اختراق أمني لطهران وصفعة قوية لنصرالله: كيف تسرّبت إسرائيل إلى قلب الضاحية الجنوبية؟

قُتل صالح العاروري نائب الأمين العام لحركة “حماس” ليل أمس الثلاثاء، في غارة إسرائيلية بطائرة بدون طيار على الضاحية الجنوبية لبيروت معقل جماعة “حزب الله” اللبنانية المتحالفة معها، مما يشير إلى ارتفاع وتيرة الاختراقات الأمنية داخل وكلاء إيران في الشرق الأوسط.

وكالة الأنباء الوطنية اللبنانية، قالت إن الطائرة بدون طيار قصفت مكتباً لحركة “حماس”، والغارة استهدفت اجتماعا بين مسؤولي “حماس” وفصيل الحركة في لبنان وأسفرت عن مقتل أربعة فلسطينيين وثلاثة لبنانيين. ويمثّل هذا الهجوم أول عملية اغتيال مستهدف لمسؤول في “حماس” خارج الأراضي الفلسطينية منذ الهجوم المميت الذي شنّته الجماعة الفلسطينية على الأراضي الإسرائيلية في 7 تشرين الأول/أكتوبر.

بحسب تقديرات أعضاء “حزب الله”، فإن الحوادث الأمنية التي تعرّض لها الحزب وأقرانه من الفصائل الأخرى التي تموّلها إيران في الأسابيع الأخيرة في لبنان وسوريا هي نتيجة انخفاض العمليات الاستخباراتية التي يقوم بها الحزب في المنطقة، لا سيما بعد أن اضطر إلى تعزيز وجوده في جميع أنحاء المنطقة وانتشاره بشكل ضعيف، حيث قام “حزب الله” بتقليص عملياته على أرض الوطن، مما أدى إلى تآكل التماسك الداخلي نتيجة لذلك.

مؤشرات الاختراق الأمني

في البداية يجب أن نستجمع سلسلة من الأحداث التي حصلت خلال الأسابيع الفائتة، والتي تشير بمعظمها إلى أن إسرائيل استكملت ملفّ الضالعينَ بهجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وحاليا بدأت بخطة الهجوم على هؤلاء القادة أينما وجدوا.

اختراق أمني لطهران وصفعة قوية لنصرالله كيف تسرّبت إسرائيل إلى قلب الضاحية الجنوبية؟ (3)
صورة تصور حسن نصر الله، زعيم حركة حزب الله الشيعية اللبنانية، معلقة على مبنى بالقرب من موقع غارة إسرائيلية استهدفت نائب زعيم حماس صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت في 3 يناير 2024. (تصوير أنور عمرو / وكالة الصحافة الفرنسية)

عندما لا تتوفر حجج للبرهان المباشر، فإنه من أشهر طرق البرهان غير المباشر، هي طريقة “نقض الفرض” التي تثبت صحة الحقيقة بإثبات أن عكسها باطل، وهنا نعود لنستذكر كلام الأمين العام لـ”حزب الله” عام 2015، عندما قال لقناة “الميادين”، إن الجاسوس الذي اعتقله الحزب واعترف بالعمل لصالح جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد”، يظهر يقظة “حزب الله” خلال نضاله المستمر منذ 32 عاما ضد الدولة اليهودية.

حسن نصرالله، حينها قال ليخفف وطأة الخبر على الموالين له لا سيما بعد موجات من الصدمة التي تعرّضوا لها خصوصا أن الجاسوس كان من المجموعة التي طالما تفاخر أنصارها بعدم إمكانية اختراقها، أنه: “بالنسبة لي هذا خرق ولا ينبغي أن يحدث، لكن إذا حدث فهو جزء من المعركة، جزء من الحرب بيننا وبين إسرائيل”.

ولم يذكر نصر الله، اسم الجاسوس وقلّل من أهميته قائلا إنه عضو في وحدة أمنية وليس قائدا أو نائبا. وأضاف: “لقد تم اعتقاله قبل خمسة أشهر واعترف بكل المعلومات التي قدمها (للإسرائيليين) ومدى تعاونه”.

في ذلك الوقت، اعتُبر هذا الاختراق من أخطر الخروقات في صفوف “حزب الله” الذي يعمل بشكل سرّي. فالحزب، الذي تم إنشاؤه لمحاربة إسرائيل، كان يحظى بالاحترام في جميع أنحاء لبنان، وتحديداً داخل قاعدته الطائفية الشعبية. لكن بسبب الفساد، يقول مقاتلوه هذا جعل الجماعة أكثر عُرضة للانتهاكات الأمنية.

سابقا، تعهّد “حزب الله”، بالانتقام من إسرائيل لاغتيالها قائده العسكري عماد مغنية، في انفجار سيارة مفخخة في دمشق عام 2008، لكن حتى الآن لم ينجح الأمر. وذات الأمر ينطبق على ذراع إيران العسكري “الحرس الثوري”، بعد مقتل سليماني.

الباحث والمختص بالشؤون العسكرية في الشرق الأوسط، إياد معلوف، يؤكد لـ”الحل نت”، أن مستوى الاختراقات داخل المنظمة الأم – إيران – والوكلاء التابعين لها في منطقة الشرق الأوسط توسّعت بشكل كبير لعدة أسباب، أهمها جفاف التمويل.

مصادر تمويل “حزب الله” مع تزايد العقوبات الأميركية التي تستهدف شركاته الواجهة ووسطاءه، جفت بشكل كبير. حيث تم إغلاق اثنين من البنوك اللبنانية، بما في ذلك بنك “جمال ترست” في عام 2019، بعد اتهامهما بتسهيل المعاملات المالية للمجموعة المدعومة من إيران. 

كما أن الموارد التي يتم تحويلها إلى “حزب الله” عبر إيران آخذة في الانخفاض بسبب العقوبات الأميركية على النظام الإيراني الذي يواجه واحدة من أسوأ أزماته الاقتصادية منذ عقود، وكون جميع عناصر هذه الميليشيات انضمت لها لسبب رئيسي واحد وهو الأموال وليس العقيدة، فإن نقص التمويل ساهم بوجود خلل مركزي يتمثل بالفساد والخيانة.

لماذا العاروري؟

بالنسبة للعاروري، في الأربعاء الفائت، نقلت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية عن أسامة حمدان، القيادي في “حماس” في بيروت، أنه علِم بالهجوم المخطط في 7 تشرين الأول/أكتوبر من خلال الاستماع إلى الأخبار، وأن الشخص الوحيد الذي تم إبلاغه قبل تنفيذ العملية كان نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، صالح العاروري، حيث تلقى الأخير اتصالا هاتفيا من يحيى السنوار، طالبه فيه بـ”إخبار” الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصرالله، بالعملية قبل نصف ساعة من تنفيذها.

اختراق أمني لطهران وصفعة قوية لنصرالله كيف تسرّبت إسرائيل إلى قلب الضاحية الجنوبية؟ حزب الله صالح العاروري إيران حسن نصرالله لبنان إيران
عائشة، والدة صالح العاروري، تجلس وهي تحمل صورة له في منزل عائلتها في بلدة عارورة، شمال رام الله في الضفة الغربية المحتلة، في 3 يناير 2024. (تصوير جعفر اشتية / وكالة الصحافة الفرنسية)

قبل بدء الهجوم، قام يحيى السنوار ومحمد الضيف بتنظيم بعض استعداداتهم بعناية، حيث قام السنوار بتعيين قادة جُدد في قيادة معظم كتائب “القسام”، الذين حلّوا محلّ القادة المعروفين لإسرائيل. ومن أجل التمويه، تم الاحتفاظ بالقادة القدماء في مواقعهم، وقبل نحو شهر ونصف من العملية، فرضت “حماس” السّرية على قادتها العسكريينَ الرئيسيينَ وطلبت منهم تقليل اتصالاتهم المتبادلة.

وأكدت الصحيفة أيضاً أن زعيم “حزب الله” غضب بسبب عدم إطلاع إيران على خطة “حماس”، وأن يحيى السنوار ومحمد ضيف، كانا غاضبيَن لعدم استخدام نصرالله القوة الكاملة لـ”حزب الله” بعد الهجوم. وفي هذا السياق، أرسلا رسالة غاضبة، حتى أن رئيس المكتب السياسي لـ”حماس”، إسماعيل هنية، قام بزيارة إلى طهران لحثّ المرشد الأعلى علي خامنئي على المشاركة في الحرب، لكن المرشد رفض الطلب.

إلى جانب كونه نائباً لإسماعيل هنية منذ عام 2017، كان العاروري أحد القادة المؤسّسينَ لكتائب “عز الدين القسام”، الجناح العسكري لحركة “حماس”. وكان أيضاً مُدرجاً على قائمة عقوبات وزارة الخزانة الأميركية؛ لتمويله الجماعة وتسهيل نقل الأسلحة منذ عام 1987 عندما تشكّلت “حماس” خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى ضد إسرائيل.

وعرض برنامج المكافآت من أجل العدالة، التابع لوزارة الخارجية الأميركية، مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله. وجاءت وفاة العاروري قبل يوم من إحياء إيران ذكرى فقدان قائدها العسكري قاسم سليماني، الذي قُتل في غارة أميركية بطائرة بدون طيار بالقرب من مطار بغداد الدولي في 3 كانون الثاني/يناير 2020.

وكلاء إيران في مرمى الهدف

ليس فقط اكتمال الملف حول قادة هجوم السابع من أكتوبر هو النقطة المهمة، بل النقطة الأبرز هو سهولة وصول إسرائيل لهذه الأهداف وبسهولة.

اختراق أمني لطهران وصفعة قوية لنصرالله كيف تسرّبت إسرائيل إلى قلب الضاحية الجنوبية؟ 
حزب الله صالح العاروري إيران حسن نصرالله لبنان إيران
الأمين العام للجماعة الشيعية اللبنانية حسن نصر الله خلال اجتماع مع نائب رئيس حركة حماس الفلسطينية صالح العاروري في مكان غير معلوم في لبنان. (تصوير المكتب الإعلامي لحزب الله/وكالة الصحافة الفرنسية)

سلسلة الاغتيالات الأخيرة التي طالت أذرع إيران قي لبنان وسوريا، تؤكد وجود اختراقات إسرائيلية للفصائل التابعة لايران على مستوى القيادات، حيث لا يمكن أن يعلم بتحركات القادة الكبار سوى “زملائهم”.

“حماس” التي أكدت مقتل العاروري، قالت إن مسؤولي كتائب “القسام” سمير فنيدي أبو عامر، وعزام الأقرع أبو عمار قُتلا أيضا في غارة أمس الثلاثاء، التي استهدفت شقة العاروري في الضاحية الجنوبية، التي تُعد معقل “حزب الله”.

خلال شهر واحد استهدفت إسرائيل، ‏خلية قيادة أقوى فرقة في “حزب الله” المسماة “الرضوان” في جنوب لبنان، والتي قُتل فيها عباس المعروف باسم “سراج”، نجل رئيس كتلة “حزب الله”، النائب محمد رعد، وأيضا القائد الكبير في “فرقة الرضوان”، خليل جواد شحيمي، ومعهم ملاك حولا وأبو حسين شقرا ومحمد شري، مما يشير إلى تعرّض نخبة الحزب لاستهداف واختراق في صفوفه.

أيضا استهدفت إسرائيل القيادي خليل خراز، الذي كان يشغل موقع نائب قائد كتائب “القسام” في لبنان،  في منطقة الشعيتية (جنوب شرقي مدينة صور) في جنوب البلاد.

أما الاختراق الأكبر، كان استهداف القيادي البارز في “الحرس الثوري” الإيراني، رضي موسوي، الذي قُتل يوم الاثنين الماضي في غارة إسرائيلية في منطقة السيدة زينب في جنوب دمشق، والذي كان يُعهَد إليه ملفّ دعم ونقل الأسلحة إلى “المقاومة” في لبنان وسوريا.

يبدو أن مقتل موسوي يمثل ضربة موجعة لإيران، نظراً لكونه من أقدم القادة بالحرس ولكونه رفيق درب قاسم سليماني من طرف آخر، فطبقا لوسائل إعلام إيرانية فإن موسوي يعتبر أعلى رتبة في “فيلق القدس” يُقتل خارج إيران بعد مقتل سليماني.

ليس ذلك فحسب، بل بعد مقتل موسوي بأيام، أفاد موقع”العربية”، الجمعة الفائت، بمقتل 11 قيادياً في “الحرس الثوري” بالضربة التي استهدفت مطار دمشق مساء أمس الخميس، ما أدى إلى إصابة القيادي، نوزت رشيد، حيث كان قادة “الثوري” الإيراني في شرق سوريا باستقبال وفد رفيع بمطار دمشق.

دفعت الهجمات الإسرائيلية المتتالية على مواقع في سوريا ولبنان، الجماعات التابعة لإيران إلى تغيير أماكن انتشارها حيث صارت بوتيرة يومية، وبحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، فإن مناطق انتشار تلك الجماعات شهدت استنفارا أمنيا وعسكريا، مع تنفيذ اعتقالات لأشخاص بتهمة العمالة لإسرائيل.

التصدع يخترق “حزب الله” و”الثوري” الإيراني

طبقا لمصادر محلية، فإن فصائل تابعة لإيران اعتقلت خمسة أشخاص في منطقة البوكمال بريف دير الزور الشرقي، كما تم اعتقال شخصين في منطقة مطار “النيرب” العسكري بتهمة العمالة. وجاء ذلك بعد مقتل أربع مسلحين موالين لإيران نتيجة قصف إسرائيلي لمنطقة مطار حلب.

خطاب زعيم حزب الله حسن نصر الله في 3 نوفمبر 2023 في طهران، إيران. (تصوير ماجد سعيدي/ غيتي)

سلسلة هذه الأحداث تعيد للذاكرة، ما قاله بنيامين فيليب – اسم مستعار لأحد الجواسيس الذين جنّدتهم إسرائيل داخل حزب الله – بأن معظم الأشياء التي تتفاخر بها الحكومة الإسرائيلية، الهجمات في سوريا والهجمات في غزة، والهجمات على أهداف إيرانية، لا تحدث و”الموساد” جالس في مكاتبه، وتقول لهم جنية إن الإيرانيين ينقلون الأسلحة هنا أو هناك.

فيليب، هو جزء من منظومة داخل “حزب الله” والجماعات التي تمولها إيران قرروا العمل مع إسرائيل لمحاربة الحزب في عام 2011، حيث قام بجمع معلومات استخباراتية عن أنشطة الجماعة اللبنانية وتجنيد عناصر إضافية داخل فرقة “الرضوان”.

الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصرالله، أعترف عام 2015 بتجسس عناصره لصالح إسرائيل، وكان أبرزهم محمد شواربة، الذي انضم إلى الحزب في سنّ مبكرة، في الأيام الأولى لتأسيسه، وشارك في عدة هجمات ضد جنود إسرائيليين في لبنان قبل انسحابهم من البلاد عام 2000. في حين أنه أقام اتصالات مع “الموساد” كشكل من أشكال الانتقام لأنه كان محطاً لعدم ترقيته.

حصول هذه الخروقات ليس من قبيل الصدفة، إذ يقول أعضاءٌ في الحزب إن الحزب قلّص بصمته الاستخباراتية داخل لبنان، بسبب القيود التشغيلية والمالية. إذ أغلق “حزب الله” العديد من مواقعه السّرية في جميع أنحاء لبنان، وكان بعض هؤلاء مكلّفينَ بشكل أساسي بعمليات جمع المعلومات الاستخبارية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات