تملك سوريا اقتصاداً متنوعاً وموارد طبيعية تجعلها وفقًا لمحللين اقتصاديين من أغنى دول المنطقة حال استغلالها، ما يحقق موارد كبيرة لخزائن الدولة التي ظلت خاوية أثناء حكم الأسد ومن بعد أزمة عام 2011 واندلاع الثورة السورية ضده. 

ومع سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، يواجه الاقتصاد السوري تحديات بالغة، في ظل وضع اقتصادي متدهور إضافة إلى تدمير واسع طال البنى التحتية بشكل شبه كامل، لتجد السلطة الجديدة نفسها في مواجهةٍ أمام هذا التحدي، حاملة على عاتقها مسؤولية بناء اقتصاد جديد وتوفير موارد مالية للبلاد. 

وارتبط بروز الواقع الاقتصادي الذي باتت عليه سوريا بعد فرار الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الجاري، وضرورة إعادة إعمار الدولة، بسؤال حول كيفية تأمين إيرادات مالية تساعد الحكومة أن تدور عجلة الاقتصاد وقيادة سوريا نحو مستقبل أكثر استقراراً وازدهارًا. 

كانت الحكومة الانتقالية الجديدة أكدت في الأيام الأولى من تعيينها أن سوريا تشهد وضعًا اقتصاديًا صعبًا، وأعلن رئيس مجلس الوزراء محمد البشير، أن خزائن الدولة ليس بها نقوداً سوى بالليرة السورية وأنها لا تمتلك سيولة كافية بالعملات الأجنبية في الوقت الحالي، واصفاً الوضع المالي للبلاد بأنه “بالغ السوء”. 

وتشير تقارير إلى حاجة الاقتصاد السوري إلى نحو 10 سنوات من أجل العودة إلى مستويات 2011، وذلك بعد أن فقد نحو 85% من قيمته خلال 12 عاماً ليصل إلى تسع مليارات دولار في 2023 مقابل 67.5 مليار دولار في 2011، وفقاً للبنك الدولي. 

تحديات كبيرة 

في هذا الصدد كشف تقرير لصحيفة “الشرق الأوسط” الدولية، أن الحكومة الجديدة في سوريا سوف تواجه تحديات كبيرة لتمويل عملياتها، سيما وأنها ورثت تركة اقتصادية متهالكة من النظام السابق، ما يجعل الآفاق أمامها محدودة خلال الفترة القادمة. 

ونقلت الصحيفة عن رئيس وحدة الشؤون الاقتصادية والدبلوماسية في المنظمة الأوروبية للسياسات، ناصر زهير، توقّعه بأن تتبع حكومة تصريف الأعمال برئاسة محمد البشير، نفس النهج الذي اتبعته في إدلب للحصول على الإيرادات، مشيرًا إلى أن حكومة الإنقاذ في إدلب كانت تغطي نفقاتها عبر إجراءات مؤقتة لا يمكن الاعتماد عليها في تأمين موارد لاقتصاد دولة مثل سوريا. 

وبحسب الصحيفة بيّن زهير، أن حكومة الإنقاذ في إدلب كانت تؤمن الموارد عبر عدة قنوات، منها الضرائب وتجارة المحروقات بالإضافة إلى المساعدات الدولية التي كانت تؤمّن جزءاً كبيراً من احتياجات النازحين في إدلب، وبالإضافة إلى الحوالات الخارجية من المغتربين السوريين التي كانت تصل إلى عائلاتهم وأخيراً الدعم الاقتصادي الذي كانت تؤمّنه الحدود مع تركيا في التجارة بين الجانبين. 

وأشار إلى أن حكومة البشير تعتقد بأن رفع العقوبات هي مسألة أشهُر وعندها يمكنها البناء وفق موارد اقتصادية صحيحة، لكن في الوقت الحالي ستعتمد على الموارد والخطط نفسها التي كانت تتبعها في إدلب والمناطق التي كانت تسيطر عليها. 

سيناريوهات محتملة

واستعرض رئيس وحدة الشؤون الاقتصادية والدبلوماسية في المنظمة الأوروبية للسياسات، خلال حديثه للصحيفة، عدداً من العوامل التي يمكن أن تساعد الحكومة المؤقتة في تمويل احتياجاتها، متوقعًا بعض السيناريوهات في تعاملها مع اقتصاد البلاد وواقعه الحالي. 

بحسب حديث زهير للصحيفة، ستعتمد حكومة الإنقاذ بشكل كبير على فرض الضرائب والرسوم على الأنشطة الاقتصادية المحلية، حيث ستفرض ضرائب عادلة على التجار والصناعيين في دمشق وحلب، لتبدأ بفرضها على الدخل، والشركات، والعقارات، وكذلك فرض رسوم جمركية على المعابر الحدودية، لا سيما المعابر مع تركيا إضافة إلى العراق والأردن، وتحسين إدارتها لزيادة الإيرادات. 

كانت أعلنت حكومة تصريف الأعمال السورية مؤخرًا عن إصدار نظام ضريبي جديد وتوحيد التعرفة الجمركية في البلاد، بهدف خفض الأعباء على المواطنين ورجال الأعمال، وتعزيز تنافسية الاقتصاد.  

وفي عام 2023 أثناء حكم الأسد، شكلّت الضرائب والرسوم غير المباشرة “وهي التي تفرض على الأنشطة الاقتصادية” نحو 51.43% من الإيرادات الضريبية، بينما شكلت ضرائب الرواتب والأجور ما يقارب 12% (11.96%) من الضرائب المباشرة، في حين أن ضريبة الأرباح الرأسمالية لم تتجاوز 3% (2.62%)، وهو ما يعكس أن النظام الضريبي كان لا يحقق العدالة ليدعم الأثرياء على حساب المواطن العادي آنذاك، وفقًا للبيان المالي للحكومة السورية للعام. 

هذا بينما شكلّت الضرائب والرسوم غير المباشرة “وهي التي تفرض على الإنفاق الاستهلاكي والرسوم الجمركية”، حيث يدفع كل فرد الضريبة نفسها بغض النظر عن مستوى دخله، نحو 51.43% من الإيرادات الضريبية، هو ما مثّل عبئًا على الفئات الأقل دخلًا. 

وأضاف زهير للصحيفة، أن الحكومة الحالية ستعتمد أيضًا على الحوالات الخارجية من العملة الصعبة من قِبل السوريين الذين سيدعمون عائلاتهم في العودة إلى بيوتهم وإعادة تأهيل ممتلكاتهم وهذه المبالغ يمكن أن تصل إلى ملياري دولار في العام الأول في 2025، ليساهموا من خلال ذلك في دعم الاقتصاد المحلي. 

أثناء حكم الأسد كانت الحوالات الخارجية تشهد تقييدًا، خاصة وأن كثيراً من السوريين قدروا بأكثر من خمسة ملايين شخص كانوا يعتمدون عليها، فبحسب تقديرات البنك الدولي فإن قيمة الحوالات في عام 2022 التي تصل إلى السوريين من الخارج وصلت إلى 1.05 مليار دولار. 

جذب الاستثمارات وتنشيط السياحة 

وقال إن الحكومة ستعمل على جذب استثمارات داخلية في مجالات عقارية عدة وصناعية وتجارية وزراعية معتمدة على وجود تركيا منفذاً دولياً، وهو ما يمكن أن يجذب استثمارات معقولة في العام الأول. 

كذلك تشجيع الشركات الأجنبية على الاستثمار في مشاريع إعادة الإعمار مقابل رسوم أو ضرائب محددة، وكذلك عقد شراكات مع القطاع الخاص بالتعاون مع الشركات المحلية والدولية في قطاعات البنية التحتية والإسكان. 

وأكد للصحيفة أن أقطاع السياحة يمكن أن يُسهم بشكل مباشر في جني الإيرادات، وذلك من خلال إعادة إحياء المواقع التاريخية والثقافية بعد تحقيق الأمن والاستقرار، ومشاركة الصناعات التحويلية عبر دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة لإعادة تشغيل عجلة الاقتصاد. 

قبل الحرب شكلت السياحة حوالي 12% من الناتج المحلي الإجمالي في 2010، حيث جذبت سوريا حوالي 8 ملايين سائح سنوياً وبإيرادات تزيد عن 8 مليارات دولار، بينما خلال الحرب انهار القطاع تماماً، مع استثناء زيارات دينية محدودة من العراق وإيران. 

الزراعة والموارد الطبيعية

وذكر أنه يمكن تعزيز الإيرادات المتعلقة بقطاع الزراعة، والعمل على توجيه القطاع بأن يصبح هناك اكتفاءً ذاتيًا، ذلك عبر فرض الضرائب على المنتجات الزراعية، فيمكن أن تشكل الزراعة مصدراً للتمويل عبر تعزيز الإنتاج الزراعي في المناطق الخصبة مثل حلب وإدلب لتحقيق الأمن الغذائي وتوليد عائدات. 

وتتمتع سوريا بثروة زراعية كبيرة مع وجود نحو 6.5 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة، أي ثلث مساحة أراضي البلاد. 

قبل الحرب شكلت الزراعة حوالي 20 إلى 25% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث كانت سوريا مكتفية ذاتياً في القمح وتصدّر القطن، بينما خلال الحرب، تعرض القطاع الزراعي لضربات كبيرة نتيجة النزوح الجماعي، الجفاف، وعدم توفر الموارد. 

يتوقع خبراء أيضاً أن تتضمن عوامل جني الإيرادات للاقتصاد السوري إدارة الموارد الطبيعية، عبر النفط والغاز، إذا تمكنت الحكومة من السيطرة على المناطق الغنية بالموارد الطبيعية (مثل شمال شرقي سوريا)، فإن استغلال هذه الموارد يمكن أن يكون مصدر دخل رئيسي. 

أكثر من 203 مليار دولار هي القيمة التقديرية لاحتياطيات سوريا من النفط، والبالغ 2.5 مليار برميل بحسب متوسط سعر عام 2024، بينما احتياطيات الغاز الطبيعي تصل إلى نحو 8.5 تريليون قدم مكعب (تقريبًا 0.1% من الاحتياطي العالمي)  

ولدى سوريا خامس أكبر احتياطي فوسفات بالعالم، يُقدر بنحو 1.7 مليار طن، وكانت قبل الحرب ثالث أكبر مُصدِر لصخور الفوسفات في العالم، كما تمتلك 21 نوع من الخامات المعدنية المهمة التي يمكن الاعتماد عليها والاستفادة منها في قطاع توليد الكهرباء. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات