صراع على السلطة هو الوصف الوحيد لدى المحللين لتصاعد الخلافات والاشتباكات الأمنية العنيفة في شمال غرب سوريا، بين فصائل “الجيش الوطني” المدعومة من أنقرة، و”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا) التي دخلت الصراع لمساندة بعض الكتائب الإسلامية المنضوية مؤخرا تحت لواء “الجيش الوطني”، حيث تشهد هذه المناطق حاليا اشتباكات عنيفة.

الاشتباكات التي وقعت خلال الأيام السابقة، تبدو فقط بداية لصراع دموي ومتسلسل في تلك المناطق، والذي لا يعطي أي أملا للمدنيين هناك، لا سيما وأن الاقتتال ليس بعيدا عن مساكنهم المؤقتة.

ما أصل القصة؟

على تخوم بلدتي “نبل والزهراء” التي تسيطر عليهما الميليشيات الإيرانية، اندلعت اشتباكات قيل أنه تم التجييش لها منذ شهر، داخل أروقة “تحرير الشام”، ضد بعض فصائل “الجيش الوطني” المعارض، خاصة “جيش الإسلام” و”الهيئة الشامية” في “الفيلق الثالث”.

بداية شرارة الخلاف، انطلقت في شهر نيسان/أبريل الفائت، بين “الجبهة الشامية” أحد أبرز مكونات “الفيلق الثالث” و”أحرار الشام- القاطع الشرقي”، إذ حدثت مواجهات عسكرية أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى من الطرفين، في منطقة عولان القريبة من مدينة الباب شرقي حلب.

وفي 26 أيار/مايو الماضي، تداولت وسائل التواصل الاجتماعي، أنباء عن حشود عسكرية لـ “هيئة تحرير الشام” على أطراف عفرين، لمساندة “أحرار الشام”، في حين أرسل “الجيش الوطني” تعزيزات ضخمة إلى مدينة عفرين، تحسبا لأي هجمات قد تتعرض لها المنطقة.

في غضون ذلك، أصدر “الفيلق الثالث” بيان متهما فيه حسن صوفان -القائد الفعلي لحركة أحرار الشام – بتحريض بعض مكونات “الفرقة 32” التابعة للفيلق الثالث، على الانشقاق عن الفيلق والعودة إلى صفوف الحركة.

وما أجج الخلاف، هو  إصدار “اللجنة الوطنية للإصلاح” -لجنة شكلتها تركيا لفض خلافات الفصائل- بيانا ادعت فيه أنها حكمت بالخلاف بين الطرفين، جاء فيه أن مقار ونقاط رباط “الفرقة 32” التابعة للفيلق الثالث تبقى تحت سيطرة قيادة الفيلق باستثناء عدة مقار ونقاط تبقى مع المجموعات المغادرة.

تحريض على القتال

في صبيحة أمس السبت، وبعد إصدار “الفيلق الثالث” بيانا يؤكد فيه تنفيذ ما حكمت فيه “لجنة الإصلاح”، هاجم عناصر الفيلق، مقار “أحرار الشام القطاع الشرقي” في ريف مدينة الباب، سيطر عناصر الفيلق على مقار للأخيرة، واعتقلوا منهم نحو أربعين عنصرا.

وأكدت حسابات تابعة للفيلق، أنه استولى على مقار “منشقي الفرقة 32” التي كانت تابعة له، في قرى الواش، دوير الهوى، قعر كلبين، اشدود، برعان، باروزة، تل بطال، وعبلة بريف الباب.

لكن هذه الوسائل أغفلت إصابة العديد من المدنيين بينهم نساء وأطفال جراء الاشتباكات، والتي أسفرت أيضا عن مقتل 10 عناصر على الأقل من كلا الطرفين، من بينهم القيادي في “الجبهة الشامية” المنضمة لـ “الفيلق الثالث” في الاشتباكات، ويدعى أبو جعفر الحمصي.

التحريض على تنفيذ قرارات اللجنة ولو بالقوة، كان أحد بنود بيان الذي أصدره “المجلس الإسلامي السوري” – الذي يتخذ من تركيا مقارا له – أمس السبت، حيث طالب جميع أطراف القتال إلى الالتزام بقرارات “لجنة الإصلاح”، مشيرا إلى أن “عدم قبول البعض بقرارات اللجنة أدّى إلى ما حصل”.

من جانبها، طالبت “الحكومة المؤقتة” -الجناح السياسي للجيش الوطني ومقرها تركيا- في بيان اليوم الأحد، “الجيش الوطني” بحماية مناطقه، ورفع جاهزيته لصد ما أسماه محاولة “البغي”.

كيف وصلت “تحرير الشام” إلى عفرين؟

تعد الفرقة التي انشقت عن “الفيلق الثالث”، من أبرز مكونات حركة “أحرار الشام” سابقا والتي اندمجت في “الجيش الوطني” بعد حلها من قبل “تحرير الشام” في تشرين الأول/أكتوبر 2020، حيث انقسمت الحركة إلى قسمين الأول مع حسن صوفان الذي يؤيد “تحرير الشام”، والآخر انخرطت في “الجيش الوطني” بقيادة جابر علي باشا.

في تصريح خاص لـ”الحل نت”، ذكر مصدر عسكري في “الجيش الوطني”، أن صوفان استطاع استمالة “الفرقة 32” – المجموعة التي يعود أصلها لأحرار الشام وانضمت للفيلق الثالث – وتعدادهم قرابة 1500 عنصر، حيث “بايع” عناصر الفرقة “تحرير الشام” من أجل مساندتهم في القتال.

هذا الانضمام غير المعلن، مهد لدخول أرتال عسكرية لـ”هيئة تحرير الشام”، ليل السبت – الأحد، إلى منطقة عفرين، حيث باتت على بعد أقل من 5 كم من مدينة عفرين، وجاء دخول الهيئة بعد ساعات من سيطرتها على معبر الغزاوية/ دارة عزة، الفاصل بينها وبين “الجبهة الوطنية للتحرير” التي انسحبت منه، غربي حلب.

وبحسب ما نقله مصدر في المنطقة لـ”الحل نت”، فإن الهيئة تقدمت عبر محورين، الأول قاطع الباسوطة التي تسيطر عليها فرقة “الحمزة” (الحمزات)، ووصلوا إلى قرية قرزيحل جنوب عفرين، وحاليا تدور اشتباكات على مدخل القرية.

أما المحور الآخر، فهو من جهة دير بلوط، إذ دخلت “الهيئة” لمنطقة جنديرس الخاضعة أساسا لـ “أحرار الشام”، وقطعوا الطرق باتجاه قرية كفرصفرة، وبذلك تكون الهيئة قد أحكمت سيطرتها فعليا على ربع مساحة عفرين من الجهة الجنوبية الشرقية، الأمر الذي فرض على “الوطني” وقف الاشتباكات، والوصول إلى اتفاق أولي مع “الهيئة”، يقضي باستعادة “أحرار الشام” مقراتها ومواقعها التي سيطر عليها “الفيلق الثالث”.

الجدير ذكره، أن مناطق نفوذ المعارضة السورية المدعومة من أنقرة تشهد فوضى أمنية واغتيالات متكررة لأعضاء وقادة في “الجيش الوطني”، ما يؤدي دائما إلى سقوط قتلى من العسكريين والمدنيين.

وعليه، فإن هذا الوضع الفصائلي يثير قلق المدنيين في تلك المناطق من اتساع فجوة الفوضى الأمنية بشكل كبير، وعجز هذه الفصائل على ضبط هذا الفلتان الأمني أو تأمين أي بيئة آمنة ومستقرة في تلك المناطق بشمال سوريا، وسط استمرار الاشتباكات العسكرية بين هذه الفصائل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.