عندما تصبح حرارة الأسعار كالبراكين المنفجرة في سوريا، تتحول المحلات التجارية إلى مسرح لأحداث غير مفهومة، لا سيما بعد أن شهدت البلاد طفرة غير متوقعة في أسعار الصرف خلال الأيام الأخيرة، فأصبحت العملة ترقص بخفة على أوتار السوق، تاركة وراءها حيرة المواطنين.

بينما يحاول المواطنون مواجهة هذه الكارثة المالية، يكتشفون أن هناك من يسعى للربح من كربهم، ولكن بأساليب غير مألوفة. أصحاب المحال التجارية، الذين اعتادوا أن يكونوا محط ثقة الناس في تأمين احتياجاتهم اليومية، أصبحوا هم الذين يهددون هذه الثقة. فالاحتكام إلى إغلاق المحلات والانقطاع عن تزويد المواطنين بالسلع الأساسية يكشف الستار عن وجوههم الحقيقية، تلك الوجوه التي تجرأت على خيانة الثقة واستغلال المعاناة.

ربما يكون القصد واضحا للبعض، فهم يتلهفون وراء الأرباح السريعة، ولكن الطريقة المختارة لتحقيق ذلك هي ما تثير التساؤلات والشكوك. حيث تشير الدلائل لوجود ضوء أخضر يسمح لهؤلاء بالتحكم بأسعار السلع وتهديد ميزانية المواطن البسيط.

الوجه الآخر للتجار السوريين

تأرجح سعر الصرف بشكل غير مسبوق أعطى بعض التجار دافعا لتحقيق مكاسب مالية سريعة، حيث قاموا باللهث وراء الفُرص لسحب المزيد من الأموال من جيوب المواطنين. ومع إدراك بعض التجار مدى التقلبات التي حدثت في الأسواق المحلية، فقد ساهم قسم منهم لرفع أسعار السلع بشكل غير مسبوق، حتى بلغت مضاعفاتها مرتين يوميا.

إغلاق المحلات والانقطاع عن تزويد المواطنين بالسلع الأساسية - إنترنت
إغلاق المحلات والانقطاع عن تزويد المواطنين بالسلع الأساسية – إنترنت

بالتزامن مع هذا الوضع شهدت الأسواق السورية إغلاق بعض التجار لمحالهم بأسرع ما يكون. وفي ظل هذا التخبط الاقتصادي، أصبح المواطنون في حالة توهان، حيث لا يمكنهم التأقلم مع هذه التحولات المفاجئة للأسعار، ومن يضطر للشراء يكتفي بالقليل فقط.

على سبيل المثال، شهد الزيت ارتفاعا مذهلا بشكل يومي، فقد كان سعره لا يتجاوز 15 ألف ليرة سورية لليتر، ولكن اليوم أصبح بـ 22 ألف ليرة، وليس هو وحده، فالسكر أيضا ارتفع بصورة مدهشة، حيث قفز سعر الكيلو الواحد منه إلى 12 ألف ليرة. وليس ذلك فحسب، بل رز الكبسة أيضا شهد زيادة غير مسبوقة ليصل إلى 26 ألف ليرة للكيلو الواحد. 

الأمر لا يتعلق ببضع مواد فقط، بل يشمل كافة السلع الضرورية، والمخيف أن هذه الزيادات لا تزال تتوالى وسط توقعات بمزيد من الارتفاعات في الأيام المقبلة. ويبدو أن الأوقات الصعبة تحمل معها ألغازا معقدة، دون كشف الحكومة عن طريقة لتهدئة هذه الزيادات المتواصلة وتحمي الأُسر السورية من التضخم المتصاعد.

في سوريا.. السلعة تحب الزيادة

يبدو أن الأسعار المتبدّلة باستمرار للمواد الغذائية وغيرها لم يكن مزعجا فقط للمتسوقين، بل أثار أيضا استياءً لدى بعض أصحاب المحال. هؤلاء التجار بحسب موقع “غلوبال نيوز” المحلي، أعربوا عن تذمرهم من سيطرة المورّدين على سوق الأسعار. فقد أصبح الأمر مرهقا بالنسبة لهم، حيث يجدون أنفسهم مضطرين لتكييف أسعار البضائع باستمرار وفقا لتقلبات السوق، دون أن تكون لهم القدرة على السيطرة على هذه العملية.

أسعار المواد الغذائية قفزت بنسبة وصلت إلى الضعف - إنترنت
أسعار المواد الغذائية قفزت بنسبة وصلت إلى الضعف – إنترنت

إغلاق البعض لمحالهم، لم يكن تهرّبا من المبيعات، بل كان خوفا من فقدان رأس المال حسب وصفهم. فالتّحكم بالأسعار والتكاليف أصبح أمرا صعبا للغاية، حيث تستند تلك الأسعار إلى نشرات سعرية متغيرة تصدرها الشركات الموردة. بالإضافة إلى ذلك، ارتفاع أجور النقل وصل إلى مستويات كبيرة، حيث بلغت أكثر من مليون ليرة للنقلة الواحدة. 

هذا الواقع جعل التجار يجدون أنفسهم مضطرين للتكيف الفوري مع الظروف الراهنة، وتعديل الأسعار بشكل لحظي للمحافظة على مشاركتهم في سوق البيع والشراء الذي يعاني من تحديات غير مسبوقة وأسعار مرتفعة بشكل غير مسبوق.

المواطن من يتحمل المسؤولية!

في زمن التقلبات المالية، تتلاشى ثقة الناس بقدرتهم على تأمين احتياجاتهم، وتنتشر الحيرة حول كيفية تجنب الانهيار الاقتصادي المحتمل، إلا أن مؤسسات الدولة السورية كان لها رأي آخر.

 تحديات غير مسبوقة وأسعار مرتفعة بشكل غير مسبوق - إنترنت
تحديات غير مسبوقة وأسعار مرتفعة بشكل غير مسبوق – إنترنت

مصدر مسؤول في مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك في السويداء، صرّح بأن المواطنين هم من عليهم إبلاغ دائرة حماية المستهلك فورا عن أي صاحب محل تجاري يُقدم على إغلاق محله، وذلك ليتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضده. متناسيا دور دوريات المديرية في أسواق المدن لمراقبة الأوضاع وضمان التزام التجار بالقوانين وحقوق المواطنين.

المصدر الذي لم يكشف عن اسمه الموقع المحلي، ذكر أن محافظات الجنوب السوري لا تحوي معامل منتجة لأي مادة، وبالتالي تعتمد توريد البضائع الأساسية فيها بشكل رئيسي على المواد المنتجة في دمشق، وهذا يجعل الأسواق في حكم تأشيرات وأسعار الشركات المورّدة إليها.

تفاقم الأزمة المعيشية في سوريا، وتغير الوضع الاجتماعي بالنسبة لمعظم العائلات السورية نتيجة الحرب منذ أكثر من 12 سنة، أفضت إلى تغيير كبير حتى في أجواء العطلة الأسبوعية، حيث اعتادت العوائل السورية إلى إضفاء أجواء خاصة في يوم العطلة ليس أبرزها “الفطور العائلي” الجماعي صباح يوم الجمعة من كل أسبوع.

مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأكلات الشعبية، فقد أصبح “الفطور الجماعي” الذي اعتادت العائلات السورية على تنظيمه يوم الجمعة من كل أسبوع، يشكل عبئا اقتصاديا على السوريين، حيث اتجهت معظم العائلات السورية إلى إلغائه أو على الأقل الاستغناء عن التنوع الذي كان يتمتع به هذا الفطور سابقا.

بحسب تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، فإن أسعار المواد الغذائية قفزت بنسبة وصلت إلى الضعف خلال الأسبوع الماضي، مقارنة بالوضع الذي كانت عليه الأسواق السورية قبل عيد الأضحى الماضي، ذلك في وقت تشهد الأسواق حالة من الفوضى بالتسعير القائم على مزاج التجار، والتغير اللحظي في أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الليرة السورية.

الظواهر الغامضة في الأسواق التجارية بسوريا، تفتح الباب أمام تساؤلات كثيرة، أبرزها هل ستستمر هذه المأساة المالية، وما هو مصير الأشخاص الذين يراهنون على السوق لمصلحتهم الشخصية، أم ستنخرط الأسواق السورية في كرة غلق المحلات لأبوابها بشكل مفاجئ.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات