قالت أربعة مصادر مطلعة إن وزير المالية ووزير الخارجية ومحافظ البنك المركزي السوري يخططون لحضور الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والتي ستعقد في واشنطن في وقت لاحق من الشهر الجاري.
وبحسب وكالة “رويترز” للأنباء ستكون هذه أول زيارة يقوم بها وفد حكومي سوري رفيع المستوى إلى الاجتماعات منذ عقدين على الأقل، وأول زيارة رفيعة المستوى للسلطات السورية الجديدة إلى الولايات المتحدة منذ الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
غموض بشأن تأشيرة الوفد السوري
تكتسب هذه الزيارة أهمية سياسية واقتصادية بالغة، إذ تُعتبر بمثابة اختبار دبلوماسي مهم للحكومة الانتقالية الجديدة برئاسة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، وفرصة لترسيخ حضور سوريا في المحافل الدولية بعد سنوات من العُزلة.
كما تعكس الزيارة، تحوّلًا نوعيًا في مسار العلاقة بين دمشق والمؤسسات الدولية، وتفتح الباب أمام نقاشات محتملة حول مسارات دعم إعادة الإعمار، وتخفيف القيود المالية، والتعاون في ملفات الإصلاح الاقتصادي ضمن بيئة ما بعد الحرب.

وقال مصدران لـ”رويترز”، إن حالة من الغموض تحيط حصول وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير المالية محمد يسر برنية ومحافظ البنك المركزي عبد القادر حصرية على تأشيرات دخول الولايات المتحدة الأميركية حتى الآن.
ولم يستجب المتحدثون باسم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووزارة الخارجية السورية والرئاسة السورية على الفور لطلبات التعليق.
فيما قال مصدران آخران إن اجتماعا رفيع المستوى يركز على جهود إعادة الإعمار في سوريا قد يعقد على هامش اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
محاولات إعادة بناء العلاقات
دمرت الحرب المستمرة منذ ما يقرب من 14 عامًا في سوريا والتي اندلعت بسبب حملة قمع مميتة للاحتجاجات ضد بشار الأسد، مما أدى إلى تدمير معظم البنية التحتية للبلاد.
وقد سعت الحكومة السورية الجديدة التي تولت السلطة بعد الإطاحة بالأسد ويتشكل غالبيتها من منتمين إلى “هيئة تحرير الشام” المُدرجة على قوائم الإرهاب، إلى إعادة بناء علاقات سوريا في المنطقة وخارجها، والحصول على الدعم لجهود إعادة الإعمار.
العقوبات الأميركية الصارمة التي فُرضت خلال حكم الأسد لا تزال سارية، وعلى الرغم من منح الولايات المتحدة الأميركية سوريا في كانون الثاني/ يناير الماضي، إعفاءً لمدة ستة أشهر لبعض العقوبات لتشجيع المساعدات الإنسانية، إلا أن هذا الإعفاء لم يكن ذا أثر يُذكر.
أفادت رويترز في شباط/ فبراير أن جهود جلب تمويل أجنبي لدفع رواتب القطاع العام قد تعرقلت بسبب عدم اليقين بشأن ما إذا كان هذا الإعفاء سيُشكل انتهاكًا للعقوبات الأميركية.
في الشهر الماضي، قدمت الولايات المتحدة لسوريا قائمة من الشروط التي يتعين عليها الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات، لكن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم تتفاعل كثيرا مع الحكام الجدد للبلاد.
موقف أميركي مُتشدد
يعود ذلك جزئيًا إلى اختلاف وجهات النظر في واشنطن حول كيفية التعامل مع سوريا، وقد حرص بعض مسؤولي البيت الأبيض على اتخاذ موقف أكثر تشددًا، مشيرين إلى الروابط السابقة للقيادة السورية الجديدة بـ”تنظيم القاعدة” كسببٍ لتقليص التفاعل إلى الحد الأدنى، وفقًا لدبلوماسيين ومصادر أميركية.
وتأتي الزيارة بعد أيام فقط من قيام الولايات المتحدة بتخفيض الوضع القانوني لبعثة النظام السوري في نيويورك، وتحويل تأشيرات دبلوماسييها من الفئة G1 (المخصصة لحكومات معترف بها) إلى G3 (الخاصة بحكومات لا تعترف بها واشنطن)، وهو ما وصفته الخارجية الأميركية بأنه “إجراء إداري يعكس السياسة الحالية لعدم الاعتراف بالنظام السابق”.

في المقابل، أكدت وزارة الخارجية السورية الجديدة أن هذا الإجراء “لا يمس شرعية الحكومة الانتقالية”، واعتبرته ضمن مراجعة شاملة لأوضاع البعثات السورية حول العالم.
ورغم أن الأمم المتحدة شددت على أن عضوية سوريا باقية كما هي، إلا أن القرار الأميركي أكد أن واشنطن لم تعترف بعد بالحكومة السورية الجديدة، وفي الوقت نفسه لم تعد تعترف بالبعثة التي عينها نظام الأسد سابقًا، والتي ما تزال تُمثل سوريا شكليًا في الأمم المتحدة، رغم سقوط النظام الذي عينها.
وترى دوائر سياسية أن السماح لوفد رسمي سوري بدخول واشنطن والمشاركة في اجتماعات رسمية، إلى جانب لقاءات مرتقبة مع نواب في الكونغرس، بينهم جو ويلسون المعروف بدعمه للانتقال السياسي والذي يطالب بالاعتراف بحكومة الشرع وبرفع العقوبات عن سوريا، وهو ما يمثل خطوة غير مباشرة نحو فتح قنوات التواصل مع دمشق الجديدة.
فرصة.. ولكن!!
على الرغم من أن الطابع الرسمي للزيارة اقتصادي، إلا أن المراقبون يتوقعون طرح ملفات أوسع مع سياسيين أميركيين ودوليين من بينها رفع العقوبات أو تخفيفها، والمساعدة في إعادة الإعمار، وربما التطرق لملفات أخرى منها التواجد الروسي في سوريا والتعامل مع إيران وميليشياتها في المنطقة.
وتوقعت مصادر أن تسعى الحكومة السورية إلى طمأنة المؤسسات الدولية بشأن توجهاتها السياسية، وأن تعرض رؤية متكاملة لـ “بناء الدولة بعد الأسد”.
في ظل غياب الاعتراف الرسمي الأميركي بسوريا الجديدة حتى الآن، تتزايد التساؤلات حول موقفها من التعامل مع سوريا على أساس واقع جديد، خاصة مع التطورات المتسارعة، وما إذا كانت العلاقات بصدد التبلور دبلوماسيًا خلال الفترة المقبلة.
تعليقًا على أنباء الزيارة وحضور وفدًا سوريًا اجتماعات صندوق النقد، أكد المستشار الاقتصادي، أسامة القاضي، أنها تعد فرصة كبيرة إن أحسن استغلالها ولقاء مسؤولين أميركيين وشرح القضية السورية الاقتصادية، وهو ما سيعكس مهنية الوفد السوري وإمكاناته بإقناع أطراف العالم في دعم رفع الحظر عن “المصرف المركزي” وعودة سوريا إلى منظومة سويفت العالمية.
إشكالية إصدار تأشيرة الدخول إلى واشنطن
المستشار الاقتصادي، أوضح أن الاجتماعات ستعقد في واشنطن بالحادي والعشرين من الشهر الجاري، أي بعد أسبوع، وهو ما يتطلب الإسراع في دعم استصدار تأشيرة دخول لكل من وزير المالية ووزير الخارجية ومحافظ البنك المركزي السوري، مشيرًا إلى أن هناك إشكالية تتعلق بإصدار تأشيرة دخول لوزير الخارجية أسعد الشيباني وإزالته من قوائم العقوبات الأميركية والسماح له بدخولها.
ورجح أن تدعم الدول الصديقة لسوريا في كل من المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر وباقي الدول العربية والأوروبية تسهيل عملية إصدار تأشيرة الدخول للشيباني، على اعتبار أنه لقاء على مستوى الحكومات.
ورأى أن هناك عقبة كبرى تتمثل في إقناع الولايات المتحدة الأميركية بأهمية تلك الزيارة لضرورة رفع الحظر من أجل فتح الباب أمام الاستثمارات العربية والدولية في سوريا.

وأشار إلى جدول اجتماعات صندوق النقد هذا العام ستتضمن اجتماعًا يهدف إلى بحث عملية إعادة الإعمار والبناء في سوريا ولبنان، لكن لم يعول عليه نظرًا لمدته القصيرة، بينما يعول على اللقاءات الجانبية خاصة لقاءات “المصرف المركزي” مع المصارف العالمية والضغط على دولها من أجل مساعدة سوريا على إقناع الولايات المتحدة لإزالة العقوبات عنها.
ورأى أن الاجتماع مع حكام المصارف المركزية الأوروبية فرصة لإقناعهم بدخول سوريا ولو بصورة مؤقتة إلى منظومة “سيبا” SEBA وهي منظومة أوروبية تضم 40 دولة، موضحًا أن بدخول سوريا تلك المنظومة التي تشبه كثيرًا منظومة سويفت ستكون التحويلات المالية باليورو، لحين سماح واشنطن بعودة دمشق إلى منظومة سويفت حتى تتمكن من إعادة إعمار البلاد.
وأضاف، أن الاجتماعات فرصة أيضًا للقاء أعضاء مجموعة “بريكس” من دول الهند والصين وروسيا وجنوب إفريقيا والبرازيل، وتقريب وجهات النظر معها لدعم مستقبل الإعمار في سوريا.
- مؤتمر “وحدة الموقف والصف” الكردي يعلن بيانه الختامي.. تفاصيل
- في ظل غياب العدالة الانتقالية.. استمرار أعمال التصفية والانتقام في سوريا
- مروان الحلبي.. طبيب الخصوبة الذي ارتقى لسُدة التعليم العالي
- رد دمشق على واشنطن تناول 5 مطالب… تفاصيل الرسالة السورية حول شروط رفع العقوبات
- تديّن أم موضة؟.. هجوم حاد من سارة نخلة على حجاب حلا شيحة “الموسمي”
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة
الأكثر قراءة

واشنطن تتسلّم رد دمشق على متطلبات تخفيف العقوبات.. تفاصيل

هل تحمل زيارة وزير الخارجية الأردني لدمشق رسائل بعد حلّ “اللواء الثامن” بدرعا؟

مسؤول أميركي: لا ثقة بدمشق حتى الآن وهذه أولوياتنا في سوريا

مرهف أبو قصرة: من حقول حلفايا لوزارة الدفاع السورية.. رحلة مثيرة للجدل!

محمد البشير: من حكومتي الإنقاذ وتصريف الأعمال إلى وزارة الطاقة.. السيرة الكاملة

مباحثات أوروبية حول إمكانية تخفيف العقوبات عن سوريا
المزيد من مقالات حول اقتصاد

السعودية وقطر تتكفلان بسداد ديون سوريا لدى “البنك الدولي”.. ما دلالات تلك الخطوة؟

احتجاز شاحنتين أردنيتين في السويداء: هل تتأثر حركة النقل بين البلدين؟

خبير يحل اللغز.. لماذا ترتفع أسعار المواد المحلية السورية أمام المستوردة؟

الوزير العائد: هل ينجح يعرب بدر في ترميم شرايين النقل السوري؟

سرّ تزايد الطلب على الدولار.. هل تتراجع الليرة السورية؟

صندوق النقد الدولي يعين رئيسا لبعثته إلى سوريا.. ماذا تعني هذه الخطوة؟

سخط كبير رغم تسهيلات “التجاري السوري” لسداد القروض.. بماذا طالب السوريين؟
