في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة على خلفية الحرب في غزة، وما لها من تداعيات على الأمن الإقليمي، فإن تحركات عديدة تجري لجهة الوصول إلى مقاربة سياسية وأمنية وإقليمية، يكون بمقدورها أن تنهي حالة النزاع والتوتر والتي تهدد بحدوث حرب إقليمية شاملة، من بينهم المملكة العربية السعودية.

وبالتزامن مع “القمة العربية الإسلامية” غير العادية في العاصمة السعودية الرياض والتي بحثت إمكانات إنهاء ونزع فتيل الحرب المندلعة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، جاءت زيارة الفريق الأول الركن فياض الرويلي رئيس هيئة الأركان العامة السعودي، للعاصمة الإيرانية طهران، وقد بحث مع نظيره الإيراني اللواء محمد باقري فرص تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين في المجالين العسكري والدفاعي، بما يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار بالمنطقة.

ماذا وراء الزيارة السعودية لطهران؟

الزيارة التي وصفتها وكالة أنباء “تسنيم” الإيرانية بـ”النادرة”، تمضي في السياق الإقليمي الراهن الذي يفرض على القوى الإقليمية التقاط المصالح المشتركة، والعمل للحيلولة دون وقوع حرب شاملة إقليمية تثير فوضى وأزمات، وتجعل الأطراف كافة أمام خسائر فادحة واستراتيجية، ولهذا جاءت الزيارة بتوجيه من المملكة العربية السعودية وضمن “اتفاق بكين” الذي أنهى قطع العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران لمدة سبع سنوات.

صورة للقادة المشاركين في القمة العربية والإسلامية- “د.ب.أ”

ووفق وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، أعلن باقري في نهاية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي أن بلاده “مستعدة لتعزيز العلاقات العسكرية” مع الرياض وذلك خلال اتصال هاتفي مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان. 

من ثم، هناك ثمة عديدة وإشارات هامة ينبغي التدقيق فيها لفحص تلك الزيارة وسبر أغوارها من خلال كونها تزامنت مع اتصال هاتفي جرى بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان. 

كما أن الزيارة كانت بعد مشاركة الرياض في مناورات عسكرية مشتركة في بحر العرب، خلال نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي كما أنها ترتبط عضويا بمنسوب التوتر في الشرق الأوسط والمخاطر التي تحيط بجغرافيا المنطقة عبر توظيف طهران لعدد من الجماعات المسلحة والميلشيات التابعة لها ولائيا، من أجل الضغط العسكري والسياسي لتحقيق أهدافها.

تسعى المملكة للحفاظ على متابعة إنجاح مراهناتها خاصة رهان الرياض على إنجاح الاتفاق واتصال ذلك بمسار حل العديد من المشكلات القائمة في المنطقة وقدرة الاتفاق على تجنب تداعيات مرحلة الاستقطاب والعداوة غير الضرورية.

إلى ذلك، تدرك الرياض أن الحفاظ على محددات إطار اتفاق بكين الذي أنتج عودة العلاقات بين البلدين في شهر آذار/ مارس من العام الماضي في صورة براغماتية من خلال بعض لقاءات المسؤولين وعبر دبلوماسية الهاتف، من الأمور الهامة التي تستطيع من خلالها التحرك سياسيا بمرونة مع الولايات المتحدة الأميركية في الأفق المنظور، خاصة مع مطلع العام المقبل وتقلد الرئيس المنتخب دونالد ترامب ولايته الجديدة، وتبيان مدى استخدامه لسياسة الضغوط القصوى ضد طهران، لا سيما في ما يتعلق بالحرب الاقتصادية وقيود بيع النفط، وشكل الردود الإيرانية على ذلك، والتداعيات على الاستقرار في نطاق جغرافيا المملكة العربية السعودية.

كما أن الرياض تدرك أيضا سيولة الأحداث في ما بين طهران وتل أبيب، سواء بشكل مباشر أو عبر الميلشيات في نقاط متاخمة لحدودها مثل جماعة “الحوثي” في اليمن، الأمر الذي يدفعها نحو تأمين هذا الجانب مع إيران وتثبيت التهدئة في الجانب اليمني، فضلا عن العمل على التوصل لمقاربة تدفع نحو وقف إطلاق النار في غزة بعيدا عن رؤية طهران ومكاسبها   

رهانات السعودية ومناورات إيران

في هذا السياق يشير مدير مركز الدراسات والبحوث في معهد “رصانة” الدولي للدراسات الإيرانية بالرياض، اللواء أحمد الميموني، إلى أنه ينبغي قراءة زيارة السيد رئيس هيئة الأركان السعودي لطهران من خلال كونها تأتي في سياق  متابعة الاتفاق ما بين إيران والمملكة العربية السعودية، لجهة تحسين العلاقات وتفادي أي سوء فهم وتجنب العودة للتوترات السابقة، وهذا يعكس إصرار البلدين نحو الحفاظ على هذه المصالحة. 

يتابع اللواء أحمد الميموني حديثه لـ”الحل نت”، بقوله إضافة إلى ذلك المملكة العربية السعودية في “اعتقادي تسعى للحفاظ على متابعة إنجاح مراهناتها خاصة رهان الرياض على إنجاح الاتفاق واتصال ذلك بمسار حل العديد من المشكلات القائمة في المنطقة وقدرة الاتفاق على تجنب تداعيات مرحلة الاستقطاب والعداوة غير الضرورية”، ولذلك المملكة عازمة على المضي قدما في متابعة كل التفاصيل المتعلقة بهذه المصالحة.

يحدد الميموني أن المصالحة بنيت على ركنين أساسيين؛ الأول هو العودة إلى اتفاق أمني سابق بين المملكة العربية السعودية وإيران، وقد أبرم في العام 2001. وفي هذا الاتفاق تعهد الطرفان ببذل الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي.

بالإضافة إلى أن هناك اتفاقية تتعلق بالتعاون في مجال التجارة والاستثمار والتقنية والثقافة والرياضة والشباب، والتي وقعت في العام 1998، مما يعني أن تثبيت حالة الاستقرار والحفاظ على السلم والأمن في الإقليم من أبرز أهداف الرياض ومحددات سياستها في الأفق المنظور.

كانت لحظة “اتفاق بكين” في العام الفائت 2023 تتويجا لتوظيف هامش المناورة التكتيكية على مسرح الأحداث- “إنترنت”

وبسؤال مدير مركز الدراسات والبحوث في مركز “رصانة” الدولي المختص بالشأن الإيراني عن علاقة الزيارة بما يجري في الشرق الأوسط من توترات  وهل يمكن فهمه باعتباره أحد الديناميات نحو بلوغ حد الاستقرار ووقف إطلاق النار سيما في غزة، يجيب: “نعم. من الصعب فصل الزيارة عن سياق المنطقة سياسيا وميدانيا، كون ما يحدث يلقي بظلاله على تفاعلات الرياض في كافة الجبهات الساخنة، ومناقشة العمل على إيجاد تفاهمات أو وسائل تواصل تجنب المنطقة تبعات أي تصعيد قد لا يخدم أهداف المنطقة بالكامل”. 

لذا؛ فإن القضايا دائما مترابطة، وهي تتصل أيضا باجتماع “القمة العربية الإسلامية” غير العادية الذي جرى أمس الاثنين في الرياض، كونه يتعلق مباشرة بمراقبة  التصعيدات في الشرق الأوسط، وأهمية العمل على نزع فتيل أسبابها التي ترتكز بالأساس على التدخل في شؤون الدول، وتغذية الميلشيا الطائفية على هامش الدولة الوطنية في لبنان والعراق واليمن وسوريا، وذلك من خلال إيران وضرورة احترام سيادة كل دولة، مما يعزز مفهوم الأمن الإقليمي، وكذا مجابهة التصعيدات الإسرائيلية التي بدأت تتخذ كل الذرائع للاستمرار في عملياتها الميدانية ضد عدة جبهات في وقت واحد.

أيضا تأتي هذه الزيارة في ظل تغيرات جذرية ننتظرها في المشهد الدولي مع وصول إدارة أميركية جديدة وينبغي أن تكون الرياض حاضرة ومستعدة لذلك باعتبارها من القوى الإقليمية الفاعلة والمؤثرة.

السياسي والأمني في الزيارة السعودية 

من جانبه، يرى الكاتب الصحفي اللبناني المختص في الشؤون السياسية والإقليمية، حنا صالح، أن هذه الزيارة تندرج في إطار المباحثات العسكرية السعودية الإيرانية التي تمت في طهران إثر زيارة رئيس الأركان السعودي ولقائه القادة العسكريين الإيرانيين ضمن “اتفاق بكين”. 

يتابع صالح حديثه لـ”الحل نت”، بقوله إن “اللقاء انحصر في تقديري صوب ملفات البلدين المشتركة من خلال تحقيق التقارب في ما بينهما، ورفع مستوى التعاون وأيضا التنسيق وخدمة المصالح المشتركة بعدما كانت بكين قد رعت اتفاقا كبيرا بين البلدين، يضمن حالة من الاستقرار في علاقات الدولتين ومستوى معين من التعاون  وبالأحرى العمل على الوصول لما يمكن وصفه بـ”السلام البارد”، بعد تحييد  الجبهة اليمنية رغم ما نشهده بين وقت وآخر من تطاول، والتجاوز أو الخروقات من طرف جماعة الحوثيين على المملكة العربية السعودية، وإطلاق التهديدات”. 

دفعت المتغيرات العاصفة التي ضربت جغرافيا الشرق الأوسط خلال العام الماضي، عديد الدول لممارسة تحركات تكتيكية بغية تقييد المخاطر التي تحيط بها خاصة الدول المتاخمة حدوديا للجبهات الساخنة. 

غير أنه من الضروري الالتفات لمسؤولية طهران المباشرة لكافة الأحداث التي تؤدي إلى توترات بالمنطقة الآن، من خلال الجماعات الوظيفية التابعة لإيران والتي تحقق أهداف المرشد نحو الهيمنة والتوسع، وفق حنا صالح.

يلفت صالح إلى أن اللقاء الذي حدث في العاصمة الإيرانية طهران، استبق قمة المتابعة “العربية الإسلامية” التي انعقدت أمس الاثنين في العاصمة السعودية الرياض بمشاركة إيرانية، وكانت طهران رحبت بالدعوة السعودية لهذه القمة كون إيران تراهن على عمل سياسي يؤدي إلى وقف النار ووقف الأمور عند الحدود التي بلغتها، وهاجس إيران ليس مصالح الفلسطينيين وما تريده فعلا القمة بشأن القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين بل هاجسها الحقيقي حماية الممكن من “ضلعها الفلسطيني حركة حماس”.

وكذلك “حزب الله” في لبنان سيما بعد الضربات الكبيرة التي تلقاها الحزب اللبناني المدعوم من إيران، وبات في موقع شبه دفاعي، والردود التي يقوم بها هي مجرد غير مؤثرة على مجرى العمليات العام مع هذا التدمير الكبير والتهجير الكبير.

فلسطيني يعمل على جمع الوقود البديل الناتج عن حرق النفايات البلاستيكية وسط ندرته مع استمرار الصراع بين إسرائيل و”حماس”، في شمال قطاع غزة، 5 سبتمبر، 2024- “رويترز”

إذاً، ووفقا للكاتب الصحفي حنا صالح ما يهم  إيران حاليا، أن “تحافظ من خلال وقف النار على  شيء من قوة حزب الله، حتى تستطيع العمل على إعادة بناء هذه القوة مرة جديدة، ما لم يقابل ذلك ويجابهه عمل منظم داخليا وإقليميا ودوليا نحو بسط سيادة الدولة اللبنانية، والتحرك بجدية صوب قطع الطريق على  إمكانية إيران إعادة العبث في المنطقة”.

لماذا التباحث مع إيران الآن؟

دفعت المتغيرات العاصفة التي ضربت جغرافيا الشرق الأوسط خلال العام الماضي، بدءا من عمليات “طوفان الأقصى”، ودخول جبهات المساندة في اليمن والعراق عبر الميلشيات الوظيفية، عديد الدول لممارسة تحركات تكتيكية بغية تقييد المخاطر التي تحيط بها خاصة الدول المتاخمة حدوديا للجبهات الساخنة. 

إذ لم تعرف العلاقات السعودية الإيرانية مشهد الاستقرار منذ عقود طويلة مضت، وكانت لحظة “اتفاق بكين” في العام الفائت 2023 تتويجا لتوظيف هامش المناورة التكتيكية على مسرح الأحداث الذي تم تفعيله مع لحظة توتر مفصلية قد تنزلق معها الأقدام لسيولة تطال الجميع، مما يعني بالضرورة اهتمام الرياض بتأمين الحد الأدنى من منسوب المحادثات الثنائية مع طهران في تلك اللحظة الهامة، خاصة مع انخراط الرياض في حوار هام مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل نحو استراتيجية معاهدة الدفاع المشترك وتوقيع صفقة تطبيع مع تل أبيب.

وبالتالي يعني بالتبعية أهمية أن تبلغ الرياض درجة الاطمئنان اللازمة من إيران وذراعها الوظيفي جماعة “الحوثيين”، حتى ترفع من عليها أعباء تلك الجبهة في تفاوضها مع واشنطن، لا سيما مع العلاقات التي تربط بين “حماس” وطهران، الأمر الذي يجعل الأخيرة تمارس الضغط من خلال تلك الورقة.

في حين يذهب اللواء أركان حرب ياسر هاشم في تقديره لفهم اللقاء اللافت لرئيس هيئة الأركان السعودي بالمسؤولين الإيرانيين، بقوله إن الزيارة بدا لها جانب استخباراتي حيث التقى رئيس الأركان السعودي بنائب رئيس الأركان الإيراني ومدير الاستخبارات الإيرانية. 

وبيّن هاشم لـ”الحل نت” أن الزيارة تأتي بعد زيارة وزير الخارجية الإيراني للسعودية في بداية جولاته الخارجية. ويقول إن السعودية مستمرة في إبداء حسن النوايا والالتزام بمقررات “اتفاق بكين”، وتطمين إيران بالموقف الرسمي السعودي الرافض للحرب التي تشنها إسرائيل على مختلف الجبهات في الشرق الأوسط، وأيضا التأكيد نحو أهمية تثبيت اتفاق الهدنة في اليمن، الأمر الذي يعني تبريد احتمالات التصعيد الإيراني الانتقامي في اتجاه دول الخليج بصفة عامة والسعودية بصفة خاصة، والتي قد تستهدف أهدافا أو أصولا أميركية على أراضيها في حالة تعرضها لضربة عسكرية إسرائيلية أو أميركية.

إيران تواصل وبشكل علني دعم ميلشيات مسلحة في عدة أقطار عربية، بينما السعودية ترى أن هذه الميلشيات تتحرك ضد مصالحها وأمن شعبها- “رويترز”

وبالتالي يرجح هاشم أن الزيارة كانت أهدافها سياسية وأمنية أكثر منها دفاعية أو عسكرية، ومازالت تدور في إطار محاولات احتواء إيران، ومع ذلك “لا أظنها قد تحدث تغييرا جوهريا في سياسات كلا البلدين”.

فإيران تواصل وبشكل علني دعم ميلشيات مسلحة في عدة أقطار عربية، بينما السعودية ترى أن هذه الميلشيات تتحرك ضد مصالحها وأمن شعبها وتهدد الاستقرار في المنطقة برمتها.

وبسؤال اللواء أركان حرب ياسر هاشم حول دلالات مشاركة الرياض في المناورات العسكرية مؤخرا ببحر العرب، قال إن مشاركة المملكة العربية السعودية في مناورة بحرية إيرانية روسية عُمانية، فهي كانت مشاركة تحت صفة مراقب ولم تكن لها مشاركة عملية فيها وهذا الاشتراك، ما يعنى أن الموقف الرسمي السعودي لا يرفض هذا النوع من المناورات طالما كان غرضها حماية الملاحة البحرية في غرب المحيط الهندي وبحر عُمان بحسب ما أعلنت البحرية الإيرانية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة