الانهيار في قيمة متوسط أجر المواطن السوري، أصبح مؤخرا يهدد الأمن الغذائي في سوريا، كما أفضى انهيار القوة الشرائية لمتوسط الدخل في سوريا، إلى تلاشي الطبقة المتوسط، التي كانت تمثّل سابقا النسبة العظمى من السوريين.

منذ بداية العام الجاري واجه راتب الموظف السوري صعوبات كبيرة في مواجهة الحد الأدنى من تكاليف المعيشة السورية، فرغم أنه مع بداية العام كان لا يحقق الحد الأدنى من تكاليف الحصول على غذاء لأسرة مؤلفة من ثلاثة أفراد، إلا أنه واصل النزيف أمام ارتفاع أسعار السلع والخدمات في سوريا.

بحسب تقارير محلية، فإن التدهور الاقتصادي الذي تعيشه سوريا منذ سنوات، أدى إلى اختفاء نسبة كبيرة من السوريين ممن كانوا يصنّفون ضمن الطبقى الوسطى في البلاد، فأصبح السوريون مكونين من طبقتين الأولى غنية ومقتدرة ماليا، والثانية معدومة الدخل، باتت عاجزة عن تأمين تكاليف الحد الأدنى من المقومات المعيشية.

أين أصحاب الدخل المحدود؟

تقرير لإذاعة “شام إف إم” المحلية، أشار إلى أن الملايين من الأشخاص في سوريا يحصلون على دخل ثابت من وظائفهم وأعمالهم، إلا أن هذا الدخل غير كاف لتلبية احتياجات الحد الأدنى من المعيشة، “فمثلا متوسط الرواتب والأجور في أكثر التقديرات تفاؤلاً لا يتجاوز 150 ألف ليرة سورية، فيما تقديرات الحد الأعلى لخط الفقر الوطني تصل إلى أكثر من مليون ونصف المليون ليرة سورية”.

وفق تقرير الإذاعة المحلية، فإن وسم شريحة اجتماعية واسعة بأنها صاحبة دخل محدود هو أمر مناف للواقع والمنطق، والأصح القول إنها صاحبت دخل متدهور أو معدوم أو مفقود أو مخنوق، وهي الفئة التي باتت تشكل النسبة العظمى من السوريين لا سيما خلال السنوات القليلة الماضية.

وعليه فإن العديد من المصطلحات التي تتحدث عنها الحكومة السورية باتت بحاجة إلى مراجعة، فعندما تتحدث الحكومة عن محدودي الدخل من المواطنين، فهي يجب أن تقصد الأشخاص الذين يحصلون على دخل ثابت يضمن قدرتهم على تأمين الحد الأدنى من متطلبات المعيشة، وهؤلاء لم يعودوا أكثرية في سوريا في ظل فقدان الأجور والرواتب للنسبة الأكبر من قدرتها الشرائية.

منذ أشهر كان البعض يتحدث عن أن الراتب الحكومي لا يكفي لتغطية مصاريف عائلة لمدة أسبوع واحد، واليوم ومع الارتفاعات الجديدة في أسعار الصرف وأسعار السلع والمواد الغذائية، فإن الراتب الحكومي في سوريا فَقَد المزيد من قدرته الشرائية في الأسواق.

قد يهمك: الكهرباء تزيد من معاناة السوريين.. كيلو “البوظة” بـ 70 ألف ليرة

بحسب تقارير متخصصة فإن رواتب العاملين والموظفين في سوريا الثابتة منذ بداية العام الجاري، فقدت نحو 35 بالمئة من قيمتها منذ مطلع العام، حيث واصلت أسعار السلع والخدمات في البلاد ارتفاعها، أم ردود أفعال الحكومة فاقتصرت على اقتراح خطط تتعلق بزيادة الرواتب دون إقرارها حتى الآن.

يبدو واضحا أن الحكومة السورية عاجزة عن إقرار أيّ زيادة في الرواتب والأجور مهما كانت نسبتها، والتسريبات الأخيرة ما هي إلا “إبرة مخدر” للسوريين الذي أنهكتهم الارتفاعات المتتالية في أسعار اسلع والمواد الأساسية، حيث وصلت الظروف المعيشية إلى حد لم تعد فيه أية زيادة في الرواتب قادرة على مواكبة ارتفاع الأسعار.

أجور هزيلة

تقرير لصحيفة “قاسيون” المحلية مؤخرا، أفاد بأن “هزالة منظومة الأجور السورية لا تحتاج إلى كثيرٍ من الإثبات والبراهين اليوم. حيث لم يعد جهاز الدولة في البلاد يمنح أجوراً فعلية قادرة على تغطية الحاجات الضرورية للإنسان”.

التقرير ركّز على أوضاع العاملين والموظفين في القطاع العام، البالغ عددهم نحو 1.75 مليون شخص، حيث يقع هؤلاء فريسة سهلة للفجوة التي تتسع بشكل دوري بين الحد الأدنى الهزيل للأجور، وتكاليف الحاجات الأساسية لضرورة بقاء الإنسان على قيد الحياة.

على الرغم من أن الحد الأدنى للأجور في سوريا، شهد ارتفاعات عديدة خلال الأعوام الماضية، خاصة بعد 2011، إلا أن هذه الزيادة الشكلية للأجور لم تعكس ارتفاعا للقيمة الحقيقية للأجور التي يتلقاها العمال السوريون مقابل قوة عملهم، بل على العكس من ذلك، فإن هذه القيمة الحقيقية آخذة بالانخفاض بشكل مستمر مقارنة بمعدلات التضخم في البلاد.

هذا الارتفاع الشكلي ينهار بمجرد القيام بتقويم الأجر بالدولار في السوق السوداء “بوصفه المعيار الفعلي الذي تتحدد تبعا له أسعار جميع السلع في السوق تقريبا”، وهنا نجد أن الحد الأدنى للأجور انخفض بشكل فعلي من 94.2 دولار في عام 2015، إلى 38 دولار في عام 2019، وفي بداية العام الجاري هبط إلى حدود 15.8 دولار، وخلال ستة أشهر فقط، أي حتى منتصف 2023، انخفض مجددا ليتأرجح عند حدود 9.8 دولار.

يبدو أن قطار الأسعار تجاوز خطط الحكومة في محاولاتها مساعدة السوريين على مواجهة الصعوبات المعيشية، حيث أن المسؤولين الحكوميين يتحدثون منذ نحو عام عن خطة لزيادة الأجور والرواتب، ومنذ ذلك الوقت ضربت موجات عديدة من الارتفاعات في أسعار المواد الأساسية بما فيها المحروقات، ولم يتم إقرار خطة الزيادة بعد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات