رغم مرور عامين على الحرب الروسية على أوكرانيا، إلا أن موقف الصين منها شهد تناقضا واضحا، على عكس الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي والعديد من دول العالم الرافضة بشكل علني لاحتلال كييف من قبل موسكو.

لم تعلن الصين صراحة إدانتها للحرب الروسية على أوكرانيا، كذلك لم تستخدم التصريحات الرسمية ووسائل الإعلام الرسمية الصينية مصطلح “الغزو الروسي على أوكرانيا”، إنما وصفتها بهذا المصطلح: “العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا”. أي أن الموقف الرسمي لجمهورية الصين الشعبية لم يكن مؤيدا بشكل رسمي للحرب الروسية على أوكرانيا، كما أنه لم يكن رافضا لها في ذات الوقت.

موقف الصين من الحرب في أوكرانيا أصبح موضعا للكثير من التعليقات والتكهنات، فهي وإن كانت ليست طرفا في الحرب، لكنها معنية بتداعيات الصراع الدائر بين موسكو وكييف، فعلاقاتها الوطيدة بروسيا، وخشيتها من الصدام المباشر مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، التي تربطها بها تفاهمات سياسية وعلاقات اقتصادية وتبادلات تجارية كبيرة، تجعل الحكومة الصينية في دوامة حسابات معقدة، تدفع إلى أن يكون موقفها متذبذبا ومتغيرا بين فترة وأخرى.

الصين تحاول الابتعاد عن دائرة الصراع العالمي المحتدم وكسب ود الأقطاب العالمية الكبرى رغم تنافرها والتركيز على وضعها الاقتصادي المتنامي والحفاظ على دورها العالمي، فالحكومة الصينية تحرص على أن لا يكون موقفها واضحا لعدة اعتبارات، من بينها إدراك بكين أهمية علاقاتها الاستراتيجية مع روسيا وقد تخسرها في حال أدانت الاجتياح الروسي لأوكرانيا.

في الوقت نفسه، تحرص بكين على عدم الإضرار بالعلاقات التجارية المربحة مع الغرب من خلال عدم الانحياز صراحة إلى روسيا، بالإضافة إلى أن الصين مهتمة بشكل كبير بتنمية علاقاتها الوثيقة مع الدول النامية في العالم لتكون طويلة الأمد، ومن المؤكد أن هذه العلاقات ستنهار في حال أعلنت بشكل واضح موقفها من الحرب.

الثابت المتغير! 

الرئيس الصيني شي جين بينغ، يخشى أن يتم الجمع بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوصفه ”قاتلا“، كما أنه لا يريد في أن يُنظر إليه على أنه متواطئ مع روسيا في اعتدائها على الأراضي الأوكرانية، مما يعتبر انتهاكا واضحا لمبادئ الصين الخمسة للتعايش السلمي، بالإضافة إلى احتمالية تعريض الصين لعقوبات مدمرة من الغرب في حال ثبت دعم بكين لموسكو في حربها على كييف.

الدعم العلني للغزو يمكن أن يقوض استراتيجية الصين طويلة الأمد، والتي تهدف إلى الفوز التدريجي بأغلبية دول العالم النامية، والتغاضي عن التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، من شأنه أن يثير الشكوك حول دعوة الصين للسلام، وهذا ما يجعل موقف الصين من الحرب الروسية الأوكرانية ثابتا ومتغيرا في ذات الوقت.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ – (رويترز)

المحلل السياسي أحمد الياسري يرى في حديث مع “الحل نت “، أن موقف الصين حيال الحرب الروسية الأوكرانية يذهب باتجاهين، أحدهما ثابت والآخر متغير، الثابت هو الحلف التاريخي بين موسكو وبكين والحدود الجغرافية الطويلة بين البلدين، لهذا بكين لا تسمح أن تتحول الحرب الأوكرانية الروسية إلى حرب الإطاحة بالدب الروسي، كما أن هذا الأمر سيجعلها مطوقة من كل الاتجاهات، فروسيا تمثل العمق الاستراتيجي الجيوسياسي للصين، وهذا الموقف بالنسبة لها غير قابل للنقاش فهو يؤكد على ضرورة انتصار روسيا في حربها مع أوكرانيا.

أما الموقف المتغير بالنسبة لبكين، فهو الذي يرتبط بالجانب التجاري الصيني مع دول العالم ومن بينها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي التي تقف إلى جانب أوكرانيا في حربها مع روسيا، فالصين غير مستعدة لخسارة تبادلها التجاري مع روسيا والعالم الغربي من أجل حليفتها روسيا، على حد تعبير الياسري.

حليف استراتيجي وسوق تجاري مهم

الحرب الروسية على أوكرانيا، لا تخدم الصين من الناحية الاستراتيجية، لأنها ستعرقل تمددها الاقتصادي في العالم، كما أن فرض عقوبات على روسيا من قبل أميركا والدول الأوروبية، سيقوض التجارة الروسية الصينية، مما يعني خسارة سوق اقتصادي مهم بالنسبة لبكين ورغم ذلك حاولت الصين الاستفادة من الأزمة قدر الإمكان.

إجمالي التجارة الصينية مع روسيا سجل مستوى قياسيا مرتفعا، بلغ 190 مليار دولار في عام 2022، بزيادة قدرها 30 بالمئة عن العام الذي سبقه، وزادت الواردات الروسية من الصين بنسبة 13 بالمئة لتصل إلى 76 مليار دولار، وزادت صادراتها إلى الصين بنسبة 43 بالمئة لتصل إلى 140 مليار دولار.

كما أن روسيا صدرت ضعف كمية غاز البترول المسال إلى الصين في عام 2022 مقارنة بالعام الذي سبقه، كما قامت بتسليم كمية من الغاز الطبيعي تزيد بمقدار 50 بالمئة عبر خط أنابيب “Power of Siberia”، وكمية من النفط الخام تزيد بنسبة 10 بالمئة، ومع انخفاض تجارة روسيا مع الدول الغربية في عام 2022، أصبحت الصين إلى حد كبير، أهم شريك تجاري لها.

الصين عملت على موازنة موقفها من خلال ضبط المصالح الاقتصادية والمواقف الاستراتيجية السياسية، أي أنها حرصت على إدامة التبادل التجاري مع الدول الأوروبية والحفاظ على موقفها السياسي مع روسيا، وفقا للمحلل السياسي أحمد الياسري، مردفا أنه إذا كانت الصين ترتبط بعلاقات تبادل تجاري قوية مع الغرب، فإن موقفها من الحرب الروسية على أوكرانيا وعدم إعلانها إدانة روسيا أو اتخاذ موقف سياسي واقتصادي ضدها، سيضعها في خانة الأعداء.

دعم الحرب: هل وقعت الصين في المحظور؟

في منتصف نيسان/ أبريل 2023، صرح وزير الخارجية الصيني السابق، تشين قانغ قائلا، إن بلاده لن تبيع أسلحة لأي من طرفي الصراع في أوكرانيا، وستسيطر على تصدير المواد ذات الاستخدام المزدوج المدني والعسكري.

جاءت تصريحات تشين قانغ ردا على مخاوف أبدتها الولايات المتحدة ودول أخرى، من أن الصين تبحث تقديم مساعدة عسكرية لروسيا، والتي دعمتها بكين سياسيا وخطابيا في حربها على أوكرانيا، بينما أعلنت رسميا أنها ما زالت على الحياد.

وأضاف تشين قانغ، فيما يتعلق بتصدير المنتجات العسكرية، تتبنى الصين موقفا حذرا ومسؤولا، لن تقدم الصين أسلحة لأطراف النزاع المعنية، وستدير وتسيطر على صادرات المواد ذات الاستخدام المزدوج وفقا للقوانين واللوائح.

حكومة الصين رغم ادعائها موقف الحياد بشأن الحرب الروسية على أوكرانيا، لكنها وقعت في المحظور وناقضت نفسها من خلال دعمها لروسيا اقتصاديا وتجاريا، كما أنها لم تجرم أفعال الرئيس الروسب بوتين في أوكرانيا، وبالتالي يعتبر هذا الموقف داعما لسياسة بوتين الدموية، على حد تعبير الياسري.

الياسري يوضح، أنه دون العلاقات الوثيقة التي تجمع روسيا بالصين لما امتلك بوتين القدرة على المغامرة بشن الحرب على أوكرانيا، كما أنه لم يستطع الصمود أمام العقوبات الغربية المفروضة عليه جراء الحرب.

ودعمت الصين روسيا في مواجهة حكم رئيسي صادر ضدها بمحكمة العدل الدولية يقضي، بأنه “على الاتحاد الروسي أن يوقف فورا العمليات العسكرية التي بدأها في 24 شباط/ فبراير 2022 على أراضي أوكرانيا”، وتصريح رئيسة المحكمة القضائية الأميركية، جوان دنجو، بأن “اتفاقية الإبادة الجماعية لا تعطي أية سلطة لاستخدام القوة من جانب واحد في أراضي دولة أخرى”، فقد صوتت 13 دولة لصالح قرار المحكمة في مقابل صوتين ضد القرار وهما الصين وروسيا.

في النهاية، ينتظر العالم موقفا واضحا ورسميا من الصين يناسب حجم بكين بين دول العالم، على أساس احترامها للشرعية الدولية ولمبادئ القانون الدولي في احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها، وكذلك مبدأ التسوية السلمية للمنازعات الدولية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات