في مشهد دبلوماسي يحمل في طياته إشارات مقلقة، التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بنظيره السوري بشار الأسد في العاصمة الروسية موسكو. هذا اللقاء، الذي يأتي في خضم توترات متصاعدة في المنطقة، يثير تساؤلات عميقة حول مستقبل الشرق الأوسط وطبيعة العلاقات الروسية-السورية في ظل الظروف الراهنة.

وفي تصريح يشي بحرب قادمة، أعرب الرئيس بوتين عن قلقه العميق إزاء الوضع في الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن المنطقة تشهد ميلاً نحو التدهور. هذا التقييم الصريح من قبل أحد أبرز اللاعبين الدوليين في الساحة السورية يفتح الباب على مصراعيه لتكهّنات حول احتمالية اندلاع صراع جديد في المنطقة.

ويطرح هذا اللقاء الرفيع المستوى سؤالاً محورياً يتردد صداه في أروقة السياسة الدولية: هل نحن على أعتاب حرب قادمة في الشرق الأوسط؟ وما هو دور روسيا وسوريا في هذا السيناريو المحتمل؟ هذه التساؤلات وغيرها تضع المراقبين والمحللين أمام تحدٍّ كبير لفكّ شفرة الرسائل الدبلوماسية المبطّنة وتوقّع مسار الأحداث في منطقة تعجّ بالتعقيدات الجيوسياسية.

زيارة دون إعلان

في زيارة غير معلنة عن ترتيبها سابقا، أظهر مقطع فيديو نشرته الخدمة الصحفية لـ”الكرملين”، اليوم الخميس، لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مع الرئيس السوري بشار الأسد في موسكو.

بوتين يلتقي بشار الأسد في موسكو حرب قادمة؟ (1)
موسكو، روسيا – 24 تموز/يوليو: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (الثاني إلى اليمين) يستقبل الرئيس السوري بشار الأسد (الثاني إلى اليسار) في موسكو، روسيا في 24 يوليو 2024. (الصورة من المكتب الصحفي للكرملين/ هاند أوت)

وقال بوتين للأسد: “أنا مهتم للغاية برأيك حول كيفية تطور الوضع في المنطقة ككل. لسوء الحظ، هناك ميل نحو التصعيد، يمكننا أن نرى ذلك. وهذا ينطبق أيضًا بشكل مباشر على سوريا”.

وقال “الكرملين” إن لقاء بوتين والأسد عُقد أمس الأربعاء، حيث استمر اللقاء قرابة 3 ساعات. 

فلاديمير بوتين استقبل نظيره السوري بشار الأسد بكلمات ترحيب حملت في طياتها إشارات عميقة. “أنا سعيد جدا برؤيتك”، هكذا افتتح بوتين اللقاء، في عبارة بسيطة تخفي وراءها عمق العلاقات الروسية-السورية وتعقيداتها.

وفي إشارة إلى فترة الانقطاع الطويلة بين اللقاءات الرئاسية، أضاف بوتين: “لدينا الفرصة للحديث عن علاقتنا الثنائية، فنحن لم نرَ بعضنا البعض منذ فترة طويلة”. هذه الكلمات، في ظاهرها بسيطة، تفتح الباب على مصراعيه للتساؤل: ما الذي تغيّر في المشهد السياسي منذ آخر لقاء؟ وما هي الملفّات الساخنة التي ستُطرح على طاولة المباحثات؟

لكن اللحظة الأكثر إثارة في اللقاء جاءت عندما أعرب بوتين عن اهتمامه الشديد برأي الأسد حول تطورات الأوضاع في المنطقة. هذا التصريح يكشف عن عمق التنسيق الروسي-السوري، ويطرح تساؤلات جوهرية: هل تسعى روسيا لرسم خريطة جديدة للنفوذ في الشرق الأوسط؟ وما هو الدور الذي ستلعبه سوريا في هذه الاستراتيجية؟.

تمهيد للمصالحة التركية – السورية

كان آخر لقاء بين بوتين والأسد في آذار/مارس 2023 في “الكرملين” في الذكرى السنوية لاندلاع الاحتجاجات السورية التي استمرت 12 عاما وتحولت إلى حرب أهلية بدعم دولي. وفي ذلك الاجتماع، أكد بوتين على دور الجيش الروسي في استقرار البلاد.

لقد شنّت روسيا حملة عسكرية في سوريا منذ أيلول/سبتمبر 2015، بالتعاون مع إيران للسماح للحكومة السورية بمحاربة جماعات المعارضة المسلحة واستعادة السيطرة على معظم أنحاء البلاد. وفي حين تركز روسيا الآن الجزء الأكبر من مواردها العسكرية في أوكرانيا، فقد حافظت على موطئ قدم عسكري في سوريا وتحتفظ بقواتها في قواعدها هناك.

ورغم تأكيد أنقرة أن خطوات اللقاء بين الرئيسين تجري على قدم وساق، إلا أن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، قال الثلاثاء الفائت، أنه لا يمتلك معلومات حول إمكانية عقد لقاء بين الرئيس التركي أردوغان ونظيره السوري الأسد بموسكو في آب/أغسطس المقبل.

من جهته، ذكر المتحدث باسم “الكرملين” دميتري بيسكوف، في تصريح لصحيفة “الشرق الأوسط” أمس الأربعاء، أن الأطراف “لم تبحث بعد” مكان وموعد عقد قمة تجمع أردوغان والأسد، متوقعاً أن القمة سوف تُعقد قبل نهاية العام الحالي.

لماذا ذهب الأسد إلى موسكو؟

لقاء الأسد مع بوتين لا يمكن التكهّن بالهدف من عقده، فهناك عدة نظريات تدور حول ذلك وأبرزها:

1- أن بوتين طلب حضور الأسد للاتفاق على ضرورة إتمام عقد اللقاء مع الرئيس التركي أردوغان وإنهاء هذه المعضلة دون طرح أية شروط مسبقة، حيث ذكر الأسد قبل عدة أيام أنه لا نيّة له بلقاء أردوغان دون موافقة أنقرة المسبقة على الانسحاب من شمال سوريا.

2- ترتيب أوراق روسيا وسوريا في ظل الحديث عن حرب قادمة على التنظيمات التابعة لإيران في الشرق الأوسط لا سيما “حزب الله” اللبناني، وهنا يأتي حضور الأسد من أجل عدم التدخل في هذه الحرب وقطع الدعم الكلي والتسهيلات على هذه التنظيمات.

3- وصول الأسد دون الإعلان المسبق عن هذه الزيارة، تأتي في إطار نقل أسماء الأسد زوجة الرئيس السوري إلى موسكو لإكمال علاجها، خصوصا أنها وحسب معلومات غير رسمية دخلت في المرحلة الثانية من العلاج وخسرت الكثير من وزنها.

4- مع تلويح طهران بورقة الديون وإرسال الرئيس الإيراني بالإنابة، محمد مخبر، في بداية تموز/يوليو الجاري، مسودة اتفاقية التعاون الاقتصادي الاستراتيجي الطويل الأمد لمدة 20 عاما بين إيران وسوريا إلى “البرلمان” الإيراني، وتتضمن المسودة سداد سوريا ديونها إلى إيران، يظهر أن إيران تخشى التقارب السوري التركي خوفاً على مصالحها في سوريا، ويبدو أن لقاء الرئيسين الروسي والسوري جاء لمناقشة هذه الاتفاقية وعدم تنفيذ دمشق لها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات