يعلق السوريون آمالًا كبيرة على الحكومة السورية الانتقالية الجديدة في إخراج البلاد من أزمتها التي استمرت أكثر من عقد بفعل الصراع والحرب التي قادها الرئيس المخلوع بشار الأسد ضد الشعب السوري الذي انتفض ضده عام 2011.
وتواجه الحكومة التي تتشكل من 23 وزيرًا جملة من التحديات الهائلة تتراوح بين تحقيق الأمن والاستقرار، وإعادة اللاجئين، ورفع العقوبات الدولية، وجذب الاستثمارات، ووقف نزيف الليرة السورية.
رفع العقوبات.. تحدٍ رئيسي
في السياق رأى المستشار الاقتصادي والسياسي، أسامة القاضي، أن رفع العقوبات، خاصة الأميركية، من أهم التحديات الرئيسية أمام الحكومة الانتقالية، خاصة وأنها تُكبّل الاقتصاد وتمنع تدفق الاستثمارات الأجنبية، وفق حديثه بأحد برامج “سكاي نيوز عربية“.
وأفاد بأن وجود وزراء خريجي جامعات غربية، مثل وزير الاقتصاد ووزير المالية وحاكم المصرف المركزي، الذين تلقوا تعليمهم في الولايات المتحدة وبريطانيا، قد يساعد في بناء جسور تفاوضية مع الدول الصناعية الكبرى.

وأكد أن نجاح الحكومة يرتبط بقدرتها على إقناع المجتمع الدولي برفع العقوبات أو على الأقل تخفيفها، وهو ما يتطلب انسجامًا بين الفريق الاقتصادي، خصوصًا بين وزير الاقتصاد ووزير المالية وحاكم المصرف المركزي، لضمان تقديم رؤية اقتصادية متكاملة وجاذبة للمستثمرين.
من جانبها اعتبرت الولايات المتحدة، الإثنين، أن تشكيل حكومة سورية انتقالية جديدة خطوة إيجابية، لكنها قالت إنها لن تخفف العقوبات حتى تتحقق من إحراز تقدم بشأن الأولويات.
واشترطت الإدارة الأميركية على السلطات المؤقتة في سوريا حتى يتم التعديل في سياساتها تجاهها اتخاذ خطوات تشمل نبذ الإرهاب واستبعاد المقاتلين الأجانب من أي أدوار رسمية، ومنع إيران ووكلائها من استغلال الأراضي السورية، إضافة إلى تدمير الأسلحة الكيماوية التي يملكها الأسد.
مؤشرات صادمة للاقتصاد السوري
عانى الاقتصاد السوري خلال فترة الحرب في البلاد التي امتدت من العام 2011 وحتى 2019 قبل الهدوء النسبي المؤقت خلال السنوات الخمس الأخيرة، ووصلت الخسائر الاقتصادية للبلاد من الحرب إلى نحو 442 مليار دولار بحسب بيانات “الأمم المتحدة”.
وتراجع النشاط الاقتصادي بالبلاد بنحو 1.2 بالمئة خلال 2023 على أساس سنوي، لا سيما في المناطق الواقعة إلى الحدود الغربية، مع ضعف النشاط التجاري بصفة خاصة.

وبعد 14 عاماً من النزاع، بات يعاني 9 من كل 10 سوريين من الفقر، وربع السكّان هم اليوم عاطلون عن العمل، والناتج المحلي الإجمالي السوري هو اليوم أقل من نصف ما كان عليه في 2011، وفقاً لتقديرات أممية.
تشير تقارير إلى حاجة الاقتصاد السوري إلى نحو 10 سنوات من أجل العودة إلى مستويات 2011، وذلك بعد أن فقد نحو 85 بالمئة من قيمته خلال 12 عاماً ليصل إلى تسع مليارات دولار في 2023 مقابل 67.5 مليار دولار في 2011، وفقاً للبنك الدولي.
بيئة أمنية مستقرة
لا يمكن الحديث عن إنعاش الاقتصاد دون معالجة الملف الأمني، حيث يوضح القاضي أن وزير الداخلية الجديد يواجه مهمة شاقة في بسط الأمن والاستقرار، وهو شرط أساسي لجذب الاستثمارات وعودة رأس المال السوري المهاجر.
وقال: “لا استثمارات عربية أو دولية دون بيئة أمنية مستقرة، ولهذا فإن نجاح الحكومة في إعادة الثقة مرتبط بقدرتها على تحقيق الأمن”.

واقترح القاضي سنّ قوانين جديدة تُسهّل دخول المستثمرين، من خلال نموذج “النافذة الواحدة”، بحيث يتمكن المستثمر من إتمام معاملاته في جهة واحدة، مما يخفف من البيروقراطية ويحفّز رؤوس الأموال العربية والدولية على الدخول إلى السوق السورية.
ووفق تقديرات أممية، فإن سوريا بحاجة إلى ما لا يقل عن 36 مليار دولار من الاستثمارات الاقتصادية خلال السنوات العشر القادمة، وهو ما يتطلب زيادة الإنتاجية بنسبة 4 بالمئة سنويًا، وهو تحدٍّ كبير.
وقف تدهور الليرة السورية
تعاني الليرة السورية من تدهور متواصل، لكن القاضي يرى أن استقرارها ليس مستحيلًا، مشيرًا إلى أن السوق السوداء شهدت حالة نادرة حيث كان سعر الصرف فيها أقل من السعر الرسمي للبنك المركزي بعد ثلاثة أشهر من الثورة، وهو أمر لم يحدث في تاريخ سوريا.
ورأى أن الحل يكمن في ضخ استثمارات حقيقية في الاقتصاد، قائلًا: “لا يمكن معرفة القيمة العادلة لليرة السورية دون ضخ 10 إلى 20 مليار دولار على الأقل في السوق، فالتوازن بين العرض والطلب هو المعيار الحقيقي لقيمة العملة، وليس المضاربات العشوائية”.
كما اقترح إصدار فئات نقدية جديدة، مثل ورقة 5000 ليرة، للحد من المضاربات ومنع عمليات غسيل الأموال.

كان احتياطي النقد الأجنبي قبل اندلاع الحرب في مصرف سوريا المركزي وصل إلى نحو 18.5 مليار دولار في العام 2010، بحسب بيانات الاحتياطي الفدرالي في سانت لويس.
وعانت العملة السورية طويلاً من الانهيارات المتتالية، فخلال الحرب شهدت انهياراً حاداً، لتصل إلى أكثر من 22.000 ليرة مقابل الدولار في فجر يوم سقوط بشار الأسد بالثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024.
ووصل سعر الصرف 12.000 لليرة الواحد مقابل الدولار، بحسب النشرة التي حددها مؤخرًا مصرف سوريا المركزي.
فرص إعادة الإعمار وجذب المستثمرين
يشير القاضي إلى أن الرقم المقدر لإعادة الإعمار، البالغ 900 مليار دولار، ليس أكثر من رقم تحفيزي، موضحًا أن الحكومة لا تحتاج إلى توفير كل هذا المبلغ دفعة واحدة، بل يمكنها الاعتماد على المستثمرين العقاريين العرب والغربيين عبر نظام BOT (البناء والتشغيل وإعادة الملكية)، حيث يقوم المطورون ببناء المشاريع وتشغيلها لفترة معينة، قبل أن تعود ملكيتها للدولة دون أن تتحمل الحكومة أعباء مالية ضخمة.
وأكد أن هذا النموذج يتطلب تنسيقًا وثيقًا بين وزارة الاقتصاد ووزارة الأشغال العامة، بالإضافة إلى استغلال شبكة العلاقات التي يتمتع بها وزير السياحة الجديد مع دول الخليج، خصوصًا المملكة العربية السعودية، لعقد شراكات استثمارية مجدية.

كما تحدّث القاضي عن المستثمرين السوريين في الخارج، مؤكدًا أن لديهم رغبة قوية في العودة والاستثمار، لكنهم بحاجة إلى ضمانات واضحة، موضحًا أن “حكومة تسيير الأعمال” السابقة لم تكن قادرة على تقديم مثل هذه الضمانات، ولكن الآن هناك فرصة حقيقية لاتخاذ قرارات جريئة تسهّل دخول المستثمرين وتحمي مصالحهم.
وأضاف: “عقدنا لقاءً مع أكثر من 100 رجل أعمال سوري داخل دمشق، وكان هناك اهتمام واسع بالاستثمار، ولكن التحدي يكمن في توفير بيئة قانونية وأمنية مستقرة”.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة
الأكثر قراءة

وسط ترقب لانفراجة من واشنطن.. “المركزي السوري” يخفض سعر الدولار مقابل الليرة

وسط اتهام للمقاتلين الأجانب.. الأمن العام يفتح تحقيقا في مقتل أربعة أشخاص باللاذقية

هل تنجح قرارات المركزي الأخيرة في إعادة بناء الثقة بالقطاع المصرفي السوري؟

هل تنتعش جيوب السوريين بعد رفع العقوبات الأميركية.. خبير يوضح

هل تبيع الحكومة الجديدة القطاع العام السوري كاملًا؟.. مستشار وزير الاقتصاد يجيب

نجوم سوريا يتفاعلون مع رفع العقوبات.. فرح وشكر من كل الأطراف!
المزيد من مقالات حول اقتصاد

قرار وزير الاقتصاد السوري: اعتداء على القانون أم تنشيط للتجارة؟

ارتفاع الإيجارات وندرة المنازل… أزمة متصاعدة في دمشق وسط غياب الحلول

ما قصة الاتفاق الاستثماري الأخير الذي قد يؤخر رفع العقوبات عن سوريا؟

“انتهى شهر العسل”.. هل ينقذ رفع العقوبات سوريا من الانهيار؟

الأسواق العالمية على صفيح ساخن.. تقلبات في أسعار الذهب والعملات المشفرة والدولار

رجل أعمال سوري يصل دمشق لبناء “برج ترامب” بتكلفة 200 مليون دولار

“الكهرباء” تثير الجدل بقرار جديد وتلغي حساباتها المصرفية.. ما السبب؟
