في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية والإنسانية التي تعصف بسوريا منذ أكثر من عقد، تنوي الحكومة السورية إصدار قرارات جديدة لتخفيف شروط منح الجنسية السورية للأجانب، عبر تخفيض سقف الاشتراطات لتشمل العائلة كاملة، وعلى إثر ذلك، حصل تفاعل واسع وحالة من الجدل شهدتها البلاد حول قانون منح الجنسية للأجانب، رغم أن العمل به لم يبدأ.

هذه القرارات تهدف إلى جذب المستثمرين والمغتربين والأجانب إلى سوريا، وتوفير مصادر دخل وعملة صعبة للاقتصاد السوري، وتعزيز التعددية والانفتاح في المجتمع السوري، كما تهدف إلى تحسين صورة سوريا في المحافل الدولية، وإظهار حسن نواياها في التعامل مع قضايا الهجرة واللجوء، حسب المشروع المطروح والذي اطلع عليه “الحل نت”.

لكن هذه القرارات أثارت أيضا انتقادات ومخاوف من قبل بعض الأطراف السورية، التي ترى فيها محاولة لتغيير هوية سوريا وديموغرافيتها، وإضافة عبء جديد على الموارد المحدودة، وإشعال صراعات طائفية أو عرقية أو اجتماعية، كما ترى فيها استسلاما للضغوطات الخارجية، أو مكافأة للأطراف المتحالفة مع دمشق.

“لمن أدى للدولة أو للأمة العربية خدمات جليلة”

في وقت يشهد فيه السوريين خارج البلاد حملة ضدهم لإعادتهم إلى سوريا بسبب التحولات والتغييرات السياسية والاجتماعية، تأتي تعديلات وقرارات جديدة في سوريا بخصوص منح الجنسية السورية للأجانب كموضوع حساس يثير اهتمام العديد من الأفراد ويثير الجدل، إذ إن هذا الموضوع يحمل في طياته أبعادا كبيرة تتعلق بالهوية الوطنية والأمن القومي وحقوق الأفراد.

هذه المسائل تطرح تساؤلات حول معنى وقيمة الجنسية السورية، وحول مصالح وحقوق المواطنين السوريين، وحول آثار هذه القرارات على مستقبل سوريا، فهل هذه القرارات مبررة وضرورية، وهل هذه القرارات شاملة وعادلة، أو هل هذه القرارات نافعة أم ضارة.

لقد أثارت هذه التعديلات الجديدة جدلا واسعا في سوريا، وذلك بسبب تغيير شروط منح الجنسية السورية للأجانب بما يشمل توسيع نطاق المستفيدين ليشمل شرطا يخص المقاتلين الأجانب، تحت تفعيل بند “لمن أدى للدولة أو للأمة العربية خدمات جليلة” الذي كان مجمدا منذ حرب 1973، إلا أنه حاليا يمنح بمرسوم بناء على اقتراح وزير الداخلية.

المغردون والمواطنون على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الحياة اليومية بدأوا بالجدل حول هذا الموضوع المثير، فهناك آراء متباينة حول منح الجنسية السورية للأجانب، حيث يرفض البعض هذا القرار بشدة، معتبرين أن الجنسية هي حق مكتسب للسوريين ولا ينبغي منحها للأجانب، بينما يركز آخرون على الأمور الأمنية والاقتصادية، معتبرين أن تجنيس الأجانب يمكن أن يهدد الأمن القومي السوري وينافس السوريين في فرص العمل والاستثمار.

قانون منح الجنسية للأجانب في سوريا، يحدد شروط وإجراءات سواء كانوا من أبناء البلاد العربية أو غيرها، ويشترط فيهم كونهم كاملي الأهلية، ومقيمين في سوريا لفترة معينة، وخاليين من الأمراض السارية، وذوي سيرة حسنة، وملمين باللغة العربية، وذوي اختصاص أو خبرة أو وسيلة مشروعة للكسب.

كما يحدد القانون أيضا حالات التجنس الاستثنائي، التي تتم بمرسوم جمهوري دون التقيد بالشروط المذكورة، وتشمل من يحمل شهادة مواطن مغترب، أو من أدى للدولة أو للأمة العربية خدمات جليلة، أو من ينتمي في الأصل إلى بلد عربي، وكذلك حالات اكتساب المرأة الأجنبية أو العربية للجنسية السورية بالزواج من مواطن سوري، وشروط عودتها إلى جنسيتها الأصلية في حال انتهاء الزواج.

منح الجنسية للأولاد مباشرة

هذه التعديلات أثارت أيضا تساؤلات كبيرة حول مصير السوريين الذين يقاتلون من أجل وطنهم والذين يعانون من تداعيات النزاعات السابقة، وهل ستؤثر منح الجنسية للأجانب على حقوقهم وفرصهم، وكيف سيتعامل المجتمع السوري مع هذه التغييرات وماذا ستعني بالنسبة للمستقبل.

ضمن القانون المعدل والذي اطلع على مسودته “الحل نت”، تمنح الجنسية بصورة جماعية ولا يستثنى من ذلك أفراد العائلة الواحدة، كما يجوز منح الجنسية للأولاد الراشدين لوالد اكتسب هذه الجنسية إذا دون طلبها، دون الحاجة لمرسوم من الوزير وتخفض لهم مدة الإقامة إلى سنة على الأقل.

لا توجد ضمن المصادر المفتوحة معلومات عن عدد الذين جنستهم سوريا خلال العشر أعوام السابقة، ولكن وفق ما حصل عليه “الحل نت” من داخل وزارة الخارجية والمغتربين، فإن السجلات الرسمية تذكر أن سوريا منحت الجنسية لآلاف الأشخاص من جنسيات مختلفة خلال هذه الفترة.

بداء من عام 2011 تقول الحكومة السورية إنها منحت الجنسية لأكثر من 300 ألف كردي سوري كانوا محرومين منها منذ عام 1962، بموجب مرسوم رئاسي صدر في 7 نيسان/ أبريل.

وفي عام 2016، منحت سوريا الجنسية لأكثر من 50 ألف فلسطيني سوري كانوا يعانون من التمييز والقمع، بموجب قانون صدر في 28 يوليو/تموز، أما في عام 2018، منحت سوريا الجنسية لحوالي 5 آلاف مقاتل أجنبي وعائلاتهم من الذين شاركوا في دعم الجيش السوري ضد المعارضة، بموجب قانون صدر في 10 يوليو/تموز، أيضا طبقا للمعلومات، فإن سوريا منحت الجنسية منذ عام 2020 حتى عام 2023، لأكثر من 50 ألف أجنبي من حملة الجنسيات الأوروبية.

من يأخذ الجنسية السورية؟

وفقا للقانون السوري لعام 1969 بموجب المرسوم التشريعي 276، هناك ثلاث طرق رئيسية للحصول على الجنسية السورية، أولا بالولادة حيث يحصل على الجنسية السورية كل من ولد في سوريا أو خارجها من أب سوري، أو كل من ولد في سوريا من أبوين مجهولين أو بلا جنسية.

أما الطريقة الثانية، فيمكن منح الجنسية السورية للأشخاص الذين يستوفون شروط معينة، مثل كونهم من أبناء البلاد العربية، أو كونهم مقيمين في سوريا لفترة زمنية، أو كونهم ذوي اختصاص أو خبرة أو وسيلة مشروعة للكسب، أو كونهم زوجات أو أولاد المواطنين السوريين.

أما التجنيس الاستثنائي، فيمر من خلال شخصيات محددة، إما عبر قرار من وزير الداخلية، أو بمرسوم من رئيس البلاد، حيث يمكن منح الجنسية السورية للأشخاص الذين يستحقونها لأسباب خاصة، مثل كونهم من المغتربين السوريين، أو كونهم قدموا خدمات جليلة للدولة أو للأمة العربية، أو كونهم ينتمون في الأصل إلى بلد عربي.

آثار منح الجنسية السورية للأجانب، وفقا للمحامي، حسن الحريري، تبدأ بسيطرة المستثمرين والمغتربين والأجانب، وقد يؤدي أيضا إلى زيادة المنافسة على الموارد المحدودة، وخلق فجوة اجتماعية بين الأغنياء والفقراء، وتعرض القطاعات الحساسة مثل الزراعة والصناعة للهيمنة الأجنبية.

في معرض حديثه لـ”الحل نت”، أوضح الحريري أن منح الجنسية السورية للأجانب قد يشكل أيضا خطرا على الأمن القومي، وإضعاف هوية سوريا وديموغرافيتها، وإشعال صراعات طائفية أو عرقية أو قومية، وإرضاء بعض الأطراف الداعمة لدمشق على حساب غيرها.

علاوة على ذلك، فإن منح الجنسية السورية للأجانب قد يضمن لهم حقوق مدنية وسياسية متساوية مع المواطنين الأصليين، مثل حق التصويت والترشح والتظاهر والتعبير، وحق التمتع بالخدمات العامة مثل التعليم والصحة والضمان الاجتماعي، وهذا يفتح باب التلاعب بالقانون، والإفلات من المسؤولية، والانتهاك للسيادة، خصوصا إذا كان المستفيدين منها يحملون جنسيات أخرى أو يخضعون لولاءات خارجية.

منح الجنسية للأجانب هو قرار حساس يثير العديد من المخاوف والتساؤلات في العديد من البلدان، بما في ذلك سوريا، وهذا القرار يحمل مجموعة من الخطورات والتحديات، ويمكن أن يؤدي إلى تغيير في التوازن الديموغرافي والثقافي للبلاد، مما قد يؤثر على الهوية الوطنية والتماسك الاجتماعي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات