رغم أن العلاقات السياسية بين دمشق وطهران توصف بـ “الجيدة”، إلا أن ذلك لم ينعكس على العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، في حين قدمت إيران الدعم العسكري لسوريا خلال أزيد من عقد، لكنها لم تصل إلى طموحها في الاقتصاد السوري.
هذه النتيجة كشف عنها الأمين العام لغرفة التجارة الإيرانية السورية، سعيد عارف، إذ قال إن القيمة الإجمالية للتجارة بين البلدين لم تتجاوز 350 مليون دولار سنوياً، بينما انخفض هذا الرقم إلى 124 مليون دولار في العام الماضي.
إضافة إلى ذلك، فقد أُعيد إغلاق مصنع “سايبا” لصناعة السيارات في سوريا، والذي يعتبر “المصنع الوحيد من نوعه” الذي تم إنشاؤه في البلاد من قبل إيران، بحسب عارف.
اتفاقية التجارة الحرة لم تُنفذ
اتفاقية التجارة الحرة، التي وُقعت في العام 2014، في عهد حكومة أحمدي نجاد، لم تُنفذ، ولذلك تم فرض رسوم جمركية بنسبة 4 بالمئة على 2000 سلعة يمكن تصديرها من إيران إلى سوريا، مع استثناء 88 سلعة من هذه الرسوم، وهي المواد الأساسية مثل القمح، إذ تفرض عليها رسوم أعلى لمنع تصديرها، وفق عارف.
وأضاف أنه مع توقيع اتفاقية التجارة الحرة، انخفضت الرسوم الجمركية على تصدير السلع بين البلدين من 4 بالمئة إلى الصفر، وأصبحت كلفة التصدير محصورة فقط بتكاليف النقل.
وعملت طهران على تعديل اتفاقية التجارة الحرة قي الـ 13 من تشرين ثاني/نوفمبر الجاري، حيث صدّق “مجلس الشورى الإيراني” على الخطوط العريضة وتفاصيل مشروع قانون تعديل الملحق لاتفاقية التجارة الحرة بين إيران والحكومة السورية.
المسؤول الإيراني أضاف: “صحيح أن العلاقات السياسية بين البلدين جيدة، لكن خلال السنوات الماضية، لم تتجاوز القيمة الإجمالية للتجارة بين البلدين 350 مليون دولار سنوياً، وفي العام الماضي انخفض هذا الرقم إلى 124 مليون دولار”.
إجمالي الواردات السورية سنوياً يصل إلى 5 مليارات دولار، والتوازن التجاري بين البلدين هو بنسبة 1 إلى 10 لصالح إيران، وهذا الأمر ليس مرغوباً للسوريين، إذ يشكل الإيرانيون أقل من 2 بالمئة من إجمالي قيمة الواردات إلى سوريا، وفق عارف.
سبب الخلل في التوازن التجاري يعود إلى عدم إمكانية استيراد البضائع السورية لإيران، لأن البضائع التصديرية السورية إما تنتج في إيران، أو لا يوجد طلب عليها، إذ إن هذا الخلل، وفق عارف، جعل اتفاق التجارة الحرة بين البلدين جذابة فقط لإيران، ولم تلق ترحيباً كبيراً من الجانب السوري.
وأوضح عارف، في حديث لوكالة “إيلنا” الإيرانية، أن التحديات لا تقتصر على الخلل في التوازن التجاري، بل هناك مشاكل أخرى، مثل التأخير في المصادقة وتنفيذ بنود اتفاقية التجارة الحرة، وتخصيص خط الائتمان الإيراني فقط للقطاع الحكومي والشركات شبه الحكومية، وعدم وجود بنية تحتية لنقل الأموال من إيران إلى سوريا، وعدم وجود بنية تحتية للنقل البري لإرسال البضائع إلى سوريا.
القطاع الحكومي الإيراني لا يتواجد في السوق السورية بسبب رؤيته الخاصة، ولم يتم تحديد مكانة القطاع الخاص في أي من الاتفاقيات أو التفاهمات بين الجانبين حتى الآن، في حين أن النقل البحري منخفض بسبب خلل التوازن التجاري بين الجانبين، ولا يوجد تأمين للصادرات في التجارة مع سوريا في إيران، وهناك قانون صارم للتحكم في العملات في سوريا، ولا يمكن إجراء معاملات بالليرة السورية، حيث لا يتم تداولها أو شراؤها أو بيعها في أي مكتب صرافة في إيران.
الاستثمارات الإيرانية محدودة
بالنسبة للقطاع الخاص الإيراني في سوريا، فإنه “لا حضور فعلي نشط له في سوريا، إن كان في شكل تمثيل أو استثمار مشترك”، إذ يعود ذلك إلى غياب الاستقرار الاقتصادي والسياسي الناتج عن الحرب في سوريا، مما يزيد من مخاطر خسارة رأس المال، بحسب عارف.
نتيجة لذلك، لعب الوسطاء دوراً رئيسياً في هذه التجارة، فيما أدى عدم إمكانية إرسال البضائع مباشرة أو التجارة المباشرة مع سوريا جعل التجار العراقيين يعملون كوسطاء في هذه التجارة، ومع مرور الوقت تم استبدال البضائع الإيرانية بمنتجات أخرى.
واعتبر عارف أن وجود حدود مشتركة لسوريا مع تركيا والعراق أدى إلى تسهيل التجارة عبر التهريب، ما ساهم في الانتشار الواسع للمنتجات التركية في السوق السورية، حتى سيطرت تركيا على نصف السوق.
بين عامي 2011 و2024 وقعت الحكومة السورية مع إيران ما لا يقل عن 126 اتفاقية في مختلف القطاعات، مثل الطاقة والتجارة والصحة والتعليم والزراعة والصناعة والاتصالات والتمويل وغيرها.
لكن لم يتم تنفيذ سوى 43 اتفاقية، بينما ما تزال 47 قيد التنفيذ، وبلغ عدد الاتفاقيات تحت التنفيذ الجزئي أو المتقطع 25 اتفاقية، بحسب مركز “جسور للدراسات”.
عدم تنفيذ بعض الاتفاقيات مرتبط أيضا بمماطلة دمشق، وفق مركز “جسور”، كونه يعلم أن تنفيذ جميع الاتفاقيات سيجعله مرهونًا بشكل كلي لإيران، وهو ما لا يريده، أما الاتفاقيات التي يجري أو جرى تنفيذها فتكون مع شركات إيرانية لا تمتلك وزنا استثماريا فاعلا في السوق، وقد ينحصر عمل معظمها في القيام بعمليات تبييض أموال “الحرس الثوري” الإيراني.
ويُلاحَظ وجود سمة عامة صبغت التوجهات الاقتصادية الإيرانية في سوريا، وهي النجاح في إبرام الاتفاقيات مع الفشل في تحويلها إلى واقع، نتيجة ثلاثة عوامل رئيسة، هي المنافسة الروسية، وتأثير العقوبات الغربية، والضعف الاقتصادي في سوريا، وفق دراسة لمركز “الحوار السوري“، عام 2022.
إغلاق مصنع “سايبا”
المسؤول الإيراني أشار إلى أن من بين شركات صناعة السيارات الإيرانية، كانت شركة “سايبا” فقط هي التي استقرت في سوريا، إلا أن مصنعها هناك حالياً مغلق ولا يتم فيه أي إنتاج. إذ أوضح أن المصانع الإيرانية الأخرى في سوريا، التي تم تشييدها خلال السنوات الماضية، لم تُفعَّل بعد بسبب ما وصفه بـ “المشاكل بين البلدين”.
وأشار عارف إلى أن الشركات الإيرانية لا تزال نشطة في مجالات معينة مثل توفير البنية التحتية للصناعات السورية وتقديم الخدمات الفنية والهندسية، ولكنها لم تحقق أي تقدم كبير في إعادة إعمار البلاد.
بالنسبة لمعمل “سايبا”، في منطقة حسياء الصناعية بريف حمص، فقد تعرض للاستهداف الإسرائيلي بضربتين بتوقيتين مختلفين، الأولى في الـ 6 من تشرين أول/أكتوبر الماضي، والثانية في الـ 10 من الشهر نفسه.
ونقلت وكالة “سانا” السورية عن مدير المدينة الصناعية حينها، أن القصف استهدف معمل سيارات “سابا”، وعدة شاحنات “محملة بمواد طبية وإغاثية” ما تسبب في نشوب حريق كبير في المنطقة، فيما لم تعلق تل أبيب على تلك الضربة.
يعود تأسيس شركة “سايبا” في سوريا إلى عام 2006، تحت اسم “سيفيكو”، كمشروع مشترك بين شركة “سايبا” الإيرانية والحكومة السورية، حيث كانت الشركة تمتلك 80 بالمئة من أسهم المصنع.
إذاً، لم تنجح إيران في الحصول على حصة كبيرة من الاقتصاد السوري، رغم دعمها الحكومة السورية على مدار أكثر من 13 سنة بنحو 50 مليار دولار أميركي، بحسب تقديرات غير رسمية، إذ يعود ذلك إلى سياسة الحكومة السورية بعدم تنفيذ الاتفاقيات أولاً، وعدم تركيز طهران على الاقتصاد بقدر اهتمامها بمشروعها الديني والعقائدي.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.