تحاول حكومة دمشق تبرئة ساحتها من المسؤولية عما جرى من التعذيب المستمر في الأفرع الأمنية وجرائم القتل تحت التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان، فيعلن الأسد عن قانون تجريم التعذيب في سوريا متجاهلا كل التقارير الحقوقية والدولية التي أشارت إلى جرائم التعذيب المرتكبة في سوريا خلال السنوات الماضية.

وجاء إصدار هذا القانون، في نهاية آذار/مارس الفائت، بعد مقتل ما لا يقل عن 14 ألفا و360 مواطنا سوريا تحت التعذيب في السجون التابعة لقوات الحكومة السورية، بحسب شبكات حقوقية.

قانون فعلي أم رسالة سياسية؟

ينص القانون على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان الحق في تقديم الشكاوى أو الإبلاغ عن التعذيب، وتوفير الحماية لمقدّم الشكوى، أو الإبلاغ عن الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، والحفاظ على السريّة، وحماية الشهود والخبراء وأفراد أُسرهم.

ويمكن للناظر إلى القانون ومواده أن يرى فيها قانونا حقيقيا سيتم بموجبه وقف التعذيب، خاصة في مراكز الاعتقال الحكومية، الرسمية وغير الرسمية، لكن في حقيقة الأمر فإن الهدف من القانون توجيه رسائل سياسية تثبت أن دمشق تسعى لتغيير سلوكها، ومستعدة للانخراط أكثر في سبيل العودة إلى المجتمع الدولي.

ويرى الصخفي، عقيل حسين،خلال حديثه لموقع “الحل نت”، أن خطوة دمشق بتجريم التعذيب الهدف منها إلى جانب تحسين صورة الحكومة، فهي استجابة لنصائح دول أخرى، هو السعي لسحب ورقة محاكمة بعض المجرمين من الضباط والمسؤولين السوريين المتهمين بالتعذيب من المجتمع الدولي.

وأضاف عقيل، أن دمشق تريد القول أن لا حاجة لانشاء محاكم خاصة بسوريا وإنه يمكن محاكمة المتهمين في سوريا وفق القانون المحلي، ما يتيح له الانتقائية في اختيار من يمكن التضحية بهم من رجالاته أولا، وثانيا وهو الأهم وضع كل القادة والمسؤولين العسكريين في المعارضة تحت طائلة الملاحقة بتهم ارتكاب جرائم من هذا النوع أيضا.

من جهته، يرى المحامي حسان الأسود، الأمين العام للمجلس السوري للتغير، في حديثه لـ”الحل نت”، أن حكومة دمشق لم تدخروسيلة لتشدد بها قبضتها على الشعب السوري، ولهذا فإنها تستخدم الدولة ومؤسساتها وبناها الفوقية المتمثلة بالقوانين والتشريعات لاستكمال إرهاب السوريين ونضييق الخناق عليهم.

وأضاف الأسود، يأتي إصدار البرلمان السوري لقانون تجريم التعذيب من باب الاستخفاف بالقيم الإنسانية وبمعاناة السوريات والسوريين، وهو محاولة يائسة لذر الرماد في العيون، وكأن العالم غافل عن جرائمه الممنهجة والمرتكبة بأوامر مباشرة من رأس الدولة وبمعرفة تامة منه.

قد يهمك:الطبيب السوري علاء موسى يواجه السجن المؤبد في ألمانيا

ضعف في ملف الانتهاكات وليس هناك ثقة بالأسد

انتقدت منظمة “العفو الدولية” قانون تجريم التعذيب في سوريا معتبرة أنه يرمي إلى تلميع عقود من انتهاكات حقوق الإنسان، وقالت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة، لين معلوف، في بيان الجمعة 1 من نيسان/أبريل الحالي، “بينما نرحب بأي خطوات تشريعية نحو الامتثال لاتفاقيات مناهضة التعذيب المعترف بها دوليا، فإن القانون الجديد يرمي فعليا إلى تلميع عقود من ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان بموافقة الدولة”.

ولكن يرى حسان الأسود، أن التعاطي الدولي مع ملف حقوق الإنسان في سوريا، وجرائم التعذيب على وجه الخصوص لم يرق للمستوى المطلوب الذي يمكننا القول من خلاله بوجود إرادة حقيقية باحترام كرامة الإنسان وبرفع الظلم عنه، لقد انتهى شهر المحاسبة الذي أعلنته الخارجية الأمريكية عبر سفارتها في سورية، ومع ذلك لم يكن هناك أية نتائج ملموسة ولا أية تحركات حقيقية.

ولكن وعلى الرغم من ذلك فإن المجتمع الدولي لا يثق بالأسد في مجال مكافحة التعذيب واحترام حقوق الإنسان، فالمجتمع الدولي في تفاعله مع هذا التطور أكد مجددا على عدم مصداقية ما قامت به دمشق وقد تجلى ذلك في التمديد للجنة التحقيق الخاصة بسوريا في مجلس حقوق الانسان الدولي الذي عقد آخر جلساته مؤخرا، وأصدر موقفا شديد اللهجة تجاه الحكومة السورية، وبالتالي فإن للقانون الصادر مؤخرا في سوريا حول جرائم التعذيب أي قيمة ولن يحظى بأي اعتبار جدي من قبل أي طرف، حسب عقيل حسين.

وختم الأسود، بقوله، بالنسبة للأسد فإنه على استعداد للتخلي عن كل شيء مقابل البقاء في سدة الحكم، فقد دمر سوريا من أجل البقاء حاكما لها، ولكن ذلك لن ينفعه، ولن ينجيه من الملاحقات الجنائية، فالأدلّة والوثائق التي جمعها السوريون العاملون في مراكز ومنظمات التوثيق على مدار السنوات الأحد عشر الماضية كفيلة بإيصاله حبل المشنقة.

ربما يعمل الأسد وفق نصائح مقربين منها محليا وإقليميا، إلى تغيير سلوكه وهو ما ركز عليه المجتمع الدولي مؤخرا، بدلا من مطالبه حكومته بالرحيل ومحاسبتها على الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري.

إقرأ:أنور رسلان.. محكمة ألمانية تقضي بسجن ضابط سوري مدى الحياة

وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش، أصدرت تقريرا يوم الجمعة الفائت يسخر من قانون تجريم التعذيب الذي أصدرته الحكومة السورية، ومضيفة أنه من الصعب تحديد أهداف دمشق من إصدار القانون، مشيرة إلى أن من الممكن أن تكون الدوافع لإصدار القانون مرتبطة بمحاولة بعض الدول محاكمة دمشق إلى جانب المحاكمات الأوروبية لبعض الأشخاص الضالعين بالتعذيب في السجون السورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.