بعد ثلاثة أعوام من الأزمة الاقتصادية التي ضربت لبنان، وأدت إلى تعطل النظام المصرفي والمالي في البلاد، ما تسبب بتجميد أموال المودّعين واحتجازها من قبل البنوك منذ العام 2019، ومع عدم تحقيق أي اختراق على خط المصارف يعطي المودعين ولو بارقة أمل باستعادة ودائعهم طيلة الثلاثة أعوام الماضية، يجري الحديث حاليا عن مسار يمكن من خلاله أن يحصل المودّعون على أموالهم.

ففي ظل غياب خطة مالية تضمن للمودعين الحصول على ودائعهم، كشفت صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، عما يشير إلى قرب ولادة حلول، بعد أن تسبب غياب المسارات الجّدية لإيجاد حلّ بين المصارف والمودعين، بثورة اقتحام البنوك من قبل المودعين للحصول على ودائعهم التي باتوا بأمس الحاجة لها، وبينما لجأ آخرون، وخصوصا العرب والأجانب منهم إلى المحاكم في محاولة لتحصيل حقوقهم.

الصحيفة السعودية، قالت أمس الأحد، إن المودّعين في البنوك اللبنانية سيبدؤون اعتبارا من مطلع الأسبوع المقبل، سحب ودائعهم بالدولار بقيمتها الحقيقية من دون اقتطاع، غير أن ذلك سيكون بالتقسيط، حيث سيحصلون على حصصهم المحددة بالدولار نقدا، من دون اشتراط سحب مبلغ مواز بالعملة المحلية على سعر الصرف الرسمي 15000 ليرة للدولار الواحد، كما كان سابقا على مدى عامين، وهو اقتطاع كبير كانت تناهز نسبته 84 بالمئة من قيمة الوديعة.

تطورات قضية أموال المودعين في لبنان

على هذا النمط، سيكون بإمكان المودّع، وفقا لـ “الشرق الأوسط“، سحب مبلغ يتراوح بين 300 و400 دولار نقدا في الشهر، بما لا يتجاوز 4800 دولار سنويا، وذلك بينما كان حاكم “مصرف لبنان”، رياض سلامة، قد عمد إلى تعديل مضمون قرار سابق كان يفرض على المودّع سحب مبلغ إضافي مواز من وديعته بالدولار ولكن بالليرة اللبنانية وبسعر 15 ألف ليرة للدولار، مع أن سعر الصرف في السوق السوداء يناهز 90 ألف ليرة للدولار.

نتيجة لذلك، أشارت الصحيفة إلى أنه يُتوقع أن تتضاعف أعداد المستفيدين من القرار الجديد، الذي يُعدّ تطورا في عمليات إيفاء حقوق المودعين في المصارف اللبنانية، ولو بالتقسيط ضمن الحصص المتاحة حاليا، ليمثل ذلك تحوّلا نوعيا في إدارة السيولة النقدية لصالح عملاء البنوك الذين عانوا الأمرّين على مدى 43 شهرا، في تحصيل مبالغ محدودة من مدخراتهم العالقة.

إذ كانوا مرغمين على القبول بتحمل خسائر نقدية مباشرة أو عبر تسييل الشيكات، في وقت تفاقمت الأزمة النقدية وتقلصت احتياطات العملات الصعبة لدى “البنك المركزي”، والتي هوت من نحو 34 مليار دولار في بداية الانهيار عام 2019، لتصل إلى نحو 9.3 مليار دولار حاليا.

قبل ذلك، نجحت المصارف في اقتطاع نسبة كبيرة جدا من الودائع، بعد إقناع المودعين بأن قسما كبيرا منها تبخّر، بدليل أن الاحتياطات والموجودات لدى هذه المصارف تضاءلت كثيرا، وكذلك احتياطات “مصرف لبنان” المركزي، فالودائع سلفتها المصارف لـ “مصرف لبنان” الذي بدوره سلفها للدولة اللبنانية، أو سلفتها المصارف مباشرة للدولة من خلال الاكتتاب بسندات الخزينة، وبالتالي الدولة عاجزة عن الرد عجزا مرحليا، كذلك “مصرف لبنان” والمصارف.

لذا فإن الحديث عن وضع آلية محددة ومسار واضح لإعادة أموال المودّعين في المصارف اللبنانية، يمكن أن يمثل بارقة أمل على مستوى الأزمة الاقتصادية اللبنانية، وذلك إذا ما كان الأمر مبنيا على خطة ربما تعقّد الوضع أكثر مما هو عليه الآن.

في هذا الصدد، أوضح خبير الاقتصاد اللبناني بيار خوري، أن الحديث عن حصول تطور جديد بالنسبة لقضية أموال المودّعين في لبنان، أمر غير صحيح، وأن ما حدث هو تعديل لتعميم سابق يجيز سحب الودائع بالتقسيط، مشيرا إلى أن التعميم الذي كان قائما يعتمد على جناحين.

تعديلات إيجابية بما يخص الودائع بمصارف لبنان

الجناح الأول، وفق ما تحدث به خوري لموقع “الحل نت”، جناح الدولار الأميركي الذي يبدأ من قيمة 400 دولار، ويكبر بحسب حجم الوديعة، مبينا أنه بحسب التعميم السابق كان من يسحب هذا المبلغ مضطرٌ لسحب قيمة موازية له عند سعر صرف محدد بالليرة اللبنانية بعد تصريفه من البنك على سعر صرف بعيد جدا عن السعر الحقيقي.

قضية الودائع في لبنان تعود إلى الواجهة/ إنترنت + وكالات

بالتالي كان يُنظر إلى أن هذا التعميم الذي يسمى بـ “تعميم قص الودائع”، أنه كلما تم سحب وديعة كلما تراجعت قيمة المال الحقيقي الذي تم سحبه مقابل قيمة حقيقة يُفترض تم سحبها، لذلك أن ما حصل مؤخرا هو تعديل على التعميم بما يسمح سحب المبالغ المحددة بالدولار الأميركي دون اشتراط أن يتم سحب تلك المبالغ المحوّلة إلى الليرة، والتي يتم عبرها قص قيمة الودائع.

بالمحصلة، يرى خبير الاقتصاد اللبناني، أن هذا الأمر بالمقارنة مع الوضع السابق يُعتبر تطورا إيجابيا على مستوى وقف قص الودائع وإحالة الموضوع للحل النهائي للودائع في وقت لا زال هذا التقسيط طويل الأجل متاح، وبالتالي هذا ما يمثّله التطور الإيجابي في الموضوع فقط.

ذلك لأنه من خلال قص الودائع، تم إلغاء الكثير من القيم الفعلية والضرر الكامل بالمودّعين، والآن تحوّل الضرر بالمودّعين إلى جزئي، وهو احتجاز الودائع والسماح بسحب مبالغ قليلة جدا، مؤكدا أن ذلك يمثل تطور بالاتجاه الصحيح فقط فيما يتعلق بقضية الودائع في لبنان. 

المصارف اللبنانية تفرض منذ خريف 2019 قيودا مشددة على سحب الودائع المصرفية، ولا سيما تلك المودّعة بالدولار الأميركي، في ظل تراجع قيمة الليرة أكثر من 90 بالمئة أمام الدولار، وذلك بينما صنّف “البنك الدولي” أزمة لبنان الاقتصادية من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850.

بالمقابل، تزايدت رغبات المستثمرين ورجال الأعمال، في اللجوء إلى المحاكم الدولية، لمقاضاة المصارف اللبنانية، اعتراضا على القيود غير القانونية، التي تفرضها على عمليات السحب والتحويل، حيث سجلت “رابطة المودعين في لبنان” تقديم أكثر من 400 دعوى قضائية نيابة عن مودّعين بعناوين متعددة.

حجم اموال المودعين المختفية بلبنان

من تلك الدعاوى؛ إعادة فتح حساب، وتسديد قروض على السعر الرسمي للصرف، وتحويل إلى الخارج، واسترداد ودائع، لكن ما تمّ ملاحظته أن الدعاوى التي ربحتها لم تكن تلك المتعلقة باسترداد الودائع التي بقي معظمها بلا أحكام ولم تصل إلى أي نهايات.

قضية الودائع في لبنان بطريقها إلى حل/ إنترنت + وكالات

هذا وأكدت تقارير ودراسات مختصة، أن حوالي 90 مليار دولار أميركي، من أموال المودّعين اللبنانيين، اختفت عام 2019 بطرق مختلفة، منها 27 مليار دولار من “مصرف لبنان”؛ صُرفت على دعم الاستيراد على مختلف أنواعه وخاصة المحروقات والمواد الغذائية.

في حين تم تحويل نحو 20 مليار دولار من قبل المصارف اللبنانية الى الخارج لأغراض عديدة منها تهريب أموال وسداد مستحقات، بينما أُعطي 45 مليارا كقروض للمقترضين من أموال المودّعين تم تسديدها على دولار 1500 ليرة لبنانية وشيكات بالدولار.

ذلك حدث أثناء فرض المصارف قيودا غير قانونية على عمليات السحب والتحويلات بالدولار، حيث تم احتجاز أموال المودّعين قسرا، قبل أن تخسر الودائع بالليرة قيمتها بفعل الارتفاع المستمر لسعر صرف الدولار بالسوق السوداء.

هذا وينقسم مودّعو نحو 64 مصرفا لبنانيا بعشرات فروعها الممتدة بين الداخل والخارج، إلى فئتين؛ المقيمون وغير المقيمين. والحالة الثانية تشمل اللبنانيين غير المقيمين في لبنان، إضافة إلى مودّعين عرب وأجانب من أفراد ومؤسسات.

جدير بالذكر، أنه خلال الأشهر الماضية، نفذ العديد من المودّعين اللبنانيين، عمليات اقتحام للمصارف، كانت بعضها عمليات اقتحام مسلحة تم خلالها احتجاز رهائن، مطالبينَ الحصول على أموالهم المحتجزة، في حين تتصاعد أصوات المودّعين اللبنانيين من عرب وأجانب يضغطون على سلطات بلادهم للتحرك دبلوماسيا وقضائيا بغية استرداد أموالهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات