ما تزال الحرب الروسية ضد أوكرانيا هي نقطة مركزية في السياسة الدولية، لا سيما مع تداعياتها الجيوسياسية، وما تفرضه من اصطفافات بين عدة دول، تبدو، وكأنها، اضطلاع قطب أو عدة أقطاب نحو مواجهة الغرب والولايات المتحدة. فالانخراط السياسي والميداني للصين أو كوريا الشمالية أو إيران في الغزو الروسي على أوكرانيا، يجعل مدى الصراع أوسع نطاقا من ساحاته المباشرة، ويضغط على الأطراف كافة في مجالاتها الحيوية والاستراتيجية، بينما يضع عمق الأمن القومي تحت التهديد والتأزم المباشرين. 

ذلك ما ينطبق على بكين وموسكو، مثلا، اللتين تواجه كل منهما في آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية، توترات بقدر ما يحتمي الطرفان بإطار مصالحي براغماتي في سياق النزاع القائم. وهناك تخوفات مماثلة في حيز القوى المتحالفة كما خارجها وتوسع حلف الشمال الأطلسي “الناتو” على حدود روسيا.

أوكرانيا صامدة أمام روسيا

وفي ما يبدو أن المقاربة الأولية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الذي سبق وأعلن إنهاء/ تسوية الحرب الأوكرانية في غضون 24 ساعة من دون توضيح تفاصيل خطته، تتمثل في إرغام موسكو على التفاوض. وصحيح أن ذلك أيضا لا يبدو واضحا، إلا أن وكالة “رويترز” للأنباء قد نقلت عن مستشارين رئيسيين للرئيس المنتخب في دورة ثانية غير متتالية، جملة من الأمور، أبرزها تلقي كييف المزيد من الدعم العسكري والأسلحة فقط في حال القبول بمفاوضات السلام.

هناك “عشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء وملايين اللاجئين، و20 ألف طفل أوكراني على الأقل تم ترحيلهم قسرا إلى روسيا، ومئات الآلاف من البنية التحتية الحيوية المدمرة التي هاجمتها روسيا بعشرات آلاف الصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية”.

السفير الأوكراني بالإمارات دميترو سينيك لـ”الحل نت”

ونقلت عن مستشار ترامب للأمن القومي الجنرال المتقاعد كيث كيليوج، تأكيده على أن أي ممانعة روسية للتفاوض والانخراط الدبلوماسي لإنهاء الحرب سيعني مضاعفة الدعم الأميركي لأوكرانيا. وقال بيتر بروكس، نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق من فرجينيا لقناة “الحرة” إن هناك صعوبة في ترجمة تصريحات وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن على أرض الواقع بسبب “قصر عمر” إدارة الرئيس جو بايدن التي لم يبق منها سوى أقل من شهرين عندما يتسلم دونالد ترامب منصب الرئاسة في المكتب البيضاوي. 

وتابع: “هناك مشكلة أمام أميركا لمواجهة التحالف بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران، والذي قال إنه يعارض الغرب من جهة، ويعادي الولايات المتحدة، من جهة أخرى”. ولمح إلى أن صعوبة مجابهة التهديد من جانب هذا التحالف، “فالصين دولة قوية جدا، وروسيا قوة نووية رئيسية، وكوريا الشمالية لديها أيضا قدرات نووية، وإيران مصدر اساسي لعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وعلى حافة أن تصبح كذلك دولة نووية”.

وبحسب الموقع الأميركي، فقد أشار مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق إلى أنه غير متأكد من قدرة القوات الكورية الشمالية على أن تحدث فرقا في القتال الدائر في أوكرانيا، وتوقع أن يطلب كثيرون منهم “اللجوء فقط للهرب من بلادهم، وسيتركون عائلاتهم وراءهم وهذه العائلات ستدفع الثمن”. 

وألح بروكس على ضرورة استمرار الولايات المتحدة في دعم أوكرانيا في جهودها لاستعادة وحدة أراضيها والحفاظ على سيادتها، من خلال إجبار الروس على التراجع وهزيمة الكوريين الشماليين في ساحة القتال “وهذا سيكون ضربة قوية لمحور الدول الأربعة”.

ضرورة استمرار الولايات المتحدة في دعم أوكرانيا في جهودها لاستعادة وحدة أراضيها والحفاظ على سيادته- “رويترز”

إذا، في ظل هذا الوضع المعقد الذي يؤشر إلى احتمالات عديدة وسيناريوهات مفتوحة، فإن رهانات التصعيد ليست بأقل من فرص التهدئة والتسوية، بينما الثابت هو إعادة تشكيل قمة العالم، وتنامي الانقسامات الأممية وارتفاع حمى الاستقطاب الدولي. 

وبالتبعية، منح الأطراف الإقليمية والدولية هامشا من المناورة للبحث عن مصالح تكتيكية ومؤقتة. فمع اليوم الألف للحرب الروسية ضد أوكرانيا، والذي تصادف في النصف الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر العام الحالي، فإن فاتورة الحرب ما تزال مرتفعة، ويتكبد المدنيون خسائر فادحة، قد وثق صندوق الأمم المتحدة للسكان، تراجع تعداد السكان بأوكرانيا لنحو 8 ملايين نسمة منذ اندلاع الحرب قبل عامين. 

فيما ألمحت فلورنس باور المديرة الإقليمية لشرق أوروبا وآسيا الوسطى في صندوق الأمم المتحدة للسكان، إلى أن تعداد السكان قد انخفض بنحو “عشرة ملايين نسمة منذ 2014، وبنحو ثمانية ملايين منذ الغزو الروسي الواسع لأوكرانيا في 2022”. 

وقالت: “انخفض معدل المواليد بشكل حاد، ويبلغ حاليا حوالي طفل واحد لكل امرأة، وهو أحد أدنى المعدلات في العالم”. وقضى في هذه الحرب من المدنيين 11,973، بحسب الأمم المتحدة، منهم 622 طفلا، وتبلغ الإصابات 25,943 منهم 1,686 طفلا. وتقول الأمم المتحدة إن العدد الفعلي قد يكون أعلى لأن بعض التقارير لا تزال في انتظار التأكيد. ووصل عدد اللاجئين حتى مطلع العام الحالي، نحو 6.5 مليون شخص. وسبق للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي التصريح مؤخرا بمقتل 31 ألفا من جنوده. وهو الرقم الذي يتشكك فيه مسؤولون أميركيون، وتشير تقديراتهم إلى 70 ألف أوكراني قضى بالحرب، وفق صحيفة “نيويورك تايمز”، في حين تتراوح الإصابات بين 100 و120 ألفا. وفي نفس الوقت وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، فإن أكثر من 600 ألف جندي روسي قتلوا أو أصيبوا منذ بدء الحرب الشاملة في عام 2022.

السفير الأوكراني بالإمارات يتحدث لـ”الحل نت”

لم يتردد السفير الأوكراني بالإمارات دميترو سينيك من اختيار عنوان حديثه بـ”ألف يوم من نضال الأوكرانيين ومقاومتهم للغزو الروسي لأوكرانيا” بينما يذكر في المقابل حجم الخسائر الفادحة في صفوف المدنيين، من قتل ونزوح ولجوء فضلا عن المصابين. ويؤكد على حد تعبيره أنه “ألف يوم من النضال بغرض الحرية ومقاومة الاحتلال الروسي”.

ويقول السفير دميترو سينيك في تصريح خاص مع “الحل نت”، إنه قبل 10 سنوات، في شباط/ فبراير 2014، احتلت روسيا أجزاء من الأراضي الشرقية لأوكرانيا وشبه جزيرة القرم الأوكرانية. ومنذ ذلك الحين، لم توقف أوكرانيا الجهود الدبلوماسية لحل قضية العدوان الروسي بشكل سلمي – منذ عام 2014 جرت أكثر من 200 جولة من المفاوضات مع روسيا، بما في ذلك هيئة نورماندي، ومنذ عام 2021، طلب القادة الغربيون من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الامتناع عن بدء الحرب ومواصلة المفاوضات. ومع ذلك، اختارت روسيا العدوان.

السفير الأوكراني بالإمارات دميترو سينيك- “إنترنت”

ويوضح سينيك أنه قبل 1000 يوم، شنت قوات الاحتلال الروسية غزوا واسع النطاق لأوكرانيا. لافتا إلى أن هناك “عشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء وملايين اللاجئين، و20 ألف طفل أوكراني على الأقل تم ترحيلهم قسرا إلى روسيا، ومئات الآلاف من المنازل والبيوت والمدارس والمستشفيات ومحطات الطاقة والمرافق الزراعية ومرافق البنية التحتية الحيوية المدمرة التي هاجمتها روسيا بعشرات آلاف الصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية، وكذلك انتهاك الاتفاقيات الدولية عن طريق استخدام الأسلحة الكيميائية وابتزاز المجتمع الدولي بنهاية العالم النووية”.

ووراء هذه الأرقام معاناة “شعب أوكراني يبلغ عدد سكانها 45 مليون نسمة الذي يناضل من أجل حقه في التحدث بلغته وتطوير ثقافته وبناء مستقبله. فيما تحاكي تصرفات روسيا غزو هتلر لبولندا عام 1939. ومثل ألمانيا النازية في ذلك الوقت، تتبنى روسيا النازية الجديدة اليوم سياسة انتقامية، فتستخدم الدعاية والأكاذيب الصريحة لتبرير عدوانها العسكري الصريح. ادعى كلا النظامين أنهما (يحميان) الأقليات العرقية والحقوق التاريخية الأسطورية، في حين أن غزواتهما في الواقع كانت مدفوعة بطموحات توسعية مبتذلة للاستيلاء على الأراضي”. يقول السفير دميترو سينيك.

إن القرار الذي اتخذته روسيا بغزو أوكرانيا كان اختيارها الخاص، وليس ضرورة حيوية، كما تحاول الدعاية الروسية إقناع العالم، وفق السفير الأوكراني، موضحا لـ”الحل نت” أنه “لن يصدق أحد ادعاءات الكرملين الكاذبة بأن أوكرانيا قد تشكل تهديدا لدولة نووية. ففي عام 1994 أظهرت أوكرانيا رغبتها في السلام من خلال التخلي طوعا عن ثالث أكبر ترسانة نووية في العالم مقابل ضمانات بالسيادة والسلامة الإقليمية والأمن من قبل موسكو. وبعد عقدين من الزمن، في عام 2014، انتهكت روسيا مذكرة بودابست وميثاق الأمم المتحدة وجميع المبادئ الأساسية للقانون الدولي عندما احتلت شبه جزيرة القرم ودونباس”.

روسيا استعانت بحلفائها

كما أنه في شباط/ فبراير 2024، ظنّ العالم أن أوكرانيا “لن تكون قادرة على مقاومة الغزو الروسي واسع النطاق لفترة طويلة”. ومع ذلك، لم يسمح الأوكرانيون “للإمبراطورية الأخيرة باستعمارهم”. واليوم، يثير دهشة العالم قدرة وصمود الشعب الأوكراني على الصمود والشجاعة في “الكفاح ضد جار أكبر منه بكثير”. وبعد ما يقرب من ثلاث سنوات من الغزو الشامل، وجدت روسيا نفسها ضعيفة وغير قادرة على مواصلة حرب “الإبادة الجماعية” ضد أوكرانيا بمفردها، الأمر الذي أجبر موسكو على البحث عن شركاء في إيران وكوريا الشمالية اللتين تزودانها بالطائرات المسيّرة والصواريخ والذخائر والأفراد. ولهذا السبب، فإن أوكرانيا لا تناضل من أجل مستقبلها فحسب، بل وأيضا من أجل المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة ـ حرمة السيادة والسلامة الإقليمية والسلام.

وأظهر المجتمع الدولي تضامنه مع أوكرانيا من خلال دعم قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تدين الغزو الروسي وتدعم سيادة أوكرانيا وسلامتها الإقليمية. إن العالم الذي كان يركز ذات يوم على التجارة وعولمة ما بعد الحرب الباردة، أصبح الآن متحدا ضد أولئك الذين يسعون إلى جرنا إلى الماضي المظلم.

وختم السفير الأوكراني دميترو سينيك حديثه لـ”الحل نت” قائلا إن رئيس أوكرانيا زيلينسكي قد اقترح صيغة السلام على المجتمع الدولي وحثه على الاتحاد في السعي لتحقيق سلام عادل ومستدام في أوكرانيا. وسوف يحل السلام في أوكرانيا، ولكن ليس بشروط روسيا”. 

الغزو الروسي على أوكرانيا خلف خسائر تقر بمليارات الدولارات- “وكالات”

وأضاف: “سيحدث هذا بفضل شجاعة وتضحية الشعب الأوكراني، بدعم من العالم الذي يقدر العدالة، وليس الأكاذيب الروسية والدعاية التي تبثها القنوات التلفزيونية الروسية. وعلى مدى ألف يوم على التوالي، أظهر الشعب الأوكراني شجاعة ومقاومة وإيمانا لا يتزعزع بحريته، على الرغم من التحديات غير المسبوقة. سوف نتذكر الحرب الروسية والقدرة المذهلة التي أبدتها أوكرانيا ضد الغزو الروسي كرمز لقوة وشجاعة الناس الذين يناضلون من أجل العدالة ومستقبلهم. ولهذا السبب سوف تنتصر أوكرانيا”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة