في كل عيد عادة ما يخرج عموم المحتفلين، بمن فيهم السوريين لمشاوير خارج المنزل كنوع من الترفيه الذي يمارسونه في أيام عيد تقريبا، لاسيما ارتياد المطاعم والكافيهات وحديقة الملاهي أو مدينة الألعاب، إلا أنه في خضم الظروف المعيشية الصعبة في سوريا، يبدو أن تكلفة فرحة العيد تتجاوز قدرة معظم السوريين اليوم.

الأهالي في الداخل يقولون إن المشوار الواحد في العيد بات يصل لقرابة نصف مليون ليرة سورية، فوجبة غداء أو عشاء لعائلة مكونة من خمسة أفراد في أحد مطاعم العاصمة دمشق باتت تساوي أضعاف راتب الموظف الحكومي في البلاد.

تكاليف فرحة العيد “خيالية”

خلال الأعياد يخطط الجميع للخروج في كيفية قضاء أوقات سعيدة خلال أيام العيد مع العائلة والأصدقاء، كما ويسعى الكثير لقضاء إجازة العيد في أماكن مختلفة والاستمتاع بأماكن مرفّهة، وفي هذا السياق، قال أحد المواطنين مؤخرا لموقع “أثر برس” المحلي، إنه لم يتمكن من السفر هذا العيد بسبب التكلفة التي سيتكبدها، خاصة وأنهم أسرة مكونة من خمسة أفراد ويحتاجون إلى حوالي مليوني ليرة سورية كنفقة مصاريف. لذلك قرر إلغاء فكرة السفر واستبدالها بالذهاب للمطعم أو مدينة الألعاب لمرة واحدة فقط.

غلاء مشاوير العيد في سوريا- “سبوتنيك”

الشخص ذاته أردف “بعد أخذ وصد وحسابات لا تنتهِ تبيّن أن كلفة هذا، المشوار، تقارب الـ 300 ألف ما بين أجرة تاكسي وتكاليف ألعاب وعشاء عالماشي؛ لكن لا بديل من ذلك وليس باستطاعتنا البقاء في المنزل فالعيد فرصة للترويح عن النفس والخروج من الروتين المعتاد”.

بينما قالت إحدى السيدات وهي أم لثلاثة أطفال، إنها قررت الخروج في أول أيام العيد إلى حديقة عامة في ريف دمشق بعد الاتفاق مع صديقاتها على تنظيم شراء حاجيات المشوار “السيران” أو تقاسمهم فيما بينهم؛ فتبيّن بحسب زهراء أن كلفة “سيران” العيد تقارب 400 ألف ليرة، ما بين شراء الدجاج لتحضير المشاوي والخضروات والفواكه إضافة إلى ذلك أجرة السيارة.

بدوره، لفت مواطن آخر إلى أن معظم العائلات ترغب في السفر خلال هذه العطلة التي اعتبرها بعضهم أنها طويلة نوعا ما؛ لكن للأسف “العين بصيرة واليد قصيرة”، وميزانية الأسرة بالكاد تكفي ثمن القوت اليومي مضيفا “فكيف لنا أن نسافر”، بحسب تعبيره.

مجموعة من الشباب ذكروا بدورهم أنهم وبعد نهاية امتحانات شهادة التعليم الثانوي اتفقوا على استئجار مزرعة ليوم واحد لقضاء يوم ممتع بعد نهاية الامتحان إلا أن أجرة المزرعة كانت في العيد استثنائيا، فقد بلغت 500 ألف ليرة سورية، فقسّموا المبلغ فيما بينهم فتبيّن أن على كل شخص دفع خمسين ألف من دون كلفة الطعام والشراب.

الجلوس بالمنزل أفضل حل

في المقابل، قال أحد سكان مدينة دمشق لموقع “الحل نت” في اتصال هاتفي، إن الأسعار في هذا العيد كانت خيالية، ونتيجة لذلك لم يتمكن معظم الناس من شراء كافة مستلزمات ومتطلبات العيد، واكتفوا بالضروريات فقط، من سكاكر وبعض المعجنات.

كما لفتوا إلى أن أسعار المطاعم والمقاهي في هذا العيد ازدادت، خاصة وأن هذه الأماكن تمتلئ في الأعياد، وأصحاب هذه المنشآت يستغلون بدورهم إقبال الناس في هذه المناسبات. وأشاروا إلى أن تكلفة وجبة غداء عائلة واحدة في أحد المطاعم ذات جودة متوسطة بات يصل لقرابة 450 ألف وأكثر في حال تم تنزيل طلبات عديدة.

أما في المطاعم الفخمة مثل الـ”فور سيزونز” والمطاعم الموجودة في حي المالكي والشعلان والشام القديمة ومشروع دمر وبعض مطاعم الربوة فالأسعار مضاعفة وبشكل “خيالي”، فتكلفة قعدة بسيطة إلى جانب مشاريب وأراكيل يصل لأكثر من 350 ألف ليرة لخمسة أفراد.

بالتالي يقول هؤلاء أن معظم الأهالي اكتفوا بقضاء العيد إما عن طريق شراء وجبات جاهزة مثل “الشاورما والبروستد” يتناولونها في الحدائق العامة، أو الجلوس في منتزهات حي الربوة والتي يسمح بإدخال الأطعمة والمأكولات وفقط تقدم مشروبات وأراكيل ولهذا يرتادها الناس لاعتبار أن أسعارها جيدة مقارنة بتلك المطاعم.

أحد مطاعم حي الربوة بدمشق-“عدسة شاب دمشقي”

لكن هذا لا يعني أن جميع المواطنين قادرون على قضاء مثل هكذا مشاوير في الأعياد، فنسبة كبيرة قضوا العيد في منازلهم ومع أقاربهم، إذ اكتفوا بجلسات عائلية داخل البيوت، فقد اعتبروا أن المشوار كلفته لا ترحم لذلك وجدوا أن العيد في المنزل هو الحل الوحيد، في ظل الغلاء والظروف المعيشية الصعبة.

غلاء عام

في تقرير آخر لصحيفة “الوطن” المحلية نُشر مؤخرا، أوضح فيه عضو مجلس إدارة “غرفة تجارة دمشق” محمد الحلاق، أن الإقبال على شراء مستلزمات العيد من ألبسة وحلويات وغيرها ضعيفٌ جدا خلال عيد الأضحى، وسط تزايد ضعف القوة الشرائية للمواطن والغلاء الفاحش للأسعار، مبينا أن نسبة المواطنين الذين لديهم قوة شرائية جيدة قليلةٌ جدا ولا تتجاوز 0.5 بالألف من المجتمع السوري.

كما أنه لفت إلى الارتفاع اليومي لأسعار معظم المواد التي تتراوح نسبته بين 5 و10 بالمئة، ضاربا مثالا عن بعض المواد التي كان سعرها خلال العام الماضي 100 ألف ليرة ومن المفترض مع تغيرات سعر الصرف أن يصبح سعرها 200 ألف ليرة لا أكثر، لكن يلاحظ السعر أعلى بكثير والسبب غير معروف للجميع.

هذا يدلل بمدى وجود فوضى عارمة في الأسواق، وغياب الدور الرقابي الحكومي في هذا الصدد والضحية في هذه المعادلة بالطبع هو المواطن السوري الذي راتبه لا يخوّله شراء كيلو من الحلويات أو قطعة ملابس لأطفاله.

كما هو الحال في كل عيد، تمتلئ الأسواق السورية بالسلع مثل الحلويات وسكاكر العيد والملابس، ولكن حركة السوق في هذا العيد كانت راكدة، وكان ثمة إقبال ضعيف أكثر من أي وقت مضى، بسبب غلاء الأسعار بشكل مهول وضعف القوة الشرائية للمواطنين، الذين لم تعد الأسعار المهولة للبضائع المعروضة على واجهات المحلات التجارية تناسب جيوبهم، ما دفعهم إلى اتخاذ خيار العزوف عن شراء جميع مستلزمات العيد، والاكتفاء بالضروريات فقط وفي الأسواق الشعبية والبسطات، والتي تُعتبر أقرب إلى جيب المواطن من المحال التجارية.

اللافت أنه مع  ارتفاع أسعار الحلويات، ازداد الطلب على صناعة الحلويات المنزلية، واستُبدلت الحشوات بمواد أقل تكلفة، مثل استبدال “الفول بالفستق” في حلوى المعمول، في محاولة من المواطنين لتلبية احتياجاتهم من الحلويات خلال العيد دون الحاجة إلى شرائها من السوق ودفع مبالغ كبيرة تفوق قدرة معظمهم.

كما أنه يعتمد المواطنين على الحوالات المالية الخارجية في الأعياد والمناسبات، ويرى العديد من الخبراء في هذا السياق أن معظم العائلات السورية اليوم، وخاصة مَن لديهم أبناء وأقرباء في الدول الأوروبية والخليجية، يعتمدون في كل شهر ومناسبة تقريبا على حوالات أبنائهم المغتربين، وسط التدهور المعيشي.

أما النسبة القليلة المتبقية من السوريين الذين لا تأتيهم حوالات مالية، حيث ليس لديهم أحد مقيم في الخارج، فإنهم أما يعملون بأعمال شاقة لتمضية العيد أو يبقون محرومين من بهجة العيد، نظرا لتدني مستوى الرواتب والأجور مقارنة بالواقع المعيشي الصعب، ويكتفون بالصدقات وغيرها من المساعدات المحلية المتواضعة.

هذه الحوالات لا شك أنها تنعكس على تحسين درجة المعيشة لعدد واسع من السكان السوريين. حيث تُستخدم الحوالات بشكل رئيسي في تمويل احتياجات الأسرة من السلع الغذائية.

كما يُمكن أن تنعكس بشكل إيجابي وبدرجة أقل من سوق الأغذية على الأسواق والمطاعم وأماكن الترفيه التي يقبل الناس عليها سواء في عيد الفطر أو عيد الأضحى، مما ينعش الحركة الاقتصادية ويولّد مداخيل للعاملين في أسواق السلع الأساسية والمنشآت السياحية ويرفع من سرعة دوران النقود، لكنه في الوقت نفسه يزيد الضغط على الأسعار باتجاه ارتفاعها، والتي يدفع ضريبة ذلك المواطن فقط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات