التوعية الإنجابية واستخدام موانع الحمل.. فكرة رفضها المجتمع وفرضتها الظروف في سوريا

على مدار السنوات التي سبقت الانهيار الاقتصادي الأخير في سوريا، شهدت البلاد العديد من المشاريع المعنية بالتوعية الإنجابية وضرورة تحديد النّسل حفاظا على صحة الأم، وتقديم الرعاية الكاملة للأطفال، لكن هذه المشاريع غالبا ما كانت تصطدم بالموروثات المجتمعية وبعض المفاهيم الدينية التي تدعو إلى كثرة الإنجاب بصرف النظر عن الطريقة والنوعية.

هذه المشاريع في غالبيتها لم تحقّق في تلك الفترة الأهداف المرجوة منها بسبب الرفض المجتمعي، لكن يبدو أن تغير الظروف الاقتصادية دفع بشريحة واسعة من العائلات السورية إلى الاقتناع بضرورة تحديد النّسل، الأمر الذي أفضى إلى تغيير النظرة النمطية حول التوعية الإنجابية.

شهاداتٌ لأطباء وباحثون اجتماعيون أكدت أن العديد من العائلات السورية اليوم، تتجه وبمبادرات فردية إلى مراكز التوعية الإنجابية والعيادات الطبية، من أجل زيادة ثقافتهم حول طرق وفوائد تحديد النّسل، وذلك لأسباب عديدة أبرزها بالطبع الأسباب الاقتصادية، يُضاف إليها بدرجة أقل زيادة مستوى الوعي عند الجيل الجديد.

التوعية الإنجابية ضرورة

فالتّوعية الإنجابية في سوريا أصبحت اليوم ضرورة أكثر من أي وقت مضى، خاصة في ظل تدهور القطاعات الحيوية في البلاد، مع تراجع مستوى الخدمات التعليمية وتدهور القطاع الصحي وغيره، بالتالي فقد أصبح تأمين الحدّ الأدنى من الرعاية لمجموعة كبيرة من الطلاب أمرا أقرب إلى المستحيل.

كذلك في ظل انتشار ظاهرة التّخلي عن الأطفال حديثي الولادة، بسبب عجز أهاليهم عن تحمّل تكاليف تربيتهم، وقد وثّقت منظمات محلية عشرات الحالات المماثلة في محافظات سورية مختلفة، وسط تحذيرات من ازدياد حالات التّخلي عن الأطفال الحديثي الولادة بالمناطق السورية بسبب الفقر.

بحسب آخر الإحصائيات، فإن نحو90 بالمئة من سكان سوريا تحت خط الفقر، أي بأقل من دولارين في اليوم الواحد، وفق ما نقلته وكالة “رويترز” عن ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، أكجمال ماجتيموفا، في حزيران/يونيو الماضي.

قد يهمك: كارثة في المجتمع السوري.. ما علاقة كبار السن؟

“بشكل أسبوعي استقبل العديد من الأزواج من أجل الموضوع”، قالت جودي شيخ خالد وهي طبيبة أسرة تعمل في مدينة حلب، مؤكدة أنها تعمل في هذا المجال منذ سنوات، لكنها لاحظت مؤخرا زيادة الوعي عند فئة واسعة من العائلات فيما يتعلق بالتوعية الإنجابية وتنظيم الأسرة.

شيخ خالد أضافت خلال اتصال هاتفي مع “الحل نت”، “في عام 2013 كنت مديرة مشروع الطفولة والأمومة بهدف تنظيم الأسرة، كان الإقبال ضعيف جدا والمبادرة شبه معدومة من قِبل الأهالي، الآن الوضع مختلف وليس السبب الاقتصادي هو الوحيد، هناك عائلات تأتي لتحديد النّسل بسبب العجز الاقتصادي، وآخرون يأتون وهم على وعي بضرورة تنظيم الأسرة والآثار الإيجابية لذلك على صحة وتنمية الطفل”.

بحسب حديث الطبيبة، فإن السؤال عن موانع الحمل كان يُعتبر عار ومعيب لدى معظم العائلات السورية، لكنها أكدت أن عشرات العائلات والأزواج يأتون إليها بشكل شهري، لمعرفة أفضل موانع الحمل بالنسبة لهما.

ما يؤكد كذلك انتشار فكرة تنظيم الأسرة في سوريا، طرح هذه المواضيع عبر وسائل الإعلام المحلية، حيث نشرت إذاعة “نينار أف أم” أمس الثلاثاء، سؤالا يتعلق بتحديد النّسل وضرورة عدم إنجاب الكثير من الأطفال، فكانت تعليقات الشارع معظمها في صالح الفكرة لأسباب اقتصادية واجتماعية، على الرغم من أنها لم تخلُ في بعض الأحيان من الموروثات الثقافية التي يمكن لها أن تعارض فكرة تحديد النّسل.

سوسن إيسا، ردت على سؤال “هل أنتم مع فكرة تقليل الانجاب بما يتناسب مع الدخل أو ماشيين على مبدأ كل طفل وبتجي رزقته معه”، وقالت “بالنسبة للسؤال أكيد رب العالمين ما بيقطع بحدا ولا بيسكر كل الأبواب، بس إعمال العقل واجب في تكوين الأسرة مش بس من الناحية المادية حتى ك تنشئة الاهتمام بطفلين بيفرق كتير عن تربية 6 أطفال مع تلبية كافة احتياجاتهم العاطفية والمادية..واللي عندن ولاد بيعرفوا مدى حقيقة هالكلام.. والله يخلي ولاد الجميع”.

بينما اعتبرت بيان خوجة، أن “الفكرة يجب تطبيقها من جميع الأُسر، خاصة وأن ظروف الحياة لم تعد كما كانت عليه سابقا، فهي ترى أن الاهتمام بنوعية الأطفال وتقديم أفضل الرعاية لهم، أهم بكثير من فكرة الكم، خاصة في ظل كثرة الاحتياجات من أجل تنمية الطفل، وضعف الإمكانات التي تعاني منه العائلات في البلاد”، أما بلال فستق، فعلّق قائلا، “خلينا نتزوج بعدين منحكي بإنجاب الأطفال، وأكيد مع تقليل الإنجاب بهي الأوضاع الصعبة”.

العزوف عن إنشاء عائلة

عدم تنظيم الأسرة الذي يأتي مرافقاً مع تدهور الوضع المعيشة، يؤدي كذلك إلى ارتفاع معدلات الانفصال في سوريا، حيث أكدت تقارير صحفية محلية أن ارتفاع معدلات الفقر في سوريا وتراجع الحالة المعيشية للعائلات السورية، هي أبرز أسباب ظهور الخلافات بين الأزواج والتي بدورها تؤدي إلى حدوث الانفصال.

كذلك فإن ارتفاع رغبة السوريين بالهجرة هي واحدة من أبرز أسباب الانفصال، حيث أكد التقرير توثيق حالات عديدة من الانفصال، بسبب رفض الزوجة للسفر، “وهناك أمثلة لرجال سبقوا زوجاتهم وتغيّرت أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية، ما دفع بهم إلى الطلاق والزواج مباشرة من أجنبية” بحسب ما ورد.

ومن جهة أخرى، بيّنت تقارير اجتماعية مختصة، أنه نتيجة الوضع الاقتصادي المأزوم وعدم قدرة الرجل على تحمّل تكاليف معيشة أسرته، فإن هذا الحال ينعكس على الترابط الأُسري أيضا، لأن الثقافة السائدة تفرض على الرجل أن يتحمل مسؤولية تأمين المصاريف، ولأنه يعجز عن ذلك تشعر الزوجة في الغالب بعدم الرضى عن الحياة معه.

بحسب تقرير سابق لصحيفة “الوطن” المحلية، ونقلا عن خبراء في علم الاجتماع، فإن 60 بالمئة من الشباب السوريين عازفون عن الزواج، بسبب الخوف من المستقبل، بالإضافة إلى الدخل المتدني، فضلا عن عدم وضوح مستقبلهم، وعدة عوامل أخرى مثل، عدم وجود مهنة محددة، دخل مستقل، العمل، وهذا ما يؤجل الزواج لأجل غير محدد، وبالتالي الخوف من الإنجاب أيضا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات