أسبابٌ وعوامل أساسية تقف وراء غلاء منتجات قطاع الدواجن، لاسيما بيض المائدة، بهذا الشكل الدراماتيكي، حيث ارتفع سعر طبق البيض إلى ما يقارب 55 ألف ليرة سورية، فيما وصل سعر البيضة الواحدة إلى 2000 ليرة، وهو ما دفع العديد من العائلات السورية إلى التوقف عن الشراء.

من بين هذه الأسباب لهذا الارتفاع الملحوظ في الأسواق السورية، هي العشوائية والسياسات الحكومية الخاطئة وتحكّم التجار، فضلا عن أسعار الأعلاف التي تشكل ما يصل إلى 70 بالمئة من تكلفة الإنتاج، ثم تأتي أسعار ناقلات الطاقة وسعر الصرف الذي يتغير من وقت لآخر.

أسباب غلاء البيض والفروج

نحو ذلك، يرى الخبير الزراعي سيراج ريا في حديثه لصحيفة “تشرين” المحلية مؤخرا، أن العامل الأساسي الذي يحكم الأسعار في قطاع الدواجن هو سعر العلف الذي يشكل ما يصل لـ70 بالمئة من تكلفة الإنتاج ثم يأتي سعر حوامل الطاقة ثم سعر الصوص.

مشكلة الأعلاف تتمثل بسعرها الخاضع لسعر الصرف لأن معظمها مستورد، فالذرة الصفراء وكسبة الصويا هي المواد الأساسية الداخلة في تغذية الدواجن، وفيما يتعلق بالذرة الصفراء ورغم الإنتاج المحلي الضخم فإن “وزارة الزراعة السورية” فشلت في مسألة التجفيف.

حيث وضعت المؤسسة العامة للأعلاف شرطا لاستلام المحصول، بأن تكون نسبة رطوبتها تحت 14 بالمئة، وهذا كان غير متحقق لغياب المجففات بالتالي لم يتم التخزين وبقي خيار الاستيراد مفتوحا، أما بالنسبة لفول الصويا بعد عصره تبقى كسبة الصويا المستخدمة بالتغذية وهي أيضا مستوردة لأن زراعة فول الصويا في سوريا غير مجدية اقتصاديا، وفق ما يوضحه الخبير الزراعي.

الخبير الزراعي أشار إلى أن استيراد الأعلاف محصور بيد عدد محدد من الأشخاص، ما جعل المنافسة في هذا المجال أمرا صعبا، والتاجر يرفع سعره حسب ارتفاع أسعار الصرف حتى لا يخسر وحتى إذا حصل على دعم حكومي من القطع الأجنبي فإنه لا يلتزم بالبيع بالسعر المحدد.

لكن اللافت في هذه النقطة، أن أسعار المواد العلفية في سوريا أغلى من دول الجوار وخاصة لبنان التي لا توجد فيها جهة داعمة لاستيراد الأعلاف ويستورد تجارها بالدولار مثل سوريا ورغم ضعف عملتهم إلا أن الأسعار منخفضة بنسبة 20-30 بالمئة مقارنة بأسعار سوريا، علما أن دمشق تستورد من مصدر واحد وندفع بالعملة نفسها وقوانين التخليص الجمركي نفسها تطبق في البلدين، وليس لديهم مؤسسة أعلاف تدعم القطاع ولا مؤسسة دواجن ولا يوجد لديهم ما يحدد السعر، فالأمر خاضع لعملية العرض والطلب.

ريا يعزي هذا التفاوت في الأسعار إلى عدم وجود الجهات الوصائية في لبنان ربما يكون هو أحد الأسباب التي تجعل السعر أرخص وهذا يدل على أن مؤسسات حكومة دمشق تعمل بعقلية خاطئة، فالأمور صحيحة على الورق لكن على أرض الواقع خاطئة، أي فيها فساد هائل، ومطلوب في الوقت الحاضر من الجهات الحكومية توضيح هذا الخلل والتباين بالأسعار.

سياسات حكومية خاطئة

بعيدا عن الأسباب المذكورة آنفا حول زيادة أسعار منتجات الدواجن، فإن آلية الدعم التي تتبعها “وزارة الزراعة السورية” خاطئة، فهي تتحدث دائما عن الكميات العلفية المقدمة لمربي الدواجن لكنها تمنح كل مادة على حدة، غير أن المربي يحتاج إلى خلطة من المادتين معا لتغذية الفروج والدجاج البياض، طبقا للصحيفة المحلية.

أما فيما يخص آلية دعم المحروقات فإنها غير مجدية وليست كاملة ولا تقدم في وقتها ولا تتناسب الكمية مع الاحتياجات اللازمة. والخطأ الأكبر، برأي الخبير الزراعي، يكمن في عملية التسعير التي تقوم بها مديريات التموين، إذ لا تراعي المنتج والقيمة الحقيقية للتكلفة، وهذا يؤدي إلى خسارة المربي ويضطر للبيع بسعر أعلى من التسعيرة الرسمية، والتاجر كذلك يبيع بسعر أعلى، وهنا تبدأ الحرب بين التجار والتموين التي لا مبرر لها.

هذا فضلا عن عشوائية التربية، إذ لا يوجد تقدير للاحتياج اليومي بحيث يكون الإنتاج بناء على الحاجة اليومية مع فائض بسيط جدا، لذلك يلاحظ في بعض الفترات هناك كميات كبيرة بالإنتاج تنعكس على انخفاض السعر وليس سببه تدخلات كما تدعي الجهات الرسمية.

أما المشكلة الأكبر فهي صغر الحيازات التي تجبر المربين الصغار على شراء العلف من التاجر على أن يكون التسديد عند الإنتاج، وهذا يؤدي إلى زيادة السعر، لأن تاجر العلف يحسب بالسعر الذي وصل إليه سعر الصرف أثناء التسديد وحتى لا يخسر المربي يضطر للبيع بسعر مرتفع، فتاجر العلف هو المتحكم الأساسي ويتلاعب بالأسعار كما يشاء ويفرض على التموين السعر الذي يريد، وتساءل الخبير الزراعي هنا، ما الذي يمنع التموين من وضع سعر واضح ونشرة توضح كيف تمت التسعيرة، وكيف توزعت الكلف، ويعرض على مختصين لتحديد صحة الأرقام، بدلا من التسعير العشوائي.

أمام كل ذلك، يبدو أن المسؤولين الحكوميين وكأنهم في واد آخر، حيث عزا عبد الكريم شباط مدير المؤسسة العامة للأعلاف أن العقوبات الاقتصادية وعدم وجود استيراد مباشر، إضافة إلى تكاليف الرسوم والجمارك وأجور النقل، هي السبب الرئيس لارتفاع أسعار العلف بسوريا مقارنة بالدول المجاورة.

إنتاج 82 مليون بيضة

في تقرير آخر لموقع “غلوبال نيوز” المحلي يوم أمس الخميس، أكد فيه مدير عام المؤسسة العامة للدواجن الدكتور سامي أبو الدان، بأنه تم إنتاج أكثر من 82 مليون بيضة مائدة، مليون و675 ألف بيضة تفريخ، 859 ألف صوص تربية لغاية نهاية شهر آب/أغسطس الماضي من العام الحالي 2023.

أبو دان أشار إلى أن تكلفة إنتاج البيضة في القطاع العام هي أعلى منها في الخاص بسبب أجور العمالة حيث يعمل القطاع الخاص بنظام العائلات ويوفر العديد من التكاليف، مضيفا بأنه بالأرقام تكلف البيض بين 1650- 1680 ليرة، وبالنسبة لأسعار الفروج، فإن تكلفة الكيلو الحي 27 ألف ليرة.

بالإضافة للبيض تشهد أسعار الفروج وأجزائه في الأسواق ارتفاعا كبيرا هي الأخرى، حيث وصل سعر كيلو شرحات الفروج، وفق التسعيرة الرسمية إلى نحو 52 ألف ليرة سورية، بينما في الأسواق تُباع بأكثر من ذلك، مما يجعل كلا من البيض والدجاج بعيدا عن موائد معظم السوريين، بسبب فقدان المواطن القدرة على تأمين بيضة لكل من أبنائه يوميا أو جانح فروج كل أسبوع، كما تقول العديد من التقارير المحلية.

يبدو أنه ثمة مشكلة حقيقية وراء غلاء أسعار الدواجن ومشتقاتها والمشكلة الأهم أن الجهات المعنية لا تعتبر غلاء سعر البيض أو الفروج  حالةً طارئة ولا تستطيع أن تقطع وعودا بتجاوزها وإنما تتحدث عن سيناريوهات أشد سوءا.

لذلك فإن التساؤل الأبرز في هذه المعادلة هو ما إذا كان البيض ولحوم الدجاج سيغادران موائد السوريين، أم تركوها منذ عدة أشهر، وربما منذ سنوات. يجيب تقرير محلي عن هذا التساؤل بالقول، لا بد من الاعتراف بأن سعر صرف قد يكون أهم سبب لزيادة الفجوة بين دخل المواطن واحتياجاته الغذائية، بجانب تدني مستوى الرواتب والأجور، إذ يبلغ متوسط الراتب العادي لأي موظف حكومي ما بين 200-260 ألف ليرة سورية.

من جانب آخر، ارتفاع أسعار اللحوم بأنواعها مؤخرا، أدى إلى استغناء الشريحة الأكبر من السوريين عن اللحوم واتجاههم لبدائل مختلفة، مثل اللجوء إلى “الفطر” كبديل للحوم نتيجة هذا الارتفاع غير المسبوق في الأسعار، كما واتجه العديد من الأهالي إلى تربية الأرانب في منازلهم، أو شرائها من مربّيها في المدن والبلدات الريفية لتكون بديلا عن اللحوم.

موقع “أثر برس” المحلي، نقل عن أحد أصحاب محال “الشاورما” بالعاصمة السورية دمشق مؤخرا، قوله ”حركة الإقبال على أكلة الشاورما تراجعت كثيرا خلال الأسابيع الماضية”، مضيفا “سيخ الشاورما الذي كنا نطلبه كان يزن 120 كيلوغراما قبل دخول الشهر، اليوم وزن السيخ 50 كيلوغراما وبالكاد ينتهي أحيانا نبقى لساعات منتصف الليل حتى ينتهي”.

سعر السندويشة التقليدية في العاصمة دمشق يبدأ من 10 آلاف ليرة، وفي دمشق من 12 ألف ليرة لكنه وصل إلى 22 ألف ليرة في محال  مشهورة في الشعلان، بينما وضعت مطاعم أخرى عدة أسعار للسندويشات تبدأ من 12 ألف ليرة ثم 15 ألف ليرة ثم 18 ألف ليرة، ويمكنك طلب سندويشة بـ20 ألف ليرة حسب الرغبة.

كذلك تراوح سعر كيلو الشاورما بين 100 – 125 ألف ليرة سورية، تبعا للمطعم وموقعه، بينما يبقى سعر الفروج البروستد أرخص من كيلو الشاورما بسعر 95 ألف ليرة، وبالتالي فإن منتجات الدواجن يبدو أنها ستصبح من الكماليات للنسبة الأكبر في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات