عقد كامل من القطيعة والتوتر بين حركة “حماس” الفلسطينية وبشار الأسد، قد ينتهي ليحل محله عقد جديد يؤسس لمرحلة مختلفة عما كانت عليه بعد عام 2011، رغم أن الأمر يبقى رهن التطورات بين الجانبين والتأكيد الرسمي من قبل “حماس” وكذلك تبيان موقف دمشق.

وكالة “رويترز” البريطانية، أمس الثلاثاء، كشفت في تقرير لها، أن الحركة قررت استئناف العلاقات مجددا مع دمشق.

الوكالة نقلت عن مسؤول في الحركة، أن الجانبين عقدا “اجتماعات رفيعة المستوى لتحقيق هذا الهدف”، في وقت لم تنفِ “حماس” ذلك بشكل رسمي، ولا الحكومة السورية أيضا.

القرار الأخير لـ”حماس” أشار إلى منعطف غير متوقع لدى الحركة، وهي التي كانت ترفض عودة علاقاتها مع دمشق وتنفي احتمالية حدوث ذلك خلال الثلاث سنوات الماضية، بعد انتشار أكثر من شائعة تفيد بحدوث هذا التقارب.

عودة العلاقات إذا ما تمت بشكل رسمي، فهي قد تكون بدفع إيراني، خاصة وأن طهران تعتبر الداعم الأكبر لـ”حماس”، فضلا عن أن كثير من المراقبين يعتبرون الحركة الفلسطينية ذراعا لإيران في فلسطين، على غرار “حزب الله” في لبنان.

مؤشرات جديدة

“حماس” كانت قد وقفت في صف الحراك الشعبي في سوريا، ما أدى إلى ضرورة ترك مقارهم في دمشق التي دعمتهم بشكل كبير خلال السنوات التي سبقت الحراك.

ولعل التصريح الأخير للناطق الإعلامي في “حماس”، حازم قاسم، يؤشر إلى رؤية الحركة الفلسطينية تجاه علاقتها مع دمشق، فعلى ما يبدو أن “حماس” كانت تخبئ نواياها في تفعيل علاقاتها مع الحكومة السورية.

قاسم أدان مؤخرا القصف الإسرائيلي على “مطار دمشق” الدولي، وقال: “إننا ندين ونستنكر العدوان الصهيوني المتكرر على الأراضي السورية، واستهداف البنى التحتية والمطارات المدنية”. وأضاف أن “الهجمات المتكررة على سوريا تأكيد على منطق الإرهاب والبلطجة الصهيونية ضد المنطقة، وإصرارها على انتهاك كل القوانين الدولية”.

وفي وقت سابق، أعرب عضو المكتب السياسي في حركة “حماس”، موسى أبو مرزوق في حديث مع وكالة “سبوتنيك” الروسية، عن أمله بأن تجري روسيا تغييرات تسمح فعلا باستئناف العلاقات مع حكومة دمشق.

وقال أبو مرزوق حول إمكانية تطبيع العلاقات مع دمشق: “نأمل ذلك، هذا الملف معقد، لكن نأمل أن تكون هناك الكثير من التغيرات التي تسمح فعلا باستئناف علاقاتنا مع دمشق”، مشيرا إلى أن “الأساس في مثل هذه الأمور هو علاقتنا مع شعبنا الفلسطيني الموجود في سوريا، وما سوى ذلك من العلاقات هي على الأجندة، ونأمل أن تكون هناك تغيرات إيجابية في المستقبل”.

بحسب الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، عماد أبو الروس، فإن “حماس” دفعت ثمنا كبيرا عند خروجها من سوريا بعد عام 2011، حين أرادت النأي بنفسها من التدخل بالشأن الداخلي السوري.

العلاقات ما بين الأطراف، تحكمها المصالح، وعليه فإن حركة “حماس” في مسألة إعادة العلاقات مع دمشق، تسير على أساس المصلحة، وفق أبو الروس.

علاقة طهران وموسكو

يربط أبو الروس في حديثه مع “الحل نت”، بشأن مصلحة “حماس” من التقارب مع دمشق، بعلاقة الحركة الفلسطينية القوية مع طهران وموسكو، اللتين لديهما السلطة والقوة في سوريا.

أبو الروس يؤكد، أن “الحركة تستطيع تحقيق ما تريد من مصالحها عبر إيران وروسيا”، ولا يستبعد بذات الوقت، أن تطلب طهران أو موسكو من “حماس” اتخاذ خطوات لإعادة علاقتها بالأسد.

ويلفت المحلل السياسي الفلسطيني، إلى أن مسألة إعادة العلاقات مع دمشق، طرحت سابقا على طاولة “حماس”، وجرت مناقشات جدية عبر طهران و”حزب الله” اللبناني بشأن ذلك.

ويستبعد أبو الروس، عودة العلاقات بين “حماس” ودمشق على المدى القصير كما كانت قبل عام 2011، ويقول إن العلاقة ستحكمها اعتبارات مصالحية لا أكثر، وليست تحالفية.

العلاقة بين حركة “حماس” الفلسطينية ودمشق، بدأت بزمن حافظ الأسد، عندما تبنى الأخير الحركة وفتح لها الأبواب والمقرات في سوريا، أواخر التسعينيات.

ازدهرت العلاقة في زمن بشار الأسد، لكنها وبعد عقد من الازدهار، تخبطت وتوترت وانتهت، عندما اندلع الحراك الشعبي، وأبت “حماس” دعم بشار.

في 2012، انسحبت “حماس” من دمشق وانتقلت إلى قطر، وقالت إنها كـ “حركة مقاومة” لا تقف مع الأنظمة ضد الشعوب، لتشن دمشق حربا إعلامية ضد الحركة الفلسطينية.

بعد سنوات من الاتهامات والتخوين من قبل حكومة دمشق تجاه “حماس” والعكس أيضا، بدأت تتلاشى لهجة التوتر مؤخرا، فالحركة صارت تتغزل بدمشق مؤخرا بطرق غير مباشرة.

من المعروف أن “حماس” حليفة إيران، والأخيرة علاقتها عميقة بدمشق، فهل ترتبط محاولات إعادة العلاقة بين “حماس” والأسد بطلب أو وساطة إيرانية مثلا؟ ولماذا الآن تحديدا؟

عودة اضطرارية

أبو الروس يعتقد، أن حراك “حماس” تجاه دمشق، يأتي في إطار حل بعض المعضلات، أبرزها ملف الفلسطينيين في سوريا، الذي فشلت السلطة الفلسطينية في التعامل معه، على حد قوله.

ويردف أن الحركة الفلسطينية، تعتبر نفسها ممثلة لشريحة واسعة من الفلسطينيين، والمطلوب منها طرق الأبواب حتى مع الحكومة السورية، لإيجاد حل لمشاكل مثل المعتقلين الفلسطينيين في سوريا، وما يجري في “مخيم اليرموك”.

أبو الروس يختتم بالإشارة لنقطة يصفها بـ “غاية الأهمية”، وهي أن “حماس” قد تجد نفسها مضطرة لإعادة العلاقات مع دمشق، والخروج من تركيا بعد المتغيرات الأخيرة والتطبيع التركي الإسرائيلي، وسط ندرة في العلاقات الدولية والعربية، لتعود إلى سوريا، كمركز كان لها ثقلها فيه سابقا.

بداية علاقة “حماس” والأسد

تعود العلاقة بين “حماس” ودمشق إلى مطلع التسعينيات، وكانت أول زيارة أجرتها الحركة إلى دمشق في كانون الثاني/ يناير 1992، عبر وفد من الحركة قاده رئيس مكتبها السياسي آنذاك، موسى أبو مرزوق.

الزيارة الأهم، كانت لمؤسس حركة “حماس”، الشيخ أحمد ياسين، الذي وصل إلى دمشق في أيار/ مايو 1998، وحظي باستقبال رسمي في مطارها، والتقى بالرئيس السوري وقتئذ، حافظ الأسد.

الأسد الأب، أعطى الضوء الأخضر للحركة الفلسطينية بعد ذلك اللقاء للعمل في دمشق، وأكد حينها أنه أمر بفتح كل المجالات أمام “حماس” في سوريا، والترحيب بها كحركة مقاومة ضد إسرائيل.

منذ لقاء مؤسس الحركة الراحل أحمد ياسين وحافظ الأسد، سارت العلاقة بين “حماس” ودمشق على أساس المنفعة المتبادلة، حتى تأزمت بعد عام 2011.

كانت “حماس” تستفيد من دمشق بفتح مقرات لها في سوريا، ما حقق لها استقرارا سياسيا نسبيا، إضافة إلى الدعم العسكري، بينما رسّخ رسخ الأسد عبر دعمه “حماس”، تبنيه للمشروع المسمى وفق ادعاء حلفاء إيران “ حلف المقاومة والممانعة”، وقدم نفسه مدافعا عن القضية الفلسطينية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.