3 أشهر مرت على حرب غزة، تعالت فيها الأصوات واشتدت المواقف الدولية والإقليمية، وكان يُنظر فيها إلى دور الدول الكبرى في وأدها أو مواقفها الداعمة من عدمها لحرب إسرائيل في قطاع غزة في فلسطين، ومن بين تلك الدول لم تغب روسيا عن المشهد، لكن كيف كان دور موسكو فيها؟ 

بدأت الحرب على غزة بعد الهجوم المباغت الذي شنته “حماس” و”كتائب القسام” على مدن إسرائيلية عدة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ليعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن حرب شرسة، قال إنها لن تنتهي إلا بإنهاء أي وجود لدى “حماس” و”القسام” في غزة، وراح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين، ناهيك عن الآلاف من الجرحى، هذا غير تدمير البنية التحتية بشكل شبه كلي. 

موسكو والدعم العلني لإنهاء الحرب

هنا وبعد بدء الحرب على غزة، تعالت الأصوات الرافضة لاستمرار تل أبيب بهجومها “الدامي” على القطاع، لا سيما من قبل الدول العربية والإقليمية، وانضمت لها دول عديدة منها الصين، ومنظمات دولية وأممية، وبالطبع كانت روسيا من بين الدول الرافضة لاستمرار الحرب على فلسطين، لكن الكل يتساءل عن دورها الفعلي إزاء الصراع الجاري. 

موسكو أعلنت بشكل مباشر عن معارضة حرب إسرائيل على غزة، وطالبت بوقف الحرب. إلا أن هذه المواقف لم تترجم بتحركات سياسية نشطة تعكس ثقل وحجم “الكرملين”، وبالتالي، فإن السؤال البارز، هو لماذا لم تتبنّ موسكو سياسات تضغط باتجاه وقف الحرب؟

بحسب تقرير لصحيفة “الشرق الأوسط“، فإنه منذ الأسبوع الأول للحرب في قطاع غزة، بدا أن موسكو استعدت لحصد فوائد عدة من اشتعال الجبهة، أبرزها اتجاه الأنظار نحو الشرق الأوسط، وغياب الحرب الأوكرانية عن العناوين الرئيسية للأخبار العالمية، لكن الأهم بالنسبة إلى موسكو أن حرب غزة وفرت فرصة مهمة لتأكيد “انحياز روسيا إلى الجزء الجنوبي من العالم الذي يعارض سياسات واشنطن والغرب”. 

الموقف الروسي كان في بداية الأمر يتوقع أن الحرب سرعان ما ستنتهي مثل سابقاتها التي شنتها إسرائيل، ولعل آخرها كانت قضية “الشيخ جراح” التي بدأت في رمضان من عام 2022 وانتهت سريعا في غضون أسابيع وجيزة، لكن ذلك لم يحدث هذه المرة، إذ ها هي الحرب تدخل في شهرها الرابع دون أي بوادر على إمكانية توقفها.

تصريح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، كان خير دليل على ذلك، عندما قال، إن “موسكو تأمل أن يأخذ الجميع على محمل الجد الالتزام بإنشاء دولة فلسطين، بعد انتهاء المرحلة الساخنة من الصراع الحالي في الشرق الأوسط”، مشدّدا على “ضرورة التزام طرفي النزاع باحترام القانون الإنساني، وأن يتحلى الجميع بالمسؤولية الجدية لتنفيذ قرارات مجلس الأمن بشأن إنشاء دولة فلسطينية على أساس المبادئ التي وافقت عليها الأمم المتحدة”.

موسكو تدعم “حماس”: ما هدف روسيا من إطالة الحرب في غزة؟

لاحقا، ومع استمرار الحرب على غزة، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن بلاده مستعدة لتقديم جهود وساطة بين الطرفين، من دون أن يوضح المدخل الذي ستنطلق منه إذا وافق الطرفان على تلك الجهود، فيما أردف: “يتعيّن علينا البحث عن حل سلمي لتفاقم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ نظرا لأنه في الوضع الراهن لم تعد هناك بدائل أخرى”. 

تصريح بوتين كان لافتا بحسب صحيفة “الشرق الأوسط”، ففي حين يراقب العالم حربا شاملة واستعدادا لعملية تهجير شاملة للفلسطينيين من غزة، ركّزت تصريحات “الكرملين” على تكرار خطاب سياسي صحيح من وجهة النظر القانونية، لكنه منفصل عن الواقع المتسارع في تدهوره وعن ألسنة اللهب المتصاعدة حول غزة.

جنود إسرائيليون ينتشرون في غزة – (رويترز)

فيما بعد، تيقنت موسكو بأن هذه الحرب ليست كسابقاتها، وأنها ستطول، لذلك فإن موقف روسيا “العلني” قد تطور مع مرور الوقت وذلك بمطالبات واضحة بوقف القتال من خلال جلسات “مجلس الأمن” الدولي، لكن موسكو في الوقت ذاته لم تتحدث ولم تبحث عن أوراق فعلية ضاغطة باتجاه إنهاء الحرب على غزة، فما السبب؟

المحلل السياسي وأستاذ العلاقات العامة الدولية، علاء مصطفى، يتحدث عن الدور الروسي في حرب غزة، بقوله في حديث مع “الحل نت”، إن موسكو لها دور خفي في الصراع، الهدف منه إدامة زخم الحرب وإطالتها لأطول فترة ممكنة، ولكن ما وراء هذا الدور الذي لم تكشفه روسيا في العلن؟ 

بحسب مصطفى، فإن هدف موسكو من إطالة الحرب في غزة، هو استنزاف قدرات الولايات المتحدة في هذا الصراع وسحب دعمها العسكري من الجبهة الأوكرانية نحو دعم حليفتها تل أبيب بالأسلحة والمال والمعدات، وهذا ما يتيح لموسكو التقدم في أوكرانيا ميدانيا واحتلال أكبر أراضٍ ممكنة من كييف. 

الجدير بالذكر، أن موسكو وبعد شهر تقريبا ستنهي عامين من غزوها لأوكرانيا عندما هاجمتها في 24 شباط/ فبراير 2022، ولا تزال حتى اليوم تعاني من الدفاع الأوكراني المستميت عن كييف وتتعثر في تقدمها نحو احتلال المزيد من المدن الأوكرانية، نتيجة الدعم الأميركي والغربي لكييف.

واشنطن تكشف اللعبة: نهاية الحرب لتفويت الفرصة على روسيا؟ 

مصطفى يشير إلى أن، موسكو تلعب دورا غير منظور من خلف الكواليس بدعم “حماس” في غزة بشتى الطرق، إذ ترسل لها الدعم وتصل غزة بشكل منتظم، في مسعى لإدامة الحرب، لكن أميركا بدأت تعي ذلك، على حد تعبيره. 

ما يدلل على ذلك، أن واشنطن بدأت بالضغط على إدارة نتنياهو لعدم توسعة الرقعة الجغرافية للحرب في غزة، إضافة إلى ضغطها لعدم ترك وقت الحرب مفتوحا، وغلقها بأقرب وقت، كما يقول مصطفى، وذلك لتفويت الفرصة على موسكو ومنعها من تحقيق مبتغاها.

طفل يقف بجوار مبنى تضرَّر خلال غارة إسرائيلية على مخيم نور شمس للاجئين الفلسطينيين بالقرب من مدينة طولكرم بالضفة الغربية – (أ.ف.ب)

الأمر الآخر الذي يوضح عدم رغبة روسيا بإنهاء الحرب كما تصرح بذلك علنا وفقا لمصطفى، هو أن موسكو لديها تفاهمات مع تل أبيب حول سوريا، وهذا يفسر أن أي ضربة جوية نفذتها إسرائيل في الداخل السوري ضد “فصائل المقاومة” وغيرها، لم تقترب مطلقا من مناطق النفوذ الروسي في سوريا.

ما يدعم حديث مصطفى، هو مخرجات اجتماع مجموعة “بريكس” للدول الخمس الأعضاء فيها (روسيا والبرازيل والهند والصين وجنوب أفريقيا)، في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المنصرم، الذي خصص لمناقشة الحرب على غزة، إذ خلص إلى إصدار بيان دعا إلى “هدنة إنسانية فورية” تفضي إلى وقف إطلاق النار وحماية المدنيين، وتوفير المساعدات الإنسانية في قطاع غزة. 

خلال الاجتماع/ القمة التي استضافتها مدينة جوهانسبرغ، بجنوب أفريقيا، برز خلال النقاشات تباين واسع وهوة كبيرة في مواقف الأطراف بين بلدان المجموعة، إذ اكتفت في النهاية بعبارات الدعوة إلى تهدئة، رغم رفعت سقف المطالب بشكل قوي، مثل جنوب أفريقيا التي دعت إلى عرض الملف على محكمة الجنايات الدولية، لكنها لم تظهر في البيان الختامي المشترك، وهذا يفسر عدم جدية موسكو بالرغبة في إنهاء الحرب، كونها طرف أساس في “بريكس”.  

في النهاية، ليس كل ما يُعلن عنه هو الموقف الصريح، فالسياسة أم الاختلافات والكواليس، وموسكو الداعية عبر القنوات الرسمية لإنهاء الحرب على غزة، هي المستفيدة الأبرز من إطالة الحرب، لذا فإن دورها في الكواليس كان ولا يزال يدعم إدامة أمد الحرب لأكبر وقت ممكن عبر دعم “حماس” حليفة طهران عسكريا وماديا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات