مجددا، تواجه الصين تحديا اقتصاديا كبيرا في الوقت الذي لا يزال الاقتصاد الصيني يعاني فيه أزمات متراكمة منذ تفشي جائحة “كورونا”، حيث وصل معدل التضخم في الصين إلى الصفر الشهر الماضي، فيما تراجعت أسعار الإنتاج أكثر من المتوقع، حسبما أظهرت أرقام رسمية الإثنين، الأمر الذي أثار تكهنات حول مستقبل الصين التي يبدو أنها تنزلق إلى انكماش استثنائي.

وصول معدل التضخم في الصين إلى معدل الصفر، أعطى بحسب “رويترز”، مؤشرا جديدا على ضعف في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مشيرة إلى تراجع مؤشر أسعار المستهلك لشهر حزيران/يونيو عن النسبة البالغة 0.2 بالمئة في أيار/مايو، وفق أرقام المكتب الوطني للإحصاء، حيث كان أسوأ من المتوقع وسط تباطؤ الطلب المحلي.

فيما تراجعت أسعار الإنتاج، التي تحتسب تكلفة السلع لدى خروجها من المصنع بنسبة 5.4 بالمئة، على أساس سنوي عقب انخفاض بنسبة 4.6 بالمئة في أيار/مايو، وذلك بينما كان محللون يتوقعون تراجع الأسعار بنسبة خمسة بالمئة.

ضعف الطلب وتراجع الكلفة ضمن الأسباب

مكتب الإحصاء، قال إن “ضعف الطلب والتراجع الحاد لكلفة المواد الأولية، ساهما أيضا في انخفاض أسعار السلع لدى الخروج من المصانع”، في حين تباطأ النمو الاقتصادي بشكل كبير منذ نيسان/أبريل عقب رفع بكين إجراءات الحدّ من فيروس “كورونا” الصارمة نهاية العام الماضي.

ذلك يأتي في وقت سجّل فيه “اليوان” أدنى مستوياته في سبعة أشهر مقابل الدولار وسط تراجع الصادرات، فيما لم تصدر بكين أيّة إجراءات للتحفيز باستثناء بعض التخفيضات الصغيرة في أسعار الفائدة، وذلك بينما تتعرض السلطات لضغوطات متزايدة للتحرك بشأن تدابير جوهرية.

بالتالي بعد أن سجلت بكين تضخما صفريا، يتوقع بعض المختصين إمكانية أن يبدأ الاقتصاد الصيني في التدحرج بشكل متسارع نحو دوامة الانكماش، وسط مخاوف من أن يؤثر ذلك على الاقتصاد العالمي الذي لا يزال يعاني أصلا من تراكم المشكلات.

في السياق، لم يكن أشد المتفائلين بشأن محاولات لجم انفلات التضخم في الصين، عقب فتح الاقتصاد بعد ثلاث سنوات من الإغلاق بسبب وباء “كورونا”، يتوقع أن تبلغ أسعار الاستهلاك هذا الحدّ المزعج.

أن التضخم الصفري الذي بات يهدد الاقتصاد الصيني، اعتبره بعض الاقتصاديين علامة خطرة، فأغلب صناع القرار النقدي في بلدان العالم يعرفون كيف يتعاملون مع الغلاء خلال الأزمات ولكن ليس مع تراجع الأسعار إلى هذا الحد، في حين يتابع آخرون باهتمام كبير تأثيرات نمو النشاط في الصين على الاقتصاد العالمي لكون البلد محركا رئيسيا للتصنيع والتجارة العالمية وسوق العمل وغيرها.

عادة ما يخشى المسؤولون دوما اقتراب التضخم إلى مستوى الصفر، لأنه يمكن أن يقود إلى انكماش الأسعار، وبالتالي انكماش الاقتصاد، وهذا يمكن أن يسحب التضخم الفعلي إلى مستوى أقل، مما يؤدي إلى دورة تضخم وتوقعات تضخم منخفضة باستمرار، حيث يعني التضخم المتدني؛ أن الاستهلاك متراجع، والاستهلاك المتراجع يقلل الإنتاج وبالتالي يخفّض معدل التوظيف.

الصين تعاني عجز اقتصادي

تعليقا على ذلك، قال خبير الاقتصاد الدولي وليد الأيوبي، إن من حيث المبدأ وبالمطلق لا يوجد اقتصاد ينمو بشكل مستدام، كما لا يوجد اقتصاد ينمو بشكل بياني، إذ إن هذه الحالة غريبة عن علم الاقتصاد، فالاقتصاد يخضع لقانون الحركة وتحديدا قانون التوازن الديناميكي، بمعنى أن هذا التضخم الصفري الذي تعاني منه الصين ولّد حالة من التوازن الديناميكي السلبي.

التضخم الصفري يهدد الاقتصاد الصيني/ إنترنت + وكالات

مثل ما حققت الصين في السابق مؤشرات لافتة على مستوى النمو الاقتصادي، تسجل اليوم عجزا على هذا المستوى، بحسب الأيوبي الذي تحدث لموقع “الحل نت”، قائلا إن هذا العجز يؤدي إلى تراجع في الاستثمارات والانفاق والاستهلاك، وبالتالي أن هذا سيؤدي إلى ركود.

فيما أشار خبير الاقتصاد الدولي إلى العوامل التي تؤدي لهذه الظاهرة التي تعيشها الصين بسبب وصول التضخم إلى الصفر، حيث ساعدت أزمة العقارات التي ضربت البلاد بشكل هائل منذ سنوات في عمق الاقتصاد الصيني، حيث لا تزال آثارها قائمة حتى الآن، لذلك تُعد سببا داخليا رئيسيا لما يعيشه الاقتصاد الصيني.

ذلك لأن القطاع العقاري، بحسب الأيوبي، يتمتع بأهمية كبيرة جدا على مستوى النمو الاقتصادي ككل، نظرا للقطاعات الفرعية التي تتصل به، مشيرا إلى أن هناك عوامل خارجية أيضا، ومن هذه العوامل تعرّض الصين إلى الحصار الدولي الذي يفرضه الغرب عليها، حيث تخوض الصين صراعا كبيرا حول طبيعة النظام الدولي الجديد الذي تنشده وحول مكانتها على مستوى العالم الثالث.

بالتالي إن الصين تفعّل من أجل هذا الصراع الذي تخوضه بالقوة الناعمة، كل إمكاناتها وعلى رأسها وأهمها عامل الاقتصاد من أجل النجاح في هذا الصراع، بيد أن هذا يؤثر كثيرا على ديناميكية الصين بشكل كبير من حيث التأثير على تدفقاتها الاستثمارية حول العالم، إذ يفرض الغرب قيودا واسعة على أنشطة الصين الاقتصادية.

الصين تقترب من الانكماش

هذا وتعتمد غالبية البنوك المركزية رقما معينا كمستهدف سنوي للتضخم، لكن هذا الرقم لم يكن في يوم من الأيام “صفرا”، على الرغم من أن عدم رفع الأسعار بعيد المنال بالنسبة للمستهلكين، كما أنه في العادة تستهدف الاقتصادات المتقدمة معدل تضخم عند اثنين بالمئة أو أقل من ذلك بقليل، وهو المستوى الأمثل لإدامة نمو الناتج المحلي الإجمالي دون حدوث اختلالات مالية واقتصادية.

اقتراب التضخم في الصين إلى الصفر يضاعف الضغوط على السلطات لاتخاذ تدابير جوهرية/ إنترنت + وكالات

بالمقابل، إن انخفاض توقعات التضخم، يؤدي إلى انخفاض أسعار الفائدة أيضا، بحسب الخبراء الذين أشاروا إلى أنه، في مقابل ذلك سيكون هناك مجال أقل لخفض أسعار الفائدة لتعزيز التوظيف أثناء الانكماش الاقتصادي، في حين تشير الأدلة من جميع أنحاء العالم، إلى أنه بمجرد ظهور هذه المشكلة قد يكون من الصعب جدا التغلب عليها في وقت وجيز، لأن الأمر يحتاج إلى تعديل بوصلة السياسات الحكومية والنقدية أولا للخروج من هذا المأزق.

وسط هذا المشهد، يؤجج انخفاض أسعار السلع قبل حساب الضرائب والشحن والرسوم الأخرى بوتيرة أكبر في الصين المخاوف من اقتراب الانكماش، وذلك في وقت يواجه فيه المنتجون بالفعل صعوبات منذ شهور في ظل انخفاض أسعار السلع الأساسية وضعف الطلب في الداخل والخارج.

جدير بالذكر، إذا استمر المستهلكون والشركات في الامتناع عن الإنفاق أو الاستثمار على أمل انخفاض الأسعار، فقد يؤدي ذلك إلى دوامة من تراجع الأسعار، ما يهدد هدف الصين الذي حددته للنمو بحوالي خمسة بالمئة هذا العام، وهو أحد أدنى معدلاتها منذ عقود طويلة بسبب استمرار تداعيات الأزمة الصحية التي أعقبتها آثار الغزو الروسي لأوكرانيا على الاقتصاد العالمي.

بالمحصلة، فإن الصين أمام تحدٍّ جديد غالبا ما سيتسبب بتكاليف اقتصادية كبيرة، بالتالي فإن بكين لن تكون قادرة على رفع معدلات النمو لديها، وهو ما سيلحق بها أضرار كبيرة في الفترات المقبلة، وهذا الأمر من شأنه أن يقلل من نفوذها وحضورها الاقتصادي المهيمن بالمنطقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات