بعد الهجمات المباغتة التي شنّتها حركة “حماس” في قطاع غزة على إسرائيل قبل نحو ثلاثة أسابيع، تم أسر عناصر من الجانبين. وفي هذا الصدد، قام جهاز الأمن العام الإسرائيلي (شاباك) وقوات الشرطة باستجواب ستة معتقلين من غزة، بتهمة المشاركة في هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري على إسرائيل.

السلطات الأمنية الإسرائيلية، نشرت يوم أمس الإثنين، مقاطع مختارة من ستة تحقيقات منفصلة مع المعتقلين الستة التابعين لحركة “حماس”، تحدثوا عن تفاصيل العملية والتعليمات التي قالوا إنهم تلقوها من قادتهم قبل الهجوم الدموي.

وحسبما ما نقلته صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية، كانت تجربة واعترافات كل مستجوب مختلفة قليلا، إلا أن المخابرات الإسرائيلية لاحظت عددا من المواضيع المشتركة، أبرزها إعطاء قادة “حماس” تعليمات صريحة لمقاتليها “بقتل واختطاف المدنيين، بما في ذلك كبار السن والنساء والأطفال”.

هجوم غزة ومغريات مالية!

في التفاصيل، قال المستجوبون إن الخطة كانت تتمثل في “الاستيلاء على البلدات التي هاجموها والاحتفاظ بمواقع هناك بمجرد انتهائهم من قتل واختطاف السكان”، فيما كشف أحد أعضاء “حماس” للمحققين الإسرائيليين أن القيادة وعدتهم بأن كل “من يعيد رهينة إلى غزة يحصل على 10 آلاف دولار وشقة”.

عناصر من كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة “حماس”- “إنترنت”

وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإن مقطع الفيديو الذي نشره “الشاباك” والشرطة الإسرائيلية يُظهر عناصر “حماس” الستة “يخوضون في تفاصيل عمليتهم صباح 7 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري”. وقال أحدهم: “التعليمات كانت باختطاف النساء والأطفال”.

بينما وصف آخر ما حصل مع جثة كانت على الأرض، قائلا: “كانت جثتها ملقاة، أطلقت النار عليها، وصرخ علي قائدي لأنني أهدرت الرصاص على جثة ميتة”. وحسبما كشفه المستجوبين أن “الأوامر كانت ألا يميزوا بين المدنيين والجنود”. وقال آخر: “عندما انتهينا، أحرقنا منزلين”.

كذلك وفي سياق اعترافات عناصر “حماس”، وصف أحدهم دخوله أحد المنازل بعد أن أطلق رفاقه النار على رجل يعيش هناك: “دخل اثنان إلى المنزل.. سمعنا أصواتا في الداخل. ودخل اثنان آخران. كان هناك واحد ملقى على الأرض بجوار الباب. لا أعرف إذا كان ميتا، لكن كان هناك دماء بجواره”.

وأردف: “كان هناك رجل جريح في الداخل.. أعتقد عائلة بأكملها. يرتدون ملابس النوم. كان الرجل الجريح يرتدي ملابسه الداخلية. خرجت امرأة ترتدي فستانا.. ثم أخرى ترتدي فستانا. ثم صبي وفتاة”، متابعا بالقول: “ذهبنا إلى البيت المجاور، ومن هناك أخرجوا امرأة، وأخرى مسنة”.

ثم سُئل عما إذا كان أفراد الأسرة هؤلاء قد تم استخدامهم كدروع بشرية، فأجاب بـ “نعم”. وقال عنصر آخر كان في بئيري للمحققين: “عندما دخلت البلدة، رأيت اثنين على دراجة نارية. وقد أخذا معهما امرأة عمرها حوالي 60-65 سنة على متن دراجة نارية”. “أين أخذوها؟”، سأل المحقق، قبل أن يجيب المستجوب: “إلى غزة”.

في أعقاب هجوم “حماس” المباغت في غزة على إسرائيل، أسفر عن سقوط أكثر من 1400 قتيل في إسرائيل، معظمهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال. كما اقتاد مقاتلو “حماس” معهم لدى انسحابهم إلى القطاع  222 شخصا احتجزوهم، وبينهم أجانب، بحسب السلطات الإسرائيلية.

تحت تأثير “الكبتاغون”

في تقرير آخر وبحسب ما نقلته وسائل إعلام عن القناة التلفزيونية “12” الإسرائيلية المحلية، فإن مقاتلي “حماس” الذين نفذوا الهجوم “كانوا تحت تأثير مخدر حبوب الكبتاغون”، كاشفة أن قوات الأمن عثرت على هذه العقاقير بين أغراض العديد من مقاتلي “حماس” الذين فقدوا حياتهم على الأراضي الإسرائيلية.

وطبقا للتقرير المحلي، سمح هذا المخدر المنشط، للمهاجمين بارتكاب أعمال شنيعة مع الشعور بالهدوء واللامبالاة، وفي الوقت نفسه، أبقى هذا المخدر المهاجمين في حالة تأهب شديد لفترات طويلة.

وأشار التقرير إلى أن “الكبتاغون”، اكتسب سمعة سيئة في عام 2015، عندما تم اكتشاف استخدامه من قبل مقاتلي تنظيم “داعش” الإرهابي قبل تنفيذهم العمليات الإرهابية، لافتا إلى أن غزة أصبحت سوقا شعبية ينتشر فيها استهلاك هذا المخدر بين الشباب المدمنين.

هذا ودخل حرب غزة يومه الـ 18، وقد أسفر الرد الإسرائيلي على هجوم “حماس”، عن مقتل أكثر 5087 شخص في قطاع غزة، وإصابة ما يزيد على 15273 مواطنا بجروح مختلفة، غالبيتهم من المدنيين، وبينهم أطفال ونساء، بحسب وزارة الصحة في غزة.

ضلوع إيران و”زعم المقاومة”

في المقابل، يقول العديد من المسؤولين الغربيين والتقارير الصحفية إن لإيران دورا خفيا وراء هجمات “حماس” على إسرائيل. ويعتبر الدور الإيراني الخفي في غزة أمرا لافتا، لاسيما أنه يتجاوز مسألة “وحدة الساحات”، والتي تبدو مجرد دعاية وبروباغندا سياسية لـ”حزب الله” اللبناني الموالي لطهران، إلى وجود يحقّق توازنات تتصل برغبة طهران في تعميق نفوذها بالقضية الفلسطينية وذلك بنفس درجة سعي ورغبة “حماس” فرض هيمنتها وتهميش السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس في الضفة الغربية.

فرغم نفي المرشد الإيراني علي خامنئي، أو بالأحرى تراجعه عن مسألة وجود دعم إيراني لـ”حماس” في الهجوم الأخير على إسرائيل، فإن مؤشرات عديدة تؤكد ضلوع “الحرس الثوري” الإيراني، في العمليات العسكرية بالتدريب والتخطيط وحتى التنفيذ. إذ إن ممثل “حماس” في لبنان أحمد عبد الهادي، قد أشار علانية إلى أن الحركة قامت بالتنسيق مع “حزب الله” وكذا فصائل أخرى ضمن مجموعات ما تسمى “المقاومة” المسلحة، موضّحا في تصريحات لمجلة “نيوزويك” الأميركية، “نسّقنا مع حزب الله ومع إيران والمحور، قبل وأثناء وبعد هذه المعركة على أعلى المستويات”. وقال عبد الهادي، إن هذا التنسيق “له أبعاد عديدة؛ سياسية وعسكرية وغيرها”.

حرب غزة- “وكالات”

وفق تقارير غربية، فإن التحضير لهذه الهجمات بدأ في أعقاب أحداث الشيخ جراح عام 2021، حيث اتخذ الإيرانيون قرارا بضرورة التسلل إلى إسرائيل في الداخل وتحقيق ضربة موجعة، وقد باشر قادة من “الحرس الثوري وحماس وحزب الله” بتدريبات قصوى في لبنان لمحاكاة الهجوم على إسرائيل في منطقة “عرمتى” جنوب لبنان، سواء من خلال استخدام الدراجات النارية أو عمليات التسلل السري أو مقاومة الحواجز الأمنية الإسرائيلية. كما أن هناك غرفة عمليات في لبنان تم تدشينها في أعقاب زيارة قائد “فيلق القدس” إسماعيل قاآني، قبل الهجوم على إسرائيل بفترة وجيزة وقد ساهمت هذه الغرفة في متابعة الوضع الميداني بدقة.

وفيما يبدو أن الدور الإيراني الذي يسبق هذه الأحداث الأخيرة، له عدة أهداف، منها تحقيق نفوذ سياسي لـ”حماس” والاعتراف بها والكشف عن عجز السلطة الفلسطينية، الأمر الذي يجعل الحركة تواصل استفزازاتها لإسرائيل بحيث تضطرها للدخول البري الوشيك بما يؤدي بالتبعية إلى إشراك مناطق السلطة الفلسطينية في الحرب وتبرز فعالية المقاومة أمام ضعف الرئيس محمود عباس. وثمة أهداف أخرى تتعلق بتغييرات إقليمية جذرية منها تعطيل التطبيع مع إسرائيل تحديدا مع السعودية والتأكيد على هيمنة إيران السياسية والعسكرية على فصائل ما تسمى “المقاومة” بحيث تُصبح أي ترتيبات في المنطقة تضع في اعتبارها مصالح طهران أو عدم تهديدها الوجودي.

بحسب العديد من المحللين والكتّاب، فإن الهجوم الذي قامت به “حماس” على إسرائيل لم يحقق أهداف لا للقضية الفلسطينية ولا للفلسطينيين، بل على العكس تماما، عملية “طوفان الأقصى” تشبه بشدة عملية اختطاف طائرة، حيث تضمن لـ”حماس” والفصائل تغطية إعلامية مكثفة تدوم لمدة 24 ساعة؛ لكن النتيجة الوحيدة هي تصاعد العقوبات وزيادة معاناة الفلسطينيين على مدى العقود القادمة، وهذه العملية تبدو واضحة كحرب متاجرة، حيث يبدو أن التوقيت مشبوهٌ وعواقبه مدمرة، ولا يمكن توقّع أي مكاسب لصالح الفلسطينيين، والجوانب السياسية الإقليمية والدولية ليست في مكانها في وسط مغامرات مثل هذه.

وفي هذا الصدد أعرب الإعلامي والكاتب الصحفي إبراهيم عيسى عن حزنه العميق لمقتل الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني في القصف الإسرائيلي المتواصل، ردا على هجوم “حماس” التي قتلت خلالها مدنيين من بينهم أطفال ونساء وكبار السن.

وهاجم عيسى  “حماس” هجوما لاذعا، وقال خلال تقديم برنامج “حديث القاهرة” المُذاع عبر فضائية “القاهرة والناس”: “ليس لي ولغيري أن يدافع عن هذه العملية لنجاحها والذي في حقيقة الأمر مبهر طالما هذه النتائج كارثية”. مضيفا “لكن هي في حد ذاتها كاشفة أن ثمة جماعة تختطف القرار الفلسطيني وبتضيع فلسطين بزعم المقاومة”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة