كما في الأيدولوجيات الشمولية كافة، الدينية أو السياسية، تظل الحقيقة هي، فقط، التي تحقق أغراضها، البراغماتية والنفعية، بينما تراكم وسائط متعددة للضبط الاجتماعي، وتحقيق الدرجات القصوى من الالتزام والطواعية، وتكبت أي رغبة تجاه النقد والمسائلة، فضلا عن مراجعة المواقف والحوادث والشخصيات.
فمنذ مقتل زعيم “حزب الله”، حسن نصرالله، في ضاحية بيروت الجنوبية ضمن الاستهدافات الإسرائيلية المتواصلة، والتي طاولت قادة الصف الأول والثاني المؤسس بقمة الهرم التنظيمي، بدأت صناعة صورة مغايرة للأحداث تغلب عليها الأبعاد الطائفية، بينما تلامس الذاكرة الشيعية لابتعاث المتخيل الديني “الكربلائي”. وذلك لبناء مقاربة نفسية للصراع مع إسرائيل، يكون لها دورا وظيفيا، لترميم الشروخ المعنوية لدى الحاضنة الشعبية. فالذهاب إلى مظلومية جديدة، إنما يحقق هدفا مزدوجا.
إذ تنجح المظلومية، أو النبش في تاريخ المحنة، في خفض الأصوات المتملمة من الوضع الذي جر لبنان، قسرا، للحافة، بينما ارتهن لقوى ولائية، وتبعيتها لطرف خارجي. كما يلغي أي إمكانية لمراجعة الأحداث التي جعلت المدنيين في هذا الوضع الصعب والمأساوي من نزوح وتدمير وقتل. ووضعت القادة في مصائد القوات الإسرائيلية بما فضح الوهن التنظيمي، وتناقضه مع الخطابات العنترية.
مقتل حسن نصرالله.. صناعة قداسة “متوهمة”
ثم إن صناعة قداسة متوهمة من عملية اغتيال حسن نصرالله، ووصفه بـ”الدم الإلهي”، تتخطى فكرة التهوين من الاستهداف الإسرائيلي، وفداحته من الناحيتين العملياتية والاستراتيجية، إلى الاحتفاء بالموت/ الاستشهاد، والقبول به، للدرجة التي يضحى فيها عدوى انتحارية في بيئة الحزب، وبين مكوناته وأفراده.
بالتالي، عندما ردد هذا الشخص النازح بجنوب لبنان: “نحنا فدا إجر السيد”، قبل اغتيال نصرالله بفترة وجيزة، في طريقه المعتم والمجهول بينما يلملم شتاته، كان يعبر عن أسى ممزوج بالعدمية. تلك الحالة المعنوية تعد رافعة عقائدية للمظلومية التاريخية عند الشيعة المؤدلجة والمسيسة، ولا ترى في الكوارث والحروب، سوى مسار انقلابي وربما تدميري، لاستعادة تاريخها المقدس وتحقيق “الزمن المهدوي” والوصول لـ”النصر الإلهي”.
غير أن قطاعات، لم تعد بالقليلة لدى حاضنة “حزب الله“، تحتج على هذه التصورات المتهافتة، وتداعياتها السياسية. في حين ترفض أن تكون مجرد أدوات استعمالية في حروب “السيّد” لحساب “الولي الفقيه”. وفي ظل مأساة المدنيين بلبنان والتهديدات المستمرة لهم إثر وضعهم كرهائن على حافة الحرب، يفاقم “حزب الله” وضع هؤلاء ليس فقط عند مستوى عسكرة مناطق المدنيين، ووقوع ضحايا عند استهداف الشخصيات القيادية، إنما في ظهور الأفراد، وهم بين حافة اليأس أو الحرب، باعتبارهم مشاريع موت افتراضية وانتحاريين محتملين، ثم التضحية بذواتهم وتدميرها لصالح الأفكار المتخيلة، ومشروع طهران العقائدي.
إذ لم يكن سهلا و”حزب الله” يخوض حربا ضد إسرائيل رغما عن الجميع في لبنان، ويشكل ما زعم أنها “جبهة إسناد” في اليوم التالي على اندلاع ما عرف بـ”طوفان الأقصى”، أن نتخطى تلك المشاهد الفادحة بين مأساة النزوح ورغبة البعض في التضحية بذواتهم، وهي رغبة عارمة في الموت، ليس لشيء سوء “السيّد” والذي تحول إلى رمز طوباوي مشحون بحمولات عنف مقدس، تتنقل عدواها إلى آخرين بدعوى حماية الطائفية السياسية/ العقيدة الدينية، حتى مع اغتياله.
فالدور التعبوي للتعمية عن الهزيمة يتناقض بالكلية مع الموقف التفاوضي السياسي الذي تدفع به طهران من خلال نظامها، وإعلانها الانفتاح على بدء مفاوضات سواء في ما يخص مشروعها النووي أو الأزمة الإقليمية في غزة ولبنان.
من ثم، لا تعدو تصريحات قادة النظام السياسي بإيران، ومنهم قائد “فيلق القدس” إسماعيل قاآني، مجرد كونها عبارات عفوية أو تسعى إلى حقن الغضب، بشكل مؤقت، إنما هي خطابات لها القدرة الرمزية على تأويل مواقف، وصناعة أحداث، وبناء اصطفافات، في ظل الفجوات والهزات الارتدادية العنيفة التي رافقت أوضاع الحزب، بداية من قمة هرمه التنظيمي لقاعدته، وما تزال المسافة بين الطرفين تباعد بينهما تصاعد الأحداث، وتداعياتها.
الخطاب “التبشيري” بعد مقتل حسن
وقال قاآني “إن استشهاد القائد المجاهد لحزب الله السيد حسن نصر الله مظلوما أحزننا جميعا وأحزن جبهة المقاومة الإسلامية وأحرار العالم. إنه قضى هذا العزيز الراحل كل حياته المباركة والمفتخرة في ساحة المعركة مع أخبث أعداء الإسلام والقرآن وضحى بدمه الإلهي وحياته الثمينة في سبيل المثل الإسلامية السامية ونصرة شعب فلسطين المظلوم وعزة الشعب اللبناني”.
وتابع: “لقد قاد سيد المقاومة حركة حزب الله بروحانيته وإجراءاته الجريئة ووصل إلى قمم الكرامة والقوة الروحية والجهادية التي لا نهاية لها.. إنني بقلبٍ مفجوع، ولكن راجيا الى التوفيق الإلهي، أهنئ إخوة المقاومة الإسلامية العظيمة في حزب الله وأسرة ذلك الشهيد العزيز الصابرة وجميع إخواني في جبهة المقاومة، وسنستمر إن شاء الله المسار والمدرسة حتى فتح فلسطين وتحرير القدس الشريف”.
براغماتية نظام “الولي الفقيه” الذي يعتمد على وكلائه المحليين، يسعى إلى الحفاظ على وضعيته السياسية بطهران، وعلاقته بالخارج، في اللحظة المأزومة، بينما يبدو، ظاهريا، يتخلى عن دعم فكرة الحرب ومواجهة إسرائيل مباشرة. غير أنه، في المقابل، لا يتورع عن تحويل الحواضن المشحونة عقائديا بفكرة الموت الخلاصي و”الاستشهاد” إلى قوة تدميرية تراكم أجسادا متهالكة.
ذروة الخطاب التبشيري بحمولته الدينية المؤدلجة، برز في مقطع صوتي تم تداوله على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، ونُسب إلى القيادي بـ”حزب الله”، هاشم صفي الدين، والذي يقدم على أنه المرشح المحتمل لخلافة نصرالله. غير أن هذا المقطع لرجل الدين الشيعي محمد سبيتي، قد جاء فيه إلحاح على أن اغتيال زعيم الحزب يماثل في وقائعه تاريخ “كربلاء”، كما في المتخيل الشيعي. وهذه الذاكرة الانتقائية تمحي باقي أجزاء المشهد، وتفاصيله، وملابساته الواقعية داخل شروطها المعاصرة والراهنة، لحساب الإسقاط التاريخي، والقبول بـ”الشهادة” أو الموت الذي تمتزج فيه المحن بالمنح، حتى الوصول لحتمية التاريخ بانتصار “قافلة الشهداء”.
قال سبيتي: “قضى الأمين نحبه حسينيا كربلائيا شجاعا ثابتا الولاية تسكن قلبه والقدس يشرق في عينيه، ولم يبدل. ونحن لسنا أتباع أمراء، ولسنا رعاع سلاطين وملوك. لنا قادة وولاة وسادة. إذا عاشوا، عاشوا زهدا وتواضعا وبأسا وشدة وباعوا أنفسهم لله. وإذا قضوا شهداء، قضوا واقفين راسخين، تزول الجبال ولا يمحي ذكرهم. فشهادة القائد ولادة أمة، لا مكان فيها للضعف، ولا مكان فيها للتراجع راسخة، منيعة ثابتة منتصرة. عند شهادة الحاج عماد والحاج رضوان، رضوان الله عليه، قالها الشهيد الأمين السيد للصهاينة لقد ترك لكم عماد مغنية عشرات الآلاف من الاستشهاديين الأشداء”.
رسائل لقوى اجتماعية مختلفة
المفارقة هنا، وليس التناقض وانتهازيته، أن براغماتية نظام “الولي الفقيه” الذي يعتمد على وكلائه المحليين في اليمن والعراق ولبنان وسوريا، يسعى إلى الحفاظ على وضعيته السياسية بطهران، وعلاقته بالخارج، في اللحظة المأزومة، ميدانيا وسياسيا، بينما يبدو، ظاهريا، يتخلى عن دعم فكرة الحرب، أو تطويرها، مع “حزب الله” ومواجهة إسرائيل مباشرة. غير أنه، في المقابل، لا يتورع عن تحويل الحواضن المشحونة عقائديا بفكرة الموت الخلاصي و”الاستشهاد” إلى قوة تدميرية تراكم أجسادا متهالكة. هذا المشهد يبعث صورة مخيفة. لكنه تكتيك الجماعات الأيدولوجية المسلحة التي بمجرد أن تلوح الهزيمة تبعث سرديات المظلومية، لتكون طاقة هائلة لولادة العنف من خلال “ذئابها المنفردة”.
وعليه، كان لافتا تعدد مستويات الخطاب السياسي من المحور الذي يصنف نفسه بـ”محور المقاومة” وتقوده طهران. وهذا التعدد أو التباين، إنما يكشف عن تهافت براغماتي لتحقيق أو بناء مصائد لعدة فئات وتوجيه رسائل لقوى اجتماعية مختلفة، سواء كانت القواعد التنظيمية داخل هذا المحور أو القواعد الاجتماعية، مرورا بالفئات المحايدة وحتى المعارضة. كل طرف بحاجة إلى تلقي خطاب له مستويات تأويلية متعددة، بهدف تبديد مخاوفه، أو تثوير وعسكرة دوره، أو تخويفه في حال الخصومة.
ففي الشهر ذاته لاندلاع الحرب في غزة، التقى وزير الخارجية الإيراني السابق، حسين أمير عبد اللهيان بحسن نصرالله، وأكد على الاصطفاف إلى جانب الأخير وكل “محور المقاومة” في حال استمرار “العدوان”، مع الأخذ في الحسبان أن الأوضاع في جنوب لبنان ومع الجبهة الشمالية لم تصل إلى المستوى التصعيدي الذي حدث، مؤخرا. ناهيك عن الاستهدافات الدقيقة التي طاولت قادة الحزب وفي صفوفه الأولى، وبمستوياتهم التنظيمية الميدانية الاستراتيجية.
كما في النصف الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر العام الماضي، أكد وزير الخارجية الإيراني ذاته، أن الفصائل المتحالفة مع إيران تضبط عملياتها ضد إسرائيل وحلفائها. مهددا بأن “جماعات المقاومة لا تزال لديها قدرات لم تستخدمها بعد للضغط على إسرائيل”.
تصريحات عبد اللهيان (الذي توفي قبل عدة أشهر)، دعائية أكثر منها سياسية وواقعية، خاصة إذا ما قورنت بتصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الذي أكد أن وكيله الميلشياوي بلبنان “لا يمكنه البقاء بمفرده” في مواجهة إسرائيل. وتابع في تصريحات مع شبكة “سي إن إن” الأميركية: “لا يمكن حزب الله أن يواجه بمفرده دولة تدافع عنها وتدعمها وتزودها الإمدادات دول غربية ودول أوروبية والولايات المتحدة”.
وهي التصريحات أيضا التي تتناقض، بشكل فج، مع ما ردده قائد “الحرس الثوري” الإيراني حسين سلامي، بأنه لو اجتمعت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وحلفاؤها، فلن يتمكنوا من الانتصار على “حزب الله”. وواقع الحال، أن إيران في تعاطيها البراغماتي مع وكلائها، تكاد لا تختلف عن ممارساتها السياسية في جوانب مختلفة، محلية وخارجية. فلديها أكثر من خطاب، لا يحمل تناقضا بقدر ما يفضح مراوغاتها للحصول على مكاسب من الأطراف المختلفة والمستهدفة.
إيران تستغل المجتمعات الشيعية
إذاً، تستغل إيران بشكل استراتيجي المجتمعات الشيعية، في العراق ولبنان واليمن وغيرهم، لخدمة مصالحها التوسعية في المنطقة، مستفيدة، بشكل أساسي، من الرابطة الدينية، تحديدا الإرث العقائدي الشيعي، وفي المقدمة منه العقيدة المهدوية والقضية الحسينية اللتين تلعبان دورا محوريا في هذا السياق. حيث تستخدمهما إيران كأدوات قوية للتأثير على الشباب الشيعي، وحشد دعمهم لسياساتها الإقليمية.
فالعقيدة المهدوية، التي تبشر بظهور “المهدي المنتظر” لإقامة “حكم عادل”، يتم توظيفها لجهة تعميم وتمرير دور “الجمهورية الإسلامية” الإيرانية وطموحاتها باتجاه لعب دور مهيمن في الإقليم. وذلك عبر زعزعة استقرار الدول الإقليمية المجاورة، كجزء من مهمة مقدسة للتمهيد لظهور المهدي!.
بطريقة أو أخرى، يمكن القول بأن النظام الإيراني وثب على مكانة “الإمام المعصوم” في العقل الشيعي، الذي لا يرد عليه ولا يراجع في قراراته، مهما بدت متناقضة أو غير عادلة أو حتى غير منطقية.
وبالمثل، يتم استغلال القضية الحسينية، التي تمثل رمزا قويا للتضحية والمقاومة في الفكر الشيعي، لتعبئة الشباب وراء فكرة “محور المقاومة” الذي تقوده إيران. هذا الربط بين السياسة والعقيدة يساعد في تبرير سياسات إيران التوسعية، وتصويرها كحامية للشيعة في مواجهة التهديدات الخارجية، لا سيما مع إخفاق المحيط الإقليمي في الوصول لصيغة جديدة للدولة الوطنية الحديثة، والتعددية السياسية، وتوسيع قاعدة المشاركة في الحكم، فضلا عن انتشار الفكر المتطرف والحركات الجهادية التكفيرية ضد الطوائف الإسلامية غير السنية.
ومع ذلك، فإن هذا الخطاب العقائدي يتناقض، في كثير من الأحيان، مع السياسات البراغماتية لإيران، خاصة فيما يتعلق بـ “تفاوضها مع الولايات المتحدة والدول الغربية”. فبينما تدعو إيران علنا إلى مقاومة الغرب ورفض أي تقارب معه قبل إنهاء دعمه لإسرائيل، وتشن حملات دعائية مستمرة ضد الدول العربية التي تقيم علاقات تعاون طبيعية معها، على قاعدة المصالح المشتركة، فإنها لا تتردد في التفاوض المماثل لتحقيق مصالحها الخاصة، متجاوزة بذلك ما يمكن اعتباره “خطوطا حمراء” عقائدية، كما حصل في ذروة المد الثوري الإيراني خلال عقد الثمانينيات، حين عقدت إيران صفقة ثلاثية مع أميركا وإسرائيل، فيما عرف بـ “فضيحة إيران غيت” للحصول على صفقة أسلحة أميركية نوعية، شملت الآلاف من الصواريخ المضادة للدبابات التي استخدمها “الحرس الثوري” الإيراني في محاولاته العديدة لاحتلال مناطق من جنوب العراق إبان الحرب بين البلدين. وذلك مقابل الإفراج عن الرهائن الغربيين الذين اختطفوا على أيدي عناصر “حزب الله” قبل وبعد تأسيسه.
ورغم أن هذا المثال وغيره كشف، بشكل واضح ومباشر، عن استعداد إيران لاستخدام المجتمعات الشيعية خارج حدودها باعتبارهم ورقة مساومة في علاقاتها الدولية، وأن مصالح هذه المجتمعات تشكل أمورا ثانوية بالنسبة للأهداف الاستراتيجية الإيرانية، بشكل فاقم من ممارسات التمييز الطائفي ضد الشيعة العرب، وعمق حالة الاغتراب عن دولهم الوطنية جراء الاحتياطات الأمنية التي اتخذت بشكل جماعي ضدهم، لا سيما بعد تورط مجموعات شيعية عديدة في أعمال إرهابية من قبيل اختطاف الطائرات والهجمات بالمتفجرات من بداية الثمانينيات وحتى تفجير الخبر بالسعودية عام 1996، إلا أن العقيدة المهدوية ظلت تشد أعناق نسبة كبيرة منهم إلى نير المحراث الإيراني، وهو يمزق أرضية التعايش بين عموم الشيعة حتى المعارضين لنظرية “ولاية الفقيه” وبين مجتمعات الدول التي يحملون جنسيتها.
بطريقة أو أخرى، يمكن القول بأن النظام الإيراني وثب على مكانة “الإمام المعصوم” في العقل الشيعي، الذي لا يرد عليه ولا يراجع في قراراته، مهما بدت متناقضة أو غير عادلة أو حتى غير منطقية. لكنه من جهة الشيعة العرب، يستبطن مقاربات استعلائية وعنصرية. إذ تبشر المرويات الشيعية التي كتبها رجال دين فرس أو أعيد كتابتها في عصر الدولة الصفوية، بأن بلاد فارس (إيران حاليا)، ستكون منطلق أنصار المهدي المنتظر وتصفهم بحملة “الرايات السود” القادمين من خراسان، وعددهم 313، يتميزون بالشجاعة والإخلاص، حيث سيقومون بتهيئة الأرضية السياسية والاجتماعية لنجاح دعوة “المهدي”، الذي يفترض وفق المرويات ذاتها أن يبدأ عهده بالاقتصاص من قتلة الحسين بن علي بعد إحيائهم وإحياء من شاركهم الجريمة، باعتبار أن إحقاق العدالة للحسين وأهل بيته جزءا أساسيا من عملية تصحيح للظلم التاريخي والاختلال الأخلاقي الكوني، الذي تسبب به العرب سواء بقتل الحسين أو بالتخاذل عن نصرته.
وهذا هو الجزء المضمر في علاقة النظام الإيراني مع الشيعة العرب المطلوب منهم التضحية بمصالحهم الوطنية على مذبح الأهداف الكبرى “للجمهورية الإسلامية”، كجزء من التوبة والتكفير عن الذنب التاريخي. وهو ما نجد آثاره وانعكاساته العملية في “تنظيم التوابين” الذي شكلته إيران نهاية الحرب العراقية الإيرانية من الجنود العراقيين الشيعة الذين وقعوا في الأسر، وضمته إلى قوات “فيلق بدر” للمعارضة الشيعية الموالية لإيران. ورغم أن التسمية استلهمت من “حركة التوابين” التي ظهرت في الكوفة بعد مقتل الحسين بن علي، إلا أن استحضارها لم يخرج عن سياق تغذية عقدة الذنب في نفوس شيعة العراق والدول العربية قاطبة، تجاه ممثل الثورة الحسينية وحامل لواء أنصار المهدي.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.