تطورات مطردة للعلاقات العسكرية بين روسيا وكوريا الشمالية وقد شهدت قفزة هائلة، آخرها إرسال جنود كوريين الشماليين للانخراط في الحرب الروسية الأوكرانية ولدعم “الكرملين”، بما يعكس التغييرات الجيواستراتيجية وعلى مستوى التحالفات الدولية نتيجة هذه الحرب التي تعيد تشكيل قمة العالم وتفرض تحولات جمّة في السياسات العالمية بين الغرب وواشنطن، من جهة، وروسيا والقوى الرديفة أو المتحالفة معها، كالصين، من جهة أخرى.
وبينما تتجه الحرب في كييف إلى الضغط لجهة تفكيك المنظومة العالمية من قطب واحد إلى ثنائي أو متعدد، فإن تعقيدات الوصول لهذا النظام المحتمل تحول دون توفر أي شروط لإمكانية صموده. غير أن التحالفات الاستراتيجية العسكرية تبعث بمخاوف جمّة للنظام العالمي، وتهدد مصالحها.
تحالف روسيا وكوريا الشمالية
وبحسب صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، فإن كوريا الجنوبية طالبت موسكو بضرورة عمل “إجراءات فورية” لسحب الجنود الكوريين الشماليين، وقد نقلت عن مسؤول عسكري أوكراني أن الجنود الكوريين الشماليين يباشرون تدريبات عسكرية تمهيدا لانخراطهم الميداني العسكري بالخطوط الأمامية في أوكرانيا، نهاية العام.
كما قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأسبوع الفائت، إن نحو 8 آلاف جندي كوري شمالي وصلوا إلى منطقة كورسك الحدودية الروسية، وباتوا جاهزين للمشاركة في القتال ضد القوات الأوكرانية، في الأيام المقبلة.
فيما ألمح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى أن التحالف بين روسيا وكوريا الشمالية يتخطى تبادل الأسلحة إلى دعم “الكرملين” بقوات قتالية، الأمر الذي ذكره وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، وقد حذر من تبعات ذلك. ولم تخف كوريا الشمالية ميلها الكامل إلى جانب موسكو ودعمها بل واصطفافها السياسي والعسكري والدبلوماسي وحتى المالي ضد كييف، وتضمن هذا الدعم السخي “إرسال ذخائر لتلبية احتياجات روسيا الملحة في ساحة المعركة”، وفقا لمسؤولين أميركيين وأوكرانيين وكوريين جنوبيين.
وفي حزيران/ يونيو العام الماضي، دشن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته كوريا الشمالية اتفاقية “الشراكة الاستراتيجية الشاملة”، وتشمل الدفاع المشترك في حال تعرض أي من البلدين للاعتداء.
فضلا عن الدعم العسكري، فإن موسكو تساند كوريا الشمالية في المقابل باستخدامها “الفيتو” بمجلس الأمن الدولي، للتخفيف من العقوبات الدولية. ومن المرجح أن كوريا الشمالية تحصل كذلك على مساعدات روسية لدعم برنامجها العسكري”. بحسب “واشنطن بوست“.
وتابعت: “هناك عدة أسباب وراء إرسال كوريا الشمالية لقوات عسكرية إلى روسيا، من بينها دعم موسكو في مواجهة نقص الجنود، إذ يسعى بوتين إلى تجنب تعبئة جديدة لقوات الاحتياط الروسية، وبالتالي استخدام القوات الكورية الشمالية لتعويض نقص الجنود في بعض المناطق الحيوية على الجبهة. كما يُعتقد أن بيونغ يانغ أرسلت مستشارين عسكريين وفنيين للإشراف على استخدام الأسلحة الكورية الشمالية في المعركة”.
مخاوف الصين من هذا التعاون
من بين المخاوف التي تفصح عنها العلاقات العسكرية المتنامية بين كوريا الشمالية وروسيا، وإرسال بيونغ يانع لجنود بذخائر وأسلحة لميادين الصراع في كييف، هو احتمالية تطور القدرات العسكرية للكوريين الشماليين من خلال ما توفره المعارك من فرصة لاختبار القدرات سواء البشرية أو الفنية للأسلحة، ناهيك عن التخوفات التي باتت تخرج للعلن من تقديم موسكو الدعم النووي لكوريا الشمالية، بما يجعل الصدام قاب قوسين أو أدنى مع الصين التي تبدو حذرة من ذلك الأمر، وتتعاطى مع وقائعه وتفاصيله وملابساته بصمت ومن دون مواقف صاخبة.
أصبحت كوريا الشمالية أكثر استقلالية سواء قبلت الصين ذلك أم لا، وحرب روسيا في أوكرانيا تجعلها أكثر قوة وعضوا أكثر تميزا في التحالف، الذي يضم الصين وروسيا وإيران.
الباحثة الأميركية، إيرينا تسوكرمان لـ”الحل نت”
وهنا، ستبدو الروابط بين الحلفاء في روسيا وكوريا الشمالية والصين أضعف كثيرا، مع هذا التناقض الذي يفرض التباعد تحديدا بين بيونغ يانغ وبكين في ظل إضعاف موقف الصين الاستراتيجي بشرق آسيا، وتهديد مصالحها في عمق مجالها الحيوي، كما سيفرض، حتما، ضغوط تشكلها الأخيرة على موسكو.
وقال الناطق بلسان الخارجية الصينية لين جيان، إن بلاده تطالب “كافة الأطراف بضرورة خفض التصعيد والسعي للتسوية السياسية لأزمة أوكرانيا، وأن موقف الصين هذا لم يتغير”.
وعليه، صرح الرئيس الأوكراني أن كوريا الشمالية حققت تقدما في قدرتها العسكرية ونشر الصواريخ وإنتاج الأسلحة، و”الآن ستكتسب خبرة الحرب الحديثة بكل أسف”. وتابع: “أول دفعة تضم آلاف الجنود من كوريا الشمالية باتت بالقرب من الحدود الأوكرانية. سيضطر الأوكرانيون للدفاع عن أنفسهم ضدهم. وسيكتفي العالم مرة أخرى بالمشاهدة. ولكن بدلا من تزويدنا بهذه القدرة الضرورية بعيدة المدى، نجد أميركا وبريطانيا وألمانيا تكتفي بالمشاهدة”.
إذاً، فإن العلاقة بين روسيا وكوريا الشمالية ليست جديدة؛ فهي تستند إلى الروابط القديمة الجديدة من الكتلة الشيوعية أثناء الحرب الباردة، وخلال ذلك الوقت، كانت روسيا وكوريا الشمالية والصين تشترك في موقف مناهض للغرب، وتعاونت ضد الولايات المتحدة على الرغم من خلافاتها. وقد تدهورت العلاقة في التسعينيات بعد سقوط “الاتحاد السوفييتي”.
هدف كوريا الشمالية من الانخراط بالصراع
في حين ذهبت روسيا والصين في طريقين منفصلين، وفق ما توضح الباحثة الأميركية في قضايا الشرق الأوسط، إيرينا تسوكرمان. وبدا كل من البلدين أكثر انفتاحا تجاه التعاون الاقتصادي مع الغرب. حتى أن روسيا فكرت في الانضمام إلى “حلف شمال الأطلسي” (الناتو) لفترة وجيزة. لكن كوريا الشمالية ظلت دائما مجالا للنفوذ الصيني، وأصبحت “أكثر قيمة لجمهورية الصين الشعبية بعد أن أصبحت قوة نووية”.
وتوضح تسوكرمان لـ”الحل نت”: “زادت هذه القيمة بشكل كبير في السنوات الأخيرة بعد تولي شي جين بينغ السلطة وقاد بكين في اتجاه استبدادي ومواجهة متزايد ضد الغرب”.
ولهذا السبب، تنظر الصين إلى جهود روسيا للتقرب من كوريا الشمالية ببعض الشك والقلق. ولقد نما اعتماد كوريا الشمالية على الصين بشكل كبير بمرور الوقت. وبالتالي إذا أصبحت كوريا الشمالية أكثر استقلالية اقتصاديا وسياسيا، فهذا يعني أن بكين تفقد نفوذها وسيطرتها على ما كان يُنظر إليه سابقا على أنه “دمية لها”، على حد تعبير تسوكرمان.
ومع ذلك، أصبحت كوريا الشمالية أكثر استقلالية سواء قبلت الصين ذلك أم لا، وحرب روسيا في أوكرانيا تجعلها أكثر قوة وعضوا أكثر تميزا في التحالف، الذي يضم الصين وروسيا وإيران. فيما تجعل تكنولوجيا كوريا الشمالية النووية والصاروخية منها مفيدة لجميع هذه الجهات الفاعلة، ولسنوات، كانت كوريا الشمالية تغازل المنظمات الإرهابية بمبيعات الأسلحة، بينما طورت مهاراتها في الأمن السيبراني مثل سرقة العملات المشفرة والاستخبارات وغيرها من القتل.
والآن، بينما تستعد كوريا الشمالية لصراع محتمل مع كوريا الجنوبية، فهي بحاجة إلى خبرة ساحة المعركة لجنودها والتي لا يمكن اكتسابها إلا من خلال الانضمام إلى صراع آخر، وفق تسوكرمان.
“تهديدات لطموحات الصين”
تراقب الصين هذه التطورات باهتمام وثيق، من ناحية، فإن تطوير كوريا الشمالية “لعلاقة مستقلة تماما مع روسيا لا يخدم مصالحها لأنه يجعل من الصعب السيطرة على كيم جونغ أون. إن بكين تشعر بالقلق إزاء احتمالات زعزعة الاستقرار الإقليمي أو العالمي، فضلا عن أنها تريد أن تسيطر على استراتيجيتها الجيوسياسية.
لا تزال الصين بحاجة إلى كوريا الشمالية لأنها تتبنى موقفا أكثر عزلة، ولكن المفارقة أن كلما زادت الحاجة إليها، كلما أصبحت كوريا الشمالية لاعبا مستقلا لا يمكن السيطرة عليه.
الباحثة الأميركية، إيرينا تسوكرمان لـ”الحل نت”
ومن ناحية أخرى، فإن سيطرة روسيا في أوكرانيا ضرورية لإضعاف الغرب، والضغط على أوروبا، وخلق فرصة لتأكيد قوتها”. تقول تسوكرمان. وتردف: “لا تستطيع الصين السيطرة الكاملة على العملية؛ ولعلها لم تكن تتوقع أن تخسر روسيا الكثير من القوات والمعدات نتيجة للحرب. إن ضعف روسيا مفيد لطموحات الصين في الأمد البعيد، ولكنه في الأمد القريب يجر الصين إلى الأسفل ويخلق التزامات من حيث العقوبات الغربية ويضيف المزيد من الضغوط على الاقتصاد المحلي”.
ويمكن القول إن الصين لا تعارض علنا العلاقات الثنائية بين روسيا وكوريا الشمالية، لأنها تستفيد من هذا السيناريو إلى حد ما، وبدون موافقتها فمن غير المرجح أن تكون مشاركة كوريا الشمالية في حرب أوكرانيا ممكنة، لذا فإن التنسيق مع الصين لا يزال كامنا في الكواليس. ولكن كل خطوة تظهر اعتماد روسيا وتزيد من دور كوريا الشمالية تعمل أيضا على تعزيز الأمم المتحدة بشكل مستقل عن الصين بغض النظر عن الفوائد العرضية، وبالتالي فإن هذا سوف يصبح مصدر قلق مشروع مع مرور الوقت. وتشعر بكين بالقلق إزاء فقدان السيطرة على طموحات كيم جونغ أون وإدخالها في صراع مع كوريا الجنوبية لا تستطيع السيطرة عليه.
ومن المرجح أن تشكل كوريا الشمالية المستقلة بالكامل تهديدا لطموحات الصين ذاتها، على الرغم من أن كوريا الشمالية لا تستطيع التنافس مع الصين اقتصاديا.
وفي الآن ذاته، تحاول كوريا الشمالية أن تصبح عضوا كاملا في هذه الكتلة من خلال إقامة تحالفات دبلوماسية مع عدد متزايد من البلدان، البعض منهم لاعبون ثانويون في كتلتي روسيا وكوريا الشمالية، ولكن بعضها دول أوروبية يمكن أن تفتح الأبواب أمام تطبيع كيم الكامل مع المجتمع الدولي ودور دولي أكبر. إذ إن عزلة كوريا الشمالية تناسب الصين تماما، وكوريا الشمالية شبه المعزولة أكثر فائدة، ولكن كوريا الشمالية كلاعب دولي كامل تشكل احتمالا خطيرا.
ولهذا السبب، فإن الدور الذي تلعبه كوريا الشمالية في الوقت الحالي قد يتجه بشكل غير متوقع في أي من الاتجاهين: فقد تجبر القوى الغربية على التودد إليها بشكل أكبر لكسر تحالف الصين/روسيا/إيران ومنعها من المشاركة بشكل أكبر في الصراعات، وفق تسوكرمان، أو قد تعمل على عزلها بشكل أكبر بالوكالة نتيجة لمحاولة بذل جهد متضافر للسيطرة عليها.
ومع ذلك، فإن السيناريو الحالي، حيث لا يفعل معظم العالم شيئا بشأن كوريا الشمالية، ويعزز موقفه السلبي، هو سيناريو آخر يتعين على الصين مواجهته، والنتيجة غير متوقعة. لا تزال الصين بحاجة إلى كوريا الشمالية لأنها تتبنى موقفا أكثر عزلة، ولكن المفارقة أن كلما زادت الحاجة إليها، كلما أصبحت كوريا الشمالية لاعبا مستقلا لا يمكن السيطرة عليه. ومن المشكوك فيه أن تعود العلاقات في المستقبل القريب إلى ما كانت عليه في السابق.
- تعاون عسكري متنام بين كوريا الشمالية وروسيا.. والصين تكبت حذرها مؤقتاً!
- “اكتمال تصفية قادة الصف الأول بحزب الله”.. إسرائيل تعلن مقتل قيادي بارز
- إيران تبلغ دولاً بضربة “قوية ومعقدة” ضد إسرائيل.. وتل أبيب تهدد بـ”حرب شاملة”
- انطلاقة “إكس فاكتور” تخطف الأجواء.. وعائلة بنات الهاشم تُكسّر المسرح!
- بمقدار 15 ألف ليرة.. انخفاض أسعار الذهب في أسواق دمشق
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.