في ظل ارتفاع احتمالية ظهور “فيتو” روسي في مجلس الأمن لمنع تمديد القرار الأممي ذي الصلة، بعد حوالي ثلاثة أشهر من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا وغرق موسكو شيئا فشيئا في المستنقع الذي أوقعت نفسها فيه. يتخوف العاملون في المنظمات المدنية السورية من عدم تمديد قرار “الأمم المتحدة” حول إدخال المساعدات عبر الحدود إلى الشمال السوري.

حيث صرح المبعوث الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، بأن بلاده ترى أنه “حان الوقت لإيقاف آلية إيصال المساعدات عبر الحدود دون موافقة الحكومة السورية”. وتأتي هذه التصريحات في مستهل محادثات صيغة “أستانة 18” في العاصمة الكازاخية اليوم الأربعاء.

إدخال المساعدات عبر دمشق؟

مع قرب انعقاد جلسة مجلس الأمن المقرر عقدها في تموز/يوليو المقبل، من أجل التصويت على قرار تمديد عبور المساعدات الإنسانية إلى شمال سوريا، قال لافرنتييف، “لم نرصد حتى الآن أن الغرب بصدد تخفيف عقوباته، فعلا تم إنشاء هذه الآلية كإجراء مؤقت، وأغلب الظن أنه حان الوقت لإيصال كل المساعدات التي يقدمها المجتمع الدولي بالطريقة المشروعة عبر معابر دمشق”، بحسب ما نقلته وكالة “سبوتنيك” الروسية.

وأردف في حديثه، “لم ينفذ الغرب جميع الالتزامات التي وعد بها قبل عام بشأن تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار، ولذلك فإننا سنبحث، مسألة إلغاء آلية المساعدات عبر الحدود”، منوّها إلى أن وضع آليات جديدة أمر ممكن أيضا.

وسبق أن أعربت سفيرة الولايات المتحدة الدائمة لدى الأمم المتحدة، ليندا غرينفيلد، في 2 من حزيران/يونيو الجاري، عن أملها ألا تعارض روسيا تمديد آلية إدخال المساعدات عبر الحدود إلى سوريا.

وفي وقت سابق، قال نائب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، ديمتري بولانسكي، إنه لا يرى أي داع للاستمرار في تسليم المساعدات الإنسانية من تركيا إلى شمال غرب سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة السورية، متهما الغرب والأمم المتحدة بعدم بذل جهد كاف لتقديم المساعدة عن طريق دمشق والفشل في تمويل “مشاريع إعادة الإعمار المبكرة” لتحسين حياة ملايين السوريين.

وذكر بولانسكي خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، مؤخرا، أن مؤيدي تقديم المساعدات عبر الحدود “لا يظهرون أي رغبة” في إيصال المساعدات عبر خطوط النزاع من خلال دمشق، والتي يمكن ترتيبها بسهولة، “وهو ما لا يترك لنا أي سبب للحفاظ على الآلية القائمة عبر الحدود”.

وحول ما إذا كانت روسيا ستعرقل دخول المساعدات عبر معبر “باب الهوى”، وحصر هذا الملف بيدها، خاصة بعد المتغيرات السياسية بسبب حربها على جارتها الغربية أوكرانيا، قال بسام الأحمد، المدير التنفيذي لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، “بالطبع إذا لم يتم التوصل إلى صفقة بين روسيا والغرب وبين الأمريكيين بالتحديد، بخصوص هذا الأمر، فإن روسيا ستستخدم حق النقض وبالتالي تمنع تجديد قرار المساعدات الدولية لشمال سوريا”.

وأضاف الحقوقي في حديث سابق لموقع “الحل نت”، “إذا حصر (المجتمع الدولي) روسيا في الزاوية بسبب هذه القضية، فستذهب على الأرجح إلى خيار المنع الكامل”.

وبحسب تقدير الحقوقي فإن “المشكلة الأساسية هي أن تاريخ التجديد أتى بفترة بات فيها الروس والغرب بحرب مفتوحة (الحرب الأوكرانية)”.

وعن مدى احتمالية أو فرص النجاح في تجاوز هذا الإجراء إذا تم تنفيذه فعليا، يقول الحقوقي بسام الأحمد، “صحيح أن الحرب في أوكرانيا والقتال يتم بين الروس والأوكرانيين، لكن العديد من الدول، بما في ذلك سوريا غالبا، سيدفعون ثمن هذه الحرب والضخ الذي يتم فيها، سواء في سياق قرار المساعدات العابرة للحدود السورية أو غيره”.

قد يهمك: هل يخرج ملف المساعدات الإنسانية في سوريا عن المساومات الروسية؟

70 بالمئة لا يحصلون على الغذاء

من جانبها، طالبت “لجنة الإنقاذ الدولية” بتمديد قرار تفويض دخول المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر “باب الهوى” في إدلب.

وضمن سياق البدائل الممكنة وطرق التخلص من التحكم والسيطرة الروسية في ظل استمرار مساومات وابتزاز روسيا ضمن هذا الملف، يعتقد الصحفي السوري عقيل حسين، أنه و في حال أصرت روسيا على موقفها هذه المرة، فإنها قد تعرض على تركيا غض الطرف عن عمل المعابر الثانوية أو غير الرسمية التي تستخدم حاليا بين تركيا وبين مناطق المعارضة في الشمال، وفق تعبيره في وقت سابق لموقع “الحل نت”.

لكن هذا لا يعني أن أمريكا لن يكون لديها أوراق ضغط أخرى يمكن أن تهدد بها أو أن تستخدمها أيضا، “ببساطة يمكن أن يتعطل دخول المساعدات إلى كل سوريا بما في ذلك مناطق سيطرة دمشق في حال لم يتم التوافق بمجلس الأمن على تمديد قرار عمل آلية دخول المساعدات المعمول بها حاليا، وهذا ما لا تريده روسيا بالطبع، وعليه فأنا أرجح أن يتم الوصول لاتفاق جديد بهذا الشأن خاصة وأن موسكو بدأت تعمل على إنهاء الحرب تدريجيا في أوكرانيا وهي ستسعى لعدم استفزاز الغرب أكثر”، وفق حسين.

وقالت المديرة القطرية لـ”الجنة الإنقاذ الدولية” في سوريا، تانيا إيفانز، في بيان صادر في 9 من حزيران/يونيو الجاري، “في جميع أنحاء البلاد، يواجه السوريون خطر الجوع الذي يلوح في الأفق بالشمال الغربي، المنطقة الأكثر اعتمادا على دعم الأمم المتحدة عبر الحدود، بالفعل أكثر من 70 بالمئة من السكان لا يحصلون على الغذاء الكافي”.

يبدو أن مسألة حصول موسكو على التنازلات التي تريدها مقابل تمديد آلية المساعدات الإنسانية ليس بالأمر المتوفر وسهل المنال. فالغرب وعلى رأسهم واشنطن لديهم وسائل كثيرة لتجنب رغبات موسكو وابتزازها، أو حصرها في زاوية أضيق وبالتالي التغلب عليها بطرق قد تكون أفضل من إغلاق آخر المعابر الحدودية الخارجة عن سيطرة حكومة دمشق، خاصة وأن موسكو ودمشق لديهما سجل حافل في سرقة وتحويل المساعدات، سواء من خلال توزيعها حصريا في المناطق الواقعة تحت سيطرة دمشق، أو التلاعب بسعر صرف المساعدات، فضلا عن الفساد، و توظيف عمال الإغاثة والمشتريات من الإدارات الخاصة بها، وفق مراقبين.

قد يهمك: روسيا تعرقل إدخال المساعدات إلى سوريا بسبب أزمتها في أوكرانيا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.