الخضار المجففة هي وسيلة قديمة وفعالة لحفظ الخضار الطازجة والاستفادة منها في مواسم النقص والحاجة. وتتميز الخضار المجففة بأنها تحافظ على معظم القيمة الغذائية للخضار الطازجة، كما أن تجفيف الخضار هو عملية بسيطة ورخيصة، وتتطلب فقط التعريض للشمس أو مصدر حراري آخر، دون الحاجة إلى إضافة مواد حافظة أو كيماويات.

لكن يبدو أنه ليس من المعلوم لدى الكثير أن الخضار المجففة يمكن أن تكون أيضا مصدرا للثروة والدخل، وأن هناك سوقا عالميا كبيرا ومتناميا للخضار المجففة، يبلغ حجمه مليارات الدولارات، وأن بعض الدول العربية والأجنبية تستورد كميات كبيرة من الخضار المجففة من بعض الدول بسبب جودتها وشهرتها.

حول ذلك تثار العديد من التساؤلات، لماذا لا تستغل سوريا هذه الفرصة الذهبية، وتحول ثروتها الزراعية إلى ثروة اقتصادية، ولماذا لا تنمي صناعة التجفيف والتصدير، وتستثمر فيها بشكل أكبر، ولا توسع نطاق الأصناف والأسواق، وتستخدم التكنولوجيا والابتكار.

الخضار المجففة.. الذهب الأخضر

في عالم مليء بالابتكارات والفرص الاقتصادية المتجددة، تبرز أحيانا بعض الفرص المدفونة بين الصفحات، وتحمل معها الوعود الجميلة لتحقيق ازدهار اقتصادي وتنمية مستدامة. من بين هذه الفرص، تنبعث أهمية دراسة واستكشاف مفهوم “الخضار السورية المجففة” كموضوع محوري للنقاش والتحليل. 

فمع انتشار ملحوظ لهذا النوع من الخضار في الأسواق السورية وغض النظر عنها من قبل الحكومة، يطرح تاجر الخضار، محمد الهنداوي، في حديثه لـ”الحل نت”، تساؤل حول أن هذه الظاهرة تمثل ثروة مستبعدة يمكن استغلالها بشكل إيجابي، أم هي مجرد فرصة ضائعة ينبغي استكشافها واستغلالها على النحو الأمثل، والحكومة هي المتهم في كلتا الحالتين بالنسبة له.

لطالما اشتهرت سوريا بتنوعها الزراعي وثرواتها الطبيعية، وتعتبر زراعة الخضار جزءا أساسيا من الاقتصاد الزراعي في البلاد. ومع ذلك، فإن الفرص الكامنة في مجال تجفيف الخضار قد لاقت تجاهلا ملحوظا. 

حيث أصبح من الأمور الملفتة للانتباه أن بعض النساء يلجأن إلى تجفيف الخضار في منازلهن، وذلك لضمان استدامته وتوفيره طوال العام، خاصة في فترات الوفرة. وهذا العمل اليدوي البسيط قد يحمل في طياته أفكارا جديدة تجاه تصدير هذه الخضروات المجففة إلى الأسواق العالمية.

في الوقت نفسه، لفت عضو لجنة التجار والمصدرين بسوق الهال، محمد العقاد، أن تصدير الخضار يتم حاليا بشكل طازج عبر البرادات إلى الدول المجاورة، دون التطرق لفكرة التجفيف. ويبدو أن هذا الأمر ينبع من عدم الوعي الكافي بالفوائد المحتملة للخضار المجففة على الصعيدين المحلي والدولي. 

إذ تتيح عملية التجفيف فرصة لتمديد عمر الخضار والحفاظ على قيمتها الغذائية والنكهات الطبيعية، مما يفتح الأبواب أمام تسويقها كمنتج طبيعي وصحي.

ثروة طبيعية تنتظر الاستغلال

الخضار المجففة تباع عند أغلب بائعي الخضروات وحسب التواصي مثل الباذنجان المجفف الذي يستخدم للمحاشي في فصل الشتاء، وكذلك البامية الخضراء التي تجفف، والملوخية اليابسة كلها منتجات صيفية يندر وجودها في فصل الشتاء.

لذلك تلجأ ربات البيوت إلى تجفيفها وتخزينها لطهيها في الشتاء، حتى أن الباذنجان مؤخرا في سوريا بات يباع بالقطعة وتتراوح الباذنجانة الواحدة بين 200 إلى 250 ليرة حسب حجمها، فالصغيرة بـ200 والكبيرة بـ250 وهناك سيدات يفضلن الصغيرة ومنهن يفضلن الكبيرة.

ربات البيوت تجدن في تخزين المونة الناشفة أقل كلفة وعمرا أطول، لافتات إلى أن هذه العادة قديمة ولا تزال مستمرة حتى الآن مثل تجفيف البندورة والملوخية والباذنجان والبامية والفول وغير ذلك، بسبب عدم توافر الكهرباء داخل البلاد.

في هذا السياق، كشف أمين سر جمعية حماية المستهلك عبد الرزاق حبزة أن موضوع تصدير الخضار المجففة غير مطروح لدى الحكومة السورية، أما الفواكه المجففة فهناك معامل خاصة بتجفيفها.

رؤية حبزة جاءت من منطلق أن هناك معامل كنسورة، والبدء بتصدير الخضار المجففة هو تهديد لهذه المعامل، حيث ذكر في حديثه لموقع “أثر برس” المحلي، أنه من الممكن بدلا من تجفيف الخضار أن تصدّر بشكل كونسروة ولها زبائنها الذين يطلبونها خارج البلاد، والفواكه المجففة الإقبال عليها ضعيف بسبب ارتفاع أسعارها والفواكه المجففة يتم سحب الرطوبة منها وتعقيمها وتغليفها تغليفا أنيقا.

بديل غذائي صحي واقتصادي للمواطن

لا يوجد أي تفسير لعدم إدراج الخضار المجففة ضمن قائمة التصدير لدى الحكومة، سوى أن هذا المجال لن يفتح أمام صغار الكسبة، وهذا الباب بانتظار حوت جديد يظهر على الساحة ليسيطر عليه.

حبزة لفت إلى أنه من الممكن أن يستفاد من الخضار المجففة محليا فقط، مبينا أنه في ظل انقطاع التيار الكهربائي تلجأ السيدات إلى تجفيفها وتنشيفها وتركها لمؤونة الشتاء خاصة أنها تؤكل في غير موسمها.

بحسب حديث الهنداوي، فإن الخضار المجففة هي بديل غذائي صحي واقتصادي للمواطن. فهي تحتوي على نسبة عالية من الألياف والفيتامينات والمعادن، التي تساعد على تحسين الهضم والمناعة والوقاية من بعض الأمراض. كما أنها تساهم في تخفيض التكاليف المالية للأسرة، حيث تتوفر بأسعار معقولة وتدوم لفترات طويلة، دون الحاجة إلى التبريد أو التخزين.

رغم ذلك، فإن أسعار الخضار والفواكه في سوريا مرتبطة بسعر الصرف، ويبدو أنها تحولت لبورصة مثل العديد من السلع الأخرى، حيث ارتفعت الأسعار بشكل كبير، حتى أصبح الناس يقنّنون من شراء هذه السلع، وأصبحت الفاكهة بجميع أنواعها رفاهية لمعظم المواطنين اليوم، وسط تدني الرواتب والأجور.

بالتالي، يظهر بوضوح أن موضوع الخضار السورية المجففة ليس مجرد موضوع عابر، بل هو قضية تحتاج إلى اهتمام وبحث جاد لفهم نطاقها وتقييم تأثيرها المحتمل. في حين أنه لا تفسير حول عدم تسليط الضوء من قبل  الحكومة السورية على هذه الفرصة المهمة والنظر في كيفية تحقيق أقصى استفادة منها، لتكون الخضار المجففة علامة فارقة في مسيرة تطور اقتصادي مستدام ومزدهر لسوريا خصوصا في ظل الظروف الراهنة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات