك إقبال كبير على هذه السلع نظرا للأسعار المغرية لجيوب المواطنين المهترئة.

أبقار إيرانية في سوريا

وفق حديث المدير الإداري في الشركة المشغّلة لمبقرة “زاهد”، محمد الخيّاط، فإن استيراد الأبقار الإيرانية عبر الجو يُعدّ سابقة في سوريا، ولو كانت حدثت بالفعل فإنها اقتصرت على أعداد قليلة جدا وليس لأعداد كبيرة.

الخياط أوضح خلال حديثه، لموقع “أثر برس” المحلي مؤخرا، أن عملية الاستيراد بدأت باستلام 100 بقرة “بكيرة”، وحاليا في مطار اللاذقية يتم استلام الدفعة الثانية البالغ عددها 97 بقرة “بكيرة”، في إطار اتفاق على استيراد نحو 600 من الأبقار البكاكير، بمعدل وصول رحلتين جويتين كل أسبوع.

نتيجة عدم وجود حلول، أصدرت الحكومة السورية الأربعاء الفائت، قانونا يقضي بإعفاء عملية استيراد الأبقار بقصد التربية من الرسوم الجمركية والضرائب والرسوم الأخرى. ونص القانون والذي حمل الرقم 8، أن “تعفى الأبقار المستوردة بقصد التربية من الرسوم الجمركية والضرائب والرسوم الأخرى لمدة خمس سنوات اعتبارا من تاريخ نفاذ هذا القانون”.

العديد من المعنيين والمراقبين صرحوا في وقت سابق أن الحلول موجودة للتغلب على الغلاء والنقص في الأعلاف وغيرها من الأمور اللوجستية لتدعيم الثروة الحيوانية، ولكن الجهات الحكومية لا تأخذ بها، وأولها تشجيع استيراد أعلاف الثروة الحيوانية وتشجيع تربية الأبقار والأغنام من خلال تقديم قروض بدون فوائد للمربّين الذين فقدوا قطعانهم، بجانب الحد من عمليات تهريب اللحوم.

إضافة إلى تشجيع الزراعات العلفية، فضلا عن أهمية القيام بصناعات علفية حديثة تعتمد على استثمار المخلفات الزراعية المهدورة وتحويلها إلى مواد علفية، معزّيين ذلك لتدهور العائد من الإنتاج الحيواني إلى غياب معلومات السوق واضطرابات العرض والطلب وعدم وجود رؤية واضحة في هذا الإطار من قِبل الجهات المعنية، كما أن هناك تراجعا واضحا في الصناعات الخاصة بمنتجات الثروة الحيوانية.

مما لا شك أن الثروة الحيوانية في سوريا تتأثر بالعديد من العوامل بين الحين والآخر، وسط غياب الدعم الحكومي لهذا القطاع سواء لوجستيا أو خدميا، ما يؤدي بها في النهاية إلى التراجع وارتفاع تكلفة سلعها سواء كانت لحوما أو مشتقات الحليب، وهو ما أدى إلى خروج اللحوم بأنواعها عن القدرة الشرائية للمواطن السوري، وسط اتساع الفجوة بين قيمة المداخيل والأسعار الرائجة في الأسواق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات