مرّ شهران على فرار الرئيس السوري بشار الأسد، تاركًا بعد ثلاثة عشر عامًا من الحرب الأهلية الاقتصاد السوري في حالة خراب، وخدمات عامة في حالة يرثى لها، وفي بعض الحالات في حالة أسوأ مما كانت عليه قبل سقوط الأسد، خاصة بعد أن توقفت إمدادات النفط الإيرانية التي كانت تسمح بإنتاج المزيد من الكهرباء.
وبحسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، فإن الرئيس السوري أحمد الشرع يواجه مهمة شاقة، حيث ترى أنه من أجل تأمين حكمه وتجنب أزمة سياسية أخرى، تحتاج حكومته المؤقتة إلى زيادة إنتاج الطاقة بسرعة لتهدئة عامة الناس القلقين، لكن خزائن الدولة خاوية، ما يجعل الانتعاش الاقتصادي مرهونًا بالدعم الدولي الخارجي، الذي ما زال مقيدًا بسبب العقوبات الغربية التي عزلت سوريا عن الاقتصاد العالمي.
قيود كبيرة بسبب العقوبات
بالنسبة للموقف من العقوبات الغربية، أشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يقولان إنهما ينتظران أدلة على أن حكام سوريا الجدد سيعطون الأولوية للمعايير الديمقراطية وإشراك الأقليات قبل رفع جميع القيود التي استهدفت في البداية نظام الأسد.

ومنذ سقوط الأسد، رفعت واشنطن بعض العقوبات، على أمل تسهيل دخول المساعدات الإنسانية، ولكن القيود الكبيرة لا تزال مفروضة على القطاع المصرفي، وبحسب الصحيفة، فإن المؤسسات المالية والأفراد سوف يخشون التعامل مع السوريين حتى يتم رفع كل القيود.
وفقًا للبنك الدولي، انكمش الاقتصاد السوري بنسبة 85% خلال الأزمة السورية، كما يعيش أكثر من 80% من السوريين الآن في فقر. وقبل الحرب، كان سعر الليرة السورية 47 ليرة مقابل الدولار، بينما عشية انهيار النظام، وصل السعر إلى 14 ألف ليرة مقابل الدولار، على سبيل المثال، انخفض الراتب الشهري للطبيب إلى ما يعادل حوالي 25 دولارًا – بالعملة المحلية، وهو ما يعادل كومة من الأوراق النقدية بسمك بوصات.
السوريون بين الارتياح والضغوط
بعد شهرين من انهيار نظام الأسد، لا يزال الشعور بالارتياح ملموسًا في دمشق، فقد تم إزالة صور الرئيس السابق من الملصقات الدعائية في مختلف أنحاء المدينة، كما تم إفراغ سجونه، وبات بوسع الأسر أخيرًا أن تبحث علنًا عن أحبائها المفقودين، بعد أن كانت تخشى حتى مجرد ذكر اعتقالهم علنًا، ولكن على الرغم من ذلك فإن الضغوط على السوريين العاديين لا تزال هائلة.
نقلت الصحيفة عن جهاد يازجي، مؤسس ورئيس تحرير “تقرير سوريا”، وهي نشرة إلكترونية تغطي الشؤون الاقتصادية السورية، قوله إن استراتيجية الحكومة في الأمد القريب تتلخص ببساطة في البقاء على قيد الحياة.
ويضيف: “تأمين التمويل، وتأمين الطاقة، وتأمين إمدادات القمح، كل هذه الأمور سوف تكون بالغة الأهمية بالنسبة للحكومة لتجنب أزمة خطيرة في الأسابيع أو الأشهر القليلة المقبلة”.
خطوات أولية
في أوائل كانون الثاني/ يناير، قال وزير المالية بحكومة تصريف الأعمال، محمد أبا زيد، إن الحكومة ستزيد رواتب العديد من موظفي القطاع العام بنسبة تصل إلى 400%، على الرغم من أن التقدم نحو الوفاء بهذا الوعد لا يزال غير واضح.

ولكن تم رفع الحظر على العملات الأجنبية وتوحيد الرسوم الجمركية، مما دفع الدولار الأميركي إلى إغراق السوق والفواكه والخضروات المستوردة، وهو ما أدى إلى خفض أسعار المواد الغذائية الأساسية.
وقالت الصحيفة إنه في ظل عهد الأسد، كان مجرد امتلاك الدولارات يُعد دليلاً على التورط في مؤامرة خارجية ضد النظام، وعُثر على نسخ مصورة من الأوراق النقدية الأميركية في عشرات الملفات القضائية داخل فروع الاستخبارات في دمشق، حيث تعرض آلاف السوريين للتعذيب والقتل، أما اليوم، فقد أصبح صرّافو الأموال يعملون في العلن.
التحدي الأكبر
ترى صحيفة “واشنطن بوست” أن التحدي الأكبر الذي يواجه الشرع وحكومته المؤقتة يتمثل في كيفية التعامل مع القطاع العام المتضخم، فخلال عهد الأسد، أدى سوء الإدارة والفساد إلى ظهور قوائم رواتب مكتظة بالموظفين الزائدين عن الحد، بل وحتى “الموظفين الأشباح”، الذين يتقاضون رواتبهم ولكنهم لا يعملون، وقد وجد تقييم أولي أجرته الحكومة المؤقتة أن قائمة الرواتب تضمنت 300 ألف شخص ربما لم يقوموا بأي عمل.
أثارت الجهود الرامية إلى خفض رواتب العاملين في القطاع العام الاحتجاجات، حيث تجمعت مجموعات صغيرة من العمال المفصولين خارج أماكن عملهم السابقة، مطالبين بإيجاد حلول، وعلى الرصيف خارج بنك العقارات في وسط دمشق في أحد الأيام الأخيرة، رفع المتظاهرون لافتات عالية تندد بقرار تسريح عشرات الموظفين في الأسبوع السابق.
صحيفة “واشنطن بوست”
وفق الصحيفة، حتى الآن لم تقدم الحكومة الجديدة سوى رؤية سياسية واضحة، مما فتح المجال أمام المخاوف الاقتصادية والقلق بشأن التوجه الذي سيتخذه الرئيس الشرع في البلاد.
البحث عن رؤية
أشارت الصحيفة إلى أن الشرع قد واجه بالفعل انتقادات من جانب العديد من السوريين بسبب تعيينه حكومة مؤقتة لا يعكس تشكيلها التنوع الديني والثقافي في البلاد، وبسبب تركيز عملية اتخاذ القرار في دائرة صغيرة، وقال الشرع إن حكومته المؤقتة ستكون إجراءً مؤقتًا، وحدد الأول من آذار/ مارس موعدًا نهائيًا لشكل ما من أشكال الانتقال.
وأشارت الصحيفة إلى أنه في الأسبوع الماضي، قال مسؤولون من الاتحاد الأوروبي إن مثل هذا التقدم السياسي قد يؤدي إلى رفع بعض العقوبات، حيث قالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، كايا كالاس: “لدينا الآن قرار سياسي، ولدينا خريطة طريق، وإذا رأينا بعض الخطوات في الاتجاه الصحيح، فإننا على استعداد أيضًا لتخفيف العقوبات المقبلة”.

ووفق الصحيفة فإن العقوبات، التي تستهدف جزئيًا السلع الصناعية التي يمكن استخدامها لإلحاق الأذى بالمدنيين، منعت إعادة بناء المناطق التي دمرتها الحرب، وتوليد الكهرباء، وتطوير البنية التحتية التي يعود تاريخها إلى عقود من الزمن.
وفي مسعى منها إلى اكتساب القبول الدولي، أعلنت الحكومة المؤقتة عن سلسلة من اللقاءات مع ممثلين أجانب، بدءًا من اجتماعات الشرع مع مسؤولين غربيين في دمشق إلى رحلاته إلى المملكة العربية السعودية وتركيا هذا الأسبوع، وفي الوقت نفسه، ظل السوريون ينتظرون الإجابات.
- واشنطن تخفّض عدد قواتها في سوريا.. ما موقفها من دمشق؟
- أزمة مركز شام الذهبي.. “غيرانين مني” بالواجهة وتعليق أصالة يخترق الصمت!
- أسعد الشيباني: دبلوماسي سوريا الجديدة بأسماء متعددة
- هل تحمل زيارة وزير الخارجية الأردني لدمشق رسائل بعد حلّ “اللواء الثامن” بدرعا؟
- الشرع حريص على التقارب مع موسكو.. هل تقود قطر التوازن بين سوريا وروسيا؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

رئيس الوزراء اللبناني في دمشق.. على ماذا اتفق مع الشرع؟

“إفادات مزورة”.. ذوي ضحايا الساحل تحت ضغوط لتزييف الحقائق

الشرع يمدد عمل لجنة التحقيق في أحداث الساحل: ما أثر ذلك على التحقيقات؟

تحوّل في شرعية التمثيل السوري: واشنطن تُعيد تعريف العلاقة القانونية مع دمشق
الأكثر قراءة

وفد من “رجال الكرامة” يلتقي وزير الدفاع بدمشق.. ومحافظ السويداء يزور الهجري والحناوي

وصفوها بأنها “كبرت”.. نادين نجيم تردّ بقوة على منتقديها

وسط تحديات رئيسية.. ما السيناريوهات المتوقعة للاقتصاد السوري؟

هل يمكن أن تلعب الإمارات دورًا محوريًا في تعافي الاقتصاد السوري؟

نجل ممثل مصري يدهس شاباً.. وسعد الصغير أمام القضاء من جديد!

نادين الراسي بـ “فستان النوم” في الشارع وتنتقد جرأتها.. ما القصة؟
المزيد من مقالات حول اقتصاد

تفاصيل “الرحلة الأخيرة” لتهريب الأسد ثروات سوريا.. إلى أين اتجهت؟

انتشار “مافيا الكهرباء” وتصاعد سرقات الشبكات.. ماذا يحدث في الجنوب السوري؟

شحنة نفط روسي تصل إلى سوريا خلال أسبوع.. هل أصبحت موسكو بديلًا لإيران؟

“الشرع” ومعركة رفع العقوبات الأميركية.. هل ينجح في تهدئة مخاوف إدارة ترامب؟

رغم انخفاض الأسعار.. الأسواق السورية شبه خالية بسبب نقص السيولة

“جباية حكومية”.. جدل بشأن زيادة الرسوم على صناعة الأدوية في سوريا

تكهنات حول سداد السعودية ديون سوريا لدى البنك الدولي.. ما حجمها؟
