طفا على السطح مؤخرا صراع داخل جماعة “الحوثي” اليمنية، ووصل إلى رأس هرم الجماعة وعامودها الفقري – عبد الملك الحوثي وعبد الله الرزامي – والذي يمثل نقطة تحول هامة في تاريخ هذه الجماعة الموالية لأجندة إيران وتداعياته تمتد لتؤثر على المشهد السياسي في اليمن والمنطقة.
تقول الكتب: إن صراع البشر على السلطة هو ظاهرة تاريخية اجتماعية معقدة، تتجذر في أعماق النفس البشرية وتشكل محركا رئيسيا للأحداث الدولية. وقد يمتد هذا الصراع عبر الحضارات والثقافات، ويتجلى في أشكال متنوعة من الصراعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. قد يكون الدافع وراء صراع الأفراد هو السعي إلى السلطة والرغبة في تحقيق مكاسب شخصية، مثل الثروة والنفوذ والشهرة وربما الخلود التاريخي.
الصراع الذي نشأ نتيجة للتنافس على السلطة والنفوذ داخل الجماعة اليمنية المصنفة “إرهابية” في الولايات المتحدة، كشف عن العديد من التناقضات والخلافات العميقة التي كانت كامنة تحت السطح. نحاول في هذه المادة الكشف عن أطراف الصراع بين الجماعة، وأيضا معرفة أسباب هذا الصراع، وكيف تعمل جماعة “الحوثي” على توظيف الصراع بين القبائل ليصب في مصلحتها؟
صراع “الحوثي” على صعدة
يسعى عبد الملك الحوثي إلى السيطرة التامة على القرار داخل الجماعة وخارجها حتى يستقر له أمرها، إلا أن سعي وطموح زعيم الجماعة تصادم مع الصديق القديم، عبدالله الرزامي، الذي يفرض سيطرته الكاملة على مدينة صعدة اليمنية.
وقد جاءت محاولات عبدالملك الحوثي لفرض السيطرة على الذراع العسكرية القبلية داخل الجماعة من خلال اتخاذ القرار الذي يستدعي نقل المجاميع المؤطرة ضمن ما يسمى “محور همدان” من مدينة صعدة إلى مدينتي تعز ولحج.
وبحسب المراقبين، فإن هذا القرار جاء في إطار محاولة واضحة من عبد الملك الحوثي للتخلص من القيادي عبدالله الرزامي وقواته، الذي بدوره رفض بشكل صريح تنفيذ الأمر بنقل المجاميع الكبيرة التابعة له، والتي يقودها نجله يحيى الرزامي. وبالتالي ترتب عليه بحسب بعض المصادر، دخول عبدالله الرزامي في صراع مباشر مع جماعة “الحوثي”، وفقا لصحفية “العين“.
الصحافي صالح أبوعوذل، رئيس مؤسسة “اليوم الثامن” للإعلام والدراسات في حديثه مع “الحل نت “، لفت إلى أن عبدالملك الحوثي، منذ دخول ميلشياته العاصمة اليمنية صنعاء في 21 أيلول/سبتمبر 2014، عمل على إزاحة القيادات العسكرية والقبلية، التي دعمت الأذرع الإيرانية خلال حروب صعدة الست (2004-2009).
وقد شملت هذه التصفيات والاغتيالات رموزا دينية بارزة في الجماعة الزيدية، سواء من خلال التصفية الميدانية أو التفجيرات، كما حدث في تفجيرات مساجد صنعاء عام 2014.
وأكد أبوعوذل في حديثه لـ”الحل نت” أن عبدالملك الحوثي نجح إلى حد كبير في إقصاء القيادات القبلية المنتمية إلى “حاشد” و”بكيل”، من خلال التصفية أو الإزاحة. بل إن الحوثي لجأ إلى توريط قيادات قبلية موالية له في قضايا أخلاقية بهدف إبعادها عن المشهد السياسي تماما.
وعن القيادي عبدالله الرزامي، أشار أبوعوذل إلى أن الرزامي كان أحد المؤسسين لجماعة “الحوثيين” إلى جانب حسين بدر الدين الحوثي، الذي قتل في صعدة عام 2004.
وبعد وفاة حسين، تولى عبدالملك الحوثي قيادة الجماعة، وهو ما أثار غضب الرزامي الذي كان يتوقع أن يخلف حسين في قيادة “الحوثيين”. لكن الرزامي كان يمتلك قوة مسلحة كبيرة، أغلبها من قبيلة همدان في صعدة، في حين ينتمي عبدالملك الحوثي إلى “السادة الزيود”، الذين لطالما كانت لهم توترات مع القبائل اليمنية.
توظيف الصراعات بين القبائل
بناء على المصادر، فقد رأت القيادات “الحوثية” أنه لابد من ضرورة إفراغ محور همدان وكل جبهات الحدود من مجاميع الرزامي وإعادة نشرها في محافظات أخرى.
هذه الرؤية نبعت من اتفاق بين جماعة “الحوثي” وبعض قيادات الجماعة في صعدة على تحقيق ما يريده زعيمها من نقل مجاميع الرزامي. فقد نص مضمون الاتفاق على نقل ما قوامه 2 ألوية واستبدالهما بمجاميع حوثية مما يسمى المنطقة العسكرية الرابعة والاستمرار في النقل تباعا حتى إنهاء وجود مجاميع الرزامي على الجبهات الحدودية وفي محافظة صعدة.
يمكن القول إننا على مشارف مرحلة جديدة تعمل فيها جماعة “الحوثي” على التخلص من الأفراد القبليين ومحاولة تجييش البعض الآخر لخدمة جماعة “الحوثي”.
عبد الباقي شمسان، أستاذ علم الاجتماع السياسي، في حديثه مع “الحل نت”، قال: إن “هذا الصراع بين السلالة الهاشمية التي تدعي الحق في الحكم في اليمن وبين الجماعات القبلية المتحالفة معهم هو صراع يعود إلى بداية تأسيس الجماعة أو بعد سنوات قليلة من التأسيس”.
لدى هذه السلالة – جماعة الحوثي – خبرة في توظيف الصراعات القبلية في بناء التحالف مع القبائل؛ فهي توظف تحالفاتها القبلية وارتباطها بهذه القوى الاجتماعية المؤيدة لها والمتماهية مع مشروعها لخصم النفوذ من قبائل أخرى لا تقف معها على الأرضية ذاتها، كما تساهم القبائل التي تصطف مع الحوثي على تجييش العناصر وجذبها وتوفير الحماية.
وعلى سبيل المثال عملت جماعة “الحوثي” على الاستفادة من الصراع بين قبيلتي حاشد وبكيل، من خلال الاستفادة من مظلمة بكيل من أجل الانقضاض على قبيلة حاشد التي ينتمي إليه الرئيس اليمني الأسبق، علي عبدالله صالح.
هذه المعادلة القبلية هامة، فعند تأسيس جماعة “الحوثي” كانت هناك أعداد كبيرة مثل، جماعة الرزامي التي كانت تأمل أن يكون لها نصيب من السلطة والقيادة.
إلا أن جماعة “الحوثي” عملت على الانفراد بالسلطة مما أدى إلى نشوء الصراعات الداخلية وبدأت الأفراد في التباعد عن جماعة “الحوثي” الطامعة في كل شيء مما أدى إلى إضعاف الأفراد الذين عملوا على التباعد أو الانفصال.
وهذا الطرح، لم يتحقق مع عبدالله الرزامي الذي كان من خارج هذه السلالة “جماعة الحوثي” لأنه من الشخصيات المؤثرة والمؤسسة، ويعود له الفضل في بناء الكثير من التحالفات، هذا بالإضافة أن الرزامي يرى نفسه هو الأكثر كفاءة من عبدالملك الحوثي؛ وبالتالي يستحق مكانة أفضل.
وهذا يفسر لنا لماذا ولاء الرزامي لعبد الملك الحوثي كان منخفضا، وفق أستاذ علم الاجتماع السياسي، مضيفا أن هذا كله ساعد على خلق القلق والتوتر لدى عبدالملك الحوثي وجماعته من الرزامي الذي يعمل على توسيع قوته القبلية والعقائدية والعسكرية وفرض نفوذه داخل صعدة، فقد أصبح نفوذه يمثل تهديد لجماعة “الحوثي”، ذلك لأن القوة القبلية تمثل قوة ذاتية جمعية كبيرة يصعب أضعافها ويذوب فيها الفرد داخل القبيلة.
وتابع عبد الباقي شمسان، أستاذ علم الاجتماع السياسي: “كما أن البعد العقائدي والقبلي هو الذي يحركها، هذا بالإضافة إلى توافر الشخص العقائدي المتحكم هو الرزامي ولهذا عمل الحوثي على فرض نفوذه على الرزامي الذي لم يرحب بهذا التصرف”.
عدم الترحيب نبع من أنه يعتبر نفسه قاعدة غير قابلة للتوظيف. فالرزامي يرى في نفسه القائد ولا يخضع للتراتبية الهرمية باعتباره مقاتلا ومؤسسا كان له الدور الأكبر في يوم ما، وأيضا لديه قوة جغرافية هائلة على الأرض.
وهنا بدأت تعمل جماعة “الحوثي” على فرض السيطرة على صعدة ويريدون تحريك الجماعات العسكرية والميلشيات التابعة له باتجاه تعز وباتجاه مدينة لحج وأماكن أخرى، وهذه ليست محاولة لإخراجهم من العقائدية القبلية الرمزية الزيدية للجماعة؛ وإنما من أجل فرض نفوذ عليهم وتحريكهم من دائرتهم القبلية العقائدية والاستفادة من قواته من خلال إدخالها في حروب؛ وبالتالي إضعافها واستنزاف قواتها التي تمثل تهديد صريح لجماعة “الحوثي”.
توتر الصراع القبلي والسلالي
بحسب المراقبين للمشهد، فالصراع بين أطراف الجماعة ساهم في ارتفاع وتيرته من اللواء الركن يحيى الرزامي – القائد العسكري الأول لـ “محور همدان” العسكري و”كتائب الموت”، وهو رئيس اللجنة العسكرية المفاوضة – عندما ذهب لأداء العمرة في العام الماضي ليعود بغير ما ذهب عليه.
يحيى الرزامي، عمل على استعرض نفوذه الواسعة بين القبائل التابعة له في صعدة، وخلال هذا العام عمل على أداء فريضة الحج وهي القشة التي قسمت البعير حيث أخرجت هذا التوتر بين الجناحين، القبلي والسلالي للعلن ووصل إلى حد تبادل اتهامات “الخيانة” بينهما.
إلا أن شمسان له رأي آخر يفسر به الصراع الذي يعود أولا، لاختلافات الرؤى بين الجماعة والقبائل حول مستقبل الجماعة وأهدافها. فبينما كان عبد الملك الحوثي يسعى إلى توسيع نفوذ الجماعة على مستوى اليمن والمنطقة، كان الرزامي يفضل التركيز على القضايا المحلية.
وثانيا، ثمة أسباب تعود إلى الوضع الداخلي التنظيمي وليس القبلي، فجماعة “الحوثي” بصدد مرحلة جديدة تعمل فيها على التخلص من بعض الشخصيات حتى المنتمية للأسرة الحاكمة؛ لأنها بدأت تشكل الجماعة الحقيقية المتنفذة في محاولة منها للتخلص من العديد من الأفراد لأنه قد تم الآن السيطرة بشكل كامل على المواقع والمناصب.
بالتالي، ينبغي التخلص من الشخصيات التي تشكل خطرا أو الجماعات القبلية التي يمكن أن تكون مصدر الخطر على الجماعة من الناحية العقائدية التي لا تخضع للتراتب بقدر ما تخضع للتنظيم القبلي، وفق المصدر ذاته.
وهنا يمكننا القول إننا على مشارف مرحلة جديدة تعمل فيها جماعة “الحوثي” على التخلص من الأفراد القبليين ومحاولة تجييش البعض الآخر لخدمة جماعة “الحوثي”.
ولهذا يرى أبوعوذل أنه من الممكن أن يكون الرزامي اليوم هو اليد القبلية الأقوى في مواجهة “هاشمية الحوثيين”، الذين يرون أن الحكم حق لهم، وأن القبائل مجرد مقاتلين يخدمون مشروعهم السياسي.
وهنا لا بد من الإشارة، إلى أن الخلافات الداخلية بين أجنحة جماعة “الحوثي” لم يتم استغلالها بشكل فعال من قبل الحكومة اليمنية الشرعية، والتي تعاني من ضعف وهشاشة في بنيتها. بالإضافة إلى وجود شخصيات حكومية لها مصالح “طائفية وسلالية” تتماشى مع المشروع “الحوثي”، مما يعقد الأزمة اليمنية ويجعلها أكثر تعقيدا.
- إغراءات بالمال والجنسية.. هكذا تجند روسيا الشباب المصريين واللاجئين السوريين بتركيا
- “داعش” و “القاعدة” بعد 7 أكتوبر.. جغرافيا ساخنة تهيء اصطفافات جديدة للتنظيمات الإرهابية
- سياسي إسرائيلي يطالب بتوجيه رسالة إلى دمشق.. ما مفادها؟
- رجل أعمال مصري يتّهم إيهاب توفيق بالنصب عليه.. والأخير يعلّق
- آمال بتحسن الاقتصاد بعد انضمام سوريا إلى مجموعة “بريكس”.. هل تتحقق؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.