لا يتوانى تنظيم “القاعدة” الإرهابي عن تنفيذ هجماته الدموية بين الحين والآخر في اليمن، مما يزيد من تفاقم الوضع اليمني المعقد أصلاً، خاصة على الصعيد السياسي. وفي هذا الإطار، سقط عشرات الجنود قتلى وجرحى في تفجير انتحاري بسيارة مفخخة استهدفت ثكنة عسكرية في محافظة أبين بجنوب اليمن، يوم الجمعة 16 آب/ أغسطس الجاري، وقد أعلن تنظيم “القاعدة” مسؤوليته عن الهجوم.

اللافت أن التنظيم الإرهابي ينفذ هجماته دائماً في مناطق الحكومة الشرعية، دون استهداف مناطق سيطرة جماعة “الحوثي” الموالية لإيران، وهو ما يعزز فكرة تحالف “الحوثيين” مع تنظيم “القاعدة” في اليمن لتنظيم هجمات على جنوب البلاد بغية السيطرة على جنوب اليمن من المجلس الانتقالي الجنوبي، رغم اختلاف تصنيفاتهم الدينية.

“القاعدة” واستهدافه الدموي

وفي حصيلة أولية ذكرت مصادر عسكرية وطبية يمنية أن 16 جندياً على الأقل قتلوا وأصيب 16 آخرون، إثر الهجوم الذي استهدف “اللواء الثالث دعم وإسناد” المتمركز في مديرية مودية التابعة لمحافظة أبين شرق العاصمة اليمنية المؤقتة عدن.

قوات يمنية تتمركز في إحدى النقاط الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية- “أ ف ب”

وبحسب ما أفاد متحدث عسكري لوكالة “فرانس برس”، فإن تنظيم “القاعدة” تبنى التفجير الانتحاري، وقال المتحدث العسكري باسم المنطقة العسكرية الرابعة العقيد، محمد النقيب، لـ”فرانس برس” إن حصيلة الهجوم الذي استهدف ثكنة عسكرية تابعة للقوات المحسوبة على المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظة أبين في جنوب اليمن بلغت 16 قتيلاً و18 جريحاً.

وبيّن محمد النقيب، أن الهجوم تم بسيارة مفخخة يقودها انتحاري، وتحمل مئات الكيلوغرامات من المواد شديدة الانفجار، على حد قوله.

وتبنى تنظيم “القاعدة” في جزيرة العرب، العملية، الجمعة. ونقل مركز “سايت” الذي يرصد وسائل الإعلام الجهادية ومقره الولايات المتحدة، عن التنظيم قوله إن “مهاجماً فجر سيارة مفخخة في الموقع العسكري”.

واشنطن تدين الهجوم الانتحاري

في السياق ذاته، أدانت السفارة الأميركية لدى اليمن ما وصفته بـ”الهجوم الإرهابي”، الذي نفذه “القاعدة” في أبين جنوب اليمن.

وقالت السفارة الأميركية باليمن “تدين سفارة الولايات المتحدة لدى اليمن بشدة الهجوم الإرهابي المروع في محافظة أبين، والذي أسفر عن سقوط عشرات الضحايا”.

هذا ليس الهجوم الأول الذي ينفذه التنظيم الإرهابي في اليمن، فقد نفذ سلسلة هجمات مماثلة في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية الشرعية، قُتل فيها العشرات من الجنود التابعين للحكومة الشرعية.

وبحسب “فرانس برس”، فلطالما اضطلعت القوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي المنادي بالانفصال عن شمال اليمن، بدور مهم في محاربة عناصر “القاعدة”، بجانب محاربة تنظيم “داعش” في جنوب البلاد.

وتأسس المجلس الانتقالي الجنوبي عام 2017، وهو جزء من “مجلس القيادة الرئاسي”، السلطة اليمنية المعترف بها دولياً والتي تتخذ من الجنوب مقراً منذ اندلاع النزاع في اليمن عام 2015، فيما تخضع صنعاء لسيطرة “الحوثيين”، وفق تقارير إعلامية.

“توظيف سياسي”

ووفرت الحرب في اليمن موطئ قدم للجماعات المتطرفة، بما في ذلك تنظيم “القاعدة” في جزيرة العرب، الذي تعتبره واشنطن الذراع الأكثر خطورة للتنظيم الرئيسي.

وفي هذا السياق، يرى الدكتور سامح مهدي، الباحث السياسي المهتم بشؤون الجماعات الجهادية والمتطرفة، أن قيام تنظيم “القاعدة” بتنفيذ هجمات عنيفة على مقرات عسكرية تابعة للحكومة الشرعية، في هذا التوقيت الحساس، يفاقم من توترات وصراعات تشهدها المنطقة، جرّاء حرب غزة وتوسعها النسبي لدول المنطقة، في لبنان والعراق وسوريا، فضلاً عن الاستهدافات المستمرة بين الحين والآخر في البحر الأحمر وتهديد الملاحة الدولية، وكل ذلك يؤشر إلى استمرار حالة التوظيف السياسي للتنظيم من قبل أطراف خارجية، بغية تحقيق أهداف تكتيكية معينة.

وهذه الأطراف في تقدير الباحث السياسي سامح مهدي لـ”الحل نت”، تتمثل في جماعة “الحوثي” الموالية لإيران، وهذا ما قالته العديد من التقارير الغربية، إضافة إلى أن “القاعدة” لا تستهدف المناطق الخاضعة لسيطرة “الحوثيين”، مما يعزز الاتهامات الموجهة لجماعة “الحوثي”، بأن الأخيرة تنسق مع التنظيم الإرهابي لشن عمليات في مراكز ومقار قوات الحكومة الشرعية، وهو أمر بالطبع يصب في مصلحة “الحوثيين”.

يبدو أن ثمة حالة تخادم بالفعل بين “الحوثيين” و”القاعدة”، لوجود أعداء وأهداف مشتركة بينهما، مثل الولايات المتحدة و”قوات التحالف العربي”.

بالتالي، جاء اتهام الحكومة الشرعية لـ”الحوثيين” بالتنسيق مع “القاعدة” لشن عمليات ضدها. وتقول تقارير إنه منذ أن قامت الحكومة الشرعية بجمع القوى المناهضة لمشروع “الحوثي”، وتشهد عدن وعدد من المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية حوادث أمنية عنيفة، بينها اغتيالات لقيادات عسكرية وسياسية وإعلامية على يد مجهولين، فيما تتهم الحكومة الشرعية “الحوثيين”، بالتخادم مع “القاعدة” بهدف خلق حال من الفوضى في المناطق المحررة من “الحوثي”.

كما تؤكد الشرعية اليمنية، بحسب ما تناقلته وسائل الإعلام، استخدام “الحوثيين” للتنظيم الإرهابي ضد المعارضين لمشروعهم، مثل توفير ملاذ آمن لتحركاتهم في البيضاء وشبوة وأبين، والإفراج عن عناصر التنظيم المتطرف من سجون الاستخبارات في صنعاء الذين احتجزوا فيه قبل سيطرتهم عليها بعد الاتفاق على تنفيذ عمليات تستهدف الشرعية.

ويبدو أن هناك حالة تخادم بالفعل بين “الحوثيين” و”القاعدة”، لوجود أعداء وأهداف مشتركة بينهما، مثل الولايات المتحدة و”قوات التحالف العربي”. ومن الطبيعي أن التحالفات تبنى على المصالح والنفعية، وإن كان هناك اختلافات في الأيديولوجيا والمعتقدات، مثل الاختلاف العقائدي الموجود بين “الحوثيين” تنظيم “القاعدة”، ولذلك يمكن القول إن التنظيم الإرهابي بات وكأنه يمثل أداة للمشروع التوسعي الإيراني وفي خدمة الأجندة الإيرانية.

عناصر من جماعة “الحوثي” الموالية لإيران في اليمن- “وكالات”

كما أن التحالف بين “الحوثيين” الموالين لإيران، وتنظيم “القاعدة” ليس غريباً أو بعيداً، إذ تحالفت إيران مع “القاعدة” في فترات سابقة، خاصة بعد أن وفرت طهران ملاذات آمنة لقادة التنظيم المتطرف.

هذا ويشهد اليمن، أفقر دول شبه الجزيرة العربية، نزاعاً دامياً منذ 2014 بين الحكومة اليمنية وجماعة “الحوثي” الموالية لمحور “الولي الفقيه”. وتصاعد النزاع مع تدخل السعودية على رأس تحالف عسكري دعماً للحكومة عام 2015 لوقف تقدم “الحوثيين” بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء.

وتسببت الحرب بمقتل وإصابة عشرات الآلاف ونزوح وتهجير الملايين داخل البلاد وخارجها، فضلاً عن خسائر فادحة في الممتلكات والبنى التحتية، ومخاوف من انتشار المجاعة والأمراض، بجانب اهتزاز الوضع الأمني لمستويات خطرة جداً.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة