منذ بداية العام الحالي، تواجه السوريين في الداخل والخارج صعوبات جديدة في إنجاز معاملاتهم القنصلية والإدارية، ولكن بعد أن أقرت الحكومة السورية قانونا جديدا للرسوم القنصلية، يفرض زيادات كبيرة على الرسوم المتعلقة بجوازات السفر والتصديقات والترجمات والتأشيرات وغيرها من الخدمات القنصلية، سيُعدّ هذا القانون، الذي جاء بعد انتشار الإشاعات والتكهنات عن رفع الرسوم القنصلية، بمثابة ضربة قاصمة للسوريين الذين يعانون بالفعل من الحرب والأزمة الاقتصادية والمعيشية.
وفقا للقانون الجديد للرسوم القنصلية، الذي أقرهّ مجلس الشعب السوري في جلسته الثانية من الدورة العادية العاشرة للدور التشريعي الثالث التي انعقدت يوم الاثنين الفائت، فإن الرسوم القنصلية سترتفع بنسب متفاوتة تصل إلى 300 بالمئة عن الرسوم السابقة، وستحسب بالعملات الأجنبية وليس بالليرة السورية، وستُخضع للتعديل كل ستة أشهر بناء على متغيرات السوق.
هذا يعني أن السوريين سيدفعون مبالغ باهظة للحصول على جوازات السفر والتصديقات والترجمات والتأشيرات وغيرها من الخدمات القنصلية، التي تُعتبر حقا أساسيا وضروريا للسفر والعمل والدراسة والعلاج والزواج والميراث والملكية والجنسية والهوية.
المعاملات القنصلية.. البيضة التي تبيض ذهبا
عندما يتعلق الأمر بمستقبلهم وأوضاعهم الاقتصادية والقانونية، يجلس السوريون على أحرٍّ من الجمر، فالشائعات التي تنتشر بسرعة تصبح مصدرا للقلق والتوتر، خصوصا إذا كانت تتعلق بالأمور المالية والمعاملات القنصلية، وهذا هو السياق الذي عاشه السوريون خلال الشهور الأخيرة، حيث انتشرت شائعات تفيد برفع الرسوم القنصلية وجوازات السفر الصادرة عن سوريا، وبالرغم من أن وزارة الخارجية والمغتربين لم تؤكد أو تنفي هذه الأخبار، إلا أن الجدل لم يتوقف هنا.
منذ حزيران/يونيو الفائت، كشف رئيس لجنة الشؤون العربية والخارجية في مجلس الشعب عن مشروع قانون تعديل الرسوم القنصلية، مؤكدا أنها لن تشكل أي عبء على المواطنين وفق ما نقلت جريدة “الوطن” المحلية، مضيفا أن القانون سيتضمن رفع الرسوم القنصلية بشكل معقول جدا، على حد وصفه.
قبل التعمق في تحليل مضمون القانون الجديد وتأثيره المحتمل، يجب أن نلقي نظرة على السياق الذي أدى إلى هذا القرار، فالأزمة الاقتصادية التي تعصف بسوريا منذ سنوات، والتضييق الاقتصادي المتّبع من الحكومة نفسها، ساهما في تفاقم الأزمة الاقتصادية وتردي الأوضاع المالية للبلاد، وهذا ما دفع الحكومة إلى البحث عن مصادر جديدة للإيرادات.
لكن هل سيؤدي هذا القانون الجديد إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية في سوريا، وهل سيساهم في توفير الخدمات الأساسية للمواطنين وتخفيف الضغوط عنهم، أم سيزيد من تعقيدات الأوضاع ويزيد من عبء المعيشة على السوريين العاديين.
بحسب الحكومة السورية، فإن هذا القانون يهدف إلى تحسين الخدمات القنصلية وتطوير البنية التحتية والتقنية والبشرية للبعثات الدبلوماسية والقنصلية السورية في الخارج، وتغطية تكاليف تشغيلها وصيانتها وحمايتها، وتعزيز العلاقات الخارجية والتعاون الدولي للدولة السورية، وتحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات في الميزانية العامة للدولة، وتدعي الحكومة السورية أن الرسوم القنصلية الجديدة متوافقة مع المعايير الدولية والممارسات السائدة في دول أخرى.
ارتفاع في أسعار الرسوم القنصلية
القانون الجديد الذي تم المصادقة عليه مؤخرا، ينص على أنه إذا أراد السوري أن يقوم بأي معاملة رسمية في سوريا، فعليه أن يحرص على أن تكون وثائقه مصدقة من قبل السفارة أو القنصلية السورية في البلد الذي هو فيه، وأن تحمل ختم وزارة الخارجية الخاصة بذلك البلد أو السلطة المخولة لها بذلك، وإلا فلن تُقبل الوثائق من قبل السلطات السورية، وسيتعطّل إنجاز المعاملة.
أما إذا كان السوري يريد أن يستخدام وثيقة صادرة من سوريا في بلد آخر، فعليه أن يتبع الإجراءات اللازمة لتصديقها من قبل الجهات المختصة في سوريا، بما في ذلك وزارة الخارجية والمغتربين، وذلك حتى تكون وثيقته صالحة ومعترف بها في البلد الذي يريد الذهاب إليه، وإذا كان البلد الذي يريد الذهاب إليه لا يوجد فيه تمثيل دبلوماسي أو قنصلي سوري، فعليه أن يدفع رسوما إضافية بالعملة الأجنبية لتصديق وثيقته من قبل ممثل هذا البلد في سوريا أو أي جهة أخرى تقبلها الحكومة السورية.
كما يمكن أن يستفيد السوريون من بعض الإعفاءات من الرسوم القنصلية في حالات معينة، مثلا إذا كان فقيرا وسوري الجنسية، يمكن للقنصل أن يقرر ذلك بنفسه وعلى مسؤوليته، أو إذا كان هناك قانون أو اتفاقية تنص على الإعفاء، ويتم تحديد الحالات المستحقة للإعفاء وفقا للمصلحة العامة ومبدأ المعاملة بالمثل، أو إذا كان طالبا سوريا يدرس في سوريا أو خارجها، ويحتاج إلى وثائق تتعلق بدراسته.
هذا القانون، الذي جاء بعد تجميع وتنظيم كل القوانين والنصوص القديمة التي كانت متشتّتة ومتعدّدة ومتغيرة، يهدف إلى تسهيل وتحسين الخدمات القنصلية للسوريين في الداخل والخارج، ولكنه في المقابل يفرض رسوما عالية جدا على هذه الوثائق، ويحسبها بالعملات الأجنبية وليس بالليرة السورية، ويعدّلها كل ستة أشهر بناء على حالة السوق.
وقد أوضح وزير الخارجية والمغتربين، فيصل المقداد، أن هذا القانون الجديد ينظر إلى الوثائق القنصلية بشكل جديد، ويعدل قيمة الرسوم القنصلية بما يتناسب مع المرحلة الحالية، التي تمرّ بها سوريا بظروف استثنائية وتحديات اقتصادية، فضلا عن أنه جاء لتغطية تكاليف وحماية البعثات الدبلوماسية والقنصلية السورية في الخارج، وتحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات في الميزانية العامة للدولة.
جواز السفر.. لمن استطاع إليه سبيلا
في العاشر من كانون الثاني/يناير الفائت، أطلق المركز القنصلي الإلكتروني التابع لوزارة الخارجية السورية، خدمة تحويل معاملة جواز السفر العادي إلى مستعجل، وذلك لمعاملتي تجديد وإصدار جواز السفر لأول مرة عن طريق الموقع الإلكتروني.
لكن منذ تموز/يوليو الفائت، أوقفت إدارة الهجرة والجوازات التابعة لوزارة الداخلية، إصدار جواز السفر ضمن الدور “الفوري” من خارج “المنصة الإلكترونية” المخصصة لحجز دور، دون إعلان رسمي، أو توضيح الأسباب، وحتى عبر السفارات التابعة للدولة في الخارج.
عدد من السوريين الذين قدّموا أوراقهم للحصول على جواز السفر العادي، تفاجأوا بحسب موقع “أثر برس” المحلي، بتأجيل دورهم المحدد من دون تبيان سبب ذلك، إذ كان موعد أحدهم بـ 29 كانون الأول/ديسمبر من عام 2023، ثم تأجل لـ 29 شباط/فبراير 2024.
موظف في إدارة الهجرة في العاصمة دمشق، ذكر أن الوزارة أوقفت الحصول على جواز السفر “الفوري” من خارج المنصة، حتى يتم تعديل رسومه، مشيرا إلى أنه من المتوقع أن يجري خلال أيام قليلة اتخاذ قرار جديد بشأن رفع الرسوم، حيث تصل تكلفة استخراج جواز السفر “الفوري” الحالية لنحو مليون ليرة سورية، وهي خدمة متاحة للمقيمين فقط داخل سوريا.
علاوة على ذلك، باشرت إدارة الهجرة والجوازات السورية، في 21 آب/أغسطس الفائت، بإصدار جوازات السفر ذات الشريحة الإلكترونية الجديدة مع التشديد على عدم قبول طلبات التقديم من المواطنين داخل سوريا إلا عبر المنصة الإلكترونية، وذلك بعد أزمة أوراق الجوازات التي بدأت منذ مطلع عام 2020.
صفحات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تداولت صور جواز السفر الإلكتروني الجديد، وهو عبارة عن دفتر ورقي عادي يشبه سابقه، لكنه مزود بشريحة إلكترونية تخزن البيانات الوصفية والمعلومات الخاصة بحامله، وتشمل المعلومات المخزنة على الشريحة بصمة العين، وبصمة الأصابع، وشكل الوجه الرقمي الذي يقيس المسافات بين ملامح الوجه، مثل المسافة بين العينين، وعرض الفم والمسافة بين الأنف والذقن.
وفق الموقع الرسمي لوزارة الخارجية السورية والمغتربين، فإن السعر العادي لرسوم منح أو تجديد جواز أو وثيقة سفر للسوريين ومن في حكمهم، الموجودين خارج سوريا، بشكل فوري 800 دولار أميركي، و300 دولار أميركي ضمن نظام الدور العادي.
جواز السفر السوري سجل المرتبة الثالثة كأسوأ جواز سفر عالميا، بعد أفغانستان والعراق، من ناحية عدد الدول التي يُسمح لحامليها بالدخول دون تأشيرة، وفق مؤشر “هينلي” المتخصص بتصنيف جوازات السفر الأقوى من حيث حرية التنقل، الصادر عن الربع الأول لعام 2023 الحالي، ولكن مع هذا التصنيف والقرار الجديد يبدو أن عروض بيع العقارات ستلتهب في سوريا لبيعها بغرض استخراج الوثائق الرسمية بغرض السفر.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.