في كل عيد أو مناسبة، ونتيجة لتدهور الأحوال المعيشية في سوريا منذ سنوات عديدة، أصبحت الحوالات المالية التي يرسلها المغتربون لداخل البلاد المنقذ الوحيد لفرحتهم بالعيد أو بعض المناسبات الأخرى مثل شهر رمضان، إذ يتم إرسال مبالغ مالية تمكّن الأهالي من الاحتفال وشراء بعض احتياجات ومستلزمات العيد.

إلا أن التحويلات الخارجية خلال موسم عيد الأضحى الحالي تقل بثلاث مرات عما كانت عليها خلال عيد الفطر الماضي، وذلك لأسباب تتعلق بشهر رمضان ووجود عدد كبير من التجار المغتربين الذين يدفعون زكاة أموالهم، وبالتالي يقومون بتحويل هذه المبالغ إلى سوريا، ومع ذلك يبقى حجم التحويلات الشهرية والسنوية في نفس الحدود تقريبا كل عام، مع زيادة طفيفة، نتيجة غلاء المعيشة يوما بعد يوم في سوريا.

حوالات أقل في “عيد الأضحى”

نحو ذلك، كشف الخبير الاقتصادي والأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور علي كنعان، أن تراجع الحوالات الخارجية خلال موسم عيد الأضحى مقارنة بعيد الفطر، يعود لشهر رمضان وارتباط العديد من التجار المغتربين بهذا الطقس، من دفعهم مساعدات وزكاة أموالهم، وبالتالي يكون مستوى الحوالات أكبر في عيد الفطر، لافتا إلى استمرار المغتربين بتحويل الأموال إلى ذويهم في سوريا، حسبما أوردته صحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الثلاثاء.

تراجع الحوالات في موسم عيد الأضحى بـ3 مرات عن عيد الفطر- “إنترنت”

عادة تزداد هذه الحوالات في شهر رمضان من حيث المبالغ المرسلة وحجم الشريحة التي تغطيها لأسباب تتعلق بثقافة أغلبية الشعب السوري التي تحضّ على زيادة الإنفاق في هذا الشهر. كما أن هذه الحوالات الخارجية التي تُرسل إلى الأهالي تنعش الأسواق بكل الأحوال بعيدا عن حجمها.

استمرار المغربين في تحويل الأموال إلى عائلاتهم في البلاد يرجع بلا شك إلى سوء الأحوال المعيشية، فضلا عن تدني مستوى الرواتب والأجور وانعدام فرص العمل الجيدة، رغم أن هذا يزيد قليلا من عبء المغتربين في الخارج، وفق آراء البعض من الأهالي في الداخل.

أحد سكان العاصمة دمشق أكد لموقع “الحل نت” في اتصال هاتفي أنه لولا الحوالات المالية التي ترسل في كل عيد للناس لما تمكّنوا من الاحتفال بالعيد سواء من شراء “كسوة العيد” لأطفالهم أو ضيافة العيد وغيرها من المستلزمات، مبينا إلى أن البعض يدّخر نصف الحوالة المرسلة إليهم، كحاجة لمصروفهم اليومي فيما بعد، بمعنى أنهم يكتفون بشراء الضروريات فقط في العيد ولا يصرفون كل المبلغ المرسل إليهم، بسبب الظروف المعيشية السيئة لمعظمهم.

كما أردف في حديثه أن حوالة العيد تصنّف وتُرسل لوحدها، ولا علاقة لها بالحوالات الشهرية أو الشبه شهرية، نظرا لأن نسبة كبيرة من الأهالي مصدر رزقهم الوحيد هو الحوالات المالية التي ترسل من قبل أبنائهم أو أحد أقاربهم المقيمين في الخارج، وحوالة العيد تُقدّر في العادة ما بين 200-500 دولار أميركي، وذلك حسب حجم كل عائلة على حدة.

خلال اليومين الماضيين انتعشت حركة الأسواق السورية بنسبة لا بأس بها، ولوحظ ذلك بشكل كبير. عددٌ من تجار وبائعي الألبسة ومستلزمات العيد، عزوا نسبة الزيادة في مبيعاتهم خلال الأيام الحالية، بتوارد الحوالات الخارجية للأهالي، متوقعين زيادة عدد الحوالات قبيل العيد ولو بيوم واحد.

إجراءات حكومية “فاشلة”

في سياق متّصل، أوضح كنعان أن وسطي الحوالات الخارجية يتراوح ما بين 2.5 إلى 3 مليارات دولار في العام الواحد، لكن ستزيد الحوالات عن ذلك خلال العام الجاري، نتيجة وصول الكثير من المساعدات المالية عقب الزلزال الذي وقع في شهر شباط/فبراير الماضي.

إن الحوالات الواصلة إلى سوريا سواء صُرفَت بـ”مصرف سوريا المركزي” أم بالسوق الموازي “السوداء” ستكون عائديتها للاقتصاد السوري وستكون رافدا له، لكونها تدخل ضمن الدورة الاقتصادية، حسب تقدير كنعان.

“المصرف المركزي” يشدد على وجوب تصريف الحوالات عن طريقه للسيطرة على كل منابع السيولة للتحكم بسعر الصرف، وهذا الأمر مستحيل، باعتبار أن مهمة النقد الدوران في الاقتصاد وليس التجميع أو الاحتفاظ، ولا يجوز تجميده بالطريقة المتّبعة حاليا التي لا تؤدي إلى تثبيت سعر الصرف، وفق ما يراه كنعان.

كما أشار كنعان إلى أن “المصرف المركزي” حاول من خلال إجراءاته السابقة إلغاء الفروقات الكبيرة بين سعر الصرف المحدد منه وسعر الصرف في السوق السوداء، لكنه لم يستطع فعل ذلك لأنه لم يتابع الإجراءات الأخرى التي من شأنها تحقيق التوازن الاقتصادي، من خلال توازن الصادرات والمستوردات وتناسب الرواتب والأجور وأسعار المواد الموجودة في الأسواق مع سعر الصرف.

الخبير الاقتصادي استدرك ذلك بالقول، لأن هذه الأمور تعد مؤشرا مهما إلى قيمة سعر صرف العملة المحلية في أي دولة، وفي حال لم تتوازن هذه العوامل فإن هذه الإجراءات ليست إلا تحديد أو تقييد إداري، مشيرا إلى أن آثار تخفيض سعر الصرف الذي يعمل عليه “المصرف المركزي” لا تظهر بشكل سريع في الأسواق، على اعتبار أن البضائع الموجودة في السوق ليست محددة على سعر الصرف الحالي.

سوق الحميدية في دمشق-“إنترنت”

على اعتبار “المصرف المركزي” لم ينجح في تحقيق هذا التوازن، لذا سيزيد الفرق بين سعر الصرف الرسمي وغير الرسمي مرة أخرى، ليتخذ المصرف إجراءات جديدة للحاق بالسوق وتضييق الفجوة وبالتالي رفع سعر الصرف الرسمي، ويتكرر السيناريو ذاته مرات عديدة بسبب عدة أسباب ومنها احتكار التجار الكبار من المستوردين، لأن المستورد محتكر للمادة التي يستوردها ويبيعها بالسعر الذي يقرره، فلو سمحت الحكومة بالاستيراد لعدد كبير من التجار لأوجدت حالة من المنافسة وبالتالي خفّضت الأسعار.

الحوالات مصدر رزق المواطن والحكومة!

في المقابل، نسبة اعتماد السوريين داخل البلاد على الحوالات المالية الخارجية كمصدر أساسي للرزق بات يزداد تباعا للأوضاع المعيشية. مما لا شك فيه أن الأرقام المتداولة حول حجم التحويلات اليومية تتفاوت من حين لآخر، لكن لا أحد يختلف في أنها مهما كان حجمها فإنها تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد السوري، أو ربما يمكن اعتبارها عجلة الاقتصاد نفسه، بالنظر إلى تدني الرواتب والأجور إلى أدنى المستويات، حيث لا يكفي راتب الموظف الحكومي سوى مصروف لعدة أيام فقط.

اللافت أن هذه الحوالات الخارجية القادمة من المغتربين لأُسرهم المتبقين داخل سوريا ليست فقط المصدر الأساسي للمواطن لتمرير يومهم ومعيشتهم، بل أصبحت المصدر الرئيسي للعملة الأجنبية في الأسواق المحلية ورافد مهم لـ”المصرف المركزي”، وفق تقدير الخبراء الاقتصاديين العاملين في مؤسسات الحكومة.

أستاذ النقد والمصارف في جامعة دمشق علي كنعان، أوضح في تصريحات صحفية سابقة أن الحوالات الخارجية تُعتبر بمثابة مورد للقطع الأجنبي في الاقتصاد الداخلي، وأن حجم الحوالات القادمة من اللاجئين والمهاجرين السوريين إلى ذويهم في الداخل تُقدر بين 5 إلى 10 ملايين دولار في اليوم، وهو مورد لا يُستهان به في الظروف الحالية لكون هذه المبالغ تجاوزت أرقاما كبيرة، وبحسب تقديره فإن هذا الرقم سيؤمن للاقتصاد المحلي إمكانية تمويل المستوردات الأساسية.

بالعودة إلى اعتماد المواطنين على الحوالات في الأعياد والمناسبات، فإن العديد من الخبراء يرون أن معظم العائلات السورية اليوم، وخاصة مَن لديهم أبناء وأقرباء في الدول الأوروبية والخليجية، يعتمدون في كل شهر ومناسبة تقريبا على حوالات أبنائهم المغتربين، وسط التدهور المعيشي.

أما النسبة القليلة المتبقية من السوريين الذين لا تأتيهم حوالات مالية، حيث ليس لديهم أحد مقيم في الخارج، فإنهم أما يعملون بأعمال شاقة لتمضية العيد أو يبقون محرومين من بهجة العيد، نظرا لتدني مستوى الرواتب والأجور مقارنة بالواقع المعيشي الصعب، ويكتفون بالصدقات وغيرها من المساعدات المحلية المتواضعة.

هذه الحوالات لا شك أنها تنعكس على تحسين درجة المعيشة لعدد واسع من السكان السوريين. حيث تُستخدم الحوالات بشكل رئيسي في تمويل احتياجات الأسرة من السلع الغذائية.

كما يُمكن أن تنعكس بشكل إيجابي وبدرجة أقل من سوق الأغذية على سوق الألبسة الجاهزة التي يقبل الناس على شرائها قبيل عيد الفطر أو في عيد الأضحى، مما ينعش حركة الأسواق ويولّد مداخيل للعاملين في أسواق السلع الأساسية ويرفع من سرعة دوران النقود. بالتالي يزيد الضغط على الأسعار باتجاه ارتفاعها.

كما وتعتبر الحوالات الخارجية متنفسا جيدا للعائلات في سوريا، لكن لا يمكن اعتبارها على أنها تلبي جميع احتياجات أسرهم، نظرا لارتفاع تكلفة المعيشة إلى مستويات غير مسبوقة، بحيث تصبح تكلفة المعيشة الشهرية لأسرة سورية مكونة من أربعة أشخاص تتطلب أكثر من 4 ملايين ليرة سورية، أي ما يعادل نحو 500 دولار، وهو مبلغ يفوق قدرة معظم المغتربين، خاصة وأن متوسط ​​تكلفة المعيشة في ارتفاع مستمر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات