على الرغم من الضغوط المتزايدة التي تمارسها الولايات المتحدة لكبح جماح الحرب في غزة، يقترح وزير الدفاع الإسرائيلي الآن أن قواته قد تفتح قريباً جبهة شمالية ثانية لطرد “حزب الله” المدعوم من إيران من الحدود اللبنانية.

ففي حديثه إلى رؤساء البلديات، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، أمس الأربعاء، إن الحكومة لن تشجع حوالي 80 ألف ساكن تم إجلاؤهم من المجتمعات الشمالية القريبة من الحدود اللبنانية على العودة إلى ديارهم قبل طرد “حزب الله” إلى ما وراء نهر الليطاني في جنوب لبنان.

رغم الخوف المستمر لدى المجتمعات الشمالية من أنها معرّضة لخطر جدّي من الهجمات الصاروخية والتوغلات من قبل “حزب الله”، إلا أن المنظمة الإرهابية الموجودة على الحدود الشمالية لإسرائيل والتي تدعم “حماس” في الجنوب، لم تنضم (بعد) إلى الحرب بكامل قوتها، والعجيب أن الرئيس السوري، بشار الأسد، هو أحد أسباب هذا الأمر.

علاقة “حزب الله” بالحرب في غزة

في تصريحات نقلتها صحيفتي “تايمز أوف إسرائيل” و”هآرتس” الإسرائيليتين، قال غالانت في اجتماع في نهاريا، المدينة الساحلية الواقعة في أقصى شمال إسرائيل، إن الحكومة تأمل في صد “حزب الله” من خلال الوسائل الدبلوماسية، ولكن إذا فشل ذلك، فسوف تتحرك بكل الوسائل التي تحت تصرّفها باستخدام العمل العسكري.

لغز استراتيجي حزب الله يرفض دخول الحرب بناء على طلب الأسد؟ (1)
تسربت أنباء عن لقاء سري عقد بين الأمين العام لحزب الله والرئيس السوري على الحدود بين سوريا ولبنان. (فرانس برس)

ويمتد الجزء الجنوبي من نهر الليطاني بالتوازي مع الحدود الإسرائيلية اللبنانية وعلى بعد 18 ميلاً إلى الشمال منه، وبموجب شروط قرار الأمم المتحدة رقم 1701 الذي أنهى حرب لبنان عام 2006، وافقت إسرائيل على سحب جميع قواتها من جنوب لبنان، وكان مطلوبا من “حزب الله” عدم الحفاظ على أي وجود جنوب النهر.

إلا أن “حزب الله” لم يحترم نصيبه من الصفقة، وعلى مرّ السنين عزّز وجوده في جنوب لبنان في مواقع تطل مباشرة على البلدات الحدودية الإسرائيلية، وأطلق هجمات صاروخية في الأسابيع والأيام الأخيرة.

في السنوات الأخيرة واجهت إسرائيل جبهة بقيادة إيران، والتي تضم جميع عناصر المحور الإسلامي الشيعي برئاسة “حزب الله”، في هذا المحور بعد الحزب اللبناني يأتي الأسد في سوريا والميليشيات الشيعية في العراق وسوريا و”الحوثيين” في اليمن. 

ومؤخرا انضم إليه عناصر فلسطينية من حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، اللتين تتلقيان التدريب والدعم المالي والأسلحة من إيران. وعلى الرغم من كونهم سُنّة [وليسوا شيعة]، إلا أن إيران أضافتهم إلى هذه التركيبة، وهو ما يخدم في نظرها مصالح صراعها ضد إسرائيل.

عدم انخراط قيادة الحزب في حرب واسعة مع إسرائيل جرى التفاهم عليه بين الأسد وأمين “حزب الله”، حسن نصرالله، في اجتماع هاتفي جرى في ليل السابع من تشرين الثاني/أكتوبر الفائت، أي بعد ساعات من إطلاق “حماس” عملية “طوفان الأقصى”.

فحوى المحادثة بحسب مصادر مطلعة في الجيش السوري، أبلغ الأسد نصرالله أنه إذا نفذت إسرائيل عملية واسعة النطاق ستهدف إلى طرد “حزب الله” من جنوب لبنان، وهذا سيقود إلى مواجهة بين إيران والولايات المتحدة، والرغبة حاليا في تجنب هذا الاحتمال.

وبالنسبة لإيران فإنها تزوّد “حماس” بالأسلحة وتساعدها مالياً، لكن “حماس” ليست وكيلاً أو امتداداً لإيران ويجب أن تُدين بكل ما لديها للإيرانيين، مثل “حزب الله” – ولهذا السبب فهم أكثر استقلالية في عملياتهم.

تجنّب مواجهة إسرائيل

منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، اقتصرت معظم المناوشات بين “حزب الله” وإسرائيل على ضربات ضد أهداف عسكرية، وظلت ضمن ما يصفه السياسيون اللبنانيون بـ “قواعد الاشتباك”، التي تم وضعها بشكل غير رسمي للحد من سوء التقدير من قبل إسرائيل و”حزب الله” على مرّ السنين منذ قتالهما- حرب يوم واحد في عام 2006. 

لوحة جدارية مثقوبة لمؤسس إيران الراحل، آية الله روح الله الخميني، تقف بجوار لوحة إعلانية عليها صورة ممزقة لزعيم حزب الله حسن نصر الله (على اليمين) في الساحة الرئيسية للمدينة التي مزقتها الحرب. (فرانس برس)

لكن التبادلات تتجاوز الآن القواعد المعمول بها وتضرب أهدافًا مدنية، وقد تم إجلاء حوالي 80 ألف من سكان المجتمعات الواقعة على مسافة تصل إلى 10 كيلومترات جنوب الحدود اللبنانية منذ أوائل تشرين الأول/أكتوبر الفائت، ويقيم معظمهم على نفقة الحكومة في فنادق في تل أبيب.

طبقا لما تقوله المصادر في الجيش السوري، فإنه لا دمشق ولا طهران ولا “حزب الله” مهتمّةٌ بحرب واسعة النطاق من أجل فلسطين، إذ لا تزال سوريا وإيران بحاجة إلى “حزب الله” كورقة رابحة، على سبيل المثال في حالة تعرّض الأسد أو خامنئي في إيران لهجوم؛ فإن “حزب الله” معني بما يمكن أن يحدث من الجهة اللبنانية.

أيضا هناك مسألة وقوف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل، فبعد هجوم “حماس” بات هناك وجود عسكري أميركي ضخم في المنطقة، على نحو لم يسبق له مثيل، فضلا عن أن “حزب الله” فقد إلى حدّ ما عنصر المفاجأة. 

فالجيش الإسرائيلي منتشر عبر الحدود الشمالية، وسيواجه “حزب الله” ضغوطاً شديدة لتحقيق إنجاز مثلما فعلت “حماس”، وإذا كان “المحور الإيراني” بحاجة إلى الاختيار بين ما هو مهم لإيران وما هو مهم لـ”حماس”، ومن الواضح أن الاختيار هو مصلحة إيران ووكلائها.

دراما القوة

إن انتصار “حماس” مهم لـ”محور إيران” في الشرق الأوسط ولا سيما الأسد و”حزب الله”، لأنه سيخدم مصالح الجبهة بأكملها، لكن وقوفهما جنبا هذه كانت دائماً استراتيجية إيران، وهي البقاء خارج اللعبة وتوجيه الآخرين بينما تقول إن هؤلاء يتصرفون لحسابهم الخاص.

صور لبشار الأسد وحسن نصر الله في الشارع، محافظة البقاع، بعلبك، لبنان (تصوير إريك لافورج/كوربيس)

بشكل عام، وبحسب تفسير الباحث في موقع “جي إف بي” المختص في الشؤون العسكرية في الشرق الأوسط، إياد معلوف، يمكن القول، إن بشار الأسد و”حزب الله” لا يريدان الدخول في حرب مفتوحة مع إسرائيل لعدة أسباب، منها:

أولا: الوضع الداخلي في سوريا ولبنان، فبعد عقدٍ من الحرب في سوريا، يواجه الأسد تحديات كبيرة في إعادة الاستقرار والإعمار والتعافي الاقتصادي لبلاده. كما يعاني “حزب الله” من أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية في لبنان. لذلك، قد يكون من غير المُجدي لهما المخاطرة بتفاقم هذه الأوضاع بسبب حرب مع إسرائيل قد تكون مدمرة ومكلفة.

ثانيا: الدعم الخارجي لإسرائيل، إذ يرى معلوف في حديثه لـ”الحل نت”، أن إسرائيل مؤخرا تتمتع بدعم عسكري وسياسي ودبلوماسي قوي من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية والعربية، وهذا الدعم قد يجعل إسرائيل أكثر قوة وثقة في مواجهة أي تهديد من الأسد أو “حزب الله”، وقد يحرمهما من أي تأييد دولي أو إقليمي في حال نشوب الحرب.

ثالثا: الردع الاستراتيجي، فرغم أن الأسد و”حزب الله” يمتلكان قدرات عسكرية متقدمة، خاصة الصواريخ الباليستية والموجهة التي زودتهما بها إيران، إلا أن إسرائيل تمتلك أيضا قدرات عسكرية متفوقة، خاصة القوة الجوية والدفاع الجوي والقوة النووية. هذه القدرات قد تخلق حالة من التوازن الرهيب بين الطرفين، حيث يدرك كل منهما أن الحرب قد تكون مدمرة للغاية ولا تحقق أي مكاسب استراتيجية.

من الواضح أن الأسد و”حزب الله” حسما خياراتمها بأنه إذا نشبت حرب مع إسرائيل، فقد تكون النتائج كارثية لكل الأطراف، حيث قد تتسبب الحرب في خسائر بشرية ومادية وبيئية هائلة، وقد تؤدي إلى تغيير الوضع الجيوسياسي والعسكري في المنطقة، وقد تفتح الباب لتدخلات خارجية غير مرغوب فيها بالنسبة لدمشق و”حزب الله”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات