منذ ساعات قليلة، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية عن إصدار قائمة جديدة من العقوبات، تستهدف هذه المرة فصائل سورية محددة والتي يعتبرها تركيا جزءا من القوات التي تدعمها. ومن بين الأسماء التي أبرزتها هذه القائمة المثيرة للجدل، يتصدرها “أبو عمشة”، القائد البارز في فصيل “لواء سليمان شاه”، الذي يعد واحدا من أبرز اللاعبين في المشهد السوري الحالي متهم بعدد من الانتهاكات.

في السنوات الأخيرة، شهدت سوريا تدخلا عسكريا واسعا من قبل تركيا، التي تدعم بعض الفصائل المسلحة المعارضة للحكومة السورية، وتطمح إلى تحقيق أهداف سياسية وأمنية في المنطقة. ومن بين هذه الفصائل، هناك بعض الجماعات التي ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد المدنيين السوريين، خاصة في مناطق عفرين وتل أبيض ورأس العين، التي سيطرت عليها تركيا وحلفاؤها في عمليات عسكرية متتالية. ومن أبرز هذه الجماعات، فصيل “لواء سليمان شاه” المعروف باسم “العمشات”، وفرقة “الحمزة” أو “الحمزات”، التي تضم مقاتلين من أصول عربية وتركمانية.

تاريخ هذه الجماعات وأبرز جرائمها يطرح تساؤلا حول تأثير هذه العقوبات على مستقبل هذه الجماعات وعلاقتها بتركيا، وهل ستؤدي إلى ردعها من مواصلة انتهاكاتها أو إلى تغيير موقف تركيا من دعمها، وكيف ستنعكس هذه الخطوة على مصير المدنيين السوريين في المناطق التي يسيطرون عليها.

لماذا شملت العقوبات قادة فصائل بعينهم؟

في خطوة مهمة لمواجهة هذه الانتهاكات، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية أمس الخميس، قائمة جديدة للعقوبات ضد ثلاثة قادة من هاتين الجماعتين، بالإضافة إلى شركة لبيع السيارات في تركيا تابعة لأحدهم. وجاء في بيان الوزارة أن هذه العقوبات تستهدف “الأشخاص والكيانات المسؤولين عن اختطاف وابتزاز وتهجير قسري واغتصاب وقتل المدنيين في شمال سوريا”. وأضاف البيان أن هذه الإجراءات تأتي في إطار “الالتزام بالحفاظ على حقوق الإنسان والديمقراطية في سوريا”.

العقوبات شملت سيف بولاد المعروف باسم “سيف أبو بكر” قائد فرقة “الحمزة” لارتكابه انتهاكات ضد السكان المحليين، ومحمد الجاسم الملقب بـ”أبو عمشة” قائد فصيل “لواء سليمان شاه”.

كذلك نص مرسوم العقوبات الأميركية على حظر نشاطات شركة سيارات “السفير أوتو” التي يديرها قائد فصيل “سليمان شاه” “أبو عمشة”، إضافة إلى وليد حسين الجاسم وهو الأخ الأصغر لـ “أبو عمشة” والذي يشغل أيضا دورا قياديا في الفصيل ذاته.

الخزانة الأميركية لفتت إلى أن شركة سيارات “السفير” يشترك في إدارتها زعيم فصيل “أحرار الشرقية” أحمد إحسان فياض الهايس المعروف باسم “أبو حاتم الشقرا” الذي شملته العقوبات الجديدة، بالرغم من إدراجه وفصيله على قائمة العقوبات الأميركية في تموز/يوليو 2021.

وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، بريان إي نيلسون”، ذكر أن هذا الإجراء يُظهر التزام بلاده المستمر بتعزيز المساءلة لمرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك في سوريا، وتأكيد الولايات المتحدة على التزامها بدعم قدرة الشعب السوري على العيش دون خوف من الاستغلال من قبل الجماعات المسلحة ودون خوف من القمع العنيف.

تداعيات العقوبات

خلال تواجده الاثنين الفائت في مدينة عفرين، أكد عبد الحكيم بشار، عضو المكتب السياسي لـ “الحزب الديمقراطي الكوردستاني-سوريا”، الانتهاكات الحاصلة ضد الأهالي في مدينة عفرين، التي سيطرت عليها القوات التركية بمساعدة فصائل مدعومة من قبلها عام 2018.

الخبير في الشؤون العسكرية، العميد عبد الله حلاوة، أوضح لـ”الحل نت”، أنه من المؤكد ستؤثر هذه العقوبات على مستقبل هذه الجماعات وعلاقتها بتركيا بطرق متعددة. من جهة، قد تقلص هذه العقوبات من قدرة هذه الجماعات على الحصول على التمويل والسلاح والدعم اللوجستي من تركيا أو من جهات أخرى، مما يضعف من قوتها ونفوذها في المنطقة.

كما ستزيد هذه العقوبات من عزلتها ومن رفض المجتمع الدولي لسياساتها وأفعالها. وأيضا ستؤدي هذه العقوبات إلى تفكك هذه الجماعات من رابطتها مع تركيا، وإلى عدم التمسك بالتحالف معها كحامية لمصالحها وحليفة لأجندتها. إلا أنه من المحتمل أن تستغل هذه الجماعات هذه العقوبات كأداة للتحريض والتأليب ضد الولايات المتحدة وغيرها من الدول التي تنتقدها.

بالنسبة إلى ردع هذه الجماعات من مواصلة انتهاكاتها أو إلى تغيير موقف تركيا من دعمها، فبحسب توقعات حلاوة، فإن هذه النتائج غير مؤكدة أو مضمونة. فقد سبق أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على بعض الأفراد والكيانات المرتبطة بتركيا مثل فصيل “أحرار الشرقية” وبالحكومة السورية أو بإيران أو بروسيا أو بغيرها من الأطراف المشاركة في الصراع، لكن دون أن تحقق نتائج ملموسة في إحلال السلام أو حل الأزمة.

كما أن تركيا لديها مصالح استراتيجية في سوريا، تتعلق بالأمن والسيادة والنفوذ، ولا يبدو أنها ستتخلى عن دعم حلفائها بسهولة. لذلك، قد تحتاج هذه العقوبات إلى مزيد من التنسيق والضغط من قبل المجتمع الدولي، وإلى مصاحبتها بحلول سياسية شاملة وشفافة.

أما بالنسبة إلى مصير المدنيين السوريين في المناطق التي تسيطر عليها هذه الجماعات، فإن هذه العقوبات قد تكون لها تأثير إيجابي أو سلبي. من جهة، قد تساهم هذه العقوبات في حماية حقوق المدنيين ومنع المزيد من الانتهاكات ضدهم، وفي تشجيع هذه الجماعات على احترام القانون الدولي والإنساني.

كما قد تفتح هذه العقوبات باب الحوار والتفاوض مع هذه الجماعات، وإلى إشراكها في عملية السلام والمصالحة. لكن من جهة أخرى، قد تؤدي هذه العقوبات إلى تفاقم المعاناة الإنسانية للمدنيين، بسبب نقص الموارد والخدمات والفرص في المناطق التي يعيشون فيها. كما قد تزيد هذه العقوبات من التوتر والعنف في المنطقة، وإلى تصعيد الصراع بين هذه الجماعات وبين الأطراف المعارضة لها.

انتهاكات تمنع المدنيين من العودة إلى ديارهم!

تقرير جديد صادر عن منظمة “بيل- الأمواج” المدنية نهاية تموز/يوليو الفائت، كشف عن الانتهاكات الفادحة لحقوق الإنسان التي تُرتكب ضد السكان الأصليين في هذه المنطقة المنكوبة. بدأت هذه الانتهاكات بعملية “غصن الزيتون” العسكرية في عام 2018 وما زالت مستمرة حتى الآن. 

حسب التقارير الدورية للجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا، تُعتبر الانتهاكات المتعلقة بحقوق السكن والأراضي والملكية هي الأكثر بروزا في هذه المنطقة، حيث تروي شهادات 90 شخصا من السكان المحليين الذين تعرضت ممتلكاتهم للسلب أو التدمير على يد فصائل المعارضة السورية والقوات التركية.

التقرير الذي وصل لـ “الحل نت” نسخة منه، كشف عن جرائم غير إنسانية وانتهاكات صارخة يتعرض لها السكان الأصليون في منطقة عفرين. الأرقام والشهادات التي تم جمعها من 30 امرأة و60 رجلا أصدرت تحذيرا قويا حول أبعاد هذه الجرائم المروعة. 

هذه الاعتداءات تتمثل في استهداف وتدمير ممتلكات الأفراد الأبرياء الذين لم يشاركوا في أعمال القتال، إضافة إلى سرقة منازلهم وممتلكاتهم بشكل تعسفي ونهب محتوياتها. وليس هذا فقط، بل تتعدى هذه الجرائم لتشمل ممتلكات المدنيين من الأراضي الزراعية والمواشي والأشجار المثمرة وحتى محاصيلهم الزراعية.

التقرير ألقى الضوء على الظلم والقهر الذي يعيشه السكان الأصليون في منطقة عفرين منذ عام 2018، وكشف عن الجرائم المروعة التي يتعرضون لها بشكل يومي. وفي ظل عدم وجود قوى عادلة تحمي حقوقهم، يظل المستقبل غير واضح والعودة إلى ديارهم أمرٌ شبه مستحيل. 

وبينما واجهت 47 حالة صعوبة بمعرفة اسم الفصيل الذي استولى على أملاكه. إلا أنّ القسم الآخر من الشهود والضحايا تمكّن من تحديد الجهة المسؤولة عن الانتهاك، إضافة للطيران التركي، في الأعداد التالية من الحالات كما ذكرها الشهود، “فرقة الحمزة” في 10 حالات، “أحرار الشرقية” في 7 حالات، “الجبهة الشامية” في 6 حالات، “الجيش التركي” في 5 حالات، “أحرار الشام” في 3 حالات، “الشرطة العسكرية” في 3 حالات، “فرقة السلطان سليمان شاه” في 3 حالات،”فيلق الشام” في حالتين، “لواء السلطان مراد” في حالتين، “الجيش الوطني السوري” في حالتين، “الشعيطات” في حالة واحدة، “صقور الشمال” في حالة واحدة، “لواء المعتصم” في حالة واحدة، و”ثوار حماة” في حالة واحدة.

تُعد الانتهاكات الجسيمة لبعض قادة فصائل “الجيش الوطني” المدعوم من أنقرة بمثابة جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان الأساسية للمدنيين المسالمين في المنطقة. كما أن التنظيم الممنهج لهذه الانتهاكات وتكرارها يجعلها أكثر خطورة وتأثيرا على السكان المحليين الذين يواجهون حياة مروعة وغير آمنة يومياً، فضلا عن أن هذا الوضع يؤثر على حق العودة والاستقرار في المنطقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة