رغم تلاشي وانحسار تنظيم “داعش” الإرهابي في منطقة الشرق الأوسط، وهزيمته الفادحة التي مني بها على يد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بآخر معاقله في الباغوز، شرقي سوريا، وإنهاء دولة الخلافة المزعومة، إلا أن تموضع التنظيم في مناطق أخرى بإفريقيا وآسيا، يثير مخاوف وتهديدات عديدة للأمن الإقليمي والدولي، لا سيما أن التنظيم الإرهابي المسلح في إفريقيا يستغل طبيعة المنطقة من عدة نواح سواء الجغرافية المعقدة، وكذا السياسية والأمنية التي تتميز بعدم الاستقرار، في ظل نموذج الدول الرخوة، بغية تدشين علاقات تحالفية ومصالحية مع الجماعات المسلحة الأخرى لتقوية نفوذه أو التوسع في مناطق، كما حدث في شراكته مع “بوكو حرام” لخلق بؤرة نشاط في نيجيريا وتخومها، الأمر الذي يحقق ملاذات وحواضن لأنشطته وتدريباته.
بالإضافة إلى إعادة بناء قدراته. مع الأخذ في الاعتبار أن هذه البيئات الضعيفة وغير المتماسكة والتي ينتشر فيها الفقر والجهل والخرافة، تبدو سهلة في عمليات التجنيد وجذب المتشددين وتعبئتهم تنظيميا.
“داعش” يستغل غياب الاستقرار السياسي
ففي مطلع العام الحالي، كشف مسؤولون أمميون في مجال مكافحة الإرهاب عن قلقهم من التدهور الأمني بمنطقة غرب إفريقيا على خلفية تزايد نفوذ “داعش” الإرهابي وقوى تابعة له، وفق موقع “الحرة” الأميركي.
إذ إن تواجده في المناطق الإفريقية وتحديدا في جنوب الصحراء الكبرى، ومناطق الساحل والصومال، ترتكز بالأساس على محاولة بناء قدراته التنظيمية الهيكلية التي طاولها التفكك والشتات على وقع الهزيمة العسكرية العنيفة.
بالتالي، فإن الانعطافة نحو إفريقيا كما مناطق أخرى، إنما هو بحث عن نقاط ارتكاز استراتيجية لتعويض الخسائر البنيوية مستفيدة من غياب الاستقرار السياسي، إلى جانب سيولة الوضع الأمني نتيجة ضعف المؤسسات الحكومية التي تتنازعها قيم العشائرية أحيانا، ووفرة السلاح المتفلت.
مؤخرا، شهدت عدة مناطق إفريقية في مالي والنيجر وتشاد أعمالا إرهابية متنوعة، سواء تفجيرات أو اغتيالات أو خطف، وتشمل مدنيين وعسكريين، وهي العمليات التي تمكن التنظيم من إيجاد أحد مصادر التمويل بالاعتماد على الفدية مقابل تحرير الرهائن والمختطفين، فضلا عن تحفيز تلك الهجمات بعض القوى والشخصيات التي تبعث بالمال.
ولئن كانت الصومال بموقعها الجغرافي والتجاري المهم والحيوي في طريق التجارة البحرية بإفريقيا، فإن وجود “داعش” وتمركزها هناك، يجعلها أحد مهددات الأمن التجاري البحري، وبما يجعل هجماتها كذلك تراكم عليها أموالا طائلة باستهداف هذه الممرات الاستراتيجية.
وفي حديثه لـ”الحل نت”، يوضح الدكتور عبد السلام القصاص، الباحث المصري المختص في العلوم السياسية، أن وجود “داعش” في إفريقيا ليس بالأمر المفاجئ، فثمة وفرة في التنظيمات الإرهابية والمسلحة من مرجعيات مختلفة، سواء “القاعدة” أو “داعش” وآخرين من السلفية الجهادية، ناهيك عن جماعة “الإخوان المسلمون”، وحتى إيران ونفوذ وتمدد “الحرس الثوري الإيراني”، موضحا أن البيئة السياسية والأمنية والطبيعة الجغرافية والجيوسياسية تجعلها محورا استراتيجيا للتنافس بين عدة محاور وقوى، وقد تكون أداة وظيفية لمصالح جهات خارجية، لا سيما روسيا أو إيران، كما أن وفرة الموارد الطبيعية بالقارة الإفريقية تضاعف أسباب الإغراء التي تفترض التنافس للسيطرة والحصول على مصادر القوة.
وهذا تحديدا، ما سبق وذكره قيادي عسكري أميركي في إفريقيا، وقد هاجم مايكل لانغلي الدور المشبوه الذي تقوم به قوات “فاغنر” الروسية، وقال إنها تتسبب في “عدم استقرار هذه البلدان التي استقبلت هذه القوات، وروسيا تساهم ليس فقط في إفريقيا، بل في العالم في زعزعة الاستقرار العالمي”.
تزايد خطورة “داعش” بإفريقيا
في نهاية حزيران/ يونيو الماضي، ألمح قائد القيادة العسكرية الأميركية بإفريقيا “أفريكوم” الجنرال مايكل لانغلي، إلى تزايد انبعاث مخاطر تنظيم “داعش” في إفريقيا، والذي أثار انتباه الجيش الأميركي، وقال إن “آثار تنظيم الدولة الإسلامية لا تزال في العديد من المناطق بإفريقيا، وأيضا الصومال”. فيما عرج على تبعات أو بالأحرى تداعيات انسحاب فرنسا من دول الساحل وتفاقم الوضع الأمني، لافتا إلى أن “الوضع في الساحل مقلق، وأصبح كالجحيم، وهذا الأمر ساهم في نمو نشاط التنظيمات والفصائل الإرهابية”.
وأردف: “التنظيمات الإرهابية تزدهر في المناطق التي لا تشهد استقرار، وفي سواحل غرب إفريقيا، هناك عدد من المناطق عبر حدودها الشمالية المعرضة لتأثير التنظيمات المتطرفة العنيفة. لذا، فإن الإجابة النهائية هي أنها أقل أمانا؛ ولكن طريقنا إلى الأمام في التعامل مع هذا الوضع هو التعاون مع هذه البلدان، وتحديد احتياجاتها”.
الملمح الأكثر خطورة، هو توصل تنظيمي “داعش” و”القاعدة” الإرهابيين إلى مقاربة أخرى غير الصراع بينهما والاقتتال على النفوذ والسيطرة، بحيث يقف كل طرف من الآخر موقف القبول بحصته في مناطق النفوذ، وبالتالي “تقاسم الأراضي في بوركينا فاسو ومالي”.
وقال إن “أميركا تواصل التركيز بشكل كبير على التهديد الإرهابي المتزايد في غرب إفريقيا بشكل عام، وهذا الأمر يشكل تهديدات مشتركة مع شركائنا الأفارقة.. ولذا، فإن الطريقة التي ترى أميركا هذا الوضع مرتبطة بحماية استباقية للأمن القومي الأميركي من جهة، ومن ثم حماية شركائنا الأفارقة لبلدانهم ضد هذا التهديد المشترك من جهة أخرى”.
وفي هذا السياق، نفذ تنظيم “داعش” الإرهابي، قبل أيام، عملية اختطاف طالت تسعة مدنيين شرق بلدة بياكاتو وعلى طول نهري سامبوكو وإيتوري بشرق البلاد، وفق ما نقلت أنباء الشرق الأوسط، عن الجيش الكونغولي والذي قال إنه نجح في القضاء على أربعة عناصر ميلشياوية تابعة لما يعرف بـ”القوات الديمقراطية المتحالفة” التابعة لـ”داعش”، بينما نجحت في تحرير الرهائن التسعة بالتعاون مع الجيش الأوغندي.
وبحسب الوكالة، فقد أوضح الناطق باسم عمليات “سكولا1″، اللفتنانت كولونيل، ماك هازوكاي، المتحدث باسم عمليات “سكولا 1″، بأن عملية مشتركة جمعت الجيش الكونغولي والأوغندي بين يومي 4 و6 أيلول/ سبتمبر الجاري، ونجحت في تحرير الرهائن المختطفين لدى “داعش”، بينما صادر الأسلحة والمعدات العسكرية التي بحوزتهم.
ضرورة تجفيف منابع تمويل “داعش”
في تموز/ يوليو الماضي، قالت الأمم المتحدة إن الولايات المتحدة بصدد مجموعة من الإجراءات لتعزيز مهمة مجموعة مكافحة تمويل “داعش” التي تدعم الجهود الدولية الرامية إلى كبح تمويل تنظيم “داعش” في مختلف أنحاء العالم.
وتدرج الولايات المتحدة على قوائم العقوبات ثلاثة أفراد ضمن شبكة مرتبطة بأنشطة موسعة لتنظيم “داعش” في إفريقيا، وذلك على خلفية الاجتماع العشرين للمجموعة. وهؤلاء الأفراد ممولون وممكنون أساسيون لأنشطة “داعش” عبر وسط وشرق وجنوب إفريقيا، ويعملون بمثابة روابط حيوية بين عمليات التنظيم بعيدة المدى، مما يتيح لقياديي “داعش” الاستفادة من قدرات كل جماعة تابعة لتقويض السلام والأمن في المنطقة.
ويمتد تأثيرهم المزعزع للاستقرار في الجزء الأكبر من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مما يؤكد على أهمية مواصلة المجتمع الدولي العمل معا لتبادل المعلومات بشأن شبكات داعش العابرة للحدود وأساليبها المالية المتطورة وتدابير مكافحتها.
وسبق لتقرير أممي آخر صادر عن الأمم المتحدة، كشفت عن تمركز الآلاف من مقاتلي تنظيمي “القاعدة” و”داعش” في مناطق مختلفة من قارة إفريقيا، وخصوصا في منطقتي الساحل والقرن الإفريقي، ليصل التهديد الإرهابي إلى ذروته في القارة الإفريقية، بالتزامن مع تراجعه في مناطق أخرى من الشرق الأوسط.
ووفق الخبراء الأمميين فإن الوضع السياسي القلق، وتحديدا الانقلابات العسكرية المتسببة في تقويض الديمقراطية، وإضعاف الهياكل الحكومية، قد نجم عنها تفشي التنظيمات الإرهابية المسلحة، لافتة إلى أن “الأنظمة العسكرية التي حكمت دول الساحل الثلاث قد برّرت تحركها للسيطرة على الحكم والإطاحة بالأنظمة المدنية المنتخبة، بفشل الأخيرة في القضاء على الإرهاب، حيث ظلت، طيلة السنوات العشر الأخيرة، دائرة نفوذ الإرهابيين تتسع بشكل مستمر”.
الملمح الأكثر خطورة الذي أفصح عنه التقرير الأممي، هو توصل تنظيمي “داعش” و”القاعدة” الإرهابيين إلى مقاربة أخرى غير الصراع بينهما والاقتتال على النفوذ والسيطرة، بحيث يقف كل طرف من الآخر موقف القبول بحصته في مناطق النفوذ، وبالتالي “تقاسم الأراضي في بوركينا فاسو ومالي”، وعوضا عن الدخول في صراع استنزافي منحتهما تلك الصيغة فرصة لـ”التركيز على قتال قوات الأمن”. فضلا عن “واصلة الانخراط وسط الأهالي، ويقومان بذلك في بعض الحالات بفرض الأمن، وتوفير الخدمات الأخرى، بدلا من الحكومة المحلية”.
- توحش “الحوثيين” يطال المنظمات الأممية.. نهب الموارد ونشر الرعب
- “الآن هم عراة ليس لديهم القدرة على حماية أنفسهم”.. تفكيك “محور المقاومة”
- مرتبط بـ “حزب الله”.. “بارون المخدرات” اللبناني ينتقل إلى سوريا
- قصي خولي وديمة قندلفت في مسلسل تركي.. تفاصيل
- إسرائيل تعلن مقتل قياديين في إنتاج الصواريخ ومنظومة الاتصالات في “حزب الله”.. من هم؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.