هل ستستمر هذه الاحتجاجات في التصاعد والتوسع، وهل ستتحول إلى انتفاضة شعبية تهز أسس الحكم السياسي في دمشق، وكيف ستتعامل الأخيرة مع هذا التحدي، بعد رفع السويداء شعارات سياسية، وما هو موقف المجتمع الدولي من هذه التطورات.

هذه هي بعض من التساؤلات التي أثيرت بعد أن دخلت احتجاجات السويداء أسبوعها الخامس على التوالي، ولا تزال ساحة الكرامة في مركز المدينة، مسرحا للتظاهرات السلمية كل يوم، من الصباح وحتى المساء، فرغم خصوصية المنطقة إلا أن هذه الخصوصية لم تكف لحماية المحافظة من التدهور المستمر في مستوى المعيشة، بسبب الانهيار الكبير في قيمة العملة السورية، وارتفاع أسعار المواد الأساسية، وانقطاع التيار الكهربائي، وانتشار الفساد والمحسوبية، وهذه الظروف دفعت بالأهالي إلى التظاهر في شوارع المدينة، رافعين شعارات سياسية تطالب بإسقاط المنظومة السياسية في دمشق، وإطلاق سراح المعتقلين، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.

ما يلفت الانتباه إلى أن هذه الشعارات لم تكن محصورة على طبقات اجتماعية معينة، بل شارك فيها شباب وشيوخ، نساء ورجال، دروز وسنة، كما أن هذه الشعارات لم تكن مستوردة من خارج، بل كانت محلية ومنسجمة مع الهوية السورية، فمن بين هذه الشعارات التي أثارت اهتماما خاصا، هي مطالبة الشيخ حكمت الهاجري، أحد أبرز رجال الدين الدروز في سوريا، بإقامة دولة علمانية مدنية ديمقراطية، من دون تمييز حزبي أو طائفي، وفي ذات الوقت، أعلن الشيخ الحرب ضد إيران و”حزب الله” اللبناني، متهما إياهما بالتدخل في شؤون سوريا والمنطقة.

هذه المطالبة تعكس تغيرا جذريا في موقف المرجعية الدينية للدروز، وتغيرا في وعي الشعب السوري، الذي يرى أن حقوقه ومصالحه لا يمكن أن تحفظ بالولاء لنظام فاسد، بل بالمشاركة في بناء دولة جديدة تضمن له الحرية والعدالة والكرامة.

شيخا دروز لبنان وسوريا.. إبقاء تحرُّك السويداء سلمي

دمشق ما تزال تتعامل مع السويداء ليس كغيرها من المحافظات السورية، إذ عادة ما ترد القوات السورية على أي تظاهرة بالقمع، وفقا لآراء المراقبين، الذين يفسرون أن العنف قد يبدأ في أي لحظة خصوصا بعد اكتساب الحراك الزخم الكبير، تزامنا مع تلقيه لدعم كبير من المرجعية الدينية للدروز السوريين، والتي أعلنت تأييدها للاحتجاج السلمي على الأوضاع المعيشية.

بعد الأنباء التي تحدثت عن تلقي الهجري لاتصال من السيناتور الأميركي فرينش هيل، قال مصدر مقرب من “الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين”، أنه ضمن الوفود والاتصالات اليومية التي يستقبلها الرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحدين، حكمت الهجري، كان السيناتور الأميركي الذي سأل الهجري عن الأوضاع في السويداء، وعموم سوريا، وأشار له الهجري عن المطالب المحقّة للشعب السوري ورفض الظلم على كل السوريين، والتأكيد على وجود مطالب محقّة ومشروعة لدى أبناء السويداء والسوريين عموما، بالعيش الكريم في وطنهم، سوريا الموحدة.

في ذات الوقت، شدد شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز في لبنان سامي أبي المني، وحكمت الهجري على ضرورة إبقاء التحرك المعارض في السويداء سلميا، خلال اتصال هاتفي بينهما، وأن الدولة ملزمة بتأمين حقوق الشعب والمناطق المحرومة، وأن “الشباب المنتفض له الحق في التعبير عن رفضه لسياسات الإذلال والإهمال”.

تقديم الهجري لمطلب دولة علمانية خلال اجتماع بالمحتجين، يمثل تحديا كبيرا للسلطة الحاكمة في سوريا، وخصوصا أن هذا المطلب يعكس تغييرا جذريا في الموقف الديني والسياسي في المحافظة. فلأول مرة، يدعو شيخ دين إلى إقامة دولة علمانية تكون مدنية وديمقراطية، وتتخذ من الدين والوطن مبادئها الأساسية دون تمييز حزبي أو طائفي، وهذا المطلب يضيف بعدا جديدا إلى السيناريوهات المتوقعة في المنطقة.

علاوة على ذلك، إعلان الهجري الحرب ضد إيران و”حزب الله” اللبناني، يجعل الأمور أكثر تعقيدا، فإذا كانت هذه الدعوة للحرب ستجد تأييدا واسعا في السويداء، فإنها قد تؤدي إلى تصاعد التوترات في المنطقة بشكل أكبر، مما يجعل الوضع أكثر جدية وتعقيدا.

هل هناك من يستغل الحراك فعلا؟

على وقع هذه الأنباء، اعتبر رئيس حزب “التوحيد العربي”، وئام وهاب، عبر منصة “أكس”، أن الشيخ حكمت الهجري أحد قادة السويداء وشيخ عقل ولكن ليس قائدا للسويداء، ففي السويداء مشايخُ كبار غيره وقادة سيقفون وراءهم.

من جهة أخرى، مستشار العلاقات الخارجية السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وليد فارس، هو الآخر كان ضمن الذين صنفوا أنهم يلعبون بحراك السويداء، حيث ذكر أن هناك اتجاه لإعلان منطقة حرة درزية في السويداء، تحد وعلى مسافة غير بعيدة من قاعدة “التنف” الأميركية شرقا، ومن الجولان غربا.

فارس أشار إلى أن القرار يتم النظر إليه في واشنطن، حيث هناك تقارير تتحدث عن إقامة إدارة أمنية وسياسية ذاتية أو محلية، و رفض تواجد ميليشيا “حزب الله” وسائر الميليشيات الإيرانية في المنطقة، منوها إلى احتمال حصول السويداء على منطقة حظر جوي أميركي.

هذه الأحاديث توالت بعد ‏أن أقدمت السفارة الأميركية في دمشق خلال الساعات القليلة الماضية على تعديل مسماها، اعتبره البعض تمهيدا لافتتاحها بمدينة أخرى، طبقا لحديث بعض العاملين في السفارة، حيث تم تعديل اسم حسابات السفارة على منصتي “إكس” و”فيسبوك” ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، من “سفارة الولايات المتحدة – دمشق” إلى “سفارة الولايات المتحدة – سوريا” لأول منذ سنوات.

السويداء.. تستعد لتغيير جذري

بنظر العديد أن الاحتجاجات في السويداء تعبر عن رغبة شعبية في التغيير والإصلاح، لكنها تواجه عقبات كبيرة ومخاطر عالية، فمن جهة الحكومة السورية لا يبدو أنها مستعدة للتنازل عن سلطتها أو السماح بأي تحول ديمقراطي.

من جهة أخرى، الهيئة الشعبية في المحافظة ليست موحدة أو متفقة على رؤية مشتركة للمستقبل، وفوق ذلك هناك تدخلات خارجية من قبل إيران وروسيا وتركيا، التي تحاول كل منها حماية مصالحها ونفوذها في سوريا ولن تستغني عنها بسهولة.

بحسب ليث عزام، المحامي والمشارك في احتجاجات السويداء، فإنه من الصعب التنبؤ بمصير هذه الاحتجاجات أو تأثيرها على المنظومة السياسية في سوريا، وقد تستمر في الضغط على دمشق وتحقيق بعض المكاسب السياسية أو الاقتصادية، أو قد تتلاشى في ظل القمع أو التفرقة أو التخويف، أو قد تتحول إلى صراع مسلح يشعل الحرب من جديد.

لكن مهما كانت النتيجة، وفق حديث عزام لـ”الحل نت”، فإن هذه الاحتجاجات تظهر أن هناك شرارة حية في قلب الشعب السوري، ترفض الخضوع للظلم والفشل، وتظهر أيضا أن هناك رؤى جديدة ومبدعة لبناء دولة عصرية ومتقدمة، تحترم حقوق وكرامة جميع مكوناتها، وهذه هي رؤى تستحق الانتباه والدعم من كل من يهتم بالسلام والديمقراطية في سوريا والمنطقة.

بشكل عام، فإن السويداء تمثل حالة سياسية سورية فريدة تستحق التفكير العميق والتحليل الجاد، لأن تأثيرها على مستقبل سوريا والشرق الأوسط ككل يجعلها واحدة من المواضيع الهامة التي ينبغي متابعتها عن كثب، خصوصا أن الهجري هدد قائلا، “أي سلاح ضد الشعب السوري يجب اجتثاثه.. الطلقة ببيت النار وبدو يضل سلاحنا منضف بس لوقت منطلب التدخل”، وأردف هذه الجملة بالدعوة للاستمرار في التظاهر ضد الحكومة السورية في السويداء، بالرغم من خططها لجر المحافظة إلى العنف.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات