ضربات عديدة يتلقاها منذ سنوات القطاع الطبي في سوريا، مع استمرار نزيف قطاع الصحة للكوادر الطبية، حيث سجلت بعض المشافي مؤخرا، نقصا حادا في أطباء الجراحة، الأمر الذي يدفع العديد من المرضى إلى اللجوء إلى بدائل باهظة الثمن أو انتظار شهور للحصول على الخدمة الطبيعة.

المشافي الحكومية بشكل خاص، سجلت مؤخرا نقصا حادا في أطباء الجراحة، الأمر الذي يضطرها للاستعانة بالمشافي الخاصة، تزامنا مع وجود عشرات الحالات في كل مشفى ممن ينتظرون دورهم لإجراء العمليات الجراحية، حيث تصف تقارير محلية الوضع الطبي في بعض المحافظات بـ”الكارثي”.

في محافظة السويداء، توجد أربع مشافي حكومية، إلا أن منصة “غلوبال نيوز” المحلية، أكدت أن أقسام مشافي السويداء الخاصة بالعمليات الجراحية العصبية ” الديسك” ما زالت تفتقد لأطباء أخصائيين باستثناء مشفى السويداء الوطني، الذي لم يعد بمقدوره هو الآخر إجراء كل عمليات “الديسك” المراد إجراؤها في المشافي العامة لمحدودية أطباء الجراحة لديه.

معاناة المرضى

عدد من المرضى أكدوا، أن 90 بالمئة من الأطباء المعالجين في المدينة، لا يقبلون إجراء العمليات إلا في المشافي الخاصة وذلك بذريعة عدم تعاقدهم مع المشافي العامة، الأمر الذي يكبّد المريض تكاليف باهظة، حيث تصل تكلفة عملية “الديسك” إلى 23 مليون ليرة سورية.

هذا الواقع يجعل المرضى يلجؤون إلى حلول بديلة، كالإلحاح على المشافي العامة لإجرائها بشكل مجاني، ما يعني أن المريض سيتوجب عليه الانتظار لأسابيع وربما لشهور حتى يصل دوره، وذلك بسبب قلة الكوادر الطبية في المشافي العامة.

كذلك فقد يلجأ المرضى إلى الجمعيات الخيرية التي قد تؤمّن لبعض المرضى تكاليف العمليات الجراحية في المشافي الخاصة، وبحسب تقرير المنصة المحلية فإن بعض الجمعيات “تؤمن فاتورة العملية الجراحية والفاتورة الطبية المترتبة عليها”، لكن هذه الجمعيات لا تغطي كامل حاجة الأهالي.

بدوره أشار مدير مشفى السويداء الوطني، الدكتور سلام أتمت، إلى النقص بعدد أطباء الجراحة العصبية في مشافي المحافظة، مؤكدا أن عددهم في كل المشافي لا يتجاوز ثلاثة أطباء اختصاصيين مضاف إليهم ثلاثة أطباء مقيمين، ومع ذلك “يقوم المشفى بإجراء ثلاث عمليات جراحية أسبوعيا لمن وضعه الصحي يتطلب عملاً جراحياً، طبعا وفق دور كل مريض”.

بينما أوضح مدير الهيئة العامة لمشفى صلخد، الدكتور باسل الشومري لـ”غلوبال“، أن قسم الجراحة العصبية خالٍ تماما من أي طبيب اختصاص، ما بات يتعذر على كوادره الطبية إجراء أي عمل جراحي خاص بـ “الديسك”، علماً بأن المشفى مجهّز بأحدث الأجهزة الطبية، وهو مهيأ لإجراء عمليات جراحية.

ارتفاع أجور الأطباء

تقارير محلية عديدة، أشارت مؤخرا إلى ارتفاع أجور وتكاليف زيارة العيادات الخاصة للأطباء في سوريا، حيث تبدأ تكلفة المعاينة من 50 ألف ليرة سورية، وقد تصل إلى 250 ألف في بعض العيادات، الأمر الذي يزيد من المعاناة النفسية والجسدية للمرضى نتيجة تحمّلهم أعباء مالية مرهقة من معاينات طبية وأدوية وصور شعاعية وتحاليل وغيرها.

بالمقابل يرى الأطباء، أن الطبيب هو الآخر يتأثر بارتفاع الأسعار أيضا حاله كحال كل مواطن في هذه المحافظة، ومن حقّه رفع تعرفة المعاينة لتتماشى مع الظروف المعيشية الصعبة، مندّدين بالمغالاة الكبيرة بالتسعيرة لدى بعض الأطباء دون مراعاة ظروف المواطنين المادية.

قد يهمك: ما حكاية موسم التنزيلات على الملابس في سوريا.. خدعة أم حقيقة؟

كأحجار الدومينو تتساقط القطاعات الحيوية في سوريا، حيث إن الوضع الاقتصادي المتدهور ينعكس بدوره على كافة القطاعات الأخرى، وقد أثّر ذلك بشكل كبير على القطاع الطبي الذي يواجه خطر الانهيار منذ سنوات،  لا سيما مع استمرار ظاهرة هجرة الأطباء خارج البلاد أملا في الحصول على فُرص عمل أفضل.

الوضع الطبي دخل في مرحلة جديدة من المعاناة، بعدما بدأ يعاني مؤخرا من نقص في كوادر التمريض، متأثرا بتراجع الوضع المعيشي في البلاد، حيث أعلنت العديد من المشافي السورية مؤخرا، عن نقصٍ في كوادر التمريض، بعد موجة الاستقالات التي واجهتها مؤخرا، في ظل عجزها عن إيجاد كوادر بديلة.

الجهات الحكومية أصدرت العديد من القرارات في محاولة منها للحدّ من هجرة الأطباء، لكنها فشلت في تحقيق الأهداف التي أعلنت عنها حول المحافظةِ على الكادر الطبي، هذا فضلا عن الأخطاء الطبية المتكررة التي أودت بحياة عشرات السوريين خلال السنوات القليلة الماضية، نتيجة ضعف الكادر الطبي.

مشروع قرار جديد تعتزم الحكومة السورية تطبيقه في محاولة للمحافظة على الكادر الطبي المتبقي في سوريا، حيث بيّن عضو “اللجنة الدستورية والتشريعية” في مجلس الشعب فيصل جمو،ل في تصريحات لصحيفة “الوطن” المحلية قبل أسابيع، أن مشروع القانون الخاص برفع سنّ انتهاء خدمة الطبيب البشري للأطباء العاملين في القطاع العام، تضمّن رفع السّن التقاعدي إلى 65 عام.

بموجب القرار يحقّ للطبيب بعد التقاعد في سن 65 عام، طلب التمديد بشكل اختياري حتى سن 70 عام، وتكون الموافقة على طلب التمديد من الوزير المختص، وذلك بعد تعديل المادة الواردة من الحكومة في هذا الصدد والتي كانت تنصّ على أنه يحتاج إلى موافقة رئيس مجلس الوزراء.

مشروع القرار الذي تحدّث عنه كذلك نقيب الأطباء في سوريا غسان فندي، يطرح التساؤلات حول جدوى القرار وإمكانية مساهمته فعلا في المحافظةِ على الأطباء، وتخفيف الفاقد من الكوادر الطبية السورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات