العلاقات المصرية اليابانية شهدت تحولا كبيرا خلال السنوات الماضية، خاصة بعد زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لليابان عام 2016، واليوم يبدو أن العلاقات تتحول إلى رفع مستوى العلاقات نحو الشراكة الاستراتيجية، إذ تحمل القمة المصرية اليابانية التي جرت يوم السبت الماضي بين الرئيس السيسي ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا منعطفا هاما في إطار تطوير العلاقات بين البلدين على جميع المستويات وخاصة الاقتصادية منها.

كيشيدا بدأ جولة في القارة الإفريقية بدءا من مصر، وهذه الزيارة تهدف إلى تأكيد روابط طوكيو مع الجنوب العالمي ومواجهة سلوكيات الحزب “الشيوعي” الصيني الذي يطمح بشكل متزايد إلى الهيمنة، حسبما نقلت “هيئة الإذاعة اليابانية”، إضافة إلى نقاشات حول تطورات الأزمة السودانية، بجانب مناقشة قضايا أخرى على ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا.

من هنا تبرز عدة تساؤلات حول أهداف الزيارة اليابانية إلى القارة الإفريقية، وتحديدا أنها انطلقت من القاهرة. ومع اقتراب قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، تسعى اليابان إلى تعزيز العلاقات مع الجنوب العالمي، وهو مصطلح يشير بشكل جماعي إلى البلدان النامية جنوب خط الاستواء، وفقا لكيشيدا، وبالتالي ما مدى احتمالية إقامة اليابان شراكات استراتيجية وعلاقات قوية مع دول القارة للحد من النفوذ الصيني.

في خضم المتغيرات الدولية المتسارعة، وتوسع النفوذ الصيني، والمنافسة المحمومة من جانب الدول الكبرى على تعظيم نفوذها في القارة الإفريقية، ما قدرة اليابان على زيادة نفوذها هناك والقيام بدور فاعل في أزمات دول القارة، وهل هذا يحقق الاستقرار والأمن لتلك الدول.

رفع مستوى العلاقات

نحو ذلك، استقبل الرئيس السيسي يوم أمس الأحد بقصر الاتحادية، كيشيدا، الذي كان قد وصل إلى القاهرة مساء السبت الماضي في زيارة تستمر ثلاثة أيام ضمن جولة إفريقية تشمل إضافة إلى مصر كلاً من غانا وكينيا وموزمبيق قبل أن يحط في سنغافورة خلال رحلة العودة، وذلك ضمن جهود يابانية لبناء الزخم نحو اجتماع قمة مجموعة السبع في هيروشيما الشهر المقبل.

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا “الرئاسة المصرية”

المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية، صرح بأن مباحثات القمة المصرية اليابانية شهدت الاتفاق على ترفيع العلاقات بين مصر واليابان إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، كتتويج لمسيرة ممتدة من العلاقات التاريخية المتجددة بين البلدين الصديقين، وفق موقع “المصري اليوم“.

كما بحث الجانبان سبل تعزيز التعاون الثنائي المشترك بين البلدين، خاصةً في مجالات الاستثمار والتجارة، والتعليم، والصحة، وتكنولوجيا المعلومات، والنقل، والطاقة المتجددة، وكذلك المتحف المصري الكبير، الذي يعد علامة بارزة على التعاون التنموي المثمر بين الدولتين، بحسب فهمي.

كيشيدا، من جانبه أكد أن الشراكة مع مصر لم تعد شراكة ثنائية فقط، بل تم التباحث مع الرئيس السيسي من أجل تحويلها إلى شراكة استراتيجية. كما وتركزت المحادثات، على قضايا إقليمية ودولية عدة، فضلا عن أن المحادثات تطرقت إلى الجهود الجارية لصون وترسيخ السلم والأمن على المستوى الدولي، إذ جرى تبادل لوجهات النظر بين الرئيس السيسي وكيشيدا حول مواضيع عدة من بينها الأزمة الروسية- الأوكرانية وجهود منع انتشار الأسلحة النووية وتعزيز العمل الدبلوماسي متعدد الأطراف وإصلاح منظومة “الأمم المتحدة” و”مجلس الأمن”. كما تم تناول تطورات عدد من القضايا الإقليمية، لا سيما القضية الفلسطينية وسد النهضة الإثيوبي.

قد يهمك: “الملاحة المباشرة” فرصة كبيرة للاستثمار في الخليج؟

الأكاديمي والخبير في العلاقات الدولية وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أيمن سلامة، يقول إنه يمكننا أن نجزم من أنه في العلاقات الخارجية أو العلاقات الدولية، فإن الرؤى المصرية أو اليابانية بشكل عام هي رؤى متسقة. وتعد العلاقات بين القاهرة وطوكيو في الجانب التجاري هي مثال يحتذى به على مستوى العلاقات التعاونية بين الدول.

عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية يردف لموقع “الحل نت”، أنه بالفعل شهدت السنوات الأخيرة وبلغة الأرقام زيادة في حجم التبادل التجاري بين طوكيو والقاهرة، حيث بلغت الصادرات المصرية إلى اليابان عام 2021 أي قبل نحو عامين 327 مليون دولار، بزيادة حوالي 7 بالمئة عن العام الذي يسبقه.

كذلك، من المهم الإشارة إلى موضوع آخر وهو أن مرتبة العلاقات التجارية بين البلدين قد تم رفعها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، وهذا أمر لافت ومهم في هذا الوقت، حيث يحمل معنى الشريك التجاري الاستراتيجي عدة جوانب وبما في ذلك الشراكة الاستراتيجية في مجال التسويق التجاري وأيضا سلاسل التوريد وأيضا ثمة شراكة استراتيجية مالية، وفق تعبير عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية.

لكبح جماح النفوذ الصيني؟

جولة كيشيدا الإفريقية الأولى بعد توليه منصبه في تشرين الأول/أكتوبر 2021، قبل نحو ثلاثة أسابيع من قمة “مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى” المقررة في هيروشيما الشهر المقبل، في إطار جهود اليابان لبناء الزخم نحو ذلك الاجتماع، ولتأكيد روابط اليابان مع جنوب العالم، لا سيما في مجالات مثل الغذاء والطاقة، ولتأكيد الحفاظ على النظام الدولي في ضوء الحرب الروسية الأوكرانية والتصرفات الصينية الرامية بشكل متزايد إلى الهيمنة، وفق “هيئة الإذاعة اليابانية”.

كما نقلت “وكالة الأنباء اليابانية” (كيودو) عن كبير أمناء مجلس الوزراء هيروكازو ماتسونو، المتحدث باسم الحكومة، قوله في تصريحات سابقة إن تأكيد التعاون مع الدول الإفريقية الكبرى لمعالجة القضايا العالمية أمر مهم بالنسبة إلى اليابان التي تتولى رئاسة مجموعة الدول السبع لهذا العام، مضيفا أن طوكيو تعير التعاون مع الدول الإفريقية الكبرى اهتماما بالغا لمواجهة القضايا الدولية.

كما وترى طوكيو، مصر وغانا وكينيا وموزمبيق من الدول المؤثرة بشكل متزايد ضمن ما يعرف بالجنوب العالمي، وأن كثيرا من تلك الدول اتخذت موقفا محايدا حيال الصراع في أوكرانيا ونأت بنفسها عن الدول الصناعية في قضايا من بينها التغير المناخي، حسبما نقله موقع “اندبندنت عربية”.

بالعودة إلى سلامة، فإن قد مر قرن على الزمان من تاريخ العلاقات بين الدولية الدبلوماسية بين مصر واليابان، وتحديدا في عام 1922 وبمناسبة استقلال مصر عن بريطانيا، عندما اعترفت اليابان باستقلال المملكة المصرية في ذلك الوقت. بمعنى أن اليابان تدرك جيدا مدى أهمية مصر في القارة الإفريقية ولهذا ترغب طوكيو بتعزيز علاقاتها هذه مع اقتراب قمة “مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى”، خاصة وأن اليابان شاركت وعززت على مدى العقود الماضية في تمويل ودعم مشاريع ضخمة في مجالات البنية التحتية والطاقة والتعليم في مصر.

أيضا تسعى اليابان إلى زيادة استثماراتها في إفريقيا لمواجهة النفوذ الصيني عبر الدفع بمشروع الممر الآسيوي الإفريقي والترويج للنموذج التنموي الياباني في القارة، للاستفادة من الزخم التصويتي الإفريقي في المحافل الدولية وحماية الممرات والمضايق المائية الاستراتيجية في ضوء تسارع المتغيرات الدولية المتسارعة، وفق “كيودو”.

في سياق ذلك تتباين آراء المراقبين حول قدرة اليابان على زيادة تأثيرها في أفريقيا ولعب دور فاعل في أزماتها، فمثلا في ظل التنافس التقليدي بين طوكيو وبكين، يمكن القول إن اليابان بقدراتها الحالية ربما لن تستطيع منافسة الصين التي تجاوزتها تكنولوجيا وسياسيا واقتصاديا.

قد يهمك: أسبوعان على الانتخابات الرئاسية.. الأتراك أمام سلطوية متزايدة أو تحول ديمقراطي موعود؟

مع ذلك، إذا كان ثمة دعم كبير من دول “مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى”، وخاصة الولايات المتحدة، لليابان، بالإضافة إلى مدى فاعلية ومستوى العلاقات بين طوكيو والقاهرة تحديدا، فربما يمكن القول إنها ستتوج جهود طوكيو بنوع من الإيجابية وبالتالي الحد من نفوذ الصين في إفريقيا، على حد تعبيره.

بعض المراقبين يرون أن نجاح المحاولات اليابانية يتوقف على ما يمكن أن تقدمه طوكيو إلى القارة الإفريقية، إذ تمتلك اليابان برنامج مساعدات، وهنا تقبع الإشكالية، كذلك في أن برنامج المساعدات والقروض اليابانية بالنسبة إلى إفريقيا محدود مقارنة بحجم المساعدات والقروض التي تقدمها الصين، وكذلك حجم التبادلات التجارية بين طوكيو والقارة مقارنة بالصين”، وفق “اندبندنت عربية“.

مناقشة الأزمة السودانية

من جانب آخر، قال المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية، إن طوكيو والقاهرة اتفقا على ضرورة تحقيق وقف إطلاق النار في السودان وتثبيته ودفع جهود الحوار السياسي واستكمال المرحلة الانتقالية. كما وأكد الرئيس السيسي موقف بلاده الرافض لتدخل أي طرف خارجي في الصراع الدائر بالسودان باعتباره شأنا سودانيا خالصا، داعيا إلى ضرورة الوقف الفوري والدائم والشامل لإطلاق النار هناك.

مناقشة كيشيدا مع السياسي حول الصراع بالسودان يأتي في إطارة رؤية طوكيو للقاهرة كونها تلعب دورا مهما في ضمان الأمن والاستقرار وخفض التوتر بمنطقة الشرق الأوسط وقارة إفريقيا، وهنا يقول سلامة إنه تدليلا وليس حصرا بشأن الموقف المصري والياباني تجاه السودان، فإن الدولتان تحرصان وتؤكدان على ضرورة امتناع أي أطراف خارجية عن التدخل في الشأن الداخلي للسودان.

اتفق الجانبان على ضرورة تحقيق وقف إطلاق النار في السودان “الرئاسة المصرية”

بالتالي فإن جهود مصر يبدو أنه سينحصر في دفع أطراف الصراع نحو المفاوضات والحل السلمي، وهو رغبة كل من “الأمم المتحدة” والولايات المتحدة أيضا حول ضرورة وقف إطلاق النار وعدم تدخل أطراف خارجية بالشأن السوداني أو إجراره نحو حرب أهلية دامية، والتمسك بالحل السلمي، على اعتبار أن مصلحة مصر ودول القارة تكمن في استقرار السودان ونزع فتيل الصراع، خاصة وأن الخرطوم المطل على البحر الأحمر، أحد أهم الشرايين اللوجستية للحركة البحرية، ومساعي اليابان يأتي في سياق عدم تأثر تجارتها أو الاقتصاد العالمي ككل بهذا الصراع.

استدراكا أكثر، فإنه ثمة توافق كبير في الرؤى ووجهات النظر بين طوكيو والقاهرة حول التعامل مع التحديات الإقليمية والعالمية، وضرورة التسوية السلمية للنزاعات والحروب. ولذلك شكلت القمة المصرية اليابانية محطة مهمة في إطار مسار تطور العلاقات المصرية اليابانية ومناقشة الأوضاع الإقليمية والدولية حياله.

أهداف اليابان نحو إفريقيا

في المقابل وبحسب دراسة لأستاذ العلوم السياسية بمركز “المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة” حمدي عبدالرحمن، تكمن أهداف اليابان من توجهها الناعم نحو إفريقيا في عدد من النقاط أبرزها الحجم التصويتي لدول القارة في “الأمم المتحدة” واللحاق بالفاعلين الآسيويين والغربيين الآخرين في السوق الإفريقية، بالإضافة إلى محاولة دمج إفريقيا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة والتحول إلى سياسة الاستثمار الخاص.

العام الماضي أعلنت اليابان عن تخصيص 30 مليار دولار لمشاريع تنموية في القارة الإفريقية خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، إضافة إلى تقديم 130 مليون دولار لمشاريع الأمن الغذائي ومساعدات غذائية قدرها 300 مليون دولار بالتعاون مع “البنك الإفريقي للتنمية”، فضلا عن أنشطة أخرى من منح قروض بالمليارات وتمويل مشاريع تنموية وتدعيم الاقتصاد الأخضر والقضاء على التلوث الكربوني وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء.

كما وتعد اليابان من أبرز الشركاء التجاريين لمصر ويتجاوز حجم التبادل التجاري بينهما 1.25 مليار دولار, إضافة إلى أن هناك أكثر من 100 شركة يابانية تعمل في مصر بقطاعات مختلفة.

في العموم، المنافسة المحمومة بين الدول الكبرى في القارة الإفريقية، وتحديدا مساعي الصين للهيمنة والاستحواذ على القارة الإفريقية ومواردها الوفيرة، قد تجعل دخول اليابان المتخلفة في هذه الجهود الكبيرة هناك، أمرا صعبا وشيئا لا يمكن الرهان عليه في الوقت الحاضر، ولكن إذا كان هناك دعم لطوكيو بتعاون الدول الإفريقية، وخاصة مصر التي لها دور استراتيجي مهم في القارة، فإن كبح الصين وتقليص نفوذها ليس مستحيلا، لكنه يتطلب الكثير من الوقت والجهد والموارد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات