جزيرة أرواد الساحلية في سوريا، يبدو أنها على وشك أن تتحول إلى جزيرة نائية بسبب الظروف الاقتصادية. فرغم أنها ترتبط بحياة السوريين من خلال حركة السياحة والنقل البحري، ولكن الأمور قد تأخذ منعطفا غير متوقع في ظل تحديات متزايدة مؤخرا.

جزيرة أرواد لها جاذبية خاصة، حيث يتوافد الزوار من جميع أنحاء البلاد للاستمتاع بجمال شواطئها ومناظرها الخلابة. ومع ذلك، يخفى وراء هذا المشهد الهادئ حقيقة تتعلق بضيق الإمدادات وقلة الموارد التي تعاني منها الجزيرة. فبينما يتدفق الزوار للاستمتاع بالمناظر الخلابة، يعمل أصحاب القوارب البحرية على قدم وساق لتلبية حاجاتهم، ولكن يبدو أنهم يواجهون صعوبات كبيرة في ضمان كميات كافية من المازوت الذي يدعم تشغيل القوارب.

قوارب النقل البحري تمثل العمود الفقري لحركة التواصل بين أرواد والبر الرئيسي، ومع ذلك، تشهد هذه القوارب نقصا ملحوظا في إمدادات المازوت الضروري لتشغيلها. ويتسبب هذا النقص في تحديات كبيرة لأصحاب القوارب، حيث يضطرون إلى تقليل أوقات التشغيل وتقديم خدمات غير كاملة للزوار. وهذا يؤثر بشكل مباشر على تجربة الزوار وراحتهم، وقد يكون له تأثير سلبي على صناعة السياحة في المنطقة.

أزمة نقل؟

أصحاب القوارب المائية داخل جزيرة أرواد يعانون من نقص حاد في إمدادات المازوت، إذ أعرب العديد منهم عن استيائهم من حصولهم على كميات محدودة للغاية، حيث لا تتجاوز 30 لترا من المازوت كل شهر أو شهر ونصف. وهذا الكم القليل لا يكفي لتلبية احتياجات نقل الركاب بين الجزيرة ومدينة طرطوس خلال يوم واحد.

تحديات تأمين المازوت وندرته الشديدة، هو ما أعرب عنه مالكو القوارب حيث يشترون بيدون سعة 20 لترا بأسعار تتراوح بين 160 و170 ألف ليرة سورية. وذلك رغم مناشدتهم لضرورة زيادة حصصهم من المازوت بنفس معايير سيارات النقل العام مثل السرافيس وسيارات الأجرة، نظرا لأنهم يعتبرون الوسيلة الوحيدة للنقل بين الجزيرة والبر الرئيسي.

في هذا السياق، أكد رئيس لجنة النقل في جزيرة أرواد، خالد كاخية، لموقع “أثر برس” المحلي، أمس الثلاثاء، أن نقص إمدادات المازوت المدعوم التي يتم تخصيصها لأصحاب القوارب تسبب في صعوبات كبيرة. وأشار إلى أن هذه الكميات المحدودة، التي تتراوح بين 30 لترا شهريا وأحيانا شهر ونصف.

علاوة على ذلك، لفت كاخية إلى أنها لا تتناسب مع احتياجات القوارب التي تحتاج إلى ما بين 300 و400 لترا شهريا، وبين 20 و40 لتر يوميا. وهذا التحدي يزداد تعقيدا خلال فصل الصيف، الذي يشهد ارتفاعا في الحركة السياحية وتزايدا في عدد الرحلات بشكل ملحوظ.

ارتفاع أسعار النقل أيضا

أمس الثلاثاء، رفعت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، أجور نقل الركاب بين المحافظات “البولمانات”، حيث حددت سعر الكيلو متر الواحد بالنسبة للبولمان فئة “رجال أعمال” 30 راكب بـ 60 ليرة سورية، و”البولمان” العادي 45 راكب بـ 50 ليرة لكل كيلو متر، أما الميكرو باص بولمان حديث مكيف، فارتفعت تسعيرة الكيلو متر إلى  53 ليرة سورية.

هذا الارتفاع والذي شمل فقط المركبات البرية أثار سخط العاملين على القوارب في جزيرة أرواد، حيث اعتبروا أن عدم شمل قواربهم بارتفاع التسعيرة، هو إهمال من المؤسسات الرسمية لواقع الجزيرة، وهذا بنظرهم سيؤدي إلى أن تكون أشهر جزيرة سورية “نائية”.

بناء على ما أفاد به كاخية، اضطر أصحاب القوارب المائية إلى تحمل أعباء تكلفة المازوت المرتفعة، مما أثر بشكل مباشر على تسعيرة الركوب. فقد تم تعديل تسعيرة الركوب ذاتيا من مستواها السابق البالغ 1250 ليرة سورية، لتتراوح الآن بين 2000 و3000 ليرة سورية. 

هذا التسعير يتباين حسب عدد الرحلات، وصرف القارب، وسعر بيدون المازوت الذي تم شراؤه. إذ أنه في حال عدم رفع التسعيرة، سيكون العائد منها غير كاف لتغطية تكاليف شراء المازوت بعد دفع 160 ألف ليرة سورية لكل بيدون من المازوت.

في سياق متصل، أكد كاخية على أهمية ضرورة زيادة الكميات المخصصة لقوارب النقل البحري، حيث تعد هذه القوارب شريان الحياة الحقيقي لجزيرة أرواد. إذ تمثل وسيلة النقل الوحيدة والضرورية التي تربط بين الجزيرة ومدينة طرطوس القريبة. ولهذا، تمثل تلبية احتياجاتها من المازوت أمرا حيويا لاستدامة حركة النقل والتواصل بين هاتين المنطقتين.

هل سيرتفع سعر العيش في جزيرة أرواد؟

ليس فقط نقص إمدادات المازوت يؤثر على النقل من وإلى الجزيرة، بل أيضا على اقتصاد الجزيرة بشكل عام. إذ قد تتسبب التكاليف العالية وعدم الاستدامة في زيادة أعباء السكان المحليين والأعمال التجارية. ومع استمرار هذه المشاكل، يمكن أن يصبح من الصعب على أرواد الحفاظ على مكانتها كوجهة سياحية مفضلة.

بحسب بعض أعضاء مجلس الشعب السوري، فإن الجهات الرسمية بصدد اتخاذ قرارات بشأن رفع الدعم عن المحروقات وتحرير أسعاره، وإقرار زيادة جديدة على أسعار الخبز، حيث من المنتظر صدور هذه القرارات في غضون أيام، وهذا ما سينعكس سلبا على سكان الجزيرة.

اجتماعات اللجنة المؤلفة من مجلس الشعب السوري والحكومة انتهت منذ يومين، وخلال الليالي القادمة سيكون السوري أمام خطوات وقرارات حكومية جديدة فيما يخص الدعم، على صعيد رفعه عن المحروقات وتحرير أسعاره، إلى جانب سلسلة من القرارات التدريجية التي ستصدر تباعا، بالتزامن مع زيادة للرواتب من خلال الوفرة المحققة من رفع الدعم.

طبقا للمعلومات الواردة من الجزيرة لـ”الحل نت”، فإنه إذا كان مصروف العائلة السورية المكونة من خمسة أشخاص في البر السوري يصل إلى 3 ملايين ليرة بحده الأدنى، فإن خصوصية موقع أرواد يجعل تكلفة العيش فيها مضاعفة، ولذلك فإن القرارات الجديدة سينتج عنها هجرة منظمة من قبل السكان نحو المدن والأرياف السورية.

الجدير ذكره أنه حتى السياحة لم تعد وجهة السوريين، إذ بالنظر إلى أن أسعار المنشآت السياحية في سوريا باتت ضربا من الخيال، ويُحتسب تسعيرتها وفقا لسعر صرف الدولار، فإن الأسعار باتت خارج المنطق وأغلى من دول الجوار وحتى بعض الأماكن في الدول الأوروبية.

فمع اشتداد حرارة فصل الصيف، وصلت كلفة إقامة العائلة لليلة واحدة على الشواطئ الساحلية السورية إلى نحو مليون ليرة، أي ما يعادل أكثر من 10 أضعاف راتب الموظف الحكومي، مما يجعل السياحة “حلما” صعب المنال لمعظم المواطنين وسط الظروف الاقتصادية المتردية.

في النهاية يتبادر إلى الذهن تساؤل ملح ومهم، هل تصبح “أرواد” السورية جزيرة نائية بالفعل، لكن تبدو الإجابة على هذا التساؤل معقدة وتحمل في طياتها تحديات متعددة. فعلى الرغم من الحركة السياحية النشطة التي تشهدها الجزيرة من الزوار القادمين من شتى المحافظات، إلا أن تحديات شح المازوت التي يواجهها أصحاب القوارب تثير تساؤلات بشأن مستقبل هذه الجزيرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات