بعد أيام من تكليف الرئيس السوري بشار الأسد محمد غازي الجلالي بتشكيل الحكومة السورية، ينتظر السوريون تشكيل الحكومة الجديدة، التي من المفترض أن تقف عند الملفات الحساسة، التي يتصدرها الملف الاقتصادي والمعيشي، وهو الأهم بالنسبة لهم.
السوريون في سوريا، يأملون بأن تكون الحكومة الجديدة ليست كسابقاتها، لكن هذا يبقى أملاً، بانتظار تشكيل الحكومة والبدء بمهامها، بينما لا يرى البعض أن هناك أمل في تغيير الواقع المعيشي أو الخدماتي، بل يخشون من زيادة في الأسعار وتدهور الأوضاع.
ولغاية نشر هذا التقرير لم تتضح بعد معالم حكومة الجلالي، إذ ما يزال يقوم بمشاورات لتقديم أعضاء وزارته إلى الأسد، التي يصدرها بمرسوم، بينما يتساءل البعض فيما إذا كانت الحكومة الجديدة أو السابقة قادرة على فعل شيء؟
الحكومات بعيدة عن الشارع
“يعني بصراحة ماني متأملة شي وما اهتميت أصلا للخبر”، بهذه العبارة بدأت عبير، التي تعيش في العاصمة دمشق حديثها عند سؤالها عن الآمال المعقودة من تشكيل حكومة سورية جديدة، إذ لا ترى أن الواقع الاقتصادي سيكون أفضل من الآن، بل ربما سيسير بنفس النهج ويتدهور أكثر فأكثر.
بالنسبة لـ عبير، التي رفضت الكشف عن اسمها الكامل، فإن الحكومات لا تمتلك رؤية للمستقبل، و”بتمشي مثل ما كان غيرها ماشي، حتى ما عندهم استعداد يتلفتو للناس ويشوفو كيف عايشين”.
وتتساءل في حديثها لـ “الحل نت”: “في وزير أو أي مسؤول نزل على الشارع وشاف أزمة المواصلات؟ في وزير بيته بتنقطع عنه الكهربا أو راتبه ما بكفيه لنص الشهر، أنا راتبي وراتب زوجي شي 4 ملايين ونص وبعشرين الشهر بنفلس مع تقشف، بالله كيف الموظف بالحكومة عم يطعمي ولاده؟”.
تعمل عبير، لديها طفلين، في إحدى شركات القطاع الخاص، حيث تتقاضى مليوني ليرة سورية شهريا (136 دولارا أميركيا)، بينما يعمل زوجها معلما لمادة الرياضيات بإحدى المدارس الحكومية، لكنه يعتمد في دخله على الدروس الخاصة ودورات القطاع الخاص.
يبلغ الحد الأدنى للأجور في سوريا نحو 280 ألف ليرة سورية (19 دولارا أميركيا)، بينما يتراوح متوسط الرواتب والأجور في القطاع العام بعد الزيادة الأخيرة في شباط/فبراير الماضي، بين 375 و400 ألف ليرة (بين 25- 27 دولارا).
ويتفق، خالد، 46 عاما وهو عامل مياومة ولديه 3 أطفال، مع عبير في أن الحكومة الجديدة لن تغير الأوضاع الحالية للأفضل، بل ربما تسير إلى الأسوء، وفق تعبيره.
“والله أنا خايف يلغو الدعم الحكومي نهائيا لأنه ما في حكومة اجت وحسنت الوضع وما في حكومة بتعرف شو عم يصير بالشعب أو بيعرفو بس هم مانهم شعب أصلا، يعني ما شفنا تحسن وما بدنا تحسن بس نضل هيك نعمة من الله”، يضيف خالد، الذي يعيش في حي دف الشوك جنوب دمشق.
وأشار في حديث لـ “الحل نت”، إلى الأزمة الحالية للمحروقات في سوريا، متسائلا فيما إذا كانت الحكومة تبحث عن حلول دائمة، قائلا: “كهرباء ما في وخدمات ما في، مازوت ما في وإذا في ما معنا نشتري، عم نمضي الشتوية كلياتا بدون تدفئة، ناطرين فرج الله وهي أزمة السرافيس والباصات متل ما عم تشوف، يعني بدنا نروح على الشغل عم نعاني ونحط نص اليومية وأكتر وعم نعد أيام لنشوف آخرتها بهل البلد. خلينا نشوف الحكومة إذا رح تحل أزمة المازوت”.
فيما اكتفى أحمد أبو الخير، 47 عاما من درعا، بالقول: إن كل حكومات العالم تلبي حاجة مواطنيها، باستثناء حكومات سوريا، التي لا تختلف عن بعضها إلا بأسماء الوزراء، لذلك “لا أتابع ما يحدث وأسماؤهم لا تهمني لأنهم منفذون للقرارات فقط”.
لكن سامر، عازب ويعيش برفقة والدته في أشرفية صحنايا بريف دمشق، يرى أن الحكومة الجديدة والحكومات السابقة تعمل بأقصى طاقتها وضمن إمكانياتها المحدودة في ظل الأوضاع المفروضة على سوريا، إذ “تعاني سوريا من حصار اقتصادي أجبرت الحكومات على اتخاذ قرارات صعبة”.
هذا الوضع بالنسبة لسامر، 34 عاما ويعمل بمحله الخاص، سيستمر لكن الحكومة لا تمتلك حلولا سريعة وفعالة، ويضيف “أنا بشوف كم سنة ورح ترجع أوضاع البلد منيحة، طبعا صار في أخطاء وفي منها كبيرة، وفي ظلم بالرواتب وفي فساد، بس هاد الشي مانو جديد على سوريا.”
الملف الاقتصادي أولوية
بالنسبة للسوريين، فإن الملف الاقتصادي والمعيشي يُعتبر أولوية، ويفرض ذلك أن تكون التشكيلة الحكومية ذات طابع اقتصادي، إذ يتساءل الخبير الاقتصادي الدكتور عمار يوسف فيما إذا الشخصيات التي ستتولى الحقائب الوزارية تمتلك رؤى اقتصادية للوضع الراهن أم أنها شخصيات سياسية فقط؟
يوسف أشار إلى أنه إذا لم يكن تحسين الواقع المعيشي للسوريين هو الشغل الشاغل للحكومة القادمة، فإن الأمور ستدعو إلى التشاؤم، مؤكدا ضرورة معالجة ما يمكن معالجته بعد الدمار الكبير الذي حدث، وأهمية تحسين الوضع المعيشي بعد وصول الأمور إلى حدّ مزرٍ من الجوع والفقر.
الحكومة الجديدة يجب أن تكون بعيدة كل البُعد عن السابقة، وأن تلغي الإجراءات غير المنطقية التي أدت إلى انهيار الاقتصاد السوري، إذ إن “السياسات النقدية الفاشلة أدت إلى انهيار القدرة الشرائية لليرة السورية بسبب إجراءات مصرف سوريا المركزي”، وفق يوسف.
وأوضح أن الدولار محافظ على سعر معين منذ نحو عام، وفق حديث يوسف لموقع “هاشتاغ” المحلي، بينما الأسعار في ارتفاع مستمر، خصوصا المواد الغذائية التي وصلت إلى أسعار مرعبة. بينما سعر الدولار في السوق السوداء نحو 15 ألف ليرة سورية، ولكن الأسعار تُظهر وكأن الدولار بسعر 35 ألف ليرة، نتيجة السياسات النقدية الفاشلة.
في الحالة السورية، لم تقدم الحكومات المتعاقبة على وضع حلول مستدامة وفعّالة على مدار أزيد من عشر سنوات، بل كانت الحلول آنية ووليدة اللحظة، على اعتبار أن البلاد تعيش حالة طوارئ، إضافة إلى تدخل “حيتان الاقتصاد”، ناهيك عن عدم قدرتها على اتخاذ قرارات من تلقاء نفسها، والفساد المتراكم، الذي وجد بيئة خصبة خلال الحرب.
حكومة الجلالي تواجه بعد تشكيلها مباشرة ملفات ضخمة و إرثاً ثقيلا لا يحتمل التراخي والتسويف و واقعا اقتصادياً مزريا، بحسب الكاتب عبد الرحيم أحمد.
إذ يرزح، وفق الأحمد، ما يزيد على 90 بالمئة من السوريين تحت خط الفقر العالمي مع انخفاض موارد الدولة من تجارة وسياحة وموارد طبيعية بسبب تبعات الحرب من جهة وسياسات التخلي الحكومية السابقة التي اتبعت سياسة “دبر راسك” و “من وين بدنا نجيب مصاري؟” ولم تجد سوى جيب المواطن “المعتر” مطرحاً لجباية الأموال.
“اليوم، ليس هناك أولوية تسبق حل أزمة النقل الموجودة في البلد وتداعياتها باعتبارها شريان الاقتصاد من تجارة وصناعة وزراعة والأعمال كافة”، وفق الأحمد.
ليس المطلوب من الحكومة الجديدة تقديم وعود وآمال وردية غير قادرة على تنفيذها، ولكن ليس مقبولاً منها أيضاً الركون للواقع والاستسلام له وجعل الحرب مشجباً لتبرير التقصير وعدم تأدية المسؤوليات المناطة بها، بل المطلوب معرفة الواقع واجتراح الحلول المناسبة لحال البلد وبذل أقصى الجهود لوقف التدهور الاقتصادي ضمن برامج زمنية حقيقية، وفق مقال الأحمد المنشور في موقع “هاشتاغ” المحلي.
من هو الجلالي؟
الجلالي من مواليد دمشق عام 1969، ينحدر من الجولان السوري، وكان سابقا وزيرا للاتصالات والتقانة منذ آب/أغسطس 2014 حتى تموز/يوليو 2016، ومعاون وزير الاتصالات والتقانة منذ أيار/مايو 2008 حتى آب/أغسطس 2014، وأستاذا مشاركا ورئيس الجامعة السورية الخاصة (SPU) منذ أيلول/سبتمبر 2023، ورئيس مجلس أمناء صناع الجودة العرب منذ نيسان/أبريل 2019.
بحسب وكالة “سانا”، فإن الجلالي حاصل على دكتوراه في الاقتصاد الهندسي من جامعة عين شمس بالقاهرة عام 2000، وماجستير علوم في الهندسة المدنية من جامعة عين شمس في القاهرة عام 1997، ودبلوم دراسات عليا في الهندسة المدنية من جامعة دمشق عام 1994، و إجازة في الهندسة المدنية كلية الهندسة المدنية جامعة دمشق عام 1992.
وحول خبرات الجلالي قالت الوكالة إنه مستشار وخبير في العديد من الأعمال لصالح القطاعين العام والخاص في سوريا ومشارك في إنجاز العديد من المشروعات الهندسية الكبرى.
هذه السيرة الذاتية والمؤهلات لا تهمّ الشارع السوري، بقدر ما يهمهم الخروج من أزماتهم المعيشية جراء التدهور الاقتصادي، الذي تفاقم في حكومة حسين عرنوس المكلفة حاليا بتسيير الأعمال، إذ يرى البعض أنها الحكومة الأسوأ خلال 15 سنة ماضية، بعدما وصلت الليرة السورية إلى 15 ألفا مقابل الدولار الأميركي، لكن السؤال الذي يطرح نفسه ماذا بوسع الحكومة أن تفعل وما هي صلاحياتها؟
- توحش “الحوثيين” يطال المنظمات الأممية.. نهب الموارد ونشر الرعب
- “الآن هم عراة، ليس لديهم القدرة على حماية أنفسهم”.. تفكيك “محور المقاومة”
- مرتبط بـ “حزب الله”.. “بارون المخدرات” اللبناني ينتقل إلى سوريا
- قصي خولي وديمة قندلفت في مسلسل تركي.. تفاصيل
- إسرائيل تعلن مقتل قياديين في إنتاج الصواريخ ومنظومة الاتصالات في “حزب الله”.. من هم؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.