في ضربة قاتلة للتوازنات الاقتصادية العالمية، تفوقت المكسيك على الصين لتصبح أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في بداية عام 2023. إن إجمالي التجارة الثنائية بين البلدين بلغت 263 مليار دولار خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، وهو رقم يعكس تحولا جذريا في الديناميكية الاقتصادية العالمية.
المكسيك ظهرت كمنافس قوي بعد تعقيد العلاقات التجارية الأميركية مع الصين، التي كانت تتصدر القائمة في التجارة منذ عام 2014 وتجاوزت حتى كندا. لكن في عام 2018، تغيرت الأوضاع بفعل فرض الولايات المتحدة رسوم جمركية على السلع الصينية، مما أدى إلى اضطرابات في سلاسل التوريد وتدفقات التجارة العالمية في ظل “جائحة كورونا”، وتدفقات الاستثمار في جميع أنحاء العالم.
مكاسب المكسيك تعكس هذا الارتفاع في قطاع التصنيع، الذي يعتبر عنصرا رئيسيا في تدفق السلع بينها وبين الولايات المتحدة. إن إجمالي تجارة السلع المصنعة بين المكسيك والولايات المتحدة بلغ 234.2 مليار دولار خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2023. وهذه الأرقام تشير إلى القوة الاقتصادية المتنامية للمكسيك وقدرتها على تلبية احتياجات سوق الولايات المتحدة الكبيرة وتحقيق توازن جديد في الاقتصاد العالمي بسرعة مذهلة.
هذا التحول يعكس تغيرا جذريا في ديناميكية الاقتصاد العالمي، ويثير تساؤلات هامة حول كيفية تغييره بسرعة وتأثير ذلك على الدول والمناطق الاقتصادية، وكيف يتغير الاقتصاد العالمي بشكل عام نتيجة لهذه التبدلات السريعة في العلاقات التجارية.
تقليل سيطرة الصين على التجارة العالمية
هذا التطور يُعد مؤشرا على السرعة التي يتغير بها الاقتصاد العالمي في أعقاب جائحة “كورونا”، حيث تبحث الشركات عن سلاسل توريد أكثر مرونة ومقاومة، مما يقود إلى إعادة هيكلة التجارة الدولية.
المكسيك حاليا تُعد وجهة جذابة للاستثمار الأجنبي المباشر، حيث تتمتع بقاعدة صناعية قوية وقوة عاملة منخفضة التكلفة. كما أنها جزء من اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك “يو إس إم سي أي”، والتي تسهّل التجارة بين البلدان الثلاثة.
صعود المكسيك كشريك تجاري للولايات المتحدة يعتبر تطورا إيجابيا للاقتصادَين. حيث سيعزز التعاون الاقتصادي بين البلدين النمو والوظائف في كلا البلدين. كما أنه سيساعد على ضمان استقرار سلاسل التوريد العالمية والتي حاولت الصين خلال الفترة السابقة التحكم به.
لذا فإن صعود المكسيك يمثل أيضًا تحديا للصين. حيث تعد الصين أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة منذ عام 2009، ولعبت دورا رئيسيا في نمو الاقتصاد الصيني. ومع ذلك، فإن التعريفات الجمركية الأميركية والاضطرابات في سلسلة التوريد قد أدت إلى تباطؤ النمو الاقتصادي الصيني.
من المرجح أن يستمر الاقتصاد العالمي في التغيير بسرعة في السنوات القادمة. حيث ستسعى الشركات إلى إيجاد سلاسل توريد أكثر مرونة ومقاومة، مما سيؤدي إلى إعادة هيكلة التجارة الدولية. ومن المرجح أن تلعب المكسيك دورا أكبر في الاقتصاد العالمي، حيث تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي وقاعدة صناعية قوية.
بحسب تحليلات لويس توريس، وهو كبير الخبراء الاقتصاديين في فرع سان أنطونيو، لبنك “الاحتياطي الفيدرالي” في دالاس، من هذا العام شكلت التجارة مع المكسيك 15.4 بالمئة من السلع المصدرة والمستوردة من قبل الولايات المتحدة، وقبل كان إجمالي التجارة الأميركية مع كندا والصين 15.2 بالمئة و 12 بالمئة على التوالي.
توريس أوضح أن بذور هذا التحول قد زرعت قبل “الوباء” مع التعريفات التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب على بعض السلع الصينية وتوقيع اتفاق التجارة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، وهو تحديث طفيف لاتفاق “نافتا” الذي مضى عليه ما يقرب من ثلاثة عقود. لكن توريس ذكر أن التغييرات تشير أيضا إلى تحول متسارع نحو سياسة “التقريب”، وهي أداة تجلب فيها الدول سلاسل التوريد للسلع الأساسية إلى البلدان القريبة ماديا وسياسيا.
المرحلة التالية من العولمة
ارتفاع المكسيك إلى الصدارة هو علامة على أن الاقتصاد العالمي يتغير بسرعة. والصين لم تعد البلد الوحيد الذي يمكنه التصنيع بأسعار رخيصة. فدول أخرى مثل المكسيك تأخذ مكانها، وسوف يستمر هذا الاتجاه في السنوات القادمة.
زيادة التصنيع الثنائي مع الولايات المتحدة، سيعزز مكانة المكسيك باعتبارها الشريك التجاري التصنيعي الرائد للولايات المتحدة ، وهو الترتيب الذي حققته في عام 2022.
الخبير في تحليل الأسواق المالية والاقتصاد السياسي الدولي، بريان ماركس، أوضح لـ”الحل نت”، أن هذا التحول له آثار كبيرة على الاقتصاد العالمي. وسيؤدي إلى تقليل سيطرة الصين على التجارة العالمية، وسيخلق فرصا جديدة للنمو في دول أخرى. كما أنه سيؤدي إلى زيادة التنافسية في التصنيع، مما سيؤدي إلى انخفاض الأسعار للمستهلكين.
التحول في الصدارة هو تطور مهم في الاقتصاد العالمي. إنه يعكس تغييرات عميقة في الاقتصاد الصيني، وسوف يستمر في إحداث تأثير عميق على التجارة العالمية في السنوات القادمة. إذ سيؤدي إلى انخفاض سيطرة الصين على التجارة العالمية، في عام 2022، كانت الصين أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، حيث بلغ إجمالي التجارة الثنائية بينهما 675 مليار دولار.
من المتوقع بحسب ماركس، أن تتراجع الصين في المرتبة الثانية خلف المكسيك في عام 2023. وهذا الانخفاض في سيطرة الصين على التجارة العالمية سيكون له تأثير إيجابي على دول أخرى مثل المكسيك، حيث ستستفيد من مزيد من التجارة مع الولايات المتحدة.
أيضا سيؤدي التحول إلى زيادة التنافسية في التصنيع. وسيؤدي ارتفاع المكسيك إلى الصدارة إلى زيادة المنافسة بين المكسيك والصين في مجال التصنيع. هذا سيؤدي إلى انخفاض الأسعار للمستهلكين، حيث ستسعى الشركات المصنعة إلى التنافس على أساس السعر.
كما سيؤدي هذا التحول إلى خلق فرص جديدة للنمو في دول أخرى. وسيعمل على رفع مكانة المكسيك إلى الصدارة وإلى زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر في المكسيك. وهذا الاستثمار سيخلق فرصًا جديدة للنمو في الاقتصاد المكسيكي، وسيؤدي أيضا إلى خلق فرص عمل جديدة.
غلبة الرؤى التنافسية
العديد من العوامل ساهمت في تفوق المكسيك على الصين كشريك تجاري للولايات المتحدة، بما في ذلك الموقع الجغرافي الملائم للمكسيك، حيث تقع على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، مما يسهل النقل والتجارة بين البلدين. واتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، وزيادة في الاستثمارات الأميركية في المكسيك، والتي ساهمت في نمو الاقتصاد المكسيكي وزيادة الصادرات إلى الولايات المتحدة.
الاقتصاد العالمي بحسب ماركس يتغير بشكل سريع نتيجة لهذه التغيرات السريعة في العلاقات التجارية، حيث تصبح سلاسل التوريد أكثر تعقيدا وتنوعا. هذا يخلق تحديات جديدة للشركات والحكومات، من بينها الحاجة إلى التكيف مع التغيرات المستمرة في أسعار السلع والأسواق، ومواجهة المنافسة من الشركات في جميع أنحاء العالم؛ ولكنه يوفر أيضا فرصا جديدة للنمو الاقتصادي.
لكن من بين الفرص التي يوفرها الاقتصاد العالمي المتغير للشركات والحكومات، إمكانية الوصول إلى أسواق جديدة، والاستفادة من التقنيات الجديدة. لذلك هناك تحول في استراتيجية الولايات المتحدة في التجارة الدولية نحو الاعتماد على شركاء تجاريين مختلفين مثل المكسيك لتنويع مصادر الواردات الأميركية.
من المرجح طبقا لتوقعات ماركس، أن تستمر هذه الديناميكية في التجارة العالمية في المستقبل، كما سيصبح الاقتصاد العالمي أكثر تنافسية، حيث ستتنافس الشركات من جميع أنحاء العالم للحصول على حصة في السوق الجديدة.
حالة المكسيك تقدم دروسا التي تتنقل في الاقتصاد العالمي سريع التغير. ويمكن أن يؤدي التركيز على التنويع وتقوية القدرات التصنيعية وإقامة شراكات تجارية قوية إلى تعزيز القدرة التنافسية والمرونة. حيث تحتاج بعض البلدان إلى تقييم نقاط قوتها الاقتصادية وتطوير استراتيجيات تتماشى مع المشهد الاقتصادي العالمي المتطور.
مع استمرار تطور الاقتصاد العالمي، من الضروري لواضعي السياسات والشركات وأصحاب المصلحة مراقبة هذه التغييرات السريعة وتوقّع الاتجاهات المستقبلية وتكييف استراتيجياتهم وفقا لذلك. إذ ستكون القدرة على التنقل والاستفادة من الفرص في هذه البيئة الديناميكية مفتاحا لاستدامة النمو الاقتصادي والازدهار في السنوات القادمة. فالتحول في الصدارة بين المكسيك والصين هو تطور مهم في الاقتصاد العالمي. وسيكون له عدد من الآثار الاقتصادية المهمة، وسيؤدي إلى انخفاض سيطرة الصين على التجارة العالمية، وزيادة التنافسية في التصنيع، وخلق فرص جديدة للنمو في دول أخرى.
- “مصير مجهول”.. ما لا تعرفه عن إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس
- ارتفاع أسعار وفروق كبيرة بين المحافظات السورية.. ما هي الأسباب؟
- عراقجي في دمشق: بحث عن صفقة لإنهاء الحرب وإعادة تموضع الميلشيات الإيرانية
- هبة نور في ورطة بسبب فيديو السيارة: ما الجديد؟
- على وقع الضربات الإسرائيلية.. إخلاء مقرات لـ “الحرس الثوري” و”حزب الله” في سوريا
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.