“كيف حتدبروا حالكم عالغدا“.. نقاش الطبقة “المسحوقة” اليوم في سوريا

مع استمرار انهيار الواقع المعيشي في سوريا، يمارس الغلاء الذي يضرب المواد الغذائية المزيد من الضغط على حاجة الأهالي اليومية من الغذاء، إذ أصبح تأمين الوجبات اليومية يحتاج لجهد ووقت كبير من العائلة لتقرر ماذا يمكن أن تعُدّ من الأطعمة وفق الميزانيات المتوفرة، مع استمرار نزيف متوسط الدخل السوري أمام أسعار السلع.

“كيف حتدبروا حالكم على الغدا اليوم”، سؤال أصبح يشغل بال الكثير من الآباء والأمهات في العوائل السورية، فالمواد اللازمة للطبخ متوفرة في الأسواق، لكن غالبا ما يكون الحصول عليها يفوق قدرة الفئة الأكبر من السوريين.

تقرير لموقع “أثر برس” المحلي، أفاد بأن عملية إعداد “طبخة محترمة”، باتت ضربا من الخيال لذوي الدخل المحدود “ويمكن أن تنجزها المرأة مرة أو مرتين في الشهر بأحسن الأحوال مع الترشيد بالكمية والنوعية”.

وجبات اقتصادية للتوفير

العائلات السورية بدأت تلجأ إلى الوجبات الاقتصادية، فلم تعُد جُمل من قبيل “البرغل مسامير الركب وشوربة العدس علاج لفقر الدم”، مجرد نصائح ترددها الأمهات لتشجيع الأبناء على تناول هذه الأصناف من الأطعمة التي أصبحت من أولى الأصناف على موائد الأُسر السورية، لا لشيء بل لتوفّرها ورخص ثمنها مقارنة بغيرها من البقوليات والمواد الغذائية الأخرى.

“التفكير بالطبخة وتنفيذها أصبح يحتاج تفرّغ كامل”، قالت ربا الأحمد، وهي أم في عائلة مكونة من خمسة أفراد وتعيش في مدينة حلب، مؤكدة أن أسعار المواد الغذائية باتت تفوق قدرة معظم العائلات السورية، حتى أولئك الذي يعتمدون على طبخ المنزل.

الأحمد، أضافت في اتصال هاتفي مع “الحل نت”، “كان سابقا الاعتماد على طبخ المنزل يُعد توفيرا كبيرا للمال، أما الآن فأسعار مواد الطبخ أصبحت في مكان لا نستطيع الاقتراب منه، كيلو اللحمة تجاوز المئة ألف، حتى الرز الأبيض أصبحنا نقلّل من استهلاكنا منه بسبب الغلاء، أقل نوعية يبلغ الكيلو منها عشرين ألف، أصبح الاعتماد بشكل كبير على البرغل وبعض أنواع البقوليات، والقليل من الخضار، فهي الأخرى أسعارها في ارتفاع مستمر”.

بحسب تقرير الموقع المحلي، فإن العدس الأحمر أو كما يسمى عدس الشوربة، كان سعره نحو تسعة آلاف ليرة سورية للكيلوغرام الواحد منه والكميات مفتوحة من دون بطاقة، حيث إن الطلب على شرائه ضعيف لأنه أكثر طلبا في فصل الشتاء أو بشهر رمضان، وعندما تم تحديد الكمية بكيلو واحد شهريا لكل بطاقة وبسعر 16 ألف للكيلو أصبح السؤال عن هذا الصنف أكثر”.

قد يهمك: مشافي السويداء بلا أطباء جراحة.. عملية شائعة بتكلفة 23 مليون!

خلال الأشهر القليلة الماضية، سجلت سوريا أعلى وتيرة من ارتفاع معدلات التضخم، حتى أصبح متوسط الدخل السوري عاجزا أمام المستويات الدنيا من الحاجات الأساسية للمواطن، حيث عانى الأهالي  في مختلف مناطق البلاد من ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار مختلف السلع الأساسية الضرورية.

الحكومة بدورها فشلت عبر قراراتها في الحد من هذا الانهيار، بل العكس فقد كانت القرارات الحكومية بمثابة الضربة القاضية التي فجّرت أسعار السلع والمواد الأساسية في البلاد، ففي وقت رفعت فيه الرواتب مئة بالمئة في محاولة لزيادة دخل موظفيها، كانت آثار هذا القرار كارثية على الأسواق، لما تسبب من ارتفاع لمعدلات التضخم.

تقرير لصحيفة “قاسيون” المحلية، أفاد أنه “مع انقضاء تسعة شهور من عام 2023، عانى السوريون في من ارتفاعات غير مسبوقة في الأسعار ليرتفع وسطي تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد، وفقا لمؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة، ويقفز إلى أكثر من 9.5 مليون ليرة سورية”.

الحد الأدنى لمتوسط التكاليف

بحسب تقرير الصحيفة، فإن الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة السورية، وصل إلى نحو 6 ملايين ليرة سورية، والحد الأدنى لتكاليف الغذاء 3.5 مليون، ذلك في وقت بلغ الحد الأدنى للأجور في المؤسسات الحكومية بعد الزيادة الأخيرة إلى 185 ألف ليرة سورية فقط.

المؤشر الذي اختارته الصحيفة، يركز على طريقة محددة في حساب الحد الأدنى لتكاليف معيشة أسرة سورية من خمسة أشخاص. وتتمثل هذه الطريقة بحساب الحد الأدنى لتكاليف سلة الغذاء الضروري بناء على حاجة الفرد اليومية إلى حوالي 2400 حريرة من المصادر الغذائية المتنوعة، ولهذا الهدف اعتمدت “قاسيون” على حساب الوجبة الأساسية للفرد خلال اليوم الواحد، على اعتبار أن تكاليف الغذاء هذه تمثّل 60 بالمئة من مجموع الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة، بينما تمثل الـ 40 بالمئة الباقية الحاجات الضرورية الأخرى للأسرة.

مع نهاية شهر أيلول/سبتمبر الفائت، شهد وسطي تكاليف معيشة الأسرة السورية ارتفاعا بحوالي ثلاثة ملايين ليرة، مقارنة مع مؤشرات شهر تموز/يوليو الماضي، ووفق الصحيفة تأتي هذه الارتفاعات في تكاليف المعيشة مع اشتداد هزالة الأجور في سورية رغم “الزيادات”، حيث لا يستطيع الحد الأدنى للأجور تغطية سوى 1.9 بالمئة من وسطي تكاليف معيشة الأسرة السورية.

وبينما حافظ الخبز الحكومي على سعره ثابتا (بافتراض أن المواطن استطاع فعلا أن يؤمنه دائما بالسعر الرسمي من المعتمد المحلي، وبافتراض أرخص كلفة نقل للموزعين وهي 50 ليرة) طالت ارتفاعات الأسعار مكونات سلّة الغذاء كلها.

أسعار اللحوم بمختلف أنواعها ارتفعت بحوالي 31.6 بالمئة، حيث قفز سعر الـ 75 غرام منها من 5.700 ليرة في نهاية شهر تموز/يوليو، إلى حوالي 7.500 ليرة في نهاية أيلول/سبتمبر وفق تقرير الصحيفة.

مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم في سوريا وانهيار العملة المحلية، تشهد الأسواق السورية انخفاضا حادا في معدلات الإقبال على كثير من السلع والخدمات، ليظهر ما يسمى بـ”الاستهلاك الرديء”، إضافة إلى العديد من الظواهر الأخرى الناتجة عن انخفاض الطلب على السلع بسبب ارتفاع الأسعار.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات