في العديد من البلدان الأخرى، وفي كل مناسبة أو عيد، ثمة حملة تخفيضات وتسهيلات من الحكومة، بحيث يمكن لجميع المواطنين الاحتفال بالحد الأدنى. لكن في سوريا ككل عيد أو مناسبة، ترتفع الأسعار بشكل كبير لدرجة أن مناسبات الأعياد باتت تشكل عبئا ماليا إضافيا على معظم العائلات في البلاد، إذ تتطلب ملابس العيد ميزانية كبيرة ومنفصلة عن النفقات الأخرى، وسط الأحوال المعيشية الصعبة التي يعيشها المواطنون.

خلال عيد الفطر الأخير، وصِفت أسعار الملابس بـ “الخيالية”، إذ كان هناك ضعف في الإقبال على شراء الملابس، واليوم تتكرر نفس المشكلة، حيث ارتفعت الأسعار أكثر مما كانت عليه في العيد الماضي. ويشكو كثيرون من هذا الغلاء الكبير في الأسواق قبل عيد الأضحى بأيام، ويبدو أن ملابس العيد لن تكون متاحة لمعظم السوريين.

ألبسة العيد “ترف”!

نحو ذلك، تساءل أمجد وهو موظف حكومي بمحافظة اللاذقية، عن كيفية القدرة على تأمين مبالغ مالية كافية لشراء ما يلزم من ألبسة جديدة لأطفاله الثلاثة لاستقبال عيد الأضحى، لافتا إلى أن راتبه 97 ألف ليرة سورية، لا يشتري إلا بنطالا واحدا لأحدهم من دون شراء أي شيء آخر، حسبما أوردته صحيفة “الوطن” المحلية اليوم الخميس.

أمجد قال إن سعر أي قطعة ملابس جديدة للأطفال في السوق لا يقل عن 90 ألف ليرة، وفي حال كان طقما ولّاديا كاملا وما يسمى “طقم العيد” فسعره من النوعية المتوسطة لا يقل عن 200 ألف ليرة من دون الحذاء، الذي يُباع بأسعار تتراوح بين 75 – 100 ألف ليرة سورية.

في حين أن فستان العيد للبنات الصغيرات، سعره يتراوح بين 150 – 300 ألف ليرة بحسب النوعية والسوق الذي يباع فيه، أما الكندرة الصغيرة فسعرها لا يقل عن 80 ألف ليرة، ما يعني أن كلفة لباس العيد للطفل أو الطفلة لا تقل عن 400 ألف ليرة.

بدوره، قال أمين سر “جمعية الخياطة والألبسة الجاهزة” في اللاذقية، بسيم القصير، إن ارتفاع أسعار الألبسة يعود لارتفاع أسعار كل مستلزمات الإنتاج وجميع المواد بشكل عام وهو أمر طبيعي في ظل ارتفاع سعر الصرف الذي انعكس على كل الأسعار التي ارتفعت بشكل جنوني وغير منطقي.

كما أن الإقبال على شراء ألبسة العيد ضعيف جدا ولا توجد أي حركة في السوق حتى تاريخه، وفق القصير الذي أشار إلى أن كلفة لباس العيد للطفل على سبيل المثال لا تقل عن 500 ألف ليرة، والشريحة الكبيرة من المواطنين لا قدرة لها على شرائه بل تفكيرهم فقط في تأمين لقمة العيش، بينما من تبقّى منها تشكل 1– 2 بالمئة قادرة على شراء اللباس من السوق.

أسباب غلاء الملابس

في المقابل، عزا القصير غلاء أسعار الملابس في سوريا إلى أن المصنّع والخياط والتاجر جميعهم يدفعون ضرائب كبيرة ومبالغ مالية كبيرة كرسوم إدخال واستيراد لشراء المواد الداخلة بالإنتاج من القماش والمعدات وغيرها وجميعها مصاريف كبيرة جدا تنعكس بالنهاية على أسعار الألبسة ويكون ضحيتها المواطن من ذوي الدخل المحدود.

كذلك، تكاليف تصنيع اللباس ارتفعت 3 أضعاف، ومنها أجور خياطة البنطال الذي كان يكلف 3 آلاف ليرة ليصبح حاليا 10 آلاف ليرة، يضاف إليها سعر متر القماش الذي لا يقل عن 45 ألف ليرة ومنه إلى أجور تاجر الجملة وتاجر المفرق ليصل إلى المستهلك بسعر لا يقل عن 100 ألف ليرة.

القصير أضاف أن سعر بنطال الجينز يتراوح بين 100– 130 ألف ليرة سورية، في حين أن الجاكيت السبور يصل حتى 300 ألف ليرة، واللباس الكامل للطفل يبدأ من 300 ألف ليرة من السوق الشعبي “البسطات”، ويصل حتى 500 ألف ليرة في السوق العادي، مبيناً أن هذه الأسعار ارتفعت بنحو 300 بالمئة عن العام الماضي.

يجب التنويه أيضا إلى أن أجور اليد العاملة كذلك الأمر ارتفعت والعامل أو الخياط يبحث بالمقابل عن لقمة عيشه التي ارتفعت مقابل أجرته ما اضطرنا لرفعها، ومنهم يحصّل بين 800 ألف حتى مليون ليرة للعامل المهني في الشهر الواحد، وهي قيمة زادت ثلاثة أضعاف عن الفترة الماضية.

مهنة الخياطة تشهد حالات إغلاق كثيرة وتركا نهائيا للمهنة من جراء عدم القدرة على التوازن بين التكاليف والإنتاج في ظل الصعوبات بتأمين الطاقة الكهربائية والمواد الأولية، إضافة إلى دفع ضرائب خيالية تبدأ بربع مليون ليرة سنويا على الأقل. واعتبر القصير أن الخياطينَ ومنتجي الألبسة حاليا في فترة إحباط ويأس، محذرا من ترك البقية للمهنة علما أن العدد المتبقي في الجمعية لا يتجاوز 400 حرفي ضمن الهيئة العامة للجمعية في اللاذقية.

إقبال ضعيف في العيد

في تقرير آخر لذات الصحيفة نُشر اليوم الخميس، أوضح فيه عضو مجلس إدارة “غرفة تجارة دمشق” محمد الحلاق، أن الإقبال على شراء مستلزمات العيد من ألبسة وحلويات وغيرها سيكون ضعيفا جدا خلال عيد الأضحى، وسط تزايد ضعف القوة الشرائية للمواطن والغلاء الفاحش للأسعار، مبينا أن نسبة المواطنين الذين لديهم قوة شرائية جيدة قليلة جدا ولا تتجاوز 0.5 بالألف من المجتمع السوري.

سوق الحميدية بدمشق- “إنترنت”

كما أنه لفت إلى الارتفاع اليومي لأسعار معظم المواد التي تتراوح نسبته بين 5 و10 بالمئة، ضاربا مثالا عن بعض المواد التي كان سعرها خلال العام الماضي 100 ألف ليرة ومن المفترض مع تغيرات سعر الصرف أن يصبح سعرها 200 ألف ليرة لا أكثر، لكن يلاحظ السعر أعلى بكثير والسبب غير معروف للجميع.

بالتالي فإن تصريحه يتناقض مع حديث أمين سر “جمعية الخياطة والألبسة الجاهزة” في اللاذقية، وهذا يوضح أن هناك فوضى عارمة في الأسواق، وغياب الدور الرقابي الحكومي في هذا الصدد والضحية في هذه المعادلة بالطبع هو المواطن السوري الذي راتبه لا يخوّله شراء كيلو من الحلويات أو قطعة ملابس لأطفاله.

الحلاق استدرك بالقول، لو كان هناك ارتفاع أسعار خارجي أو ارتفاع في عناصر تكلفة المنتج فإن هناك مبررا للارتفاع، لكن المشكلة الحقيقية في وجود تشوه بعناصر التكلفة، والتاجر لا يعرف كيف سيتعامل معها، واصفا واقع السوق بـ”الغريب العجيب”، لأن نفقات العمل التجاري باتت مخيفة ومشوّهة بشكل كبير من رسوم وضرائب وغيرها ومبلغ الخمسة آلاف وحتى العشرة آلاف لم يعد له قيمة شرائية.

من جانبه، برر أمين سر “جمعية حماية المستهلك” عبد الرزاق حبزة، أنه دائما خلال المواسم سواء أكانت أعيادا أم غيرها يشهد السوق ارتفاعا بالأسعار وهذا الأمر اعتاد عليه المواطن، مبينا بأن أسعار اللحوم البيضاء على سبيل المثال ارتفعت بنسبة 20 بالمئة قياسا بالعيد الماضي.

كما أن أسعار الحلويات والسكاكر تعتبر خيالية هذا العيد وحتى الأنواع الرديئة منها ارتفعت قياسا بالعيد الماضي بنسبة غير قليلة، وأوضح حبزة أن قرار الحكومة بعدم السماح باستيراد اللوز والجوز والكاجو والفستق الحلبي الذي صدر نهاية العام الماضي يعتبر من أبرز الأسباب التي ساهمت بارتفاع أسعار الحلويات.

يأتي كل هذا الغلاء بعد القرار الحكومي برفع أسعار المحروقات من مادتي البنزين والغاز مؤخرا، وهو ما أثّر على الوضع المعيشي لدى المواطن السوري الذي يعاني الأمرين كل يوم، وسط ارتفاع الأسعار بشكل شبه يومي.

كما هو الحال في كل عيد، تمتلئ الأسواق السورية بالسلع مثل الحلويات وسكاكر العيد والملابس، ولكن حركة السوق راكدة، واليوم ثمة إقبال ضعيف أكثر من أي وقت مضى، بسبب غلاء الأسعار بشكل مهول وضعف القوة الشرائية للمواطنين، الذين لم تعد الأسعار المهولة للبضائع المعروضة على واجهات المحلات التجارية تناسب جيوبهم، ما دفعهم إلى اتخاذ خيار العزوف عن شراء جميع مستلزمات العيد، والاكتفاء بالضروريات فقط وفي الأسواق الشعبية والبسطات، والتي تُعتبر أقرب إلى جيب المواطن من المحال التجارية.

اللافت أنه مع  ارتفاع أسعار الحلويات، ازداد الطلب على صناعة الحلويات المنزلية، واستُبدلت الحشوات بمواد أقل تكلفة، مثل استبدال “الفول بالفستق” في حلوى المعمول، في محاولة من المواطنين لتلبية احتياجاتهم من الحلويات خلال العيد دون الحاجة إلى شرائها من السوق ودفع مبالغ كبيرة تفوق قدرة معظمهم.

في العموم أوضاع السوريين في الداخل ككل عيد يُرثى لها، إذ يحتفل نسبة منهم بأبسط الأشياء والمستلزمات في الأعياد والمناسبات، ومنهم من لا يستطيع تأمين حتى قطعة ملابس واحدة لأطفاله، وأكثر الفئات حظا في سوريا هم من يتلقون حوالات خارجية، والتي تعتبر متنفسا جيدا، وسط هذا الغلاء الجامح وتدني مستوى الرواتب وعدم رفعه حتى اليوم من قبل الحكومة رغم توارد الأخبار والتوقعات برفعها قبل العيد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات