في الوقت الذي تعاني فيه المدارس الحكومية بسوريا من تدني مستوى الخدمات التعليمية المُقدّمة للطلاب، أصبح التحاق الطلبة بالمدارس تقريبا بلا فائدة، الأمر الذي يدفع الأهالي إلى إيجاد حلول بديلة من أجل متابعة المشوار التعليمي لأطفالهم.

التسجيل في المدارس الخاصة أو اللجوء إلى الدروس الخصوصية هي أبرز الحلول التي يلجأ إليها الأهالي، لكن ارتفاع تكاليف هذه الحلول جعل بعض الأهالي يفكرون بإخراج قسم من أبنائهم من المدارس، فتكاليف المدارس الخاصة والدروس الخصوصية قد تصل إلى الملايين سنويا لكل طالب.

تقرير لمجلة “سالب وموجب” المحلية، أشار إلى أن الدروس الخصوصية، أصبحت “صداعا في رأس أولياء الأمور الذين ينفقون عليها من قوت يومهم”، فقد تحولت هذه الدروس إلى بورصة يديرها أصحاب المعاهد الخاصة ومدرّسي المواد الخصوصية، لا سيما بعد الانهيار الأخير بقيمة العملة المحلية.

لا امتحانات بدون دروس خاصة

مؤخرا أكد الأهالي، أنهم لا يستطيعون إرسال أبنائهم في مختلف المراحل إلى الامتحانات النهائية، لا سيما إذا كانت امتحانات شهادتي التعليم الأساسية والثانوية، بدون الخضوع لسلسلة من الدروس الخصوصية، حيث إن المدرسة وحدها لا تكفي لتجهيز الطالب لخوض الامتحانات .

بحسب تقارير محلية، فإن تكاليف الدروس الخصوصية شهدت ارتفاعا كبيرا خلال الأشهر الماضية، حيث وصلت تكلفة المادة الواحدة إلى متوسط مئة ألف ليرة شهريا، كذلك فإن أسعار المعاهد ارتفعت هي الأخرى، لتصل تكلفتها إلى متوسط 70 ألف ليرة شهريا للمادة الواحدة، وهذه الأسعار ترتفع عادة خلال فترات الامتحانات.

التكاليف المترتبة على العملية التعليمية في سوريا، أصبحت مؤخرا تشكل عبئا ثقيلا على ذوي الطلبة، فالتكاليف المرتفعة لم تعد حكرا على الطلاب المسجلين في المدارس الخاصة، التي أصبحت رسومها السنوية بملايين الليرات، بل شملت مؤخرا حتى الطلبة المسجلين في المدارس الحكومية.

ارتفاع أسعار القرطاسية وملابس المدرسة وغيرها من مستلزمات الطلبة، جعل من اقتراب بدء العام الدراسي كابوسا لأهالي الطلبة، التائهين بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة والمواد الغذائية والخدمات الأساسية، لا سيما بعد الانهيار الكبير بقيمة العملة المحلية خلال الأشهر القليلة الماضية.

قد يهمك: “الحبة بألفين”.. سعر الصرف والحكومة وراء ارتفاع أسعار البيض بسوريا

هذا الارتفاع في تكاليف تجهيز الطلبة لبدء العام الدراسي، جعل العديد من الأهالي يضطرون إلى إخراج أبنائهم من المدارس، خاصة أولئك الذين لديهم أكثر من طفل يدرس في المدارس، الأمر الذي يشكل عبئا ماديا خارج إرادتهم، الأمر الذي يثير مخاوفا حول ارتفاع أعداد الأطفال المتسرّبين من المدارس بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد.

بداية العام الدراسي في سوريا، مثُلت صدمة لذوي الطلاب لا سيما من لديهم أطفال في المرحلة الابتدائية، حيث ظهرت ملامح الفوضى وغياب المستوى الأدنى من الخدمات في المدارس الحكومية، الأمر الذي يدفع شريحة واسعة من الأهالي إلى إخراج أبنائهم من المدارس الحكومية.

مع بدء الموسم الدراسي هذا العام، تؤكد شهادات أهالي التلاميذ زيادة وتيرة تدني مستوى الخدمات في المدارس العام، الأمر الذي يطرح تساؤلات عديدة حول جدوى التعليم المجاني في سوريا، إذ اعتبر العديد من أهالي الطلبة أن ذهاب أبنائهم للمدرسة هو عبارة عن “مضيعة للوقت” في معظم المدارس الحكومية.

تخبط وفوضى

تقرير لموقع “بزنس تو بزنس” المحلي، أشار إلى أن “العام الدراسي بدأ كعادته بالتخبط والفوضى، بدون أي مؤشرات على أن المسؤولين عن أجيالنا قد تعلموا من أخطاء الماضي، وبأن هناك نيّة للإصلاح وتحسين وضع مدارسنا لتكون البيت الثاني كما علّمونا في صغرنا”.

أسبوع واحد مرّ على بدء العام الدراسي في سوريا، فيما تؤكد شهادات الأهالي، أن المدارس غير مستعدة، فالصفوف غير مهيأة لاستقبال الطلاب، وهناك نقص في المقاعد مع اهتراء غالبية المتوفر منها، وليست هناك خطة واضحة لتسجيل الطلاب وتوزيعهم، فيما لا يزال العديد من الأهالي يبحثون عن مدرسة يمكن أن تستقبل أبناءهم.

بحسب تقرير لموقع “سينسيريا” المحلي، فإن العديد من المدارس  تعاني من نقص المدرسين الاختصاصيين، والموجود منهم يعاني من التشتت لكثرة المدارس التي تطالب به، ومنهم من فُرض عليه حصص إضافية فوق النصاب المخصص له، لتغطية الشواغر المتزايدة.

كذلك فإن شريحة واسعة من المدرسين قدّموا استقالاتهم مؤخرا بسبب ضعف الرواتب، بعد أن تبيّن لهم أن حجم العمل المطلوب لا يعادل ما سيحصلون عليه من عائد مادي، كذلك فإن البعض فضّل العودة للمنزل والاكتفاء بالدروس الخصوصية المربحة والمريحة دون عذاب الصراع على توقيت الحصص في المدارس.

خلال السنوات الماضية، شهدت البلاد زيادة في المدارس التعليمية الخاصة، وذلك بسبب تراجع مستوى الخدمات التعليمية في المدارس الحكومية المجانية، إذ يقول ذوو الطلاب أن أبناءهم أصبحوا يضيّعون وقتهم في المدارس الحكومية التي لم تعد تقدّم خدمات تعليمية جيدة كما كان الوضع سابقا.

بذلك أصبحت المدارس الحكومية محصورة بأبناء الفقراء غير القادرين على تسديد أقساط المدارس الخاصة المتزايدة بشراهة تشبه النباتات الطفيلية، فالمشوار التعليمي للأطفال في سوريا، أصبح يشكل عبئا اقتصاديا إضافيا على الأهالي، الذين وجدوا أنفسهم مضطرين لدفع مبالغ مالية بشكل سنوي من أجل حصول الأطفال على حقّهم بالتعليم في البلد التي لطالما تغنّت حكومتها بمجّانية التعليم على مدار العقود الماضية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات