في الأول من شباط/فبراير الجاري، ادّعى مسؤولون إيرانيون أن طهران سحبت كبار قادة “الحرس الثوري” من سوريا قبل أيام من شنّ الولايات المتحدة ضرباتٍ ضد أهدافٍ مرتبطة بإيران في الدولة العربية، لمنع تعرّض قوات النخبة الإيرانية لمزيد من الخسائر.

إعلان طهران عن قرار سحب القادة جاء بعد أن اتّهم الرئيس الأميركي جو بايدن، جماعة مسلحة مدعومة من إيران بتنفيذ غارة بطائرة بدون طيار في 28 كانون الثاني/يناير الفائت، أدت إلى مقتل ثلاثة جنود أميركيين في قاعدة على الحدود الأردنية السورية وتعهّد بالرّد.

الولايات المتحدة قالت، إنها استهدفت بشكل مباشر منشآت “الحرس الثوري” في سوريا للمرة الأولى منذ اندلاع الصراع بين إسرائيل و”حماس” في تشرين الأول/أكتوبر، الذي أدى إلى أعمال عدائية في جميع أنحاء المنطقة. وكان هذا أكبر ردٍّ عسكري للولايات المتحدة على الهجمات التي شنّها مسلحون مدعومون من إيران على قواتها في الأشهر الأربعة الماضية.

لكن، في كشف حصري أجراه فريق “الحل نت”، اتّضح أن هناك خطّة سرية للنظام الإيراني لإعادة تموضع ونقل خبرائه في سوريا، من القواعد والمنشآت العسكرية التي استهدفتها وهاجمتها القوات الإسرائيلية والأميركية، ونقلهم إلى مقرّات عسكرية ومدنية داخل دمشق وحلب.

أجندة إيران الخفية في سوريا

في تصريحات مغايرة لما كان يُروّج له قبل فهم ماهية الرّد الأميركي على استهداف “البرج 22” ومقتل الجنود الأميركيين، قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، الأحد الفائت خلال زيارته لسوريا وهي الأولى بعد الرّد الأميركي، إن الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية “لن تبقى دون ردّ”.

تعرضت القواعد الأميركية في العراق وسوريا للقصف 100 مرة منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول، وهو اليوم الذي أدى فيه انفجار في مستشفى في غزة إلى مقتل المئات. (تصوير علي عبد الحسن / ا ب)

واعتبر عبد اللهيان، في مؤتمر صحافي في العاصمة السورية دمشق، مع نظيره في الحكومة السورية، فيصل مقداد، وجود القوات الأميركية على الأراضي السورية “غير شرعي”، معترفاً بمقتل “مستشارينَ” إيرانيينَ في هجمات إسرائيلية على مواقع في الأراضي السورية. 

وتوعّد عبد اللهيان بالرّد على الهجمات الإسرائيلية التي تلاحقت في الآونة الأخيرة ضد أهداف إيرانية في جنوب ووسط سوريا، لا سيما بعد مقتل خمسة مستشارينَ عسكريينَ إيرانيينَ بقصف إسرائيلي استهدف، في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، مبنىً سكنياً قرب السفارة اللبنانية في منطقة المزة غربيّ العاصمة السورية دمشق.

لكن التصريح الإيراني الأبرز، والذي سبق زيارة عبد اللهيان، هو نفي السفير الإيراني في دمشق، حسين أكبري، في مؤتمر صحافي عقده السبت في دمشق، الأنباء التي تحدثت عن سحب بلاده كبار ضباط “الحرس الثوري” من سوريا تفادياً لمقتلهم في الهجمات الإسرائيلية. 

ما تحدّث به أكبري في الواقع صحيح، لكن لم يكمل نصف الحقيقة الآخر، إذ إن إعلان سحب القادة عبر وكالة “رويترز”، كان هدفه كسب الوقت من أجل تغييرٍ في التكتيكات، والإيحاء لواشنطن بأنه تم سحب قادة “الحرس الثوري”، لمنع التصعيد مع الولايات المتحدة. 

إعادة تموضع

الخطة، التي أكّدها عميدٌ في الجيش السوري، تحدّث إلى “الحل نت” شريطة عدم الكشف عن هويته، تم تنفيذها في الأسابيع القليلة الماضية، وكان الهدف منها إخفاء وحماية الخبراء الإيرانيينَ، الذين كانوا يقدّمون أنواع مختلفة من المساعدة والدعم للجيش السوري وحلفائه، مثل “حزب الله”، و”الجهاد الإسلامي”.

طهران، إيران – 17 ديسمبر/كانون الأول: رئيس الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي يتحدث في موكب جنازة يحمل رفات 110 جنود إيرانيين. (تصوير فاطمة بهرامي/غيتي)

هناك أكثر من 35 خبير إيراني أرفعهم برتبة عميد وأقلّهم برتبة رائد، تم نقلهم إلى مقرَّين عسكريَين رئيسيين وهما مطار “النيرب” العسكري، وقاعدة “السيدة أو الست” الجوية أو ما تُعرف بمطار عقربا للمروحيات، ومقرّان مدنيان هما فندق “الدما روز” بدمشق ،وفندق “السفير” في منطقة السيدة زينب.

وبحسب المصدر العسكري، فإن أبرز أهداف الخطة وتفاصيلها هي: تجنّب ومنع كشف وتصفية الخبراء الإيرانيينَ الذين يعملون في مشاريع وتجارب مختلفة، تتعلق بتطوير وإنتاج الأسلحة الكيميائية، وكذلك الصواريخ والطائرات بدون طيار.

الخطة التي انخرطت فيها روسيا بشكل سريع، تضمنت في المرحلة الأولى سحب ونقل الخبراء الإيرانيين من القواعد والمنشآت العسكرية المعروفة، حيث كانوا يعملون ويقيمون هناك، وكانوا معرّضينَ للغارات الجوية الإسرائيلية والأميركية، التي تزايدت وتصاعدت في الأشهر الأخيرة.

حيث نُقل ونُشر الخبراء الإيرانيين إلى مطار “النيرب” وقاعدة “الست” الجوية، حيث تم استقبالهم والترحيب بهم من قِبل القوات السورية والروسية التي كانت تسيطر على هذَين المطارَين وتؤمّنهما، وتقدم لهم الحماية واللوجستيات، حيث تم تكليفهم وتمركزهم في مختلف المرافق والأقسام، مثل مركز التدريب، ومحطة الطائرات بدون طيار، ومركز القيادة، والثكنات.

عشرات القتلى الإيرانيين

لم يقدم المسؤولون الأميركيون تفاصيل محددة عن الخسائر البشرية بعد أن شُنّت ضربات واشنطن الانتقامية، لكنهم قالوا إنه لا يُعتقد أن أي إيرانيين قتلوا في الهجوم. وقال الجيش الأميركي إنه ضرب 85 هدفاً في سبع منشآت في سوريا والعراق مرتبطة بـ”الحرس الثوري”.

منظر لملصق رضي موسوي، أحد قادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا، الذي توفي نتيجة الهجوم الإسرائيلي على العاصمة السورية دمشق، في أحد شوارع طهران، إيران في 27 ديسمبر 2023. (تصوير فاطمة بهرامي/غيتي)

الجماعات المسلحة المدعومة من إيران في العراق وسوريا، شنّت أكثر من 180 هجوماً صاروخياً وطائرات بدون طيار ضد القوات الأميركية في المنطقة، في حين تبادل “حزب الله” إطلاق النار بشكل شبه يومي مع القوات الإسرائيلية عبر الحدود الإسرائيلية اللبنانية. كما استهدف المتمردون “الحوثيون” في اليمن السفن التجارية والسفن البحرية الأميركية في البحر الأحمر وخليج عدن. 

وشنّت إسرائيل أيضاً عدّة غارات جوية ضد “الحرس الثوري” والمسلحينَ المدعومينَ من إيران في سوريا، واغتالت أحد قادة “حماس” وأعضاء آخرين في الجماعة الفلسطينية في بيروت. ونادراً ما تؤكد إسرائيل أو تنفي مثل هذه الضربات، لكنها كثّفت هجماتها في سوريا منذ اندلاع الحرب مع “حماس”. 

كما أن إيران شنّت هجوما صاروخيا الشهر الماضي على ما وصفته بـ”مركز تجسس” إسرائيلي في أربيل بشمال العراق ردّاً على ما يبدو على الضربات الإسرائيلية. لكن طهران أصرّت على أنها لا تسعى إلى صراع مباشر مع الولايات المتحدة أو إسرائيل، حسبما يقول مسؤولون ومحلّلون إيرانيون.

وفقا لما ذكره شخص مقرّب من “حزب الله” لصحيفة “فايننشال تايمز”، فإن الضربة القاتلة على القاعدة الأميركية تسببت أيضاً في إبقاء قادة “الحرس الثوري” بعيداً عن الأنظار في العراق ولبنان، ونشر قدر أكبر من الأمن بالقرب من المنشآت المرتبطة بإيران في تلك البلدان.

إيران نشرت العديد من قواتها في سوريا لدعم الرئيس بشار الأسد بعد أن تحوّلت الانتفاضة الشعبية عام 2011 إلى حرب أهلية. وقال الشخص المقرّب من الجماعة اللبنانية إن “حزب الله”، أقوى قوة تقاتل بالوكالة عن طهران، أرسل مقاتلينَ إلى سوريا خلال الحرب، وقُتل أكثر من 150 من قواته في غارات إسرائيلية منذ تشرين الأول/أكتوبر. 

وأضاف أن “حزب الله” سحب أيضاً بعض كبار قادته في العراق، حيث يتواصلون مع الميليشيات المدعومة من إيران في البلاد، وأصبح حذراً بشأن تحركات مقاتليه في جنوب لبنان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات