بعد سقوط النظام السوري، برزت تساؤلات حول الذي جرى منذ بداية معركة “ردع العدوان” التي انطلقت في 27 تشرين ثاني/نوفمبر 2024، إلى حين سقوط العاصمة دمشق بأيدي قوات المعارضة، التي كان تقدمها سريعاً ومفاجئاً.

إذ كان واضحا منذ بداية العمليات العسكرية أن موسكو وطهران تخليتا عن الرئيس المخلوع، بشار الأسد، ونظامه، حيث لم تشارك روسيا عير أسطولها الحربي في سوريا في صدّ تقدم المعارضة، بينما نأت إيران بنفسها وبدأت بسحب قواتها، بعد مقتل أحد مستشاريها العسكريين في حلب.

أوامر بالانسحاب

السيطرة على مدينة حماة والوصول إلى مشارف مدينة حمص، كان الوقت الفاصل في قدرة النظام على البقاء في السلطة، إذ كشف المستشار الروسي، رامي الشاعر، أنّ موسكو طلبت من بشار الأسد بعد وصول “إدارة العمليات العسكرية” إلى مشارف مدينة حمص، بأن يُصدر أوامر للجيش بالانسحاب من القطعات وعدم الانخراط في مواجهة عسكرية، وهذا الطلب تم تنسيقه مع الجانبين التركي والإيراني.

أضرم سكان في حماة النار في لافتة كبيرة تحمل صورة الرئيس المخلوع بشار الأسد معلقة على واجهة مبنى البلدية في 5 ديسمبر/كانون الأول 2024، بعد السيطرة على المدينة الواقعة في وسط غرب سوريا – فرانس برس

الشاعر فسّر موافقة إيران على هذا السيناريو بالقناعة بـ “ضعف الدفاعات السورية وضرورة عدم إشعال مواجهة ستفضي إلى مجزرة ولا تسمح للنظام بالصمود”.

في هذه المرحلة بدا واضحاً أن الأمور خرجت عن سيطرة النظام، خصوصاً مع إحكام الطوق حول حمص، وفي هذا الوقت كانت التحضيرات متسارعة لعقد الاجتماع الثلاثي لمجموعة آستانة في الدوحة على المستوى الوزاري.

في هذه المرحلة تم الاتصال بالأسد وتقديم ضمانات أمنية له ولكل أفراد عائلته بخروج آمن، مع تأكيد أهمية عدم إبداء مقاومة وتوجيه تعليمات للقطاعات العسكرية، وإعلان بيان التنحي عن منصبه، وفق الشاعر.

وقال إن موافقة الأسد جاءت بعد مرور ساعات معدودة على تلقيه الاقتراح، لكنها كانت ساعات مليئة بتطورات ميدانية. بينما أصدر وزير الدفاع أوامر للجيش والفروع الأمنية التابعة للمؤسسة العسكرية بعدم المقاومة، وتوجيه الضباط والجنود لالتزام بيوتهم وخلع البزّات العسكرية والتحول إلى ملابس مدنية.

في أثناء الحوار في الدوحة، في الليلة التي سبقت سقوط النظام، جرى التركيز على الدور الذي يمكن أن تقوم به مجموعة آستانة لمساعدة سوريا في الوضع الجديد الناشئ.

ورأى الشاعر أنه عملياً وبفضل تلك التحركات تم تفادي سقوط سوريا في مواجهة طائفية طاحنة، وتحول الوضع إلى حرب أهلية واسعة النطاق. إذ اعتبر أن نظام التهدئة ووقف الاقتتال الذي أسهمت “مجموعة آستانة” في بلورته كان يهدف إلى منح الوقت اللازم لإنضاج “العامل الذاتي” لدى الحكومة والمعارضة في سوريا لإطلاق عملية الحوار السوري – السوري الجدي، والبدء في مرحلة الانتقال إلى نظام حكم جديد يلبي طموحات السوريين.

وانتقد الشاعر تأخر النظام السوري السابق في التعامل بجدية مع مسار حقيقي للتسوية السياسية، مشيراً إلى تفهم سبب نفاد صبر المعارضة المسلحة، وإطلاقها التحرك العسكري بهذا الشكل.

الحاضنة الشعبية وتقدير موسكو

بعد انطلاق الهجوم، الذي توفرت لموسكو معلومات دقيقة حول توقيته وحجمه وأهدافه، كان الوقت قد تأخر لإطلاق الأسد مبادرة سياسية تفتح باب الحوار مع المعارضة، وسرعان ما اتُّخذ القرار في موسكو بترتيب خروج آمن، وفقاً للمستشار الشاعر، المقرب من أوساط اتخاذ القرار الروسي.

سيدة سورية تُلوِّح بعلامة النصر وتحمل باقة ورود في ساحة الأمويين بدمشق احتفالاً بإعلان الإطاحة بالأسد (أ.ف.ب)

وأضاف لصحيفة “الشرق الأوسط“، أن المعطيات التي توافرت لدى موسكو حول الإعداد لهجوم واسع النطاق، دفعتها إلى التحرك العاجل قبل 48 ساعة من بدء الهجوم على أكثر من محور، وتم من خلال قنوات مختصة إبلاغ سلطات النظام بأنه سيتم التقدم من قوات تابعة للفصائل المسلحة باتجاه حلب ومنها نحو مدن سورية أخرى.

بحسب الشاعر، جرت اتصالات عاجلة عبر قنوات ساخنة مع الطرفين التركي والإيراني، وكان الهدف منها محاولة وقف العملية والاتجاه نحو تحريك حوار سياسي، لكن سرعان ما تبين لموسكو أن القرار النهائي قد اتُّخذ والفصائل لن تتراجع عن شن الهجوم.

بالنسبة إلى موسكو كان القرار صعباً، بسبب أن المعطيات الاستخباراتية المتوفرة أكدت أن الأمر لا يتعلق فقط بدرجة الإعداد للهجوم من جانب الفصائل، بل بوجود حاضنة شعبية واسعة النطاق، تؤيد هذا التحرك، ووفقاً لتلك المعطيات فإنه في حال حصول تقدم واسع النطاق فإن نحو 80 بالمئة من السوريين سوف يدعمونه بقوة، وفق الشاعر

وأضاف أن معطيات موسكو أكدت وجود حالة تذمر واسعة داخل جيش النظام بسبب الوضع العام، وبدرجة أعلى بسبب تردي الأحوال المعيشية للضباط والعسكريين. إذ أصدر الأسد في الأيام الأخيرة مرسوماً يقضي بزيادة رواتب الجيش 50 بالمئة.

ولفت الشاعر إلى أنّ منح اللجوء حالياً للأسد لا يعني أنّه سيبقى في موسكو. وحول آلية تنفيذ قرار منح اللجوء، بيّن الشاعر أنّه تم الاتصال بالأسد عبر القناة المباشرة وجرى لقاء شخصي مباشر معه قُدمت خلاله تأكيدات بالضمانات بخروج آمن له ولكل أفراد عائلته، مشيراً إلى أنّ الأسد نُقل على متن طائرة مباشرة من دمشق إلى موسكو.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات