في ظل الأوضاع الصعبة التي تمر بها سوريا من حرب وفقر، يظهر تناقضٌ غريب ومثيرٌ للدهشة؛ استمرار الطلب على الساعات السويسرية. ويبدو أن هناك جاذبية لدى بعض الفئات داخل البلاد لا تُعبأ بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالمحافظات السورية، فالرغبة باقتناء هذه الساعات تعكس أبعادا عميقة تتعدى المظاهر المادية.

على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة، يبدو أن هناك قوة جذابة تدفع ببعض الأفراد للاستثمار في هذه القطع الفاخرة. وفي حين أن هذه الاهتمامات تعبّر عن تمسك بالأمل والأناقة، إلا أنها قد تكون طريقة للهروب من واقع مؤلم قد يُسبِّب الإحباط، وتذكير بالرفاهية والجمال حتى في أوقات الأزمات لدى فئة معينة.

طلب على الساعات السويسرية في سوريا

إن الساعات السويسرية ليست مجرد أدوات لقياس الزمن، بل هي رمز للتميز والتفرد. فتاريخ صناعة الساعات في سويسرا يعود إلى قرونٍ مضت، حيث طوّرت هذه الدولة سمعةً لا تضاهى في تصنيع الساعات عالية الجودة والفاخرة. وهذا التراث يجعل الساعات السويسرية مرغوبة لدى الكثيرين، حيث يرتبط اسمها بالتميز والرفاهية.

داخل مجموعات خاصة في موقع “فيسبوك”، رصد “الحل نت” ظاهرة تبدو غريبة، تجلّت في عرض بيع وشراء الساعات السويسرية حصرا، منها ما هو مستعمل، وأخرى جديدة أبحرت إلى سوريا عبر القادمين من خارج البلاد.

إحدى أرخص الساعات التي رُصد بيعها داخل هذه المجموعات بمبلغ 8 ملايين ليرة سورية، كانت من نوع “راما”، ولم تكن جديدة إلا أن عارضها ذكر أنها مطلية بماء الذهب، في حين كانت أغلى ساعة عُرضت من ماركة “جيجر لوكولتر” بحوالي 60 مليون ليرة سورية.

طبقا للقائمين على المجموعة، فإن هناك عدة محال متخصصة بالساعات السويسرية في سوريا، وما تزال تشهد إقبالا من السوريين، وأبرزهم “ملك الساعات السويسرية” في حمص، وشركة “الركن السويسري” للساعات المنتشر بفروعها في دمشق واللاذقية وطرطوس.

علاوة على ذلك، فإن هناك حركة بيع وشراء انتشرت مؤخرا بعد زيارة بعض العوائل القادمين من أوروبا إلى سوريا خلال الصيف، حيث استغل البعض شراءهم للساعات بأسعار رخيصة في أوروبا وبيعها داخل سوريا بأسعار مرتفعة؛ نظرا لإقبال الفئة الغنية فقط على شرائها.

الساعات السويسرية تُزين معاصم الأغنياء

صحيح، أن الساعات السويسرية تعتبر رمزا للفخامة والجودة العالية في مجال صناعة الساعات؛ لكن في سوريا كما في العديد من البلدان، تعتبر الساعات السويسرية علامة على الرفاهية والمفخرة. وارتبط ارتداء هذه الساعات بالمكانة الاجتماعية والاقتصادية، ولها دور في التعبير عن الثروة.

التفسير المحتمل لهذا السلوك وفق حديث تاجر الذهب، محمد زريقات، لـ”الحل نت”، يكمن في انتماء بعض الفئات الاجتماعية إلى طبقات تملك الموارد الكافية لتحقيق مثل هذه الشراءات الفاخرة. وقد يكون لديهم معتقداتٌ أو تصورات تجعلهم يرون أنه من الممكن الاحتفاظ بأسلوب حياة مرفّهة حتى في ظل التحديات.

يمكن أن يؤثر هذا الاهتمام بالساعات السويسرية على الوضع العام في سوريا. فهو مؤشر على انقسام الطبقات الاجتماعية أكثر، وليس مجرد مظهر طبيعي لرغبة البعض في الهروب من الواقع الصعب إلى جماليات الفخامة.

بحسب الزريقات، فإن هناك طبقة غنية في سوريا، تستطيع تحمّل تكاليف شراء الساعات السويسرية، ولا تتأثر كثيرا بالحرب والفقر. وهذه الطبقة تستخدم الساعات السويسرية كوسيلة للتميز عن باقي المجتمع، ولإظهار قوتها ونفوذها. كما قد تستخدمها كوسيلة للاستثمار، حيث تحافظ هذه الساعات على قيمتها مع مرور الزمن.

أيضا هناك بعض المحبّينَ للساعات السويسرية، الذين يقدرون جمالها وفنّها وتاريخها. وهؤلاء المحبين قد يشترون الساعات السويسرية كهواية أو شغف، ولا يهتمون بالأزمات التي تحيط بهم. بل قد يجدون في هذه الساعات مصدرا للسعادة والرضا.

للرمزية والهوية الشخصية أم الاستثمار؟

الهوس بشراء المقتنيات غالية الثمن يمكن أن يكون نتيجة لمجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك الرمزية والهوية الشخصية، بالإضافة إلى الاستثمار. أيضا لا يمكن الجزم بأن هذا الهوس ينطوي على رمزية أو هوية شخصية أو استثمار، بل قد يكون مزيجا منها جميعا أو بعضها.

بشكل عام، يمكن تقسيم الأشخاص الذين يشترون المقتنيات غالية الثمن إلى ثلاث فئات رئيسية؛ أولهم الذين يشترون المقتنيات غالية الثمن لأسباب رمزية وهوية شخصية. هؤلاء الأشخاص يرغبون في التعبير عن ذاتهم وشخصيتهم وقدرتهم الشرائية، ويعتبرون أن المقتنيات غالية الثمن تعطيهم مكانة اجتماعية عالية واحتراما من الآخرين.

 كما يعتقدون أن المقتنيات غالية الثمن تزيد من ثقتهم بأنفسهم وسعادتهم. وهؤلاء الأشخاص قد يتأثرون بالحملات الدعائية والإعلامية والمشاهير والمدونات التي تروّج للماركات العالمية، وقد يصابون بالإحباط أو الغيرة إذا لم يستطيعوا شراء ما يرغبون فيه.

أما الفئة الثانية فهم الذين يشترون المقتنيات غالية الثمن لأسباب استثمارية. وهؤلاء الأشخاص يرون في المقتنيات غالية الثمن فرصة لزيادة ثروتهم أو حفظ قيمتها، خصوصا في ظل التضخم وانخفاض قيمة العملات. وهؤلاء الأشخاص يولّون اهتماما كبيرا لجودة وصلاحية وعائد المقتنيات غالية الثمن، ولا يهتمون كثيرا بالجانب الجمالي أو المظهري.

في حين أن الفئة الثالثة هم الذين يشترون المقتنيات غالية الثمن لأسباب مختلطة. هؤلاء الأشخاص يجمعون بين دوافع رمزية وهوية شخصية واستثمارية في شراء المقتنيات غالية الثمن، وغالبا بحسب زريقات، هذه الفئة ليست في سوريا أو من ضمن المقبِلين على الساعات السويسرية في البلاد.

هوس شراء المقتنيات غالية الثمن ومن ضمنها الساعات السويسرية في سوريا يعتمد على عوامل نفسية واجتماعية واقتصادية متعددة لدى فئة معينة، في حين ترى أكبر فئة داخل المجتمع السوري أن شراء أشياء من ماركات غالية الثمن يعد من الإسراف وأصبحت هناك طبقة محددة في سوريا انطلقت في سباق مع الزمن والمال، حيث باتت غنيّةً جدا لدرجة لا تعكس الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات