في ظل التطورات التي شهدتها سوريا بعد فرار بشار الأسد إلى موسكو إثر تقدم فصائل “المعارضة السورية” بقيادة “هيئة تحرير الشام” إلى حلب وحماة وحمص ومن ثم العاصمة دمشق، فإن “سوريا الجديدة” باتت محط أنظار الأطراف الإقليمية والدولية. غير أن المتغير في سوريا ارتبط بجملة من التطورات الإقليمية بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وقد امتدت تداعياته ومفاعليه الجيوسياسية والاستراتيجية حتى اللحظة الراهن، فضلا عن انتخاب دونالد ترامب رئيسا جديدا في الولايات المتحدة، والذي ستكون لها تأثيرات واضحة على السياسات الإقليمية بالشرق الأوسط.

إن المتغيرات التي عصفت بنظام “الأسد” تماثل عمق التحولات التي ضربت الشرق الأوسط خلال الشهور الأخيرة، وجميعها وضعت الجميع على مفترق طرق، خاصة مع عواصف النظام الدولي وتقلبات الوضع الإقليمي، مما جعل الصورة التي بدت عليها دمشق خلال أيام معدودات نهاية تشرين الأول/ أكتوبر ونهاية الأسبوع الأول من كانون الأول/ ديسمبر، نقطة حسم لكثير من الرؤى السياسية والتحالفات المتينة وإثارة أسئلة المستقبل، وإلى ذلك قد تبدو المسألة الكُردية عامة والشأن السياسي “للإدارة الذاتية” في شمال شرق سوريا ووضع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والفضاء السياسي السوري مماثلا لهذا الارتباك الموضوعي الذي ينتظر مقاربات موضوعية ومؤامات تكتيكية لعدد من النقاط العالقة في الشأن السياسي.

في حوار خاص لـ”الحل نت” مع إلهام أحمد الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في “الإدارة الذاتية” في شمال وشرق سوريا، كان الوقوف على جملة الأحداث الماضية، بما فيها وضع سوريا، وكذا التصورات الجديدة لبناء مقاربة سياسية وعملية نحو “سوريا الجديدة” أمرا ملحا ومحتوما، وقد عبرت أحمد عن الفرص السياسية الممكنة للوصول الآمن إلى دولة مواطنية قائمة على التعدد وإدارة التنوع. موضحة أن التشاركية السياسية والانفتاح على حوار مباشر مع دمشق، يرتكز على نقاط واضحة ومباشرة، تتصل بأن تخطي حقبة “الأسد” المريرة، يعني بالضرورة ضمان حقوق المواطنين كافة على أساس “عقد اجتماعي”، تتبلور شروطه واستحقاقاته في الدستور والقانون. ومؤكدة على أن الشراكة السياسية تنبني من خلال أسس الحوار ومن دون وساطات أو حمولات خارجية.

وقالت القيادية الكُردية بـ”الإدارة الذاتية” إن ثمة ضرورة نحو إنشاء نظام لا مركزي واعتماد النظام الفيدرالي في سوريا، مما يتواءم مع طبيعة المجتمع السوري المتعدد، مشددة على وحدة الأراضي السورية، وترابطها الجيوسياسي. كما أشارت أحمد في حوارها مع “الحل نت”، إلى المبادرات السياسية في شمال وشرق سوريا التي تسعى إلى تعزيز الإمكانات والفرص نحو المستقبل عبر توطئة سياسية متينة بين الأطراف الوطنية كافة. ولهذا قالت: “نتصل مباشرة مع الإدارة الانتقالية الحالية الحاكمة في سوريا، وعبر قنوات مباشرة من دون وسطاء، ونأمل تحقيق نتائج إيجابية ومثمرة والتطور عبر هذا الاتصال المباشر”.

وأضافت قائلة إن مواد الدستور ذو شأن عظيم في أي نظام سياسي، و”نهدف أن يتضمن حقوق الشعب الكُردي الذي عانى طويلا من التهميش”. وتابعت إلهام أحمد أن سوريا ينبغي أن تكون للسوريين جميعا وعلى تركيا عدم التدخل في شئوننا. ولافتة إلى أن “قوات سوريا الديمقراطية يمكنها أن تكون نواة للجيش السوري الجديد”.

فيما كشفت إلهام أحمد عن عدم انسحاب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا، كما يتم الترويج أحيانا، في ظل إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، وأن ذلك لا يتعارض البتة مع علاقاته بتركيا.

وإلى نص الحوار:

إلى أي حد وصلت المحادثات السياسية نحو مسار الحوار البناء مع دمشق في ظل السلطة الجديدة وترتيبات سوريا الجديدة؟

نعم؛ هناك محادثات مباشرة مع السلطة الجديدة في دمشق، ولكنها لم تصل بعد لنقطة فعّالة يمكننا البناء عليها، ولكن نأمل أن يكون الجميع على وعي بأن سوريا بحاجة لحوارات بناءة بين كافة أطياف المجتمع السوري، وأن يكون إدراك حجم التحديات التي تواجهنا كسوريين في هذه المرحلة بقدر.

وعينا لحتمية العمل المشترك هو الارتكاز الاستراتيجي الذي نعمل عليه كقوى سياسية تمثل المجتمع السوري دون تهميش لأي فصيل.

إذاً كيف يمكننا تطبيق ذلك على “مؤتمر القوى الوطنية”؟

ينبغي الالتفات كوننا نلاحظ أن الحوار الوطني المأمول، يضم مشاركة أفراد بعينهم وليس بصفتهم كممثلين عن تنظيمات سياسية، وهذا أمر نختلف معه كثيرا، ونرى ضرورة الانتباه لهذا الأمر حتى نستطيع التحرك خطوة للأمام.

وماذا عن الدستور الجديد وحقوق الأكراد؟

عانى الشعب الكُردي كثيرا من التهميش وغياب حقوقه الأساسية. لهذا نحن يقينا نأمل أن يكون الدستور الجديد شاملا للحقوق التاريخية للشعب الكُردي، ولكن هذا الأمر أراه يحتاج لوقت طويل، ولم يدخل دائرة المناقشات بعد نظرا لأهميته البالغة.

كيف هو تصوركم لشكل الحكم في سوريا الجديدة؟ وهل ذلك كان محل مناقشة مع السلطة الجديدة؟

نعم نحن نطرح رؤيتنا بشكل مباشر في دمشق، وأستطيع القول إننا لم نبرح موقفنا بأن الفيدرالية هي الحل الناجز للوضع في سوريا، وأن اللامركزية السياسية من خلال أفق “الإدارة الذاتية” في شمال شرق سوريا هي النظرة المستقرة لنا خلال المرحلة المقبلة.

وماذا عن قوات سوريا الديمقراطية..؟

نعم لدينا الاستعداد الكامل لأن تكون قوات سوريا الديمقراطية نواة للجيش السوري الجديد، وذلك لما لها من خبرات عميقة وتدريبات متطورة، ولكن ينبغي أن يكون ذلك أيضا ضمن اتفاق سياسي أعم وأشمل مع السلطة الجديدة في دمشق.

تبدو تركيا منخرطة أكثر مما ينبغي في الشأن السوري.. ما تقديركم لذلك؟

نعم؛ بكل تأكيد تبدو تركيا منخرطة أكثر مما ينبغي في الشأن السوري، بل تقف عائقا أمام حقوق شعبنا الكُردي، ومن الضروري أن تكون سوريا للسوريين بكافة مكوناتها، دون تدخل أي طرف خارجي ومن هنا على الإدارة الانتقالية في دمشق أن تعي سيادة سوريا واستقلالية قرارها.

أيام قليلة وتبدأ إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب مهامها الرئاسية.. إلى أي حد لديكم تطمينات على وضع واستمرارية القوات الأميركية بشمال شرق سوريا؟

أستطيع القول بحسم إن الظروف حاليا تغيرت كثيرا عن وضع الإدارة الأميركية السابقة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأن هذه الظروف ستدفع نحو قرارات جديدة وتصورات أخرى، رغم ما تبدو عليه العلاقات مع تركيا وأردوغان خلال الفترة الأخيرة.

ومن هنا يمكنني القول إن قوات التحالف لن تغادر شمال وشرق سوريا خلال إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأن التحالف التاريخي فيما بيننا سيبلغ نقطة عميقة إضافية. 

ماذا عن الحكم المركزي والسلطة المركزية.. هل تقدرون أن هذا النموذج ثبت فشله وطبيعة تعددية المجتمع السوري؟

سوريا يناسبها تماما النظام الفيدرالي، وتلك رؤيتنا في ظل تمسكنا وقناعتنا بوحدة الأراضي السورية، لكن اللامركزية هدف رئيسي وأمر يتوافق مع طبيعة الوضع السوري، وهذا ما نتبناه في المرحلة الحالية.

تتمتع “الإدارة الذاتية” والقومية الكُردية بعلاقات مميزة مع القاهرة التي بدورها دخلت مرحلة تطبيع جديدة مع أنقرة، كما أن سياستها الخارجية تتسم بالتوازن في محيطها الإقليمي.. هل ثمة تعويل على دور القاهرة كوسيط إقليمي مع أنقرة؟

نحن نقدر تماما المحيط العربي الذي تعيش وسطه سوريا، ومن هنا نرى ضرورة أن تتحرك كل الدول العربية، خاصة القاهرة نحو الوضع في سوريا وأن تكون أكثر انخراطا مع هذا التطور. لدينا بالقاهرة مكتب ممثلية لمجلس سوريا الديمقراطية (مسد) الجناح السياسي لـ(قسد)، مما يجعلنا نترقب الدور الهام للقاهرة في هذا الشأن. كما أن الأدوار الوازنة للمحاور الإقليمية المعتدلة في سوريا سوف يكون مهما ويؤدي إلى ديناميات سياسية متطورة تعيق من انفراد قوى إقليمية بالملف السوري الذي يتسبب في الجمود والعنف، حيث إن القاهرة بعمق العلاقات التاريخية مع سوريا تعد طرفا ووسيطا مهما ليس لديه حسابات سوى المصلحة السورية لكافة المواطنين وبناء الاستقرار ولا يتجاوز ذلك إلى أي طموح إقليمي من شأنه تعطيل المسار السياسي الآمن، وبالتالي دورها الفاعل سيكون عامل استقرار.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
4.5 2 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات